العمالة المنزلية تحصل على معاهدة “تاريخية”.. في انتظار التطبيق
تحت تصفيقات حارة صاحبتها دموع الفرح، اعتمدت منظمة العمل الدولية يوم 16 يونيو الجاري في جنيف معاهدة لحماية عشرات الملايين من عمال المنازل في جميع أنحاء العالم.
وبموجب الآلية القانونية الدولية الجديدة، يفترض أن يـستفيد ما يُقدر بـ 100 مليون من خدم البيوت من الحق في الإجازات، وعطلة الأمومة، والتأمين ضد البطالة، وعدم تجاوز ساعات العمل العادية.
يوم الخميس الماضي، صوّت مندوبو الحكومات وأرباب العمل والنقابات في الدورة الـ 100 لمنظمة العمل الدولية التي تتخذ من جنيف مقرا لها بـأغلبية 396 صوتا مقابل 16 (وامتناع 63 عن التصويت) لصالح المعاهدة الخاصة بالعمالة المنزلية.
“أنا مبتهجة جدا. لقد انتظرت هذه اللحظة منذ سنوات”. جاءت هذه الجملة على لسان شورلي برايس، التي أدلت بشهادتها لـ swissinfo.ch وهي تبكي من الفرحة والتأثر. وأضافت برايس، التي حضرت أعمال المؤتمر رفقة خادمات بيوت أتين من مختلف أنحاء العالم: “لقد تعرضت لسوء المعاملة والضرب، والآن، نحن حصلنا على الحرية”.
من جهته، أعرب وزير العمل البرازيلي كارلوس روبيرتو لوبي عن دعم بلاده للتصويت لصالح اعتماد المعاهدة. وقال في المؤتمر مخاطبا الحضور على إثر عملية التصويت: “هذه خطوة حاسمة للقضاء على التمييز. إن الدول الـ 184 المُمثلة هنا (أثبتت أن) لديها ضمير اجتماعي يعرض هذه الإمكانية على ملايين الأشخاص الذين يُعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية”
أما سويسرا فترى أن الاتفاقية تشكل “حماية أفضل” لعمال المنازل في مختلف بقاع العالم. “ولهذا السبب ومن باب (روح) التضامن، صوتت سويسرا لصالح المعاهدة”، مثلما أوضح أحد ممثلي الحكومة السويسرية الذي أضاف في المقابل: “لكننا نود التأكيد على أن الاتفاقية تحدد المعايير وأنها مُفصــلة جدا. وسيتعين علينا (من الآن فصاعدا) النظر في الممارسات الوطنية، وعندها فقط سوف تكون سويسرا في وضع يُمـــَكنها من اتخاذ قرار بشأن إمكانية التصديق”.
عقود مكتوبة
المعاهدة الجديدة، المُرفقة بتوصية، تطلب من الحكومات بأن تضمن استيعاب العمال المنزليين لحقوقهم، ومن الأفضل أن يكون ذلك من خلال عقود مكتوبة.
وتتضمن الوثيقة بنودا تنص على منح خدم البيوت قسطا من الراحة لمدة 24 ساعة متصلة على الأقل كل أسبوع. كما تمنع أرباب العمل من مطالبة العمال المنزليين بالبقاء مع أسر صاحب العمل أثناء الإجازة السنوية أو أيام الراحة.
وبالرغم من المفاوضات المكثفة التي سبقتها، حظيت المبادرة بدعم واسع النطاق، وخاصة من البلدان التي تضم أعدادا كبيرة من العمال المنزليين، مثل الفلبين، وأندونيسيا، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، فضلا عن الولايات المتحدة ودول الخليج.
وعلى أساس تجميع إحصائيات وطنية، قالت منظمة العمل الدولية إن عدد العمال المنزليين كان لا يقل عن 52,6 مليون في عام 2010، ولكن يــُعتقد أن العدد الحقيقي ربما يقارب 100 مليون حول العالم.
ضحايا للاستغلال وسوء المعاملة
ويظل عمال المنازل من بين أكثر الفئات التي تتعرض للاستغلال وسوء المعاملة، بحيث يــُطلب منهم العمل لساعات طويلة وغير منتظمة مقابل أجر منخفض، دون التمتع بما يكفي من الراحة. ويعاني خدم البيوت الذين يسكنون في بيت رب العمل، على وجه الخصوص، من الاضطرار إلى الاستجابة للأوامر في أي وقت من أوقات اليوم. كما أنهم يُقصون إلى حد كبير من الحماية الاجتماعية مثل إعانات الأمومة والضمان الاجتماعي.
وستدخل الاتفاقية الجديدة حيز التنفيذ بعد التصديق عليها من قبل بلدين فقط. ويمكن للدول أن تختار عدم التوقيع عليها، مما يمكن أن يقلل من تأثير المعاهدة. ولكن مؤيديها يقولون إن قوتها تكمن في أنها وضعت جملة من المعايير، وأن الضغط الذي يمكن أن تمارسه الدول الأعضاء على بعضها البعض قد يكون له نوع من التأثير.
وتقول نيشا فاريا، من منظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان: “إن البلدان التي لن تساير الركب سوف تشعر بالضغط، وبأنها لا تواكب المعايير المعاصرة”. وأوضحت هذه الباحثة المعنية بحقوق المرأة في البيان الصادر عن نفس المنظمة بمناسبة تبني المعاهدة الجديدة أن “التمييز ضد النساء وضعف تدابير الحماية القانونية سمحت بانتهاك حقوق عاملات المنازل واستشراء هذه الانتهاكات في كل أنحاء العالم. هذه المعاهدة الجديدة هي اعتراف تأخر كثيراً بأن العاملين بالتدبير المنزلي ورعاية الأطفال والاهتمام بشؤون البيوت هم من العمال المستحقين للاحترام والمعاملة أسوة بالعمال الآخرين بموجب القانون”.
إشكالية مُستمرة..
تشير بعض المعطيات إلى أن عدد عمال المنازل غير المسجلين لدى السلطات في سويسرا يناهز حاليا 50000 شخص، ولكن الخبراء يعتقدون بأن هذا الرقم لا يمثل سوى نصف العدد الحقيقي.
وتقول مارتين بانيو، المتخصصة في شؤون عمالة المنازل بــ “نقابة العاملين في مختلف المهن”، التي تتخذ من جنيف مقرا لها، إن الوضع في سويسرا كان بالفعل “متقدما جدا مقارنة مع دول أخرى”.
وقد اعتمدت سويسرا نموذجا مرجعيا موحدا لعقد العمل الخاص بخدم المنازل، دخل حيز التطبيق يوم 1 يناير2011. ويُفترض بموجبه أن يتقاضى عمال المنازل ما لا يقل عن 18,50 فرنكا في الساعة الواحدة (17,40 دولار أمريكي). وطُلب من الكانتونات السويسرية الستة والعشرين تكييف قوانينها المتعلقة بفرض حد أدنى للأجور بحلول 31 ديسمبر 2013، باستثناء كانتون جنيف، الذي كان قد وضع بعد، بمبادرة منه، مبادئ توجيهية خاصة بالحد الأدنى للأجور.
وتقول بانيو إن اعتماد “الحد الأدنى للأجور هو خطوة كبيرة إلى الأمام، ولكن القطاع ما زال يعاني من الكثير من التجاوزات. نحن نلتقي بالكثير من الأشخاص الذين يتقاضون 600 إلى 700 فرنك فقط في الشهر، وآخرين طُردوا بدون سابق إنذار”.
كما انتقدت بانيو تطبيق الحد الأدنى الوطني للأجور فقط على الموظفين الذين يعملون أكثر من خمس ساعات في الأسبوع، مشيرة إلى أن المرسوم الجديد الذي اعتمدته الحكومة يوم 6 يونيو الجاري، والذي يضبط شروط الدخول والإقامة والعمل في سويسرا بالنسبة لفئة مُعينة من عمال المنازل لدى أعضاء البعثات الأجنبية وموظفي المنظمات الدولية المستفيدين من الامتيازات والحصانات والتسهيلات في سويسرا، يفرض حدا أدنى آخر للأجور براتب صافي (1200 فرنك) يقل عن الذي ينص عليه نموذج العمل الوطني.
هذا الفرق أثار غضب العديد من النقابيين في سويسرا، ومن أبرزهم لويس سيد، الذي أسس في جنيف في عام 1990 “نقابة بلا حدود” التي تدافع عن العمال المنزليين لدى موظفي البعثات الدبلوماسية. وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، وصف سيد المرسوم الحكومي الجديد (6 يونيو 2011) بـ “الكارثة” وبـ “خطوة إلى الوراء”، مشيرا إلى أنه يدافع حاليا عن قرابة 30 حالة تخص خادمات تعملن بأجور زهيدة.
انعقدت الدورة المائة لمنظمة العمل الدولية في جنيف من 1 إلى 17 يونيو 2011.
من أبرز الأعمال التي شهدتها دورة هذا العام، تقديم تقرير المدير العام بشأن الحاجة لحقبة جديدة من العدالة الاجتماعية، ونشر تقريرا عن وضع العمال في الأراضي المحتلة ، وتقرير جديد حول أشكال عمل الأطفال الخطرة.
من أهم المشاركين في الدورة: المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التانزاني جاكايا كيكويتي، ورئيسة الكنفدرالية السويسرية ووزيرة خارجيتها ميشلين كالمي-ري.
انتخبت سويسرا في اللجنة التنفيذية لمنظمة العمل الدولية للفترة الممتدة من 2011 إلى 2014.
(بالاشتراك مع إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.