“الربيع العربي سيتمدّد عاجـلاً أم آجـلاً إلى منطقة الخليج”
هل سيبقى الربيع العربي، الذي يمتّـد قَـوْسه الآن من تونس في شمال إفريقيا إلى سوريا في غرب آسيا، مجرد "شتاء" في منطقة الخليج العربي؟
للوهلة الأولى يبدو الأمر مستحيلاً، لسببين: الأول، أن أي دولة أو منطقة في القرن الحادي والعشرين المُـتعَـوْلم، لا تستطيع أن تعيش في وضع “سرّي” أو عُـزلة عما يدور في إقليمها وبقية أنحاء الكرة الأرضية. وهذا يصحّ على وجه الخصوص، في قضايا سيادة القانون والشفافية والحَـوْكمة الرشيدة، التي تُـعتبر الآن كلها، الركائز الرئيسية للنظام العالمي الحالي المستند إلى ثورتَـي العولمة الإقتصادية وتكنولوجيا المعلومات.
والثاني، وربما الأهَـم، أن أحداث الربيع العربي طيلة الشهور الستة الماضية، دلَّـت بشكل قاطع، على أن ثمة قراراً استراتيجياً دولياً (أمريكياً – أوروبياً أساسا) على أعلى المستويات، يقضي بوقف التحالف التاريخي بين الغرب الديمقراطي وبين الشرق الاستبدادي، ومِـن ثَمَ، تسهيل إطلاق عملية دَمقْـرطة تُـمهِّـد في وقت لاحق إلى قيام نظام إقليمي اقتصادي – أمني جديد في الشرق الأوسط. هذا ما كان الأمريكيون يطلقون عليه منذ عام 2001 مشروع الشرق الأوسط الكبير، والأوروبيون المبادرة المتوسطية، وهذا ما دعا إليه قبل نحو الأسبوع وزير خارجية “العثمانية الجديدة” داوود أوغلو.
عيِّنات خليجية
الربيع إذن، لن يكون فصلاً معزولاً أو قصراً على دولة شرق أوسطية دون غيرها، وبالتالي، فهو سيتمدّد، عاجلاً أم آجلاً، إلى منطقة الخليج العربي، لا بل هذا التمدّد بدأ بالفعل.
فتقرير لجنة العفو الدولية (Amnesty International) الذي صدر قبل أيام قليلة، كشف النِّـقاب ليس فقط عن ممارسة أساليب القمع ومصادرة الحريات في المملكة العربية السعودية، بل أيضاً عن وجود آلاف المعتَـقَـلين في السجون السعودية. وعلى رغم أن بعض هؤلاء المعتقلين متَّـهمون بالانتماء إلى تنظيم القاعدة، إلا أن هذا لا ينفي وجود أعداد كبيرة من “سجناء الضمير”، الذين حاولوا منذ شهر فبراير الماضي طرح قضية الإصلاح الديمقراطي في هذه المملكة، التي يُـعتبر النظام السُّـلطوي فيها الأكثر “سرِّية” في العالم.
ويشير تقرير لجنة العفو إلى أن آلاف المعتقلين هؤلاء سُـجِـنوا من دون محاكمة أو أوقفوا أمام القاضي وهُـم معْـصومو العينيْـن وموثوقو الأيدي. كما أشار إلى أن نحو 300 شخص، أساساً من المسلمين الشيعة، الذين اشتركوا في مظاهرات سِـلمية تطالب بالديمقراطية في الأشهر القليلة الماضية، اعتقلوا وسُـحِـبت منهم جوازات سفرهم.
وذكر التقرير أن “عمليات القمع التي تُـمارسها الحكومة العربية السعودية ضدّ المطالبين بالديمقراطية، مثيرة للقلق، وهي تُـشبِـه الممارسات التي طُـبِّـقت على المتهمين بالقيام بأعمال إرهابية، وكل هذا بهدف منع تمدّد المطالبات بالديمقراطية التي تكتسِـح المنطقة إلى السعودية”.
حملة القمع السعودية هذه بدأت في شهر مارس 2011، أي مباشرة بعد ثورتيْ تونس ومصر، وهي استهدفت في آن المحتجِّـين على خرق حقوق الإنسان والمطالبين بالمَـلَـكية الدستورية والنساء الداعيات إلى منحهِـن حق قيادة السيارات والأهالي المحتجِّـين على سوء الخدمات الصحية والاجتماعية، خاصة في جدّة، وأولئك المطالبين بإطلاق سراح ذَوِيهم من المعتَـقَـلين.
واستكمالاً لهذه الحملة، تنوي السلطات السعودية فرض قانون جديد مناوئ للإرهاب، بهدف استخدامه لإسكات أصوات الاحتجاج في المملكة، وِفق ما جاء في تقرير لجنة العفو، التي تمكَّـنت من الحصول على نسخة من مسودة هذا القانون، سربَّته إليها مجموعة سعودية منشقَّـة في أواخر شهر يونيو الماضي. وهذا القانون، يَـعتَـبِـر عملاً إرهابياً، نشاطات “مثل الإساءة إلى سُـمعة الدولة أو موقِـفها” أو “يشكِّـك في صِـدقية الملِـك أو ولي العهد”. وعقوبة مثل هذا “الجُـرم”، عشر سنوات سجناً كحدٍّ أدنى.
هل ستنجح هذه الإجراءات في تحصين مملكة السعوديين من رياح الربيع العربي؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك فلنُـتابع رحلتنا في منطقة الخليج.
بقية دول المنطقة
الكويت، التي تتمتّـع بديمقراطية نِـسبية منذ استقلالها في حِـقبة الستينيات، كانت المرشّح الأول، وحتى قبل مقدم الربيع العربي بعقود عدة، للتحوّل إلى مَـلَـكية دستورية، وهو توقُّـع وصل إلى ذِروته عام 1992 بعد خروج القوات العراقية من البلاد، حين ظن الكثيرون أن الأسْـرة الحاكمة ستكافئ شعبها الذي تمسّـك بها خلال الأزمة الطاحنة التي مرّت لها بتطوير النظام السياسي.
بيْـد أن هذه التوقّعات ذهبت هباءً منثورا. فالأسرة استأنفت “العمل كالمعتاد” وواصلت الإمساك بكل مفاصل السلطة واللّعب على وتَـر التناقُـضات بين القوى السياسية المتبايِـنة في البلاد.
وطيلة الأشهر القليلة الماضية، لم تشهد الكويت موجة احتجاجات شبيهة بتلك التي اكتسحت المنطقة العربية. بيْـد أن قيام محتجِّـين باقتحام مبنى البرلمان في أواخر نوفمبر الماضي، أضفى على الكويت قدراً كبيراً ومفاجِـئاً من ملامح الربيع العربي.
هذا الحدث الجلل أطلَـق دعوات الإصلاح من عِـقالها. فطالَـب جمعان الحربش، وهو عضو إسلامي في مجلس الأمن الكويتي، بإنهاء حظر الأحزاب السياسية، مشدِّداً على أن “الدستور الحالي لم يعُـد يستوعِـب الحِـراك في الشارع الكويتي”، وعلى أنه “يجب أن يكون هناك تنظيم للأحزاب السياسية، حتى تصبح الكويت ديمقراطية تبني دولة مؤسسات، وليس دولة مشْـيَـخة وعشيرة وقبيلة”.
وعلى رغم أن مسلم البراك، وهو عضو بارز في مجلس الأمة، حرص على نأْيِ المعارضة الكويتية عن معارضات الربيع العربي، إلا أنه قال: “أتصوَّر أن مجلس الأمة هذا مُـلوَّث ويجب أن يرحَـل. يجب أن نرجع إلى الأمة مصدَر السلطات”.
الهدوء الآن عاد إلى الكويت، لكنه قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة، إذا ما تلقت المعارضة الكويتية المطالبة بالمَـلَـكية الدستورية دعماً ما من دول خليجية رئيسية، قد تشهد هي الأخرى حركات ربيعية ومطلبية.
في البحرين، التي انضمّـت بقوة إلى الربيع العربي منذ بداياته وقدّمت العديد من الضحايا والتضحيات، شهدت الأسبوع الماضي تطوّراً بالِـغ الأهمية، حين كشفت لجنة تحقيق مستقلّـة، عيّنتها الحكومة البحرينية، عن أن الانتفاضة البحرينية لا علاقة لها بإيران (كما كانت تدَّعي السلطات) وأوردت تفاصيل كاملة عن التجاوُزات التي مارستها هذه السلطات ضدّ المتظاهرين.
وأورد التقرير، الذي وقع في 500 صفحة وتضمّن 9000 شهادة، تسلسُـلاً للأحداث. فوثَّـق 46 شهادة و559 حالة تعذيب وأكثر من 4000 حالة طرد من العمل، بدوافع سياسية في كل من القطاعيْـن العام والخاص. كما انتقد ممارسات أجهزة الأمن “التي استخدمت القوّة والأسلحة النارية بطريقة مبالَـغ فيها، وكانت في العديد من الحالات غيْـر ضرورية وغيْـر متناظرة وعشوائية”.
هذه المُـعطيات أضفت لوناً ربيعياً فاقِـعاً على الانتفاضة البحرينية وأسقطت عنها بشَـطْـحة قلم كل تُـهم الطائفية و”العمالة للخارج” والعنف غيْـر القانوني، وهي بالتالي، ستشكِّل من الآن فصاعداً مَـعلَـماً من معالم الحياة السياسية في هذه الجزيرة الصغيرة.
هل تلتزم السلطات البحرينية بمنطوق هذا التقرير، كما وعدت؟ المعارضون يشكّون بذلك، خاصة وأن السلطات لم تلتزم بوعودها السابقة. ويقول سعيد يوسف، عضو مركز البحرين لحقوق الإنسان: “الملِـك وعد في فبراير بإجراء تحقيقات، لكن لم يحدُث أي تغيير”. هذا في حين قال معارضون آخرون إن عمليات القمع كانت مستمرّة في الوقت نفسه ،الذي كان فيه الملك وكِـبار رجالات الدولة يحضرون جلسة الاستماع إلى تقرير لجنة التحقيق.
ويُـعرب العديد من المحلِّـلين عن قلقهم من تطوّرات الأوضاع في البحرين، بسبب حالة الإستِـقطاب الحادّة التي تَـمّ خلقها، الأمر الذي قد يشكّـل عقَـبة كأداء أمام أي حوار بين السلطة والمعارضة. فالمتطرفون، من كِـلا الطرفيْـن، باتوا يُـسيطرون الآن على جدول الأعمال السياسي في البلاد.
ويوضح جوست هيلترمان، من مجموعة الأزمات الدولية: “الشهور الأخيرة من العُـنف وعدم الثقة، قد مكَّنت المتطرِّفين لدى كلا الطرفين. ففي داخل النظام، هناك من يحبّـذون القمع العنيف، ولهؤلاء اليَـد العليا حاليا. وفي الوقت نفسه، لن تجِـد حركة الوفاق الشيعية المعتدِلة دعماً شعبياً واسعاً بعد الآن، لأن العديد من الناس توقّـفوا عن اعتِـبارها ممثّلة لهم”.
عُمان، شهدت بدورها تمَـوُّجات ربيعية منذ أشهر عديدة. فقد برزت فيها سلسلة حركات احتجاجية، في هذا البلد الذي كان يُـعتبر نموذجاً للاستقرار وتُـطلق عليه تسمية “الوطن الناعس”.
انطلقت المظاهرات من مدينة سحار الصناعية في الشمال، على بعد 230 كيلومتراً من مسقط، إلى صلالة في الجنوب، ثم ما لبثت أن وصلت إلى العاصمة، وأدّت إلى مقتل خمسة محتجّين وعشرات الجرحى. في البداية، اقتصرت مطالِـب المحتجّـين على رفع الأجور وتحسين الأوضاع المعيشية، لكنها سُـرعان ما تطوّرت إلى المطالبة بإصلاحات ديمقراطية.
السلطان قابوس تفاعل مع هذه الاحتجاجات بتعديل الحكومة ورفع الأجور (بعد أن حصل من دول الخليج على وعد بضخّ 10 مليارات دولار كمساعدات) وتوفير 50 ألف فرصة عمل. ثم وسّع نِـسبياً، صلاحيات مجلس الشورى، الذي لم تكُـن له سوى صفة استشارية، لتمكين أعضائه الـ 84 من الاشتراك في اقتراح القوانين، وأيضاً إدخال تغييرات على قواعد عمل الحكومة. كما تمّ انتخاب ثلاثة من قادة الاحتجاج إلى مجلس الشورى.
هذه الخطوات الإصلاحية، على محدوديتها، لا تزال حِـبراً على ورق، إذ لم يتِـم في الواقع تحديد الصلاحيات الجديدة لمجلس الشورى، ناهيك باختبار كيفية تعامُـل السلطات السلطانية معها. كما أن اللجنة التي أنِـيطت بها منذ شهر أبريل الماضي، مهمّـة تقديم التوصيات حول كيفية نقْـل الصلاحيات إلى مجلس الشورى، لم تفعل شيئاً بعدُ.
لكن، وحتى لو هدأت العاصفة السياسية نسبياً في عُمان، فإن المحلِّـلين يشكّون في قُـدرة السلطات على معالجة الشكاوى الشعبية الاقتصادية والاجتماعية، والمطالبة برفع مستوى معيشة الشبان العمانيين، خاصة وأن وعد الدّعم الخليجي لا يزال هكذا: أي مجرّد وعْـد، وهذا بدوره، قد يزخِّـم مجدّداً الموجة الربيعية العُـمانية.
ماذا الآن عن دولة الإمارات العربية؟
لم تشهد هذه الدولة، التي تحظى فيها أسَـرُها الحاكمة في معظم الإمارات، بولاء قبلي – شعبي، موجة احتجاجات شعبية. والحادث الوحيد الذي أثار اهتماماً دولياً، كان اعتقال خمسة من نشطاء الديمقراطية، الذين أطلق سراحهم يوم الأحد 4 ديسمبر 2011.
بيْـد أن السلطات في البلاد كانت قد عمدت منذ اندِلاع ثورات الربيع العربي، إلى تشديد القبضة الأمنية على البلاد والحد من حرية التعبير وتقييد الحريات الصحفية، في خُـطوة وُصِـفت بأنها “ضربة استباقية” لمنع تمدّد رياح الربيع العربي إلى الإمارات.
“الربيع الأول”
هذه المُـعطيات ربّـما توحي بأن نُـظم الخليج عصِـية على التغيير أو التطوير وقادِرة، بفضل ثرواتها النفطية الطائلة، على “شراء” أمنها الداخلي كما الخارجي. لكن هذا ليس صحيحا.
فبعد عام 2001، حين أطلقت إدارة بوش “استراتيجية الحرية في الشرق الأوسط”، تحرّكت كل أنظمة الخليج تقريباً نحو إجراء إصلاحات سياسية. وهكذا، بدأت تظهر في المنطقة مجالس استشارية منتخبة ووعدت حكومة البحرين بإعادة الدستور الذي بقِـي معلّقاً منذ عام 1975، ومنحت المرأة الخليجية بعض الحقوق وتمّ توسيع دائرة الانتخابات المحلية.
لكن، ما أن بدأ التركيز الأمريكي ينتقل من الديمقراطية إلى التركيز على الإرهاب، حتى توقّـفت عجَـلة الإصلاحات، حتى بصيغتها التجميلية، وعاد القمْـع يتجدّد في دول الخليج قبل سنوات عدّة من الربيع العربي.
بعض أشكال هذا القمع اتّـخذ شكل إعادة النظر بقوانين الصحافة عبْـر فرض غرامات ضخمة في إطار لائحة طويلة من التُّـهم، مثل زعزعة الثقة بالاقتصاد وخرق القِـيم العائلية أو شتم “أولي الأمر” (أي الحكّام) وعائلاتهم. بعض هذه القوانين تمّ تعزيزها في الأشهر الأخيرة، مثلما حدَث في السعودية في شهر أبريل 2011، حين عدّل مرسوم من الملك قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2000، بهدف حظْـر نشر أي شيء “يتناقض مع الشريعة الإسلامية” أو “يخدِم المصالح الأجنبية” أو “يعرِّض الأمن القومي إلى الخطر”.
إصلاحات ما بعد 2001 كان يُـمكن اعتبارها “الربيع الأول” في الخليج، وزوالها بعد ذلك، لا يغيّر من هذه الحقيقة شيئاً، وإن كان يُـشير إلى أن أنظمة الخليج ستُـبذِل الآن كل جُـهد ممكن لمواجهة موجات الربيع العربي، التي تهُـبّ الآن من كل مكان، بما في ذلك بالطبع، اليمن في شبه الجزيرة العربية.
الطُّـرق التي ستقاوِم بها الأنظمة الربيع، عديدة وتتمثّل في التالي:
– مواصلة الحملات الأمنية الداخلية لمنع تبلوُر معارضة شعبية أو حتى انتعاش المجتمع المدني.
– الضرب على وتَـر الحساسيات المذهبية، حيث كان ذلك مفيداً.
– استخدام الصِّـراع الإقليمي مع إيران، كمبرّر قوي لرفع شعار “الأمن أولاً” في الداخل في وجه الجميع.
– مواصلة استِـخدام أموال النفط، لتعزيز الدور الريعي لأنظمة الخليج ولمحاولة “شراء” الطبقة الوسطى الجديدة والصاعدة، خاصة في المملكة السعودية.
– تشكيل كتلة ملكيات في المنطقة العربية، وهي خطوة تجسَّـدت في العرض الغريب لضَمّ المغرب القصي والأردن المنغمس في تداعيات الصراع العربي – الإسرائيلي، إلى مجلس التعاون الخليجي.
– تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى قوة تدخُّـل سريع لمواجهة الانتفاضات في كل دول الخليج، إنطلاقاً من التجربة العسكرية الناجحة (حتى الآن على الأقل) لقوات درع الجزيرة في البحرين.
– وأخيراً، اختراق الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول، عبْـر ضخِّ الأموال الطائلة، لدعم الحركات السلفية التي لا تكِـنّ كبير ودٍّ للديمقراطية..
السعودية أولاً
هل تنجح كل هذه التوجّهات في لجْـم جِـماح الربيع العربي في منطقة الخليج؟ التطورات في الدول الخليجية الصغيرة هامّة، لكنها لن تكون حاسمة لمصلحة الإنتقال إلى الديمقراطية، كما دلّـت على ذلك بجلاء تجربة البحرين..
فلِـكي تتوافر الظروف المناسبة للتفتُّـح الديمقراطي في هذه الدول، يجب أن يبدأ الأمر في المملكة السعودية، ليس فقط لأنها أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي (نحو 27 مليون نسمة، بالمقارنة مثلاً مع مليون نسمة في كل من الكويت والإمارات، و400 ألف في قطر و538 ألف في البحرين)، بل أيضاً لأن السعودية قادرة على منع أي انفتاح ديمقراطي في الخليج، وبالقوة إذا ما لزم الأمر. وهذا ما يعيدنا إلى السؤال الذي طرحناه في البداية: ما هي آفاق التغيير في السعودية؟
مقوِّمات هذا التغيير مُـتوافرة في الواقع: مئات آلاف الشباب الذين تلقّـوا تعليمهم في الغرب الديمقراطي. تصاعد صوت المرأة وقيادتها في بعض الأحيان لمطالب التطوير. طبقة وسطى مأزومة وتعاني من البطالة وشحّ الموارد. عودة التنافس التاريخي بين نجَـد والحجاز، وإن بشكل صراع على تطوير النظام.
لكن العامل الأهَـم قد يكون بروز جيل جديد من الأمراء أكثر ميلاً إلى الحداثة، في شكلها السياسي والاجتماعي، يقومون بتزعّـم الحملة لإصلاح النظام من داخله، بدعْـم من حِـراك شعبي مُـحتمل لاحق، إن لم يكن في اتِّـجاه المَـلكية الدستورية، فعلى الأقل لدفع المملكة نحو هذا الهدف بالتدريج.
صحيح أن هذا قد يُطلِـق صراعاً في المملكة بين الأجيال في الأسْـرة الحاكمة، كما بين التحديثيِّـين وبين القوى المحافظة، التي ستتحصّـن مجدداً بالأيديولوجيا الوهّـابية الصّارمة، لمقاومة الإصلاحات، إلا أن ذلك قد يُـسرِّع أيضاً في ولادة حركة إسلامية جديدة معتدِلة (بدعم دولي)، يقال أن السعودية تموج بها الآن. لمن ستكون اليَـد العليا في هكذا صراع؟
للتحديثيين. لماذا؟ للسَّـببين اللذين أوردناهما في مقدّمة هذا المبحث: متطلّبات العولمة ومستوجباتها، والقرار الدولي بتغيير وجه المنطقة.
اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات السعودية بشن حملة قمع ضد المحتجين والمطالبين بالإصلاح منذ اندلاع الثورات العربية او ما يعرف بـ “الربيع العربي”.
وقالت المنظمة في تقرير أصدرته في وقت متأخر الأربعاء 30 نوفمبر الماضي، “إن الشهور التسعة الماضية شهدت موجة جديدة من القمع في السعودية حيث شنت السلطات حملة على عدد من المتظاهرين والاصلاحيين استنادا الى اعتبارات امنية””.
وقال فيليب لوثر، القائم بأعمال مدير قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في منظمة العفو الدولية، ان “المتظاهرين السلميين ومؤيدي الاصلاح السياسي في البلاد، كانوا هدفا للاعتقال، وذلك في محاولة للقضاء على الدعوات المطالبة بالإصلاح والتي يتردد صداها في المنطقة”. واضاف “بالرغم من اختلاف الحجج المستخدمة لتبرير هذا القمع واسع النطاق، فإن الممارسات القمعية التي تستخدمها الحكومة السعودية تماثل بشكل مخيف تلك التي طالما استخدمتها السلطات ضد المتهمين بتهم إرهابية”.
واتهمت العفو الدولية السلطات السعودية باعتقال “آلاف الاشخاص وبينهم كثيرون يحتجزون بدون تهمة او محاكمة لأسباب تتعلق بالإرهاب. كما يستمر تفشي التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة اثناء الاحتجاز”. واضافت المنظمة في تقريرها أنه في أبريل 2011 “صرح متحدث باسم وزارة الداخلية السعودية بأنه تم التحقيق مع نحو خمسة آلاف شخص لهم صلات مع “الفئة الضالة”، ويقصد بها تنظيم “القاعدة”، تم التحقيق معهم وأحيلوا للمحاكمة”.
وكانت السعودية شهدت موجة من الهجمات الدموية في الفترة من 2003 و2006 مما دفع السلطات الى إطلاق حملة قمع امنية على اتباع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. واتهمت المنظمة، المملكة المحافظة كذلك بشن حملة قمع “شملت القبض على مئات الاشخاص ومعظمهم من الشيعة في المنطقة الشرقية التي تعج بالاضطرابات”.
ويقوم الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط باحتجاجات منذ مارس، دعما للحركة الاحتجاجية في البحرين التي قمعت في مارس بدعم من قوات من السعودية وغيرها من دول الخليج.
والشهر الماضي، قتل اربعة من الشيعة خلال اشتباكات بين محتجين وقوات الامن في المنطقة الشرقية. وقالت وزارة الداخلية ان اثنين من رجال الشرطة اصيبا بجروح في الاشتباكات.
وقالت المنظمة ان السلطات السعودية اعتقلت “ما يزيد عن 300 شخص لمشاركتهم في مظاهرات سلمية في مناطق القطيف والاحساء والعوامية، سواء اثناء المظاهرات أو في اعقابها بقليل، تم الافراج عن معظمهم بعد تعهدهم بعدم التظاهر مرة اخرى. وواجه كثيرون منهم حظرا على السفر”. وأضافت أنه “في مناطق أخرى من البلاد، وجهت وزارة الداخلية تحذيرات شديدة للمتظاهرين، بأن السلطات سوف تتّخذ جميع التدابير اللازمة ضد كل من يحاول الإخلال بالنظام”.
ووصفت المنظمة محاكمة 16 رجلا من بينهم تسعة من الإصلاحيين البارزين وإصدار احكام تصل الى 30 عاما عليهم بعد إدانتهم في 22 نوفمبر، بتهم من بينها محاولة الاستيلاء على الحكم، بأنها “جائرة جدا”، بحسب موقع المنظمة.
وقالت المنظمة إن السلطات السعودية وضعت مشروعا سريا لقانون مكافحة الإرهاب “يجيز للسلطات السعودية محاكمة الأشخاص بتهمة المعارضة السلمية باعتبارها جريمة إرهابية، كما تمدد الاحتجاز بدون تهمة أو محاكمة”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 ديسمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.