المغرب: تساؤلات وتخوفات من المشروع المَلَـكي حول “الجهوية المتقدمة”
فتَـح تنصيب العاهِـل المغربي الملك محمد السادس لجنة استِـشارية لوضْـع مشروع لنظام الجهوية بالمغرب، الباب على أسئلة كان الكثير منها مُـتداولا بهذه الصيغة أو تلك، حول إعادة هيكلة النظام السياسي والإداري في بلد يَـعرف تنوّعا جُـغرافيا وبشريا، عَـرف طِـوال تاريخه حُـكما مركزيا قويا ضمَـن له وِحدته، وحول مخاطِـر المشروع الجديد على هذه الوحدة.
و”بعيدا عن اللّـجوء للتقليد الحرفي أو الاستنساخ الشّـكلي للتّـجارب الأجنبية”، فإن الملك محمد السادس يرى أن الجِـهوية المُـقترحة، ترتكِـز على “التشبّـث بمُـقدّسات الأمة وثوابِـتها، في وِحدة الدولة والوطن والتراب”، لأن “الجهوية الموسّـعة، يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميّـز المغربي، الغنِـي بتنوّع روافده الثقافية والمجالية، المُـنصهرة في هوية وطنية موحدة”.
ويُـشدد على الالتزام بالتضامن، “إذ لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرّد توزيع جديد للسلطات، بين المركز والجهات. فالتنمية الجهوية لن تكون متكافِـئة وذات طابع وطني، إلا إذا قامت على تلازُم استِـثمار كل جهة لمؤهِّـلاتها، مع آليات ناجِـعة للتّـضامن المجسّـد للتكامل والتّـلاحم بين المناطِـق، في مغرب موحّـد”. و”اعتماد التّـناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات وتفادي تداخُـل الاختِـصاصات أو تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات و”انتهاج اللاتمركُـز الواسع، الذي لن تستقيم الجهوية، بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجِـعة، قائمة على التناسق والتفاعل”.
“معايِـير عقلانية وواقعية، لمنظومة جهوية جديدة”
المشروع الذي طلب العاهل المغربي إعداده من لجنة استشارية (21 شخصية بارزة في ميادين الإدارة الترابية والاقتصاد والمال والتعليم والفِـكر والجغرافيا والتاريخ، برئاسة عمر عزيمان، سفير المغرب الحالي لدى إسبانيا ووزير سابق لحقوق الإنسان)، يجب أن يكون جاهِـزا قبل نهاية يونيو القادم، من خلال ورش وطنية تشارك فيها مختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أجل “إيجاد جهات قائمة الذّات وقابلة للاستمرار من خلال بلْـوَرة معايِـير عقلانية وواقعية، لمنظومة جهوية جديدة”.
ونتيجة المشروع يجب أن تكون “انبِـثاق مجالس ديمقراطية، لها من الصلاحيات والموارد ما يمكِّـنها من النهوض بالتنمية الجهوية المُـندمجة. فجهات مغرب الحكامة الترابية الجيِّـدة لا نريدها جِـهازا صوريا أو بيروقراطيا، وإنما مجالس تمثيلية للنُّـخب المؤهّـلة لحُـسن تدبير شؤون مناطقها”.
“مغامرة تُـهدد وحدة البلاد”
وإذا كان ما تضمّـنه خطاب الملك محمد السادس قد لقي ترحيبا واسعا من الأحزاب المغربية وحفلت البيانات والتصريحات بالإشادة بالخطاب وما حمله من إشارات نحو ديمقراطية، ذاهب النظام السياسي والاقتصادي والإداري إليه، فإن مهمّـة اللجنة الاستشارية لن تكون سهلة، وستكون ومشروعها ليس أمام امتحان صعب فحسب، بل “مغامرة” تدخُـلها البلاد قد تودي بلحمتها الوطنية، حسب المفكر الدكتور عبد الله ساعف، وزير التربية الأسبق والباحث والأستاذ في كلية الحقوق بالرباط.
ويقول الدكتور الساعف لـ swissinfo.ch، إن المهمة الأساسية للنخبة بالمغرب خلال المرحلة القادمة هي إصلاح الدولة المركزية المُـثقلة بمهام تفُـوق طاقتها وقُـدرتها، وأن مشروع الجهوية هو أحد الأوراش التي تفكِّـر الجهات العُـليا بأنه الطريق لهذا الإصلاح، لأنها مُـضطرة لتخفيف الثِّـقل عن كاهِـلها بتوزيع جُـزء منه على الجهات.
ويُـبدي الساعف مخاوِفه من أن تذهب الجهوية، في ظِـل الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية التي تعرفها الدولة، إلى مغامرة تُـهدِّد وِحدة البلاد والمُـجتمع التي وضعها العاهل المغربي في خطابه شرْطا من الشروط الأربع للجهوية الموعودة، لأنه “لا يُـمكن لدولة مرمزية مريضة، أن تنتج جهوية ديمقراطية سليمة”.
ويستطرد الدكتور الساعف قائلا: “المغرب، وإذا كان قد استطاع خلال العقود السابقة أن يُـقلِّـص من تأثير القبلية والمناطِـقية، فإن الاندماج الوطني لا زال هشّـا”، موضحا أن “هناك قضية الصحراء وما تعنيه من نزوع جزء من المجتمع نحو الانفِـصال، وهناك الحركات الأمازيغية التي، وإن كانت لا تُـطالب بالانفصال، إلا أنها تعتقد بحقّ بالتميّـز”.
ويعتقد توفيق بوعشرين، رئيس تحرير يومية “أخبار اليوم” أن هناك إمكانية لورش متزامنة للإصلاحات في الدولة المركزية والذهاب نحو الجهوية، لكنه يُـبدي خشيته من الجِـدية في الوصول إلى الجهوية المتحدَّث عنها.
ويقول بوعشرين لـ swissinfo.ch، إن المغرب خلال السنوات العشر الماضية، مرّ بتجربتيْـن للوصول بالانتقال الديمقراطي إلى منتهاه، أي دولة مركزية ديمقراطية بمؤسسات ذات مِـصداقية تُـمارس صلاحياتها، وهي تجربة التّـناوب الديمقراطي التي قاد حكومتها عبد الرحمن اليوسفي، وتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، بما تحمِـله التّـجربتان من مفاهيم عن دولة جديدة تنحُـو باتِّـجاه الديمقراطية من خلال إعطاء صناديق الاقتراع سُـلطة التناوب على تدبير الشأن العام، ومن خلال إقرار الدولة بطيِّـها لصفحة الانتِـهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإقرار بدولة القانون.
ويتّـفق الساعف وبوعشرين على أن المغرب بعد تلك السنوات، يعيش حالة تمركُـز القرار بالقصر الملكي مع تهميشٍ واضحٍ للحكومة والسلطة التشريعية، بمجلسيْـها، بالإضافة إلى عدم استقلالِـية القضاء، وأن هذه الحالة تؤشِّـر على صعوبة إقامة ديمقراطية جهوية تمنح النُّـخب الجهوية صلاحية تدبير شؤون جِـهاتها الاجتماعية والاقتصادية (من صحة وتعليم واستثمار وبنية تحتية)، وأيضا في ظِـلّ عدم الحَـسم بين ما هو وطني/مركزي وما هو جِـهوي.
صعوبات جمة متوقعة
ويرى المفكِّـر عبد الله ساعف أن صعوبات جمة ستُـواجه اللجنة الاستشارية للجهوية في رسم الخارطة الجغرافية للجِـهة (المغرب الآن مقسّـم إلى 16 جهة)، حيث أن الحدود ستحمل أبعادا إثنية وقبلية قد تنعش بعض مظاهرها المُـعرقلة للدولة العصرية الحديثة، بعد أن نجحت من خلال التّـعديلات على الخريطة الجغرافية للجهات خلال الثمانينات والتسعينات في تقليص تأثيراتها على تدبير شؤونها وتفكيك الكثير من الروابط القبلية أو المناطقية، التي كانت “شِـبه مُـقدَّسة” قبل ذلك.
كما يرى الساعف صعوبة أمام عمل اللجنة آتية من غُـموض المفاهيم والآفاق النهائية التي يكتنف مرجعيات عملها، وتتمثل في خطابي العاهل المغربي يوم 6 نوفمبر الماضي ويوم 3 يناير الجاري، ومُـقترح الحكم الذاتي الموسّـع للصحراء ومدى حرية اللجنة، ومعها الأطراف والفعاليات التي ستتشاور معها في التعمُّـق والبحث في المفاهيم والآفاق.
الجهوية ونزاع الصحراء
ويُـقر الفاعل السياسي بمُـختلف توجّـهاته أن لنزاع الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو علاقة مُـباشرة بمشروع الجِـهوية، والعاهل المغربي أكد في خطاب تنصيب اللّـجنة الاستشارية للجهوية، أن في صُـلب الأهداف الأساسية للمشروع، جعْـل المناطق الصحراوية “في صدارة الجهوية المتقدّمة”، لأن “المغرب لا يمكن أن يبقى مكْـتُـوف اليديْـن أمام عرقلة خصوم وِحدتنا الترابية للمسار الأممي، لإيجاد حلّ سياسي وتوافُـقي، للنزاع”، على أساس مبادرة للحُـكم الذاتي التي اقترحها المغرب كحلِّ دائم ونهائي.
هذه العلاقة بين الجِـهوية ونزاع الصحراء، بالنسبة للساعف وبوعشرين، علامة غير مُـريحة، لأن الدول مثل ألمانيا وإسبانيا وسويسرا، وصلت إلى نظام المقاطعات أو الجهوية أو اللامركزية، بعد تطوُّر مُـجتمعي وتحوّلات وصِـراعات، توافق المجتمع على أن هذا النظام هو الضّـمان للوحدة والاستقرار ولم يكن نظاما لحلّ أزمة مثل نزاع الصحراء، يتداخل فيها الداخلي مع الإقليمي مع الدولي.
وإذا كان صانع القرار المغربي يقترح الانطِـلاق من الصحراء نحو الجهوية الموسّـعة كنظام إداري للمغرب، مع مواصلة تأكيده على الذّهاب مع الامم المتحدة نحو حل سياسي متوافق عليه على أساس الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، فإن لجبهة البوليساريو التي تنازِع المغرب على السيادة بدعم جزائري، كما أعلنت سابقا رفضها لمشروع الحُـكم الذاتي، أعلنت فورا رفضها للجهوية، لأن الصحراء الغربية بالنسبة لها ليست منطقة مغربية، والأطراف الدولية، خاصة فرنسا والولايات المتحدة، التي عبّـرتا عن تقديرهما للمبادرة المغربية، لم تجسِّـدا تقديرهما في قرار بمجلس الأمن الدولي، مرجعية التسوية السلمية للنزاع، يلزم الأطراف بالتفاوض على أساسه.
مشروع يسير على حبل رفيع
وما بين الصحراء الغربية وبقية الجهات المغربية وما بين الجهة والحكم الذاتي بالصحراء، يسير مشروع الجهوية الذي لم يَـرَ النور بعدُ، على حبل رفيع، إذ أن مشروع الجِـهوية يهدِف في العمق إلى جعل الصحراء، ديمقراطيا واجتماعيا وإداريا واقتصاديا، منطقة جاذبة مغربية، ليس فقط للصحراويين اللاجئين في مخيمات تندوف، بل أيضا للأطراف الدولية لكي تتّـخذ منها مُـنطلقا للضّـغط على جبهة البوليساريو من أجل القَـبول بحلٍّ سياسي يضمَـن للصحراويين تدبير شؤونهم تحت السيادة المغربية.
محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch
الرباط (رويترز) – قالت مصادر رسمية يوم الاثنين إن العاهل المغربي الملك محمد السادس أجرى تعديلا وزاريا عين بمقتضاه خمسة وزراء جددا على رأسهم وزير جديد للداخلية.
وقالت وكالة المغرب العربي للانباء إن عاهل المغرب عين الطيب الشرقاوي الذي شغل عدة مناصب في سلك القضاء وزيرا للداخلية ليحل محل شكيب بنموسى.
وقضى بنموسى أكثر من ثلاث سنوات وزيرا للداخلية وتميزت فترته بمراقبة نشاط الاسلاميين المتشددين وتفكيك عدد من الخلايا الارهابية.
يأتي هذا التعديل بعد أقل من 24 ساعة على تعيين العاهل المغربي للجنة الاستشارية للجهوية والتي تهدف الى “بلوغ أهداف جوهرية وفي مقدمتها ايجاد جهات قائمة الذات من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة”.
وتأتي الاقاليم الصجراوية في مقدمة اهتمامات العاهل المغربي اذ قال في خطاب وجهه مساء الاحد ان “الاقاليم الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة بالمغرب.”
وعلق المحلل السياسي محمد ضريف لرويترز بقوله “سياسة الجهوية التي يريد المغرب نهجها ستبدأ في القريب ومن هنا يبدو أن وزيرا للداخلية متمرسا في الشؤون القانونية سيقوم بالمهمة على أفضل وجه.” وأضاف “هذا ليس انتقاصا من حنكة وتمرس بنموسى الذي أنهى مهامه.”
كما عين العاهل المغربي أربعة وزراء جددا هم محمد الناصري وزيرا للعدل محل عبد الواحد الراضي وياسر الزناكي وزيرا للسياحة والصناعة التقليدية بدلا من محمد بوسعيد وادريس لشكر وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان ليحل محل محمد سعد العلمي الذي عينه وزيرا منتدبا لدى الوزير الاول مكلفا بتحديث القطاعات العامة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 يناير 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.