باراك أوباما.. ماذا بعد نشوة النصر؟
يثير انتخاب باراك أوباما في الولايات المتحدة الحماس والقلق على حد سواء. سويس انفو استطلعت آراء بعض الأمريكيين من ذوي الأصول السويسرية حول دلالات اختيار الرئيس الـمُقبل للبيت الأبيض وواقعية الآمال الكبيرة المعقودة عليه داخليا وخارجيا.
لقد دخل باراك أوباما التاريخ قبل دخوله البيت الأبيض لكونه أول رجل أسود يُنتخب رئيسا للولايات المتحدة. فسيناتور ولاية إيلينوي حشد دعم غالبية الأمريكين برغبته العارمة في جلب التغيير لبلاده التي عاشت ثمان سنوات تحت إدارة جورج بوش الإبن الذي ارتبط حكمه بـالحرب في العراق والأزمة الاقتصادية. وقد أثار فوز أوباما موجة من النشوة، ليس فقط في الولايات المتحدة بل أيضا، وربما أكثر، في العالم بأسره.
حتى جورج بوش بدا مُبتهجا يوم الأربعاء 5 نوفمبر عندما صرح: “إنه حلم تَحقق”. وبينما يستعد باراك أوباما لتشكيل إدارته والإعلان عن أولى التدابير التي سيتخذها لدى توليه لمنصبه يوم 20 يناير القادم، يبدو أن شعور الأمريكيين لا زال يتراوح بين الحماس والقلـق.
قـلقٌ مُتـواصل
إيميلي مويلي، أمريكية متزوجة من سويسري وتنتظر الحصول على الجنسية المزدوجة، صوتت لصالح باراك أوباما في بنسيلفينيا. وقالت بعد فوزه: “إنه انتصار تاريخي تماما”.
وبحماس وبهجة كبيرين، أعربت إيميلي مويلي عن اعتقادها بأن انتخاب رئيس أسود في الولايات المتحدة يمثل منعطفا في الطريقة التي “تتغير بها البلاد من حيث تنوع ساكنتها ومن حيث المواقف والسلوك”.
وكانت هذه الشابة البيضاء قد عبـّرت في تصريح لسويـس انفو قبل الانتخابات الرئاسية عن عدم ثقتها في إمكانية فوز أوباما موضحة أنه “مازال هنالك قدر كبير من العنصرية” في الولايات المتحدة. واليوم، فهي مطمئنة جزئيا فقط.
وقالت في هذا السياق: “أنا أكثر اطمئنانا من ناحية تجاوزنا، نحن كأمة، للعنصرية في هذه الانتخابات، لكن لا تزال هناك حوادث عنصرية، والآن، رغم قناعتنا بأن هذا الموضوع لا يجب أن يتحول إلى هاجس يلازمنا طوال الوقت، فإن القلق بدأ يُساورنا بشأن سلامة الرئيس أوباما”.
تـاريخي أم لا؟
وهنالك من الأمريكيين من لا يرى في انتخاب أوباما حدثا تاريخيا، مثل توم غيسلير الذي يسكن في ساكرامينتو بولاية كاليفورنيا والذي قال: “لا، ليس (انتخابا) تاريخيا لـ(مجرد) أنه أسود، أنا لا أنظر للأمور على هذا النحو”. وقد عبر هذا الأمريكي الذي هاجر أجداده من سويسرا عن “خيبة أمله” بعد هزيمة الجمهوري جون ماكين.
لكن غيره من الأمريكيين يـُقرون بأن صفحة من تاريخ الولايات المتحدة قد طُويت بالفعل، لكنهم لا يـُعبرون عن حماس خاص.
ماري ليدي، مهاجرة من الجيل الثاني، تقيس المسافة التي قطعتها الولايات المتحدة بتذكرها لعام 1968 عندما انتقلت إلى تيمونيوم في ولاية ميريلاند حيث مازالت تعيش اليوم، قائلة: “اندلعت أعمال شغب في صفوف السود في المنطقة بأكملها على إثر اغتيال مارتين لوثر كينغ”.
وتُشدد أم الأسرة هذه التي كانت لا تزال حائرة بين أوباما وماكين قبل يومين من التصويت على أن “انتخاب أوباما هو بالتأكيد حدث تاريخي، وأن كونه أسودا شيء إيجابي، ولكن علينا الآن أن ننتظر ونرى ماذا سيفعل وكيف ستكون ردة فعل البلاد”.
عبارة لـ”ننتظر ونرى” مُنتشرة بالفعل على نطاق واسع في الولايات المتحدة، حتى بين مؤيدي الرئيس الجـديد، فبعضهم يتساءل عن مفهوم “التغيير” الذي برز خلال الحملة الانتخابية لأوباما، وعن حدوده خلال ولايته الرئاسية.
جون هوكر، الذي صوت وكتب مُدونات على الإنترنت لفائدة أوباما في لونغ أيلاند بولاية نيويورك نوه إلى “ضرورة تغيير الأمور التي لا تسير على ما يُرام، وليس تلك التي لا تحتاج إلى تغيير”.
ويعتقد هذا الحامل للجنسيتين الأمريكية والسويسرية أن التغييرات يجب أن تشمل أولا إصلاح نظامي التـعليم والصحة، مُضيفا في هذا الصدد: “إذا كان لديك المال، فإنك تنعم بالحماية ويمكنك الاستفادة من التعليم العالـي. لكن افتقارك للمال يحرمك من ذلك. وهذا وضع يجب تغييره في الولايات المتحدة”.
لا تمس حريتي!
ولكن هذا المؤيد للحزب الديمقراطي لا يرغب مع ذلك في قدر كبير من التغيير بحيث يقول: “ما لا يجب أن يتغير هو الإبداع والتجريب اللذان يُميزان المجتمع الأمريكي، وهذه النقطة هي التي تثير قلقي، بحيث أخشى من أن نُضحي بكل هذا من أجل نوع من المساواة وأن نبالغ في الإتجـاه (سياسيا) نحو اليسار”.
وإذا كان الأمريكيون على استعداد للنظر في توسيع دور الحكومة الفدرالية أمام الأزمة الاقتصادية التي لم يسبق لها مثيل منذ الكساد الكبير الذي شهده عام 1929، وإن كانوا مستعدين بوجه خاص للموافقة على تقـنين القطاع المصرفي والمالي، فإنهم في الواقع غالبا ما يحرصون على عدم مساس الحكومة بحرية المقاولة التي يعتبرونها الخاصية التي تُميز بلدهم عن باقي الدول الغربية.
ويستعيد توم غيسلير حقبة هجرة أسرته إلى الولايات المتحدة قائلا: “عندما وصل أفراد عائلتي من سويسرا في بداية القرن العشرين، لم يتلقوا أي مُساعدة من الحكومة، وهكذا تسير الأمور في بلدنا”. ويشدد هذا الجمهوري من ساكرامينتو على أنه “لا يحبد كثيرا فكرة توجيه الحكومة لبرامج مساعدات مختلفة لفائدة هذا الطرف أو ذاك”.
كما يشك كثيرا توم غيسلير في رغبة باراك أوباما المُعـْلنة في تجاوز الانقسامات الحزبية و”جـَمْعِ” الأمريكيين، بغض النظر عن اتجاههم السياسي، قائلا: “أنتظر لأرى، لأن أوباما لم يعمل حتى الآن مع الجمهوريين، لا عندما كان مُنتخبا محليا في ولاية إيلينوي، ولا عندما كان في مجلش الشيوخ في واشنطن”.
ويقول توم غيسلير في الختام: “على أوباما الآن أن يقوم بالخطوة الأولى لأن الجمهوريين مدوا يدهم للديمقراطيين. جون ماكين بالتأكيد، وحتى جورج بوش”.
سويس انفو – ماري-كريستين بونزوم – واشنطن
تـُعتبر الولايات المتحدة، الشريك التجاري الرئيسي لسويسرا خارج القارة الأوروبية.
في عام 2007، بلغت الصادرات السويسرية إلى أمريكا 18،332 مليار فرنك، مقابل 9،431 مليار فرنك من الواردات.
يُـعتبر بلد باراك أوباما أيضا، الوجهة الأولى للاستثمارات المباشرة السويسرية.
في عام 2006، أنشأ البلدان منتدى للتعاون حول التجارة والاستثمارات.
في 10 أكتوبر 2008، سُـجِّـل أحدث تطوّر في هذه العلاقة، وتمثل في التوقيع على إعلان مشترك بين البلدين حول التجارة الإلكترونية.
من المُـفترض أن يسمح هذا الإعلان، بتسهيل وتعزيز التجارة الإليكترونية بين البلدين وتأطيرها.
تتعدد العلاقات بين سويسرا والولايات المتحدة وتُعتبر تقليدا عريقا: فبين 1700 و2003، هاجر حوالي 460000 سويسري إلى الولايات المتحدة.
يُقدر عدد الأمريكيين من ذوي الجذور السويسرية بـمليون شخص، ويعيش معظمهم في ولايات كاليفورنيا ونيويورك وأوهايو ووسكنسن وبنسلفينيا.
ونظرا لتوفرهما على نفس القيم المرجعية، أقامت “الجمهوريتان الشقيقتان” علاقات ودية في القرن التاسع عشر.
في عام 1822، فتحت سويسرا قنصليتين في واشنطن ونيويورك وأقامت في واشنطن أول سفارة لها خارج أوروبا عام 1882.
يعيش حاليا أكثر من 70000 سويسري في الولايات المتحدة. ففي نهاية عام 2007، كان 73978 سويسريا مُسجلا في الولايات المتحدة، أي ما يفوق 10% من مجموع المهاجرين السويسريين في مختلف أنحاء العالم. ويحمل 52415 منهم جنسية مُزدوجة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.