الدور السعودي.. حاجة عراقية!؟
مع استمرار التهديدات وتلاحق الاستعدادات الأمريكية لشنّ هجوم ضد العراق، تجد المملكة العربية السعودية نفسها من جديد أمام خيارات صعبة
لكن الرياض تبدو مضطـرّة في نهاية المطاف إلى التخلّـي عن موقف الترقّـب والانتظار والتعاون بشكل أو بآخر مع الولايات المتحدة
بينما ينشغل البعيدون في التخطيط لمستقبل العراق، فإن القريبين يجدون أنفسهم في مواجهة اختيارات أحلاها مر، وخاصة المملكة العربية السعودية التي تتمنى قيادتها وشعبها أن يستيقظوا صبيحة يوم من الأيام، ليجدوا أن شيئا ما حصل في بغداد بفعل الله أو أحد من عباده، يُخلّـص المنطقة من الرئيس صدام حسين.
فهذا الرجل الذي يتغير العالم كله من حوله، يبقى حيث تركته قوات التحالف الدولي في ذلك الصباح البارد من ربيع عام 1991، عندما أُعطيَ الضوء الأخضر، لقمع انتفاضة شعبية اندلعت في جنوب العراق كان يمكن لها أن تُقـوّض نظامه بالكامل لو تلقّـت شيئا قليلا من الدعم.
لكن ذلك كان سيؤدي ربّـما إلى تقسيم العراق أو الى إقامة دولة شيعية في جنوبه! كان ذلك اختيارا شديد المرارة، وكان من الضروري اعتماد اختيار مضادّ من قبل التحالف الذي نجح في طرد القوات العراقية من الكويت. فاعتبر الجميع حينها أن ما تحقّـق يمثّـل انتصارا كافيا.. وبقية القصة التي استمرت لعشر سنوات أخرى.. معروفة للجميع. الآن وقد حانت ساعة إنهاء ما لم يُنجز بالكامل في حرب تحرير الكويت، تجد المملكة نفسها مرة أخرى أمام اختيار صعب جديد. فهي تتمنى إسقاط النظام ولكنها لا تريد أن يتم ذلك على يد الأمريكيين، الأمر الذي سيعطيهم مساحة نفوذ أوسع في المنطقة.
فهو نفس النفوذ الذي جعل دولة صغيرة ظلّـت لفترة طويلة داخل “الإطار السعودي”، تتمرّد وتتحول مصدر إزعاج مزمن بـ “جزيرتها الفضائية” و “سياستها الخارجية” غير المنسجمة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، و “قواعدها العسكرية” المفتوحة بوجه القوات الأمريكية طولا وعرضا، مما يزيد ذراعهم الطويلة طولا ويعزز قدرتهم الجيدة على المناورة والضغط على الآخرين لتصبح أكثر فعالية. وإذا كانت “دولة قطر الأمريكية” مزعجة، فكيف “بعراق أمريكي” هائل بقدراته أو إمكانياته النفطية والبشرية غير منسجم مع إخوانه؟؟
خيارات صعبة
وفيما يمكن القول أنه توجد لدى السعودية اختيارات متعددة، فإنه ليس من بينها منع العملية الأمريكية القادمة على العراق. فالبدائل المتاحة من قاعدة “العديد القطرية” المطورة والموسعة، إلى القواعد الكويتية ومنها شمالا إلى مساحة شبه “دولة” في كردستان العراق تتوفر حاليا على مطارات ومنشآت أفضل مما كان موجودا في قاعدة بغرام الأفغانية عشية الحرب الأمريكية على طالبان والقاعدة قبل عدة اشهر، مدعومة جميعها بقواعد خلفية في تركيا.
لذلك، يمكن للعملية الأمريكية أن تبدأ بمشاركة المملكة أو بدونها. لكن الاستقلالية التي تعتدّ بها الرياض ورفض رأيها العام القوي لمشاركة الأمريكيين في حملتهم القادمة، يجعل اختيارات المملكة صعبة، خصوصا وأنها لا تريد أن تبقى بعيدا عن “غرفة رسم مستقبل العراق” التي دخلها الجميع، بعضهم علانية وبعضهم سرا، فيما وكّـل آخرون من ينوبهم فيها.
قبل أسبوع من الآن، كان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في طهران يُعلن مع مضيفه الإيراني كمال خرازي أن بلديهما يرفضان “أي حملة أمريكية ضد أي بلد عربي أو إسلامي”، فيما كان الإيرانيون يعطون – في الوقت نفسه – الضوء الأخضر لحلفائهم من العراقيين الشيعة للمُضيّ قُـدُما بالتعاون مع الأمريكيين وحضور اجتماعات تُـعقد في واشنطن مع أهم فصائل المعارضة لتنسيق “الحملة الأمريكية ضد العراق، البلد العربي والمسلم”.
هذا لا يعني بالضرورة وجود تعارض بين البلدين، أو أن إيران تُـظهر غير ما تُـبطن، لكن المسألة تتعلّـق بموقف مبدئي أعلن البلدان التزامهما به في ظل وجود واقع سياسي على الأرض يتعامل معه الطرفان. ومن المؤكد أن البلدين كانا مدركين أثناء اجتماعهما أن قرار ضرب العراق ونظامه لن يُتّـخذ لا في الرياض ولا في طهران، وبالتالي لا مفرّ من أن ينسق الجاران الكبيران مواقفهما حيال مستقبل العراق.
فسيفساء معقّـدة
ومن الواضح منذ فترة أن الولايات المتحدة لا تريد دورا لإيران في العملية القادمة، بل تتمنى لو أنها تبتعد قليلا كي تُـتـمّ “مهمتها” بسلام. لكن الواقع السياسي الحقيقي على الأرض جعل احتمال استبعاد الدور الإيراني غير ممكن. وبالتالي، وُجّـهت دعوة صريحة إلى آية الله محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، لحضور اجتماعات واشنطن التي عقدت قبل أيام، حيث نوقشت فيها، مع الفصائل الرئيسية الأخرى في المعارضة العراقية، عدة أفكار حول إسقاط النظام والنوايا المعلنة لمستقبل العراق.
إن دعوة الحكيم ليست تقـرّبا أمريكيا من إيران وحلفائها من شيعة العراق، وإنما اعتراف بدور المجلس الذي يمتلك أهم قوة عسكرية عراقية منظمة معارضة (يزعم بعض المراقبين أنها أهم من قوات الفصائل الكردية). ومن الممكن لو دخل خمسون آلف مقاتل مثلا من رجاله إلى شمال العراق، أن يُشكّـلوا مع الفصائل الكردية وعدد قليل من العرب السنة “تحالف الشمال” العراقي الذي سيزحف على بغداد، بعد قصف أمريكي مُـركّـز على مفاصل القوة العسكرية للنظام، مُـكرّرين بذلك سيناريو سقوط كابول وطالبان، وهو سيناريو الذي سيّـجنّـب القوات البرية الأمريكية كابوس الاضطرار إلى اقتحام المدن والقتال في شوارع بغداد وأزقّـة تكريت.
وفيما لا تريد أمريكا دورا إيرانيا، فإنها لا تمانع – بل لن أكون مجازفا لو قلت – إنها تتمنى دورا سعوديا مباشرا. وهو دور تتمناه بالتأكيد الأقلية السنية من أكراد وعرب وتركمان في العراق لضمان وجود توازن بين طوائف وأعراق هذا البلد الكبير والمعقّـد. وهنا، يبدو أن “العرب العراقيين” الذين يقفون اليوم فُـرادى بدون حلفاء، قلقون جدا مما تُخبّـئ لهم الأيام والأشهر القادمة.
إن الحرب القادمة لن تُـقـدّم للعالم على أنها اعتداء وغزو، بل إنها ستُسـوّقُ على أنها حرب “تحرير وإنقاذ من أجل بناء عراق ديموقراطي حـرّ ينعم أهله بالرخاء والاستقرار”. وسوف تعمل الآلة الإعلامية الأمريكية الجبّـارة على نشر هذه الرسالة يساعدها في ذلك عدد كبير من العراقيين، كما لن يكون مستبعدا أن نُشاهد على شاشات التلفزيون صُـوّر عراقيين وهم يخرجون في الشوارع للتّـرحيب بالقوات الأمريكية..!
وعلى العرب الغاضبين من الأمريكيين أن يُجهّـزوا أنفسهم لرؤية هذه الصور والمشاهد، فالنظام العراقي – وبعد عقود من الحكم الدكتاتوري الجائر – لم يترك خيارا لشعبه، سوى التعلّـق بـ “الأمل الأمريكي”.
نعم.. للسعودية دور!
في هذه الأثناء، لاشـكّ في أن القيادة السعودية تُـقـلّـب النظر في اختياراتها. وقد يكون أقلها ضررا أو سوءا، تعاون الرياض غير العلني مع الأمريكيين من خلال الاقتصار على تقديم خدمات لوجيستية محدودة مثلما فعلت في الحرب ضد طالبان، بعد حصولها على ضمانات دفاعية أمريكية.
فالحرب القادمة لن تدور أطوارها على حدود ولاية التكساس، وإنما على الحدود السعودية وعلى مسافة قريبة من حقولها النفطية الغنية. وفيما لا يكاد يوجد أدنى شـكّ لدى السعوديين حول حقيقة ما يكنّـه الرئيس العراقي من مشاعر للسعودية (التي كان دورها حاسما في عدم تحوّل دولة الكويت الى المحافظة التاسعة عشرة)، لا تُعرف على وجه الدقّـة حقيقة ترسانة الرئيس العراقي من الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل، متطورة كانت أو متخلفة. ومهما كان حجمها، فهي قد تكون كافية لإلحاق ضرر جسيم بالاقتصاد السعودي، الذي لازال يعاني من تبعات تسديد فواتير الحرب السابقة.
والأغلب على الظن، أن الحكومة السعودية، وفور انجلاء الغبار في بغداد، ستدعم النظام القادم هناك، كما أنها قد تصبح الداعم الرئيسي لضمان حصول السُنّـة العراقيين العرب (المتّـهمين حاليا من بقية الفرقاء العراقيين بأنهم رجال صدام وهو ما يُفنّـده المعارضون منهم بالتذكير بأنهم عانوا من الرئيس العراقي قدر ما عانى الآخرون) على حقوقهم.
مرة أخرى، تحتاج المملكة العربية السعودية الى ممارسة سياسة واقعية. فهي تتمنى لو يمكن حل قضية العراق عن طريق العراقيين أنفسهم وبدون تدخل خارجي، لكنها – وبحكم براغماتية السياسة وضروراتها – سوف تتعامل مع الواقع القائم والمستجدّ مهما كان صعبا. وبالتالي، فسوف يكون لها “دور ما” في عملية “تحرير العراق والعراقيين” القادمة، وهو دور يبدو أن العراقيين يحتاجون إليه أكثر من.. الأمريكيين.
مع تصميم الولايات المتحدة على إسقاط النظام العراقي، تواجه المملكة العربية السعودية خيارات صعبة. فعلى الرغم من الرفض الرسمي والشعبي في المملكة للخطط الأمريكية ضد بغداد، إلا أن الواقعية السياسية قد تدفع الرياض إلى المشاركة بشكل أو بآخر في خطط واشنطن. ويبدو أن وضع العرب السنّـة الحرج دافع إضافي لدور سعودي محتمل في بلورة مستقبل العراق.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.