انهيار صيغة التحالف العلوي- السنّي القديمة في سوريا
وزير الإعلام السوري عمران الزعبي كان على حق حين قال أن انشقاق رئيس الحكومة رياض الحجاب "لن يؤثر على الدولة السورية"، لكن ليس للأسباب التي أوردها وهي أن سورية "دولة مؤسسات لا أفراد".
السبب الحقيقي هو أن رئيس الحكومة السورية السنّي حجاب، (وأي رئيس حكومة في الواقع، في ظل النظام الحالي) يملك ولا يحكم. وهو (ومعه كل وزرائه، ربما عدا وزير الدفاع) ليس جزءاً من الحلقة الداخلية الحاكمة.
السلطة الحقيقية، كما هو معروف، موجودة في التركيبة المخابراتية- العسكرية التي تسيطر عليها الأقلية العلوية. ولذا، وكما قال الزعبي عن حق، أي أنشقاق لأفراد مهما علت رتبهم لن تؤثر على توجهات الدولة السورية. لكنه نسي أن يضيف جملة شرطية واحدة “.. إلا إذا كانوا اعضاء علويين في التركيبة الأمنية”.
القشة والبعير
لكن، وعلى رغم كون انشقاق رئيس الحكومة هزّة رمزية للنظام أكثر منها ضربة فعلية قاتلة، إلا أن مضامينها البعيدة والحقيقية قد تكون أخطر بما لا يقاس حتى من الضربة القاتلة.
إذ أن خطوة حجاب ربما تكون القشة الأخيرة التي ستقسم ظهر بعير صيغة التحالف العلوي- السنّي القديمة التي حاكها بذكاء الرئيس السابق حافظ الأسد، والتي تضمنت التالي: إحكام سيطرة الأقلية العلوية على النظام الأمني- العسكري- السياسي برمته، بما في ذلك بالطبع رئاسة الجمهورية ذات الصلاحيات المطلقة، ومنح سنّة المدن حرية العمل الاقتصادي (“دعه يعمل دعه يمر”، تجارياً)، وإشراك سنّة الأرياف في مناصب عليا سياسية لكن غير مُقررة ولا متصلة بالحلقة الأمنية الداخلية (نواب الرئيس، وزير الخارجية، رئاسة الحكومة، السياحة والاصطياف.. ألخ).
هذه الصيغة هي التي بدأت على ما يبدو بالانهيار، بعد ان هجرها رمزها الأول رئيس الحكومة، وقد تجلب معها إلى الهاوية قريباً كل بنية الدولة السورية.
لماذا؟
لأن بنية هذه الدولة تعتمد بكثافة على البيروقراطيين والمسؤولين السنّة. وهؤلاء بدأوا يدفعون ثمن تركيز النظام منذ اللحظة الأولى لأندلاع الثورة الحالية على استثارة عصبية الأقليات العلوية والدزرية والمسيحية ضد الأغلبية السنيّة، فيضعهم في غربة كاملة عن مجتمعهم الأهلي، والجغرافي، والمذهبي.
فضلاً عن ذلك، التدمير والعنف العاري اللذين مارسهما، ولا يزال، النظام ضد مدن تاريخية كحلب ودمشق وحمص وغيرها والتي تشكّل جزءاً حيوياً وأساسياً من كلٍ من الهوية الوطنية والقومية السورية ومن المصالح الاقتصادية للسنّة، سيدفع في نهاية المطاف بيروقراطيي الدولة إلى الانشقاق عنها وتركها لتلقى مصير كل الدول الفاشلة (Failed states ) الأخرى.
وإذا ماحدث ذلك، وهو سيحدث حتما، ستجد النخبة العلوية الحاكمة نفسها وقد تحوّلت إلى مجرد ميليشيا أشبه بالفرق الإنكشارية التي كانت تعيث فساداً في المدن السورية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بسبب غياب الوجود الفعلي للدولة. وهذا المصير الميليشياوي سيتغذى إلى حد بعيد من حقيقة أرفاض السنّة على نحو متزايد عن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان الغلالة الإديولوجية التي تخفت خلفها السلطة العلوية الطائفية، تماماً كما كان صدام حسين يتلطى وراء قومية حزب البعث نفسه لتبرير سلطته الأقلاوية المطلقة.
صيغة جديدة
بكلمات أوضح: هجران السنّة لصيغة حافظ الأسد، سيجعل العلويين في السلطة مجرد علويين: فلا هم قوميون عرب، ولا هم وطنيون سوريون, وهذا سيشرع الأبواب على مصراعيها أمام حرب أهلية سنيّة- شيعية لا تبقى ولا تذر، وقد تستمر لسنوات مديدة في حال لم تغيّر موسكو وطهران موقفيهما وتوافقان على مرحلة انتقالية في البلاد من دون عائلة الأسد.
أي مرحلة انتقالية؟ حسنا. ربما الواقعية السياسية هنا قد تكون مفيدة ومطلوبة. فالحديث عن الديمقراطية والحريات وبناء دولة حديثة شاملة لكل أبناء سورية، صحيح وضروري، لكنه في الواقع خارج سياقات الأمر الواقع السوري الراهن. فالمرحلة الانتقالية يجب أن تتضمن الدعوة إلى مؤتمر طائف على النمط اللبناني، لوضع أسس صيغة سياسية جديدة للمشاركة في السلطة بين العلويين والسنّة. صيغة سيخسر فيها العلويون حتماً هيمنتهم المطلقة على السلطة، لكنهم سيربحون في المقابل دوراً رئيساً كشريك في الدولة الجديدة، خاصة إذا ما تم تجنُّب انهيار الجيش السوري بالكامل. هذا فضلاً بالطبع عن حصلوهم على التطمينات الخاصة بضمان وجود وحريات الأقلية العلوية وباقي الأقليات.
البعض يقترح هنا لتوفير مثل هذه الضمانات الصيغة الفيدرالية، أو صيغة ما من صيغ التقاسم الطائفي على الطراز اللبناني. البعض الأخر يرى الضمانات في المركزية الموسعة، أو في تعديل صيغة حافظ الأسد القديمة لتعكس طبيعة موازين القوى الجديدة.
بيد أن أياً من هذه الصيغ يجب أن ينتظر الموقف النهائي الذي ستتخذه النخبة العلوية الأمنية- العسكرية حيال كيفية انهاء الصراع الراهن، سواء عبر مواصلة حرب أهلية ستخسر فيها حتماً الأقلية العلوية على المديين المتوسط والبعيد، أو عبر تغيير أسرة الأسد لتمهيد الطريق أمام هذه الصيغة الجديدة.
وبالمناسبة، لابد هنا من التنويه إلى أن الصديق والزميل العزيز الراحل سهيل عبود، توقّع قبل وقت طويل من اندلاع الثورة السورية بروز صيغة سياسية- تاريخية جديدة على النمط اللبناني، ليس فقط في سورية بل في العديد من دول المشرق العربي، وكان ينوي أصدار كتاب حول ذلك قبل أن تفاجئه يد المنون.
نبوءة سهيل العلمية تقترب من التحقق الآن في سورية. لكن السؤال هو: أي ثمن يجب أن يدفعه الشعب السوري للوصول إليها؟ الجواب ليس لدى أرباب الحكومة السورية الذين يملكون ولا يحكمون، بما في ذلك رياض حجاب، بل في غرفة عمليات كبار الجنرالات العلويين الأمنيين والعسكريين.
واصلت القوات السورية يوم الثلاثاء هجومها على مقاتلي المعارضة في حلب أكبر المدن السورية بعد ان فر رئيس الوزراء السوري رياض حجاب من البلاد واصفا نظام الرئيس بشار الأسد بانه “نظام ارهابي”.
ينتمي حجاب للاغلبية السنية في سوريا مثله مثل غالبية المعارضين للاسد وكان انشقاقه يوم الاثنين كأبرز مسؤول مدني ينشق عن النظام ضربة رمزية قوية لمؤسسة حاكمة تزداد عزلة وتتمحور حول الأقلية العلوية التي ينتمي اليها الرئيس.
وتحدثت شخصيات من المعارضة -تشعر بتفاؤل رغم الانتكاسات التي حدثت في الآونة الاخيرة في معارك حول دمشق وحلب – عن عملية مكثفة تم التخطيط لها منذ فترة طويلة لنقل حجاب وأعداد كبيرة من عائلته عبر الحدود الأردنية.
وقال حجاب في بيان تلاه متحدث باسمه ونقلته قناة الجزيرة “أعلن اليوم انشقاقي عن نظام القتل والارهاب واعلن انضمامي لصفوف ثورة الحرية والكرامة واعلن اني من اليوم جندي من جنود هذه الثورة المباركة.”
وأشاد متحدث باسم الرئيس الأمريكي باراك اوباما بانشقاق حجاب بوصفه علامة على ان حكم عائلة الأسد المستمر منذ 40 عاما “ينهار من الداخل” وطالب الأسد بالتنحي.
ولم تتحقق تكهنات غربية سرت منذ اشهر بأن انهيار النظام بات وشيكا وبدت سابقة لاوانها.
وتتمتع القوات السورية بتفوق كبير في قوة النيران في مواجهة مقاتلي المعارضة الذين يقاتلون باسلحة خفيفة وتدفقوا على العاصمة دمشق ومدينة حلب خلال الشهر المنصرم.
وبعد أن زادت جرأة مقاتلي المعارضة بعد تفجير في دمشق أسفر عن مقتل أربعة من كبار مسؤولي الأمن في نظام الأسد الشهر الماضي حاول المقاتلون السيطرة على دمشق وحلب المركز التجاري الواقع قرب الحدود التركية.
لكن مقاتلي المعارضة الذين يعانون من نقص السلاح يواجهون تفوق الجيش السوري. وتم إخراجهم بصورة كبيرة من دمشق وهم يجدون صعوبة بالغة في التمسك بالمكاسب التي حققوها في حلب التي يسكنها 2.5 مليون نسمة أمام هجوم القوات الحكومية بالدبابات وطائرات الهليكوبتر.
وقسمت الحرب في سوريا المنطقة بدرجة كبيرة على أسس طائفية حيث وقفت المعارضة وغالبيتها من السنة ومن ورائها قوى اقليمية سنية هي تركيا ودول الخليج العربية في مواجهة حكومة يقودها العلويون في دمشق وتدعمها ايران الشيعية.
وعبرت ايران عن قلقها على مصير 40 ايرانيا تقول طهران انهم كانوا في زيارة لمزارات شيعية في سوريا وخطفهم مقاتلو المعارضة من حافلة في دمشق.
ويقول مقاتلو المعارضة الذين احتجزوهم يوم السبت انهم يشتبهون في انتمائهم للحرس الثوري الإيراني وانه تم إرسالهم إلى سوريا لمساعدة الأسد.
(المصدر: وكالة رويترز يوم 7 اغسطس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.