الشعب السويسري مدعُـــوّ لصقْـل نشيده الوطني
تُـهيِّء سويسرا منذ عقود، لفكرة إيجاد نشيد وطني جديد ومعاصر لكن استبدال - أو تحديث - جزء من التاريخ السويسري، ليس بالأمر الهيّن. ويأمل منظِّمو المسابقة المُقرّر إقامتها في الفترة ما بين شهري يناير ويونيو 2014، إلى إيجاد نشيد يَفخر جميع السويسريين بغِنائه وترديده.
وفقاً للصحفي البريطاني أليكس مارشال، الذي يؤلف كتاباً عن الأناشيد الوطنية، فإن الأناشيد التي تختارها الدول لتمثيلها “تتضمن قصصاً رائعة حقاً، يوضح بعضها بالفعل سياسات هذه الدول أفضل من أي شيء آخر”. وقد انطوى ما يقوم به من بحث على الكثير من السفر والترحال.
“لقد التقيت بالجميع إبتداءاً من رؤساء الوزراء، ومروراً بالقادة الماويين، ونجوم كرة القدم ووصولاً الى مؤلفي الموسيقى، ولكني أعتقد بأن الشيء الأكثر إثارة للإهتمام هو التحدث إلى الناس في الشارع فقط، لانهم من ينشد هذه الأناشيد على أساس يومي – أو قد لا يفعلون، لاعتقادهم بانها مضيعة للوقت”، كما يقول.
وأوضح استطلاع عفوي أجرته swissinfo.ch، مدى تضارب آراء المواطنين السويسريين حول نشيدهم الوطني الوطني، وقد جاءت كالتالي:
“أعتقد أنه قديم الطراز، كما أن من الصعب فهمه”.
“إنه جميل، وأنا أحبه”!
“إنه محزن بعض الشيء بالمقارنة مع الأناشيد الوطنية لدول أخرى”.
“النشيد الوطني؟ انه عديم القيمة”.
“لا بأس به، ولكني لا أستطيع غنائه”.
“أنا أغفو تقريباً بينما أقوم بغناءه”.
أن يروق لك النشيد الوطني هو شيء، ولكن أن تعرفه وتكون قادراً على غناءه هو شئ آخر تماماً.
المزيد
قلة من السويسريون يحفظون مقاطع معدودة
في سياق متصل، توصلت دراسة استقصائية أجريت في عام 2000، في الأجزاء الناطقة بالألمانية والفرنسية من سويسرا، بأن 3% فقط من السويسريين كان باستطاعتهم إنشاد جميع المقاطع الأربعة التي يتكون منها النشيد، في حين كانت نسبة القادرين على غناء المقطع الأول أقل من الثلث.
“بعد الكلمات الثلاثين (30) الأولى تبدأ بترديد ‘لا، لا، لا ’”، كما يقول بيار كولر في معرض شرحه لإحد أسباب إجراء هذه المسابقة – المفتوحة للجمهور – التي تمتد من شهر يناير 2014 وحتى شهر يونيو، بغية العثور على نشيد بديل أكثر إنسجاماً مع سويسرا القرن الحادي والعشرين.
ويمثل كولر أحد رؤساء لجنة التحكيم للمجموعة التي أطلقت هذه المبادرة، والمتمثلة بالجمعية السويسرية للصالح العام التي يقع مقرها في زيورخ. لكن التناقض في مشاعرالسويسريين نحو نشيدهم الوطني ليس بالأمر الجديد. وفي الواقع، تم التشكيك في الحاجة إلى مثل هذا النشيد منذ البداية، بل وتطلب الأمر من السويسريين 140 عاماً لاعتماد النشيد الأصلي باللغة الألمانية، ولم يحصل ذلك حينئذٍ إلّا على مضض.
إطلاق مسابقة جديدة
بمناسبة الإحتفال بالعيد الوطني السويسري في الأول من شهر أغسطس، أعلنت الجمعية السويسرية للمصلحة العامة عن إحيائها لمسابقة، تهدِف الى إيجاد نشيد وطني جديد.
ووِفقا للسيد لوكاس نيدربيرغر، مدير هذه الجمعية، ستكون الأولوية لتغيير نصّ النشيد، ولكن باستطاعة المشاركين في المسابقة تأليف لحْن جديد أيضاً. وتتضمّن إحدى متطلّبات النشيد الجديد، ضرورة عكسه للقِيم المذكورة في دِيباجَة الدستور السويسري الحديثة نِسبياً، والمُعتمدة في عام 1999 (كالحرية والديمقراطية الحياد والوحدة والسلام في روح من التضامن). كما ينبغي أن يحمل اللّحن بعض أوجه التشابُه مع اللّحن الحالي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون الأغنية قابِلة للغناء، و”ذات وقْع خفيف على الأذن” وسهلة للتعلم.
وفيما يتعلّق بالنص، فيُمكن كتابته بأي من اللغات الوطنية الأربع. في الواقع، سيكون من المُمكن حتى كتابة نصّ يمكن غناؤه بعدّة لغات في وقت واحد.
“يمكننا أن نفعل ذلك – كل واحد يغنّي بلغته الخاصة”، كما قال أوسكار كناب، رئيس الإذاعة والتلفزيون الرومانشية، ومنسّق لجنة التحكيم المتحدثة بالرومانش (وهو عضو أيضا في لجنة هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، المسؤولة عن الإشراف على swissinfo.ch)، وهذا النهج طبيعي تماما بالنسبة للسويسريين المقيمين في الخارج.
تمّ إعداد النص الخاص بـ “المزمور السويسري”، الذي يسمى اليوم بالنشيد الوطني السويسري، كقصيدة وطنية باللغة الألمانية في عام 1841، وهو من تأليف ليونارد فيدمر(1808-1868) الناشر الموسيقى والشاعر المُنتمي إلى التيار الراديكالي من زيورخ.
طلب فيدمر من البيريخ تسفيسيغ، الراهب البندكتي والملحّن، بضبط القصيدة إلى الموسيقى ولكن عِوضاً عن تأليف لحن جديد، استخدم تسفيسيغ ترنيمة كان قد ألّفها لتكون مزموراً لسويسرا.
تُرجِم النشيد الألماني في وقت مبكّر إلى اللغات الوطنية الثلاثة الأخرى، وإن كان على نحوٍ غيْر مُحكم. وقام بالتّرجمة إلى الفرنسية تشارلز شاتيلانات، القسّ والكاتب والشاعر من إيفردون، في حين ترجمه كاميللو فالسانغياكومو إلى الإيطالية، وفلورين كاماثياس، الكاتب والشاعر والمُترجم، إلى الرومانش، لكي تتمكّن الجوقات من إنشاده في جميع أنحاء سويسرا.
يتضمن النشيد الرسمي السويسري كلمات مثل الله والصلاة والجبال والشمس الساطعة، إلا أن الحكومة الحالية ترغَب في أن يشتمِل على قِيم مثل الديمقراطية والوحدة.
عقود من عدم الرضا
رغم كل شيء، لم يكن هذا النشيد مُستحسَناً على الإطلاق من قِبل العديد من السويسريين، حتى أنه كان مثاراً للسّخرية في بعض الأحيان. وقد وصفه أحد المنظِّمين لمسابقة سابقة بـ “تقرير الأحوال الجوية السويسري”، لأنه مليء بالإشارات إلى غروب الشمس والنجوم والسماء الحمراء وقت الفجر.
وفي سياق مماثل، كانت مارغريت كينَر نيللين، العضوة في البرلمان السويسري قد تقدَّمت بمقترح في عام 2004 يدعو إلى تأليف كلمات جديدة للنشيد الوطني، لاعتقادها بأن النصّ القديم عفا عليه الزمن ويُشبه الصلاة، كما يفتقِر إلى التنصيص على المساواة بين المرأة والرجل.
ومع تطلّعها إلى عام 2008، عندما كانت سويسرا ستستضيف مسابقات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، قالت كينّر نيللين: “تخيّلوا وقوف الفريق السويسري في مراسيم افتتاح مسابقات كأس الأمم الأوروبية لعام 2008، وهو يُتَمْتِم بشفاه نِصف مُغلقة، بينما تُعزف ألحان النشيد الوطني”.
غيْر أن مقترح النائبة البرلمانية قوبِل بالرفض، ما يدلّ على وجود مؤيِّدين للنسخة الأصلية للنشيد داخل جدران البرلمان الفدرالي. في الأثناء، أخفق اقتراح آخر أطلقه أحد أعضاء البرلمان لاحقاً يطالبُ فيه أعضاء البرلمان بغناء النشيد الوطني في أيام افتتاح الدورات البرلمانية (تُعقد أربع مرّات في العام) في الحصول على التأييد المطلوب.
“يُنشَد النشيد الوطني بالدرجة الأولى في عُطلة العيد الوطني السويسري وفي المناسبات الرياضية أو أثناء المناسبات العسكرية والسياسية الرسمية”، كما جاء في نصّ بروتوكول البرلمان الفدرالي. ولا يوجد هناك تقليد لإنشاد النشيد في البرلمان السويسري، و”يرى غالبِية أعضاء البرلمان، بأن من غير الضروري إضفاء الطابَع المؤسّسي على غناء النشيد الوطني”.
بالرغم من ذلك، وبعد مرور عام واحد، نجح مقترح آخر يدعو إلى عزف النشيد الوطني في الجلسة الأولى لكل دورة برلمانية جديدة بالمرور، شرط أن يكون للنوّاب حرية الإختيار في غناء النشيد أم لا.
المزيد
ثقب في الذاكرة أم مقاطع منسيّة؟
إطلاق مسابقة جديدة
بمناسبة الإحتفال بالعيد الوطني السويسري في الأول من شهر آب، أعلنت الجمعية السويسرية للمصلحة العامة عن إحيائها لمسابقة تهدف الى إيجاد نشيد وطني جديد.
ووفقا ل لوكاس نيدربيرغر مديرهذه الجمعية، ستكون الأولوية لتغيير نص النشيد، ولكن بإستطاعة المشاركين في المسابقة تأليف لحن جديد أيضاً. وتتضمن أحدى متطلبات النشيد الجديد ضرورة عكسه للقيم المذكورة في ديباجة الدستور السويسري الحديثة نسبياً، والمُعتمدة في عام 1999 (كالحرية، والديمقراطية والحياد، والوحدة و”السلام في روح من التضامن”). كما ينبغي أن يحمل اللحن بعض أوجه التشابه مع اللحن الحالي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون الأغنية قابلة للغناء، و”ذات وقع خفيف على الأذن” وسهلة للتعلم.
وفيما يتعلق بالنص، فيمكن كتابته بأي من اللغات الوطنية الأربع. في الواقع، سيكون من الممكن حتى كتابة نص يمكن غناؤه بعدة لغات في وقت واحد.
“يمكننا أن نفعل ذلك- كل واحد يغني بلغته الخاصة”، كما قال أوسكار كناب، رئيس الإذاعة والتلفزيون الرومانشية العامة، RTR، ومنسق لجنة التحكيم المتحدثة بالرومانشية (وهو عضو أيضا في لجنة هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، المسؤولة عن الإشراف على swissinfo.ch). وهذا النهج طبيعي تمامابالنسبة للسويسريين المقيمين في الخارج.
اهتمام دولي
وِفقا للسيد نيدربيرغر، يلقى هذا المشروع اهتماما كبيراً في الدول الأخرى، ويقول مؤكدا: “إنهم يسألوننا: كيف يمكن أن تجرُؤ مؤسّسة من المجتمع المدني على تغيير النشيد الوطني؟”.
وتميل الدول الأجنبية إلى الإعتقاد بأن إطلاق خطوة كهذه، ينبغي أن تأتي من قِبل وزير الثقافة أو رئيس الدولة نفسه، كما قال نيدربيرغر، ولكن في سويسرا يُعتبر الشعب صاحِب السلطة العليا. وفي معرض وصفه للمشروع، قال: “إنه سويسري جداً وواقِعي ويُشارك فيه الجميع من القاعدة وحتى القمّة”.
إضافة إلى ذلك، يتميّز المشروع بالمساواة بين المتسابقين، إذ لا يحتاج المرء بالضرورة أن يكون مواطناً سويسرياً – أو أن يُقيم في سويسرا أصلا – للإشتراك في مسابقة تأليف النشيد الوطني المقبل للكنفدرالية.
في مرحلة ما في عام 2015 أو عام 2016، سيتِم تقديم النشيد الفائز إلى الحكومة السويسرية ولكن القرار سيكون متروكاً لها. وإذا ما تم اعتماد نشيد جديد بشكل فِعلي، فهل سينجح بأن يكون عملاً فنياً وفصيحاً وخالداً؟ “نحن لا نعرف ذلك”، يجيب جان دانيال غيربر، رئيس الجمعية السويسرية للمصلحة العامة، ويُضيف: “سوف نرى بعد 10 سنوات ما إذا كان لهذا النصّ واللّحن مثل هذه التأثير الدائم. ولكننا سوف نسعى الى ذلك”.
ينبغي على المشاركين تقديم ثلاث مقاطِع جديدة مكتوبة بإحدى اللغات الوطنية الأربع، بضمنها نص يعكِس القِيم الوارِدة في ديباجة الدستور السويسري. ويجب أن يكون بالإمكان تمييز لحْن النشيد الوطني الحالي في التقديم. كما ينبغي تقديم نسخة صوتية عن اللّحن والنص.
وسيتم قبول الطلبات حتى يوم 30 يونيو 2014. وسوف تقيَّم العروض المُقدّمة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من ممثلين من الكانتونات المُختلفة، وتضم مجموعة من السّاسة ورجال الأعمال والفنانين ولاعبي كرة القدم، الذين تُحجب عنهم هويات المتقدّمين للمسابقة. وسوف ينظر أعضاء اللجنة الذين يمثّلون اللّغات الوطنية الأربعة في الطلبات، وِفقاً للّغة الأم الخاصة بهم، وسيجري اختيار أفضل 10 أعمال وترجمتها إلى جميع اللغات الأربع، قبل اختيار الفائز.
ستبث الأناشيد العشرة التي ستختارها اللّجنة ضِمن مسابقة تلفزيونية، وسيقوم الجمهور باختيار النشيد المفضّل لديه، وسيُعرض هذا النشيد لاحِقاً أمام الحكومة للمُوافقة عليه، وسيتِم استِبداله في عام 2015.
سوف تحصُل أفضل 10 أعمال على جوائز تتراوح بين 1000 و10,000 فرنك سويسري.
يمكن الحصول على التفاصيل الكاملة على موقع منظِّمي المسابقة المنظمين بخمس لغات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.