“الحراك الجنوبي” لم ينضمّ بعدُ إلى الحوار الوطني في اليمن
لم تُفلح حتى الآن محاولات اللجنة الوطنية للإعداد والتحضير للحوار الوطني في اليمن الذي سيضم مختلف الأطراف السياسية اليمنية في إقناع فصائل الحراك الجنوبي بالقبول بالإنخراط في الحوار بسبب غياب أجواء الثقة وضمانات النجاح وهيمنة القوى التقليدية على مسار الثورة اليمنية.
وفي الآونة الأخيرة بُذلت تحركات سياسية واتخذت خطوات اجرائية لجر فصائل الحراك الجنوبية للمشاركة في الحوار الوطني. فقد أصدر الرئيس اليمني عبدربه هادي وبناء على توصية اللجنة الفنية للحوار قرارا بتوسعة عضويتها لتضم ممثلين عن فصائل الحراك الجنوبي، بيد أن قيادات فيها سارعت إلى رفض المشاركة واعتبرت أخرى أن من عُـيّـنـوا ليسوا من مُكوّنات الحراك.
وقد توج موقف الرافضين بانعقاد “المؤتمر الجنوبي الأول للحراك” في أواخر شهر سبتمبر الماضي تمخض عنه إعلان رفض المشاركة في الحوار الوطني المرتقب ما لم يكن على قاعدة المناصفة بين الشمال والجنوب وبين دولتين والقبول بحق بتقرير المصير الذي تطالب به مختلف مكونات الحراك على الرغم من انقساماتها إلى تيار حسن باعوم، وتيار يقوده نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، والتيار المطالب بالفدرالية بقيادة الرئيس الجنوبي السابق على ناصر ورئيس أول حكومة لدولة الوحدة المهندس أبوبكر العطاس.
وبغض النظر عن الإختلافات القائمة بين مكوناتهم، يلحظ المتابع لما يصدر عنهم جميعاً أنهم متفقون على أن لا يخوضوا في أي حوار ما لم يفضي إلى الإعتراف بحق تقرير المصير لشعب الجنوب، ما وضع اللجنة الفنية المكلفة بالإعداد للتحضير للحوار الوطني أمام عقبة مشاركة الحراك الجنوبي الذي يتجه مع مرور الوقت على قيام الثورة الشبابية الشعبية في البلاد إلى المزيد من “التشدد المطلبي” بالرغم من إقرار مجموعة من المبادئ والشروط التمهيدية للدخول في الحوار تضمنت الإعتذار للجنوب والجنوبيين ورد حقوقهم ورفع مظالمهم.
ورغم اتخاذ اللجنة قرارات جريئة من أجل جر فصائل الحراك إلى طاولة الحوار منها إقرار تشكيل اللجنة التوجيهية “التسيرية لأعمال الحوار” بالمناصفة (50% للشمال و50 % للجنوب) في الأسبوع الجاري على أن تشمل هيئة رئاسة اللجان التسع ممثلين جنوبيين، إلا أن ذلك لم يغري الجنوبيين حتى الآن بالقبول بالدخول في الحوار.
استعادة الثقة عبر “خطوات عملية”
في رد على سؤال لـ “swissinfo.ch” حول رأيه على تلك الخطوات وما إذا كانت ستدفع بالجنوبيين إلى طاولة الحوار، أجاب الأستاذ علي سيف حسن، القيادي الجنوبي والرئيس التنفيذي لمنتدى التنمية السياسية: “الحقيقة أنها محاولات صادقة ومخلصة، لكنها لن تكون مفيدة وجاذبة لمشاركتهم ما لم تتزامن معها خطوات عملية على أرض الواقع تهيئ النفوس وتعيد أجواء الثقة للجنوبيين بالتعاطي مع مطالبهم” وأولها بحسب علي سيف حسن “البدء بتنفيذ النقاط العشرين التي وضعتها اللجنة والتي تضمنت الاعتذار للجنوب والجنوبيين ورد حقوقهم ورفع مظالمهم”.
وكانت توقعات المراقبين تذهب إلى أن الثورة الشبابية بما حملته من مبادئ وأهداف وإزاحتها للرئيس علي عبدالله صالح وأركان نظامه ستغير في مواقف الداعين لانفصال الجنوب، خاصة أن الثورة في بدايتها الأولى وحّدت اليمنيين على إسقاط النظام وتراجع مطلب فك الارتباط، إلا أن الدكتور علي الصبيحي، الناشط في الحراك الجنوبي والعضو البرلماني السابق أوضح لـ “swissinfo.ch” أن “مطلب فك الإرتباط واستعادة دولة الجنوب لم ينحسر لأنه نتيجة طبيعية لتراكم سياسات مُمنهجة للنظام في الشمال ضد الجنوب ومحصّلة لتراكم نضاله الطويل والشاق من أجل حقوقه وكرامته واستعادة حريته”، وأشار الصبيحي إلى أن قوى الحراك الجنوبية نظرت إلى كل ما حصل خلال الأشهر الأولى للإحتجاجات الشعبية على أنه “ارتداد طبيعي لانتفاضة الجنوبيين وستتبنى مطالبهم التي وُوجهت بالقمع والقتل والإعتقال من قبل نظام صالح من جهة وبفتور شعبي شمالي من جهة أخرى خلّف حسرة ومرارة في نفوس الجنوبيين”.
وفي تلك الأجواء “المُلبدة بالقهر والظلم” كما يقول الصبيحي، تفجرت الثورة الشبابية ووجد فيها الجنوبيون ثمرة لانتفاضتهم التي بدأت بحراك العام 2007 وتوقعوا أنها ستعمل على دعم مطالبهم فتريثوا حتى تتضح الصورة لديهم، وفهم ذلك التريث على أنه انخراط في الثورة، لكن بعد أن بدأت الصورة تتضح لهم وفرص الحصول على مطالبهم تتراجع وتحديدا منذ التوقيع المبادرة الخليجية التي تجاهلت القضية الجنوبية وهمشت الشباب مقابل عودة هيمنة القوى التقليدية، تراجع رهانهم على أن تنصف الثورة قضيتهم وراهنوا على الوفاء لها بكل مكوناتهم واتجاهاتهم.
في انتظار المصداقية والضمانات..
وعلى غرار ما ذهب إليه النائب البرلماني السابق، كان الإتجاه العام يرى أن الثوار الذين رفعوا مطالب التغيير والعدالة والمساواة ووضع حد للظلم وإقامة الدولة المدنية لا يمكن أن يكونوا ضد مطالب الحراك الجنوبي ولا يمكن أن يضعوا سقفاً لتلك المطالب ولا أن يفرضوا شروطاً على مشاركتهم في الحوار الوطني لأنهم إذا فعلوا ذلك سيضعون أنفسهم في موقف حرج وعلى نقيض المبادئ خرجوا للإنتصار لها، لكن تلك التوقعات لم تصمد أمام رؤية صعود الكثير من رموز القوى التقليدية إلى واجهة الثورة ورفضهم الإعتذار للجنوب أو التعاطي بإيجابية مع مطالبه.
هذه الهواجس تأكدت بوضوح بعد ما جاء على لسان شيخ قبيلة حاشد صادق الأحمر في كلمة له أمام “مؤتمر تحالف قبائل اليمن” الذي دعا إليه حوالي 600 من زعماء القبائل من تهديدات ضد الحوثيين والجنوبيين عندما قال: “… عليهم نبذ العنف وترك السلاح والإانخراط في الحوار حتى لا يُضطر الشعب لمواجهتهم بنفس منطقهم الدامي”. وقد استفز ذلك التصريح مشاعر الجنوبيين وعزز قناعاتهم بأن هناك قوى تقليدية ترفض الإعتراف بمطالبهم (منها ما هو محسوب على قوى الثورة، ومنها ما هو محسوب على صالح ونظامه) وجميعهم يعملون على إفشال الحوار والتحكم في مُخرجاته، وسيشكلون عقبة أمام مقترح المناصفة في التمثيل بين الشماليين والجنوبيين في لجنة التوجيه وفق ما أقرته اللجنة الفنية للحوار .
الخلاصة أن تعقيدات الحوار ليست فقط القبول به فقط، إنما أيضاً في مدى توافر المصداقية للدخول إليه وتأمين الضمانات للقبول بمُخرجاته، لأن القوى التقليدية القبيلة المُهيمنة على مصادر القوة سواء في جبهة الثورة أو ضمن القوى الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح قد تنقلب على نتائج الحوار الوطني في أي لحظة، خاصة إذا ما جاءت نتائجه متعارضة مع حساباتها.
ما يرجح تلك الفرضية ليس فقط تجارب الماضي كما حصل قبيل حرب 1994 عندما رفض الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ومعه الرئيس صالح وزعماء قبائل ورجال دين تنفيذ “وثيقة العهد والإتفاق” بعد التوقيع عليها مباشرة، بل الوضع الحالي أيضا الذي يُشبه ما كان عليه الحال آنذاك من انقسام للجيش بين الموالين لصالح والموالين لنائبه علي سالم البيض. فالمؤسسة العسكرية منقسمة اليوم أيضا بين صالح وأنصاره وأقاربه من جهة، واللواء علي محسن الأحمر وأنصاره من جهة أخرى، مما سيجعل الجنوبيين غير مطمئنين لخوض حوار في ظل اختلال موازن القوى العسكرية ومترددين في الإنضمام إلى طاولة لا تتوافر فيها شروط الأمان.
دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كل الاطراف في البلاد الى المشاركة في الحوار الوطني، على ما نقلت يوم السبت 13 أكتوبر 2012 وكالة الانباء اليمنية الرسمية (سبا)، في حين اعلن متمردو الجنوب نيتهم مقاطعة هذه المحادثات.
وقال هادي في خطاب القاه لمناسبة الذكرى التاسعة والاربعين للثورة ضد الإحتلال البريطاني “نريد له (الحوار الوطني) ان يضع أسس بناء اليمن الجديد من خلال مشاركة الجميع ودون أن نستثني احدا من اليمنيين في الداخل او الخارج”.
وأشار هادي الى ان المحادثات التي من المقرر ان تبدأ أواسط شهر نوفمبر المقبل ستتناول خصوصا “شكل النظام السياسي للبلد وبحث القضية الجنوبية وايجاد حل وطني حقيقي وعادل لها”.
ويتناول الحوار ايضا مسألة مدينة صعدة شمال البلاد وهي معقل الزيديين المتمردين منذ العام 2004 ضد النظام المركزي في صنعاء. وأكد الزيديون انهم سيشاركون في الحوار.
الا ان الحراك الجنوبي الذي يطالب باستقلال جنوب اليمن اعلن في الثالث من أكتوبر مقاطعته للحوار.
واقترح كبديل عن الحوار اقامة منتدى باشراف دولي لاعادة دولة اليمن الجنوبي، البلد المستقل حتى العام 1990.
ويشكل الحوار الوطني أحد بنود اتفاقية الانتقال السياسي في اليمن التي سمحت بتنحي الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي ارغم على ترك السلطة في فبراير 2012 تحت ضغط الشارع.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 13 أكتوبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.