مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العمالة العربية في بلدان الخليج .. إلى تراجع!

صورة من الأرشيف لمظاهرة نظمها شبان عاطلون عن العمل يوم 16 يناير 2002 في العاصمة البحرينية المنامة swissinfo.ch

يشكل المهاجرون في بلدان الخليج حوالي 35% من مجموع السكان وحوالي 70% من مجموع اليد العاملة ولكن هذه النسب تتفاوت تبعا لتذبذب الأوضاع السياسية في المنطقة.

لكن التوجهات الحالية في منطقة الخليج تسير نحو تعويض اليد العاملة الأجنبية بنسب متفاوتة بيد عاملة وطنية فيما تدعو أصوات أخرى إلى تكامل عربي عبر سوق عمالة مشترك.

رغم قلة توفر المعطيات الخاصة بتطور العمالة الأجنبية في بلدان الخليج منذ بداية توافدها على المنطقة إثر الطفرة النفطية، يشير التقرير الذي أعدته المنظمة العالمية للهجرة بالاشتراك مع جامعة الدول العربية، تحت عنوان “الهجرة العربية في عالم معولم”، أن هذه الهجرة بلغت في عام 2000 أكثر من 35% من مجموع سكان بلدان مجلس التعاون الخليجي المقدر بحوالي 29،3 مليون نسمة.

ويفيد التقرير أن نسبة المهاجرين العرب ضمن هذا المجموع لليد العاملة الأجنبية المهاجرة إلى بلدان الخليج عرفت تذبذبا أملته المعطيات الجغرا – سياسية في المنطقة وعلى رأسها حروب الخليج المتتالية.

اعتماد كلي على المهاجرين

خصوصية دول الخليج، التي تميزها عن باقي البلدان العربية المجاورة والبعيدة هو أنها تعتمد بشكل متفاوت (ولكن هام) على اليد العاملة الأجنبية لتأمين الخدمات الأساسية فيها. فقد أشار تقرير التنمية البشرية في العالم العربي الصادر عام 2002 إلى هذه الظاهرة وأورد أن نسبة اليد العاملة الأجنبية في بلدان الخليج تتراوح ما بين 25% في حدها الأدنى في المملكة العربية السعودية، و 75% في حدها الأعلى في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر. وهي نسبة تبتعد بكثير عن نسبة اليد العاملة الأجنبية في بلدان أخرى كاليمن(1,4%)، ومصر (0,2%).

ومن الخصوصيات التي تتميز بها اليد العاملة المهاجرة إلى منطقة الخليج، التنافس الشديد القائم بين مكوناتها العربية والآسيوية تبعا للتطورات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة. فقد أشار التقرير إلى تفوق نسبة الآسيويين على العمالة القادمة من بلدان عربية خلال ربع القرن الأخير لأسباب متعددة منها: قبولهم بالعمل مقابل أجور متدنية، وامتثالهم التام لأرباب العمل. كما أن شبكات الأصدقاء والأهل ممن استقروا بالمنطقة تعمل على استقدام أفراد جدد من نفس البلدان والمناطق. يضاف إلى هذا كله تنامي اللجوء إلى استخدام الأسيويين في المنازل كسائقين وطباخين وفي الخدمات المنزلية والعناية بالحدائق. وعلى سبيل المثال، ارتفع عدد خدم المنازل في الكويت من 12 ألف شخص في عام 1975 إلى اكثر من 142 الف شخص في عام 2000.

ومن المميزات التي تدفع إلى الإقبال على استخدام العمالة الآسيوية قدوم أغلبيتها إلى المنطقة منفردة بدون بقية أفراد العائلة، ووجود رغبة من قبل بعض بلدان المنطقة في اختيار خدم من محيط ثقافي مغاير لمحيطها العربي.

المهاجرون العرب ضحايا السياسة!

من جهة أخرى، أفاد تقرير المنظمة العالمية للهجرة أنه في الوقت الذي تزداد فيه نسبة العمال الأجانب في منطقة الخليج، لوحظ تراجع متواصل في نسبة العمال القادمين من بلدان عربية.

وقد تراوحت هذه النسبة ما بين 75% من مجموع اليد العاملة الأجنبية في عام 1975 و 31%في عام 1996. وإذا ما أخذنا بلدانا بعينها، فإن الفارق في النسبة لنفس الفترة يتراوح ما بين (%22 و %12) بالنسبة للبحرين، وما بين (%80 و 33%) بالنسبة للكويت، وما بين (16% و 11%) بالنسبة لسلطنة عُـمـان، وما بين (33% و21%) بالنسبة لقطر، وما بين (19% و30%) بالنسبة للعربية السعودية،وما بين (%26 و 10%) بالنسبة للإمارات العربية المتحدة.

فقد كانت العربية السعودية تستقطب أكبر نسبة من العمالة المهاجرة المصرية بحيث وصلت هذه النسبة في العام 1994 إلى حدود 71 % من مجموع العمالة المصرية المهاجرة. وكانت السعودية تمثل الوجهة الطبيعية لأعداد كبيرة من العمالة اليمنية المهاجرة التي زاد حجمها حسب بعض التقديرات عن أكثر من 1،7 مليون شخص في بداية التسعينيات . ويأتي الفلسطينيون والأردنيون في المرتبة الثالثة من حيث عدد العمال العرب المتوافدين على منطقة الخليج بحيث تم تقديرهم قبل أزمة الخليج الأولى بحوالي 605 آلاف عامل مهاجر.

لكن حرب الكويت وما تلاها من تداعيات، أدت إلى طرد أعداد كبيرة من العمال العرب من دول المنطقة. ولعل خير مثال على ذلك الأرقام المتعلقة بالكويت والتي شهدت تراجعا بالنسبة للفلسطينيين والأردنيين من 400 ألف شخص قبل حرب تحرير الكويت إلى حوالي 50 ألف حاليا.

سياسات وطنية للحد من الهجرة

وفي الختام عرض معدو تقرير المنظمة العالمية للهجرة نتائج دراسة حول السياسات المتبعة في بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة فيما يتعلق بتأثيرات هذه الهجرة سواء على الحياة السياسية والاجتماعية في المجتمعات الخليجية، أو من حيث تأثيراتها الاقتصادية خصوصا فيما يتعلق بالكميات الكبيرة من الأموال التي تحول سنويا إلى البلدان الأصلية نتيجة لهذه العمالة المهاجرة.

ويبدو أن العنصر الرئيسي الذي دفع دول الخليج بالدرجة الأولى إلى انتهاج سياسات تحديدية في الآونة الأخيرة في مجال الهجرة، يتمثل في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف مواطنيها وهو ما دفعها إلى الشروع في تطبيق سياسات تشغيل لليد العاملة الوطنية عرفت باسم “السعودة” أو “البحرنة” أو “التقطير” وغيرها نسبة لكل بلد.

إذ تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن البطالة بين الذكور في المملكة العربية السعودية فاقت 15% في عام 2003. وأن هذه النسبة قد ترتفع في صفوف الشباب إلى حدود 30%. وفي البحرين بلغت نسبة البطالة في صفوف المواطنين 25% وهو ما أدى إلى تنظيم العاطلين عن العمل لمظاهرات أمام وزارة الشغل في عام 2001.

وقد شرعت عدة دول خليجية في تشديد الخناق على الهجرة غير المشروعة عبر تمكين المخالفين من الاستفادة من حملات عفو استفاد منها في السعودية وحدها أكثر من مليوني مهاجر غير شرعي. والملاحظ هنا أن أغلب المخالفين لقوانين الإقامة هم من العمال المهاجرين القادمين من البلدان الآسيوية.

وقد أدخلت عدة بلدان في السنوات الأخيرة تضييقات قانونية على وظائف لا يمكن شغلها إلا من قبل مواطنيها مثلما حدث في الكويت بعد التحرير، او في السعودية التي خصصت بعض الوظائف كسائقي سيارات الأجرة، وموظفي مصالح الحج والعمرة وأقسام العلاقات العامة والمعارض وغيرها من المهن للمواطنين السعوديين.

وفي الوقت الذي تختبر فيه كل دول الخليج إجراءات تحديدية، ينقل التقرير عن بعض الخبراء أن ما يليق بالمنطقة في مجال العمالة المهاجرة هو “توفير شروط إقامة سوق عمالة عربية بتأسيس منطقة تجارة عربية يُسمح فيها بحرية تنقل الأشخاص من كل الجنسيات العربية على غرار نموذج الاتحاد الأوربي”، لكن التقرير لم يُغفل الإشارة إلى التحديات التي تقلل من حظوظ إنجاز مثل هذا المقترح وفي مقدمتها الحروب المتعاقبة التي عرفتها منطقة الخليج.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية