النظام السوري، هل فقد السيطرة على البلاد.. وعلى نفسه؟
الجلسة كانت مغلقة وحميمة.. وهذا ما جعل المسؤول السوري البارز ينطلق بطلاقة ليس فقط في التحليل وتقدير الموقف الإستراتيجي بل أيضاً في التمنيات وشيء من التفكير الرغائبي.
قال المسؤول، وفق مصدر شارك في الجلسة، في مجال تقدير الموقف: “الوضع كان أعقد بكثير مما اعتقدت القيادتان المدنية والعسكرية. ففي حلب، مثلاً، كانتا تتوقعان تحقيق انتصار سريع فيها خلال أسبوعين. لكن يتبّين الآن أن هذا لم يكن صحيحا. ثم إن انتصارها في حي بابا عمرو (في مارس الماضي) جعلها تظن أن حمص ستسقط كثمرة ناضجة في حضنها، بيد أن المعارك لاتزال مستمرة حتى الآن في العديد من أحياء المدينة”.
أضاف المسؤول: ” الآن نعرف أن معركة حلب ستكون طويلة، وأن معركة حمص لم تُحسم بعد على رغم التقدم الذي أحرزه الجيش النظامي فيها. وكذا الأمر في دير الزور”.
وحين سُئِل المسؤول البارز عن خطة النظام بعد هذه التطورات، اكتفى بالقول:” لايزال القادة متمسكين بضرورة السيطرة على المدن الكبرى، دمشق وحلب وحمص وحماه ودير الزور، وسيواصلون الضغط في هذا الإتجاه”.
أما في ما يتعلق بالشق الرغائبي من حديث المسؤول، فهو لم يقلّ خطورة، إذ أشار إلى أنه شخصياً يأمل أن يتوصَّل الروس والأمريكيون إلى” اتفاق ما” غداة الانتخابات الرئاسية الأمريكية (في 6 نوفمبر المقبل)، لكن من دون أن يُوضح “طبيعة الصفقة” التي يمكن أن تولد من هكذا اتفاق.
مدلولات وأبعاد
ماذا نقرأ من مدلولات في كلام هذا المسؤول؟ الكثير بالتأكيد. فإشارته إلى أن النظام يخوض حالياً، وسيواصل خوض، معركة السيطرة على المدن، هو اعتراف واضح وصريح منه بأنه فقد بالفعل ليس فقط القدرة على السيطرة على الأرياف (التي هي معظم مساحة سوريا التي تبلغ نحو 180 ألف كيلومتر مربع) بل حتى أيضاً الأمل بإمكان استعادة هذه السيطرة. أما لماذا المدن مهمة بالنسبة إليه، فلأنها تمكِّنه من الإدعاء بأنه لايزال يمثِّل السلطة الوطنية والشرعية السيادية الوحيدة في البلاد.
بيد أن هذا (أي السلطة السيادية والوطنية) بات أمراً مشكوكاً فيه للغاية، خاصة بعد أن أكدت معلومات من مصادر موثوقة لـ swissinfo.ch أن الرئيس بشار الأسد قد يكون تخلى عن تدابير حمايته التي كانت توفرها أجهزته الأمنية، وأنه يستعين بعناصر غير محددة العدد من “أطراف أخرى” غداة تفجير خلية إدارة الأزمة التي سقط فيها أربعة من أبرز قادة النظام.
إضافة إلى هذا، حصل شرخ آخر لا يقل خطورة على مستوى السيادة يتمثّل في” التدخل الكثيف للروس في كل شاردة وواردة في سورية، من التخطيط للعمليات العسكرية إلى الإشراف على النشاطات الإستخبارية والإقتصادية وحتى الإدارية في دمشق”، حسب المصادر ذاتها.
صعود المعارضة
في مقابل هذه الخلخلة الواضحة في صرح النظام، التي تعني أنه لم يفقد السيطرة على معظم أراضي البلاد بل حتى أيضاً على نفسه، بدأت المعارضة المسلحة تحقق تقدماً ملموساً على جبهات عدة أهمها:
أولاّ، قرب الإنتهاء من تدريب وتسليح وتجهيز قوات ضاربة من منشقين عن الجيش النظامي قوامها نحو 20 ألف جندي وضابط، في معسكرات خاصة أقيمت لهذا الغرض بإشراف خبراء أتراك وأمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وبتمويل قطري- سعودي، في كل من تركيا والأردن. هذه القوات ستكون نواة لجيش سوري جديد سيُعاد بناؤه ليس فقط لمنع تشظي البلاد كما حدث في العراق بل أيضاً لدمج أكثر من 400 كتيبة شبه عسكرية تقاتل الآن في كل مكان، ولضرب العناصر الجهادية التي دخلت على خط الثورة السورية من 11 دولة ويقدَّر عددها بالمئات.
ثانياً، نجحت المعارضة المسلحة في إحباط جهود النظام لإعادة السيطرة على المدن، وقد تلجأ قريباً إلى معاودة محاولة السيطرة على بعض أحياء دمشق بعد أن تمكَّنت من إعادة بناء مواقعها في ريفها. كما أنه تستعد لشن هجمات مركزة على مدينة الرقة في الشرق التي حوّلها النظام إلى خط إمدادات أساسي له.
ثالثاً، نجحت المعارضة كذلك في إقامة منطقة عازلة، كأمر واقع، في شمال البلاد على طول الحدود مع تركيا، ولم يبق الآن إلا إضفاء الغطاء الدولي عليها لشل قدرات الجيش النظام الجوية والمدرعة، بهدف تحويلها إلى ملاذ آمن لمئات آلاف اللاجئين السورييين وأيضاً للقوات النظامية التي ينتظر أن تنشق فور الإعلان عن قيام مثل هذه المنطقة.
الحلقة السورية
هذه التطورات دراماتيكية بكل تأكيد، لكنها ستصبح أكثر دراماتيكية بعد انتهاء الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، بغض النظر عن الفائز فيها. إذ أن الولايات المتحدة ستكون مندفعة إما إلى عقد صفقة لتقاسم السلطة (كوندومنيوم) مع روسيا في سوريا كما “أمل” المسؤول السوري الرفيع، أو (في حال تعذر الصفقة) ستعمد إلى رمي ثقلها كاملاً إلى جانب القطاع الذي ترتاح إليه في المعارضة المسلحة السورية، والذي يُرجّح أن يكون القوة التي يجري بناؤها الآن.
أما لماذا يبدو التدخل الأمريكي حتميا، على عكس كل توقعات أصحاب نظريات المؤامرة الذين يتحدثون عن “تواطئ أمريكي مع إيران والنظام السوري”، فلسبب بسيط يتمثل في أن تغيير نظام دمشق ليس سوى حلقة لا بد من استكمالها من حلقات استراتيجية “تغيير كل الأنظمة الشرق أوسطية” التي وُضعت في الولايات المتحدة منذ العام 2001، والتي ترجمت نفسها حتى الآن في مصر وتونس وليبيا واليمن، والعدّ مستمر. وسوريا لن تكون حتماً “استثناءً” لهذه القاعدة.
جنيف (رويترز) – قالت مفوضةالأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي إن الوضع في سوريا يعيد إلى الأذهان الحرب الطائفية في البوسنة ودعت القوى العالمية يوم الخميس 18 أكتوبر 2012 إلى الاتحاد في محاولة وقف إراقة الدماء.
وقالت بيلاي “يجب أن تكون ذكريات ما حدث في البوسنة والهرسك حية بما يكفي لتحذرنا جميعا من خطر السماح بانزلاق سوريا إلى صراع طائفي شامل”.
وأضافت للصحفيين “يجب ألا يتطلب الأمر شيئا مروعا مثل سربرنيتشا ليهز العالم ويدفعه إلى اتخاذ إجراءات جادة لوقف هذا النوع من الصراع”.
ومذبحة سربرنيتشا التي وقعت في يوليو من عام 1995 هي أسوأ المذابح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وكان أفراد هولنديون في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قد انسحبوا من منطقة اعلنتها المنظمة الدولية منطقة آمنة فتقدمت قوات صرب البوسنة وقتلت ثمانية آلاف رجل وصبي مسلم واستخدمت جرافات لوضع جثثهم في حفر.
وقالت بيلاي وهي قاضية سابقة في جرائم الحرب في الأمم المتحدة إن طرفي الصراع في سوريا يمكن ان يكونا قد ارتكبا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وأضافت “استخدام القوات الحكومية للأسلحة الثقيلة دون تفرقة لتدمير قطاعات كبيرة من المدن مثل حمص وحلب لا يوجد ما يبرره وكذلك استخدام جماعات المعارضة المتطرفة للقنابل الضخمة التي تقتل وتشوه المدنيين والأهداف العسكرية.”
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 أكتوبر 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.