الربيع العربي يُـسـهـم في إعادة النظر في مفهوم “الحق في السلام”
تعكف اللجنة الإستشارية لحقوق الإنسان هذه الأيام في جنيف على مراجعة مفهوم "الحق في السلام"، بهدف تقديم اقتراح إعلان إلى مجلس حقوق الإنسان قد يتحوّل تاليا إلى معاهدة دولية.
في الأثناء، أسهمت تداعيات الثورات العربية الجارية في تصلب النقاش ما بين الداعين إلى التمسك بالتعريف التقليدي المتداول، أي “حق الشعوب في السلام” والمطالبين بالتركيز على “حق الفرد في السلام” قبل كل شيء.
ومع أن القرار الصادر في عام 1984 عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة والقاضي بالبحث في الحق في السلام قد تحدث بالخصوص عن “حق الشعوب في السلام”، فإن الملفت للإنتباه في نقاش اللجنة الإستشارية لحقوق الإنسان في جلستها السابعة المنعقدة في جنيف يوم 8 أغسطس 2011، تطرقه بإسهاب إلى “حق الفرد في السلام”.
ومثلما جاء في مداخلات عدد من الخبراء في اللجنة، كان لمطالب الجماهير التي خرجت في الشوارع العربية منذ موفى السنة الماضية، تأثير في إبراز الحاجة إلى التركيز على حق الفرد في السلام في شتى المجالات، كحق التظاهر والحق في التعبير والرأي وما شابه ذلك، وهو ما أشار إليه مُقرر لجنة صياغة الإعلان الألماني كريستوف هاينس حيث قال: “لقد ركز فريق العمل أيضا على حق الفرد في السلام، وفي ذلك تمييز واضح يعكس بشكل جيّد الوضع الحالي، وهو ما لم يُشِـر إليه مشروع الإعلان الصادر في عام 1984”.
وبالعودة إلى مشروع الإعلان المرحلي، يعثر المرء في مقدمته أيضا على أن “مشروع الإعلان الذي اعتمد من قبل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قبل 25 عاما، كان يشير إلى حق الشعوب في السلام ويشدِّد بقوة على البُـعد الجماعي، ولكن تم فيما بعد إدخال مفهوم “حق الإنسان في السلام”، وهو المفهوم الذي أصبح أكثر ملاءمة، نظرا لكون الحقوق الفردية قد عُـزّزت فيما بعد تدريجيا”.
حق الفرد إلى جانب حق الشعوب
ينص مشروع الإعلان المرحلي الذي تقترحه اللجنة الإستشارية على مجلس حقوق الإنسان فيما يتعلق بالحق في السلام، من بين ما ينص عليه في مادته الأولى، على أن “للشعوب والأفراد حقا إنسانيا في السلام، وهو حق عالمي وغير قابل للتجزئة، وحق مترابط مع باقي الحقوق”.
وبعد أن ذكّـر بواجب الدول في فض النزاعات بالطرق السلمية والحفاظ على السِّـلم والأمن الدولييْـن، تطرق مشروع الإعلان في المادة الثانية إلى الحق في الأمن الإنساني، مشددا على حق الفرد في هذا المجال، وبالأخص “حق كل فرد في أن يكون محميا من جرائم الإبادة وجرائم الحرب ومن استخدام القوة في انتهاك للقانون الدولي ولعميات التطهير العرقي ولجرائم ضد الإنسانية”.
ويذهب مشروع الإعلان في فقرته الثالثة من البند الثاني إلى حد اقتراح “إذا كانت دول غير قادرة على تجنب حدوث مثل هذه الجرائم في حدود صلاحياتها، فعليها توجيه دعوة للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للقيام بتلك المسؤولية، طبقا لما ينصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”، وهو ما يُعرف بـ “الحق في الحماية”.
أما في الفقرة السادسة، فيوضح مشروع الإعلان الخاص بالحق في السلام بأن “من حق أي فرد أن يطالب حكومته بالتطبيق الفِـعلي لمعايير القانون الدولي، بما في ذلك معايير حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي” .
وفي الفقرة الثامنة من البند الثاني، ينص مشروع الإعلان على أن “من حق أي فرد أن تكون قواته العسكرية والميزانية المخصصة لها، مُسيّرة بطريقة ديمقراطية وأن يكون هناك نقاش مفتوح حول السياسات الأمنية وحول ميزانية الدفاع والأمن، وأن يُحاسب أصحاب القرار أمام مؤسسات رقابة ديمقراطية”.
وخصّص مشروع الإعلان الخاص بالحق في السلام مادته الرابعة لـ “دعوة الدول للدخول في مسار شفّـاف وجادّ لمراقبة بيع الأسلحة والقضاء على الإتجار غير المشروع بالأسلحة. ودعوة الدول للدخول في مسار جماعي لنزع السلاح وبمراقبة دولية وفي حدود زمنية معقولة”.
وفي المادة الخامسة، تطرق مشروع الإعلان إلى قضية المعترضين على أداء الخدمة العسكرية بدافع الضمير، فيما دعت المادة السادسة الدول إلى التوقف عن إسناد مهام دفاعية إلى شركات أمنية خاصة.
ترحيب واعتراضات
أعضاء فريق الصياغة أبدوا قدرا كبيرا من التحمّـس لمشروعهم ودافعوا عنه، على غرار رئيسته المصرية منى ذوالفقار، التي ذكّرت بما حدث في بلادها وقالت: “إن الحق في السلام والحق في التعبير السلمي، من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الفرد كمواطن، الى جانب تمتع الشعب” بها. في المقابل، تساءل خبراء آخرون على غرار الباكستاني أحمد بلال صوفي، الذي قال: “هل ينوي مشروع الإعلان المقترح تقنين العلاقة بين الدول أم علاقة الدولة مع الفرد”، وحذّر من أن يؤدي ذلك إلى “خلق تداخل بين الآليات المقترحة وآليات موجودة سلفا”.
على مستوى الدول الأعضاء، هناك مَـن رحّـب بالفكرة ووعد بدعم مشروع الإعلان، مثل بوليفيا أو كوستاريكا، التي ذهبت الى حدّ مطالبة أعضاء اللجنة بـ “التحلي بجُـرأة المبالغة في المطالب”، كالدعوة للحد من النفقات العسكرية، وقال ممثلها: “في الوقت الذي نشاهد فيه دول القرن الإفريقي تعاني من المجاعة، نلاحظ أن ميزانيات الدفاع لم تتوقف عن التضخم”.
على العكس من ذلك، هناك دول عارضت المشروع في مجمله، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، إذ عبرت ممثلتها عن “الأسف لكون اللجنة تعمل على بلورة مشروع قانوني بالنسبة لقانون غير معترف به”، ونصحت أعضاء اللجنة بـ “تخصيص جهودهم للبحث في أطُـر وآليات قانونية معترف بها”. وما بين رافض ومُرحّـب، هنالك المتردِّدون، مثل كوبا التي طالبت بـ “ضرورة توضيح مفهوم الحق في الحماية” وحذرت من “سوء استغلاله من قِـبل البعض”، وقد وجد موقفها دعما من طرف الجزائر وباكستان.
وإذا كان النقاش المضيق على مستوى خبراء اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، قد أثار كل هذا الجدل والإعتراضات، فإن ما ينتظر مشروع إعلان الحق في السلام لدى عرضه أمام ممثلي الدول في مجلس حقوق الإنسان قد يكون أشد.
أخيرا، وبعد هذا التقرير المرحلي، يُـنتظَـر الآن أن تنكبّ اللجنة الإستشارية على إعداد تقرير نهائي سيُـرفع إلى مجلس حقوق الإنسان في سياق دورته العشرين.
تم تأسيسها خلفا للجنة الفرعية لحقوق الإنسان بعد تأسيس مجلس حقوق الإنسان في عام 2005.
مكونة من 18 خبيرا دوليا، من بينهم السويسري جون زيغلر والخبيرة المغربية حليمة الورزازي والخبيرة المصرية منى ذو الفقار.
على خلاف سابقتها اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، لم يعد بإمكان اللجنة الاستشارية إصدار معايير، بل فقط مناقشة المواضيع التي يكلفها بها مجلس حقوق الإنسان وأن ترفع له في نهاية المطاف توصيات بخصوص الموضوع المطروح للنقاش.
في دورتها الحالية المستمرة من 8 الى 12 أغسطس، ستتولى اللجنة الاستشارية تحضير مشروع إعلان حول الحق في السلام والقيام بدراسة حول كيفية إسهام الفهم الجيد للقيم والمعايير التقليدية، مثل الكرامة والحرية والمسؤولية في الترويج لاحترام حقوق الإنسان ومواصلة الدراسة الخاصة بالانتهاكات المرتكبة في مجال الحق في الغذاء، مع التركيز هذه المرة على حقوق صغار المزارعين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.