الناخبون السويسريون يرفضون تعزيز مكافحة التدخين السلبي
أظهرت نتائج الاقتراعات الفدرالية ليوم 23 سبتمبر 2012 أن الناخبين عملوا بتوصيات الحكومة السويسرية بحيث رفضوا، وبأغلبية واضحة، المبادرة الشعبية الداعية إلى اعتماد تشريعات أكثر صرامة من أجل ضمان حماية أفضل للسكان من التدخين السلبي.
كما رفض السويسريون بأغلبية بسيطة مبادرة “سكن آمن للمتقاعدين”، في حين وافقوا بأغلبية مريحة على المرسوم الفدرالي المتعلق بالتشجيع على التكوين الموسيقي للشباب.
يحظر القانون الفدرالي الحالي ضد التدخين السلبي، والذي دخل حيز النفاد في مايو 2010، التدخين في الفضاءات العمومية أو في أماكن العمل التي يشتغل فيها أكثر من شخص. ولكنه يسمح ببعض الاستثناءات في قطاعي الفندقة والمطاعم، حيث يمكن تخصيص قاعات منفصلة بتهوئة جيدة للمدخنين وخدمتهم فيها. كما يُسمح للمحلات التي تقل مساحتها عن 80 متر مربع الترخيص بالتدخين فيها بالكامل إن رغبت في ذلك.
ولكن هذا القانون الفدرالي هو مجرد حد أدنى، إذ أن الكانتونات تظل تتمتع بحرية سن قواعد أكثر صرامة. واليوم يكتفي 11 كانتونا فقط (من أصل كانتونات سويسرا الـ 26) بتطبيق التشديدات “البسيطة” الواردة في القانون الفدرالي، في حين تبدي الكانتونات الـ 15 المتبقية قدرا أشد من الصرامة.
لذلك دعت المبادرة الشعبية “الحماية من التدخين السلبي” إلى وضع حد للاستثناءات المختلفة الممنوحة لقطاعي الفندقة والمطاعم، بغية توحيد القواعد في كافة أنحاء البلاد والالتزام بالسلوكيات التي فرضتها الكانتونات الأكثر صرامة في هذا المجال.
ارتياح قطاعات الفندقة والمطاعم والتبغ
غير أن الناخبين السويسريين كان لهم رأي آخر بحيث رفضوا المبادرة بقرابة 66% من الأصوات، مما أثار ارتياح رابطة الشركات السويسرية economiesuisse، واتحاد الفنادق السويسري اللذين كانا يخشيان من التأثيرات الاقتصادية على قطاعي المطاعم والفندقة، خاصة وأنهما استثمرا أموالا كثيرة للتكيّف مع متطلبات القانون الفدرالي لعام 2010، لاسيما لتجهيز القاعات الخاصة بالمدخنين.
قطاع التبغ رحب أيضا بنتيجة التصويت على المبادرة ضد التدخين السلبي. وضمن هذا السياق، قال هانس هيس، نائب حزب الشعب الليبرالي الراديكالي ورئيس تجمع التجارة السويسرية في التبغ: “بعد عشر سنوات من التشديد في هذا المجال، أعرب الشعب عن رغبته في امتلاك بعض الوقت للتفكير”.
وتابع قائلا إن الناخبين أثبتوا قدرتهم على التمييز بين الأمور، مشيرا إلى أن القانون الفدرالي الذي اعتمد قبل عامين فقط كاف، وليست هنالك أية ضرورة لتعديله الآن. وبعد الإشارة إلى أن نتيجة التصويت توضح أن الناخب لا يريد تقنينا وطنيا ضد التدخين السلبي، أعرب هيس عن اعتقاده أن ذلك قد لا يمنع أصحاب المبادرة من طرح مقترحات جديدة. وذكــّر في هذا الصدد مشروعا في كانتون برن يهدف إلى حظر تام للتدخين.
وفيما يخص الحماية من التدخين السلبي، يراهن قطاع التبغ في سويسرا على تطور الأبحاث التقنية، إذ قال هيس بتفاؤل إنه قد يصبح ممكنا يوما ما تصفية الجزيئات الضارة في دخان السجائر.
استياء وخيبة أمل
وفي صفوف أصحاب المبادرة الشعبية ومؤيديها، كانت الصفعة قوية، بحيث أعرب الاتحاد السويسري لأمراض الرئة عن استغرابه وخيبة أمله عقب الرفض الواضح لأغلبية الناخبين للـ”الحماية من التدخين السلبي”. وقالت مديرة الاتحاد، سونيا بينتنهارد، في محاولة تفسيرها لهذه النتيجة، إن المواطنين يبدون راضين عن مضمون القانون الفدرالي الحالي، معربة عن اعتقادها، في المقابل، أن هذا التصويت لا يعني إبداء المزيد من التسامح مع التدخين والمدخنين.
وفي ردها على سؤال حول إمكانية إطلاق مبادرات من قبل أوساط قطاع المطاعم لتخفيف القانون في الكانتونات التي تبدي قدرا أكبر من الصرامة إزاء التدخين السلبي، قالت السيدة بينتنهارد إن المعارضين “لامونا على التحرك في وقت مبكر للغاية” بعد مجرد مرور عامين على دخول القانون الفدرالي حيز النفاذ، مضيفة أنه سيكون من باب التهكم عدم أخذ هذه الحجة بإطلاقهم لمبادرة من هذا القبيل. ونوهت مديرة الاتحاد السويسري لأمراض الرئة إلى أن الحملة ضد التدخين السلبي أسهمت في رفع وعي الرأي العام بمخاطره وإلى أن الكانتونات تظل تتمتع بحرية اعتماد قوانين أكثر صرامة.
ويذكر أنه وفقا للاتحاد السويسري لأمراض الرئة، يمثل العمل لمدة ثمان ساعات في مكان يسمح فيه بالتدخين استهلاك غير المدخنين لما يتراوح بين 15 و38 سيجارة. وفي العالم، يتوفى سنويا أكثر من 600000 من غير المدخنين المعرضين بشكل لا إرادي للدخان، حسب منظمة الصحة العالمية.
“فرصة مهدورة”
من جانبه، اعتبر رئيس رابطة الأطباء السويسريين رفض المبادرة بمثابة “فرصة مهدورة”. وقال جاك دو هالير إن مسألة التصويت كانت تتعلق في نظره بمشكلة حقيقية على مستوى الصحة العمومية، لاسيما بالنسبة للأشخاص المضطرين للعمل في أماكن يــُسمح فيها بالتدخين.
وفي تصريحاته لوكالة الأنباء السويسرية، أقر دوهالير أنه لم يفاجأ بنتيجة التصويت قائلا: “كنا نشعر منذ فترة أن هذا سيحدث”، موضحا أن وقت طرح المبادرة لم يكن مناسبا، لأن التصويت على المبادرة السابقة حول نفس الموضوع يظل حديث العهد، وأن قياس نتائج وتأثيرات القانون الجديد لم يتم بعد.
ويعتقد رئيس رابطة الأطباء السويسريين أيضا أن المبادرة لم تكن واضحة بما فيه الكفاية من حيث المضمون، قائلا إنها كانت تتضمن “العديد من التعبيرات الملتبسة حول التدخين في المكتب والسيارة”. وتابع دو هالر: “إن الأمور باتت واضحة لفترة من الزمن”، مؤكدا أنه لا ينبغي التراجع عما تم تحقيقه، وأن الرفض الواضح للمبادرة هذا الأحد “لا يجب أن يمثل فرصة لتفكيك ما تم وضعه من قبل الكانتونات”.
من جانبه، أعرب اتحاد النقابات السويسري عن استيائه من رفض المبادرة مؤكدا أن المواطنين قد أهدروا فرصة لتحسين حماية الصحة في أماكن العمل، وأن قبول المبادرة كان سيسمح باستبدال التشريعات الكانتونية “المرقعة” بقواعد مضبوطة تطبق على الصعيد الوطني. ويعتقد الاتحاد أنه ينبغي الآن على الكانتونات ضمان حماية العمال ضد التدخين السلبي، لأن لا أحد يجادل عواقبه الوخيمة.
وبعد رفض الناخبين للمبادرة يوم 23 سبتمبر 2012، تعتزم لجنة “الحماية ضد التدخين السلبي”، التي تحظى بدعم 50 منظمة، الاجتماع في برن قريبا للتفكير في المرحلة الموالية.
“رفض المبادرة لا يعني تحرير التشريعات الحالية”
وفي الأوساط السياسية، أعرب الحزب الديمقراطي المسيحي (وسط يمين) عن ارتياحه الكبير لرفض المبادرة حول التدخين السلبي لأنه يعتبر الحل الحالي “ممتازا”. وفي تعليقاته على النتيجة، قال رئيس الحزب كريستوف داربولي لوكالة الأنباء السويسرية: “إن الذهاب إلى أبعد من ذلك كان سيُمثل خطوة تتجاوز الحد”.
وقال ممثل كانتون فالي في مجلس النواب السويسري، والذي شارك بنشاط في الحملة المعارضة للمبادرة: “بصفتي غير مدخن، أشعر بأنني أتمتع بما يكفي من الحماية”، معربا عن اعتقاده بأن الشعب السويسري أدرك جيدا أنه سبق معالجة المشكلة وإيجاد حل لها، وأنه لم يكن من الحكمة إطلاق مبادرة شعبية حول التدخين السلبي بعد شهرين فقط من دخول القانون الفدرالي الجديد حيز التطبيق في عام 2010.
من جهته، قال رودي نوسر، النائب في مجلس النواب من الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين)، إن الشعب لاحظ أن نص المبادرة كان قد بالغ كثيرا في مطالبه، وهو يعتبر بالتالي أن مسألة حظر التدخين قضية حـــُسم الأمر فيها وأن “المنظمات المتطرفة يجب أن تعي بأنه يتعين عليها التوقف (عند هذا الحد)”.
وشدد نوزر في تصريحاته لوكالة الأنباء السويسرية على أن رفض الناخبين السويسريين للمبادرة لا يجب أن يُفسر بتصويت لصالح تحرير التشريعات الحالية، بل على العكس، هو “تصويت واضح لإبقاء الأمور على حالها”.
وأضاف النائب البرلماني أن القانون المعمول به على الصعيد الفدرالي يتسم بما يكفي من الصرامة، ومن ثم ليس من الضروري اتخاذ تدابير إضافية على المستوى القانوني، بل دعوة المدخنين إلى احترام غير المُدخنين.
حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، والحزب البورجوازي الديمقراطي (يمين) رحبا أيضا بالرفض الواضح للمبادرة. وقالت سيلين أمودرو، ممثلة الحزب الأول في مجلس النواب الفدرالي إن الحريات الفردية والمسؤولية الفردية هي التي انتصرت في نهاية المطاف، معربة عن اعتقادها أن المواطنين يتحلون بقدر كاف من المسؤولية.
وبدورها، شدّدت ممثلة كانتون جنيف في البرلمان الفدرالي، في تصريحاتها لوكالة الأنباء السويسرية على توفر قانون فدرالي يضمن بعدُ الأمن القانوني والحماية الكافية ضد التدخين السلبي، منوهة إلى أن البرلمان الفدرالي، عندما صاغ هذا القانون، أخذ بعين الاعتبار كافة جوانب التدخين السلبي، وأن القانون الحالي يحترم النظام الفدرالي أيضا.
أهمية حرية القرار للعاملين في أماكن التدخين
وبالنسبة لحزب الشعب، لا يتمثل الهدف الحالي في العودة خطوات إلى الوراء في الكانتونات الأشدّ صرامة من التشريع الفدرالي إذ قالت النائبة أمودرو: “في جنيف، على سبيل المثال، تمت الموافقة على القانون بنسبة 80%، ويجب بالتالي احترام إرادة الناخبين”.
من جهته، قال لورينس هيس، نائب الحزب البرجوازي الديمقراطي في مجلس النواب إذا كان الناخبون قد صوتوا لصالح المبادرة، كان ذلك سيعني تغيير القانون الذي اعتمد قبل عامين فقط، ولا يمثل ذلك التغيير فكرة جيدة وربما كان أحد أسباب الرفض، في رأيه.
ورحب الحزب البرجوازي الديمقراطي بقرار الشعب لأن تأثيرات المبادرة كانت ستصبح خطيرة بالنسبة للمطاعم في بعض المناطق، حسب اعتقاد لورينس هيس، الذي ذكر في هذا الصدد أن أصحاب المطاعم استثمروا للتكيف مع نص القانون الفدرالي الجديد، لاسيما بتخصيص قاعات للتدخين. وأبدى الحزب ارتياحه للحل الذي فرضه تصويت الناخبين والذي يترك هامش مناورة للكانتونات. في المقابل، أكد النائب من كانتون برن، أنه من المهم أن يتمكن الموظفون من اختيار ممارسة العمل أم لا في مؤسسة تسمح بالتدخين.
وفي موقف منعزل نوعا ما سياسيا، عبر الحزب الاشتراكي السويسري عن استيائه من نتيجة التصويت لأنه على قناعة بأن تعزيز حماية غير المدخنين كان سيتيح بدون شك القيام بخطوة هامة في اتجاه تحسين ظروف العمال.
بتصويتهم بأغلبية 72,7% من الأصوات على المرسوم الفدرالي المتعلق بالتشجيع على التكوين الموسيقي للشباب، وافق الناخبون السويسريون في اقتراعات 23 سبتمبر 2012، على الترفيع من قيمة التعليم الموسيقي في الإطار المدرسي والترفيهي، وعلى تخصيص مكانة رفيعة في الدستور للموسيقى والغناء.
كافة الكانتونات السويسرية وافقت على المرسوم، ما سيسمح بتسريع الإجراءات لاعتماده. وقد تقرر تنظيم لقاء أول بين لجنة “الشبيبة والموسيقى” والمكتب الفدرالي للثقافة يوم الخميس 27 سبتمبر 2012. وسيقدم هذا الأخير مقترحاته لتطبيق نص المرسوم.
حصلت المادة الدستورية لفائدة تشجيع التكوين الموسيقي على تأييد أكثر من 1,55 مليون صوت، في حين رفضها أزيد من 583000 ناخب.
ويوجد في صفوف الخاسرين، حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي، وأكبر حزب في البلاد من حيث التمثيل في البرلمان الفدرالي)، والحزب الليبرالي الراديكالي (يمين).
رفض الناخبون السويسريون يوم 23 سبتمبر 2012 بـ 51,7% فقط من الأصوات مبادرة “سكن آمن للمتقاعدين” التي تطالب بأن تتاح للمالكين في سن التقاعد إمكانية اختيار عدم دفع ضرائب على القيمة التأجيرية لعقاراتهم.
وعلى مستوى الكانتونات، وافقت 10 كانتونات فقط على المبادرة التي أطلقتها الجمعية السويسرية للمالكين العقاريين.
يذكر أن المالك ملزم بتسجيل ما يسمى بقيمة الإيجار لدى ملء استمارة الضرائب (أو الإقرار الضريبي)، ويتعلق الأمر بعائد افتراضي يساوي المبلغ الذي ينبغي عليه إنفاقه لاستئجار ملك عقاري مشابه لملكه. في المقابل، يمكنه اقتطاع دخل الفائدة على الرهن العقاري وكذلك التكاليف الفعلية لصيانة وإصلاح الممتلكات العقارية.
المعارضون للمبادرة أعربوا عن ارتياحهم لرفض الناخبين، ولكن الفرق البسيط بين أصوات المؤيدين والمعارضين تظهر “ضرورة القيام بإصلاح شامل للنظام”، حسب هيلديغارد فاسلر، النائبة الاشتراكية في مجلس النواب، والعضوة في لجنة معارضة المبادرة.
حظيت المبادرة الشعبية “الحماية من التدخين السلبي”، بالدعم من خمسين منظمة طبية وصحية، من بينها جمعية الرئة والإتحاد السويسري للأطباء والنقابات العمالية، وكل من الحزب الإشتراكي والخضر والإنجيلي. في المقابل، تعارضها الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان الفدرالي، إضافة إلى التجمعات الإقتصادية وأرباب العمل، ومن طرف قطاع الفنادق والمطاعم بشكل خاص. وقد أوصت الحكومة والبرلمان الناخبين برفضها.
حصلت مبادرة “سكن آمن للمتقاعدين” الشعبية على الدعم من طرف الجمعية السويسرية للمالكين العقاريين ومن عدة منظمات للأعراف من بينها منظمة أرباب العمل في قطاع البناء والإتحاد السويسري للفنون والحرف وحزب الشعب السويسري (يمين شعبوي). في المقابل، قوبلت بالرفض من طرف جميع الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان الفدرالي ومن النقابات ومن فدرالية جمعيات المتقاعدين والمساعدة الذاتية في سويسرا. وفي توصياتها، دعت الحكومة والبرلمان الناخبين إلى رفضها.
حظي المرسوم الفدرالي المتعلق بالتشجيع على التكوين الموسيقي للشباب بترحيب وتأييد الجمعية السويسرية لمدرّسي الموسيقى وبمجموعة الضغط “شباب وموسيقى” والنقابات ومن جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان باستثناء حزب الشعب السويسري والحزب الليبرالي الراديكالي اللذان يرفضانه. في المقابل، دعت الحكومة والبرلمان الناخبين إلى الموافقة عليه.
(ترجمة ومعالجة: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.