السرّ المصرفي: هـل تُـوشــك بـرن على اتـخـاذ الــقــرار؟
مبدئيا، يُـفترض أن تُـبلوِر الحكومة الفدرالية يوم الجمعة 13 مارس، الإجراءات التي تعتزم اتّـخاذها لـ "تلميع" صورة سويسرا بخصوص السر المصرفي. وبالنظر إلى كثافة الضغوط الدولية المتصاعدة، لا يُـمكن استبعاد الإعلان عن قرار مثير.
إذا ما حدث هذا، فلن تكون المرة الأولى التي تُـقدِم فيها سويسرا على القيام بتغيير عميق لنظامها التشريعي في هذا المجال، جرّاء ضغوط قادمة من الخارج. وبالعودة إلى التاريخ، فإن أول تليينٍ للسر المصرفي السويسري في مجال الجباية، حدَث قبل 32 عاما وجاء نتيجة لطلب مُـلِـحّ من… الولايات المتحدة. فعلا، يُـعيد التاريخ نفسه.
هذه المرّة، يتعلّـق السؤال بمعرفة ما إذا كانت برن ستُـقدِم على القيام بـ “ضربة كبيرة”، واتّـخاذ قرارٍ أو عدّة قرارات جريئة لإثارة دهشةِ مُـنتقِـدي سويسرا وزعزعة إستراتيجياتهم، إن أمكن، أم أنها ستكتفي بنصف إجراءات في شكلِ وعودٍ وبرامجَ أو عروضٍ تفاوضية.
المساعدة القضائية
عمليا، يُـفترضُ أن يتركّـز النِّـقاش بالخصوص، حول توسيع مجال المساعدة القضائية، التي تقول سويسرا إنها مستعدّةٌ لمنحِـها إلى السلطات الأجنبية، التي تشتبِـه في إخفاء دافعي ضرائبٍ من مواطنيها لودائِع أو مواردَ في مصارفها، لتشملَ كافة أصناف الجرائم الضريبية.
هذا القرارُ، إن اتُّـخِـذ، لن يؤدّي فقط إلى رفعِ السر المصرفي (وتسليمَ مُـعطيات شخصية، تبعا لذلك)، مثلما هو مُـطبّـق الآن في حالة الاشتباه بارتكاب جريمة التحيّـُل الضريبي (أي عندما يقدم دافع الضرائب وثائق مزوّرة أو غير دقيقة)، بل سيشمل أيضا حالات الاشتباه في ارتكاب تهرُّبٍ ضريبي، أي عندما ينسى أو “يتناسى” دافع الضرائب، التصريح ببعض عناصِـر ثروته.
من الناحية التقنية، سيكون من السّـهل وضعُ إجراءٍ من هذا القبيل موضِـع التنفيذ، إذ يكفي تغيير فقرة وحيدة من قانونٍ فدرالي، تتعلّـق بالتعاون الدولي في المجال الجنائي.
في الوقت الحاضر، ينُـصّ البَـند الثالث من هذا القانون على أن طلب المساعدة القضائية غيرُ مقبولٍ، إذا كان يهدِف إلى “عملٍ يبدو أنه يتّـجه إلى تخفيض إيرادات جبائية”. أما في الجملة الموالية، فهناك توضيحٌ يُـشير إلى أنه يُـمكن – رغم ذلك – الإجابة على طلبٍ (للمساعدة القضائية)، عندما تستهدِف الملاحقة تحيُّـلا ضريبيا، لذلك، قد تتمثّـل الخُـطوة المُـرتقبة من طرف الحكومة في إلغاء أية إشارة إلى عدم قبول طلبات تقديم المساعدة في المجال الجبائي من هذا البند.
على العكس من ذلك، يُـتوقّـع أن يبقى هذا التمييز (بين التحايل والتهرّب الضريبي) ساري المفعول، بالنسبة لدافع الضرائب السويسري، حيث أن التهرّب الجبائي المُـرتكب من طرفه (وعلى عكس التحايُـل) لن يُـعتبر جريمة جنائية، وستظلّ – مثلما هو الحال الآن – مُـجرّد مخالفة لا تُـعاقَـب إلا بغرامات مالية، في حين يبقى رفعُ السر المصرفي، ممنوعا.
بطبيعة الحال، لا يُـمكن استبعاد احتمال مطالبة عدد من المواطنين السويسريين بإجراء استفتاء حول هذا الإصلاح، لكن إيجابية المُـقترح (الحكومي)، تتمثّـل في وضوحِـه، إضافة إلى أنه سيمنح سويسرا شرعية قانونية وأخلاقية جديدة.
في السياق نفسه، ستُـتيح هذه الخطوة للكنفدرالية، إمكانية التصدّي بقدرٍ أكبر من النجاعة لنظام تبادُل المعلومات “الآلي” بين السلطات الجبائية (الذي يُـطالب به الاتحاد الأوروبي بالخصوص) ومواجهة رغبات البعض (مجموعة الـ 20، على سبيل المثال)، بإدراج اسم سويسرا على قوائم سوداء، لبلدانٍ “غير متعاونة” في المجال الضريبي.
ماذا عن الوتيرة؟
الآن، يُـطرح تساؤل سياسي حول ما إذا كانت الحكومة الفدرالية مستعدّةً للذهاب إلى هذا الحدّ منذ الخطوة الأولى، أم أنها ستفضِّـل التحرّك “تدريجيا” على هذا المسار، حيث قد تقترح مثلا الاقتصار على رفع السر المصرفي في حالات التهرّب الضريبي “الخطيرة”، وهو مفهوم يحتاج بدوره إلى تحديد وتدقيق.
في المقابل، يرى العديد من الخبراء، وخاصة بيتر كونتز، أستاذ القانون التجاري بجامعة برن والمتخصِّص في القانون الأمريكي، أن إصلاحات جُـزئية من هذا القبيل، “لن تؤثِّـر بتاتا في مُـنتقدي سويسرا”، بل إن إيفلين فيدمر – شلومبف، وزيرة العدل والشرطة في الحكومة السويسرية، تعترف بأنه من العسير جدا التصرّف عمليا فيما يتعلق بالتفريق بين التهرّب والتحايل الضريبي، مثلما صرّحت بذلك يوم 9 مارس الجاري إلى صحيفة NZZ am Sonntag.
من جهتها، شدّدت المحكمة الإدارية الفدرالية الأسبوع الماضي، على أنه “توجد صعوبة في فهمِ هذا التمييز” (بين التهرّب والتحايل الضريبي) في خارج سويسرا، واعتبرت أن الأمر يعود إلى البرلمان للقيام بالتغييرات المحتملة، التي تفرض نفسها…
سويس انفو – ميشال فالتر
يوم الثلاثاء 10 مارس، أقرّ وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي بالإجماع، على أنه يجب على بروكسل “محاربة التهرّب الجبائي بتصميم كبير”.
في نفس اليوم، أكّـدت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أنها حوّلت إلى مجموعة الـ 20، قائمة مؤقّـتة تضُـم أسماء بلدان غير متعاونة في مجال تبادل المعلومات الجبائية، وهي قائمة أدرِج فيها اسم سويسرا، حسب معلومات متطابقة.
يوم الخميس 12 مارس، أعلنت إمارة الليختنشتاين أنها ستعتمِـدُ القواعد الدولية للجباية فيما يتعلّـق بالتفريق بين التهرّب والتحايُـل الضريبي. وجاء في بيان صادر عن رئيس الوزراء أوتمار هاسلر، أن الإمارة الصغيرة المحاذية لسويسرا، مستعدّة لبدء مفاوضات ثنائية مع البلدان المعنية.
في نفس اليوم، تعهّـدت مقاطعة أندور بإلغاء السر المصرفي قبل شهر نوفمبر القادم، وجاء في بيانٍ صادر عن الحكومة، أنه ستتِـم الموافقة على مشروع قانون يُـلغي السر المصرفي، في إطار اتفاقيات ثنائية لتبادل المعلومات الجبائية مع دول أخرى.
منذ الثلاثينات من القرن الماضي، اشتكت الولايات المتحدة بمرارة من أن سويسرا – بسبب سرها المصرفي – لا تتعاون بما فيه الكفاية مع واشنطن فيما يتعلق بمكافحة المافيا! وفي بداية السبعينات، أصبحت هذه الانتقادات مُـزعجةً إلى حدِّ تهديدها بإدخال “اضطراب جدّي على العلاقات بين البلدين”، حسب الحكومة الفدرالية في تلك الحِـقبة.
نتيجة لذلك، اضطُـرّت سويسرا في عام 1977 وفي انتهاكٍ واضحٍ لقوانينها وفلسفتها، القاضية بأنه “لا تعاون قضائي أبدا في المجال الضريبي”، إلى القبول برفع السر المصرفي – للمرة الأولى – في كل مرة تتوقّـع فيها الولايات المتحدة أن شخصا ما “يُـشتبه في انتمائه إلى المستوى الأعلى في مجموعة إجرامية منظمة”، لم يُـصرّح لمصالح الضرائب الأمريكية بمداخيل مودعة في سويسرا.
بعد ستة أعوام، وفي 1 يناير 1983، قرّر البرلمان السويسري تليين (هذه المرة للعالم أجمع)، ما كانت تُـسمِّـيه برن آنذاك “الأفضلية الممنوحة في مجال الجرائم الضريبية”. وبالفعل، أقحمت سويسرا في القانون الجديد حول المساعدة الدولية في المجال الجنائي، إمكانية منح المساعدة القضائية إلى سلطة أجنبية (أي بكلمة أخرى، رفع السر المصرفي) في حالة وجود تحايُـل ضريبي، لكن القانون استمرّ في التنصيص على رفض منح هذه المساعدة في حالات التهرّب الضريبي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.