بعد الحرب على غزة.. الطريق إلى المحكمة الجنائية الدولية لا زال في بداياته
نظمت اللجنة العربية لحقوق الإنسان، ومنظمة "عدالة واحدة والعدالة الدولية" جلسة في قصر الأمم المتحدة في جنيف لشرح الخطوات التي تمت لحد الآن في طريق فتح ملف الجرائم التي ارتكبت في غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية. الجلسة التي استغرقت نصف يوم استمعت لشهادات خبراء، وأوضحت الخطوات التي تمت رسميا في اتجاه المدعي العام للمحكمة.
الجلسة التي تمت بعد ظهر الثلاثاء 17 مارس في قصر الأمم المتحدة في جنيف، هدفت للتعريف بالخطوات التي تمت لحد اليوم بخصوص تقديم شكوى من قبل أكثر من 450 منظمة غير حكومية عربية ودولية أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مسؤولين إسرائيليين متهمين بالتورط في ارتكاب جرائم في قطاع غزة أثناء الحرب التي خاضتها إسرائيل لأكثر من 22 يوما وخلفت أزيد من 1300 قتيل و5000 جريح أغلبهم من المدنيين.
هذه الجلسة التي شارك فيها نخبة من الخبراء في الهندسة والأسلحة والقانون الإنساني، إضافة إلى حقوقيين وقانونيين متخصصين في أوروبا، سمحت بإعطاء نظرة عن الخطوات التي تمت لحد الآن سواء في مجال توثيق الأدلة والاستماع للشهود، أو من حيث تحرير وثيقة الشكوى المرفوعة للمدعي العام بالمحكمة الجنائية. كما سمح حضور وزير العدل الفلسطيني بتوضيح الإجراءات التي قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل تسجيل انضمام فلسطين لنظام روما (المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية) من جهة، وما تقوم به من أجل دعم الشكوى المرفوعة بتقديم الأدلة والإثباتات.
توثيق ما حدث
استعرضت أولى فقرات هذه الجلسة، والتي ترأستها نائبة برلمانية بلجيكية هي السيدة آن ماري ليزين، عينة من الشهادات والتقارير التي أعدها خبراء في شتى الميادين وثقت ما حدث سواء من حيث انتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين، أو تدمير الممتلكات والمباني أو القضاء على المرافق الصحية الأساسية واستهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف.
فقد قدم السيد عصام يونس من منظمة الميزان لحقوق الإنسان شهادة من عايش أيام القصف كمواطن في قطاع غزة، وقدم بذلك شهادة حية من الداخل عن معاناة المواطنين اليومية.
كما قدم الدكتور هيثم خياط من المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية نبذة عن تحقيق قام به بصفة شخصية في قطاع غزة، من حيث استهداف المستشفيات والمستوصفات وسيارات ورجال الإسعاف. وأوضح الدكتور خياط بأن “المنظمة وبالأخص مكتبها الإقليمي يقوم بتحقيق فيما يخص استهداف المنشئات الصحية” في قطاع غزة.
أما الشهادة التي كانت أكثر دقة وتعبير عن حجم الدمار، فقد قدمها الخبير السويسري العامل لحساب المنظمة الدولية للحماية المدنية والدفاع المدني جون شارل ديدو برفقة الدكتور سعد النونو. وهي الشهادة الموثقة التي استغرق إعدادها أربعة ايام وعاينت كيفية استهداف مراكز الحماية المدنية وسيارات الإطفاء بشكل منسق في شتى مناطق القطاع. ونظرا لهول ما شاهده من دمار وإصابات، قرر السيد جون شارل ديدو تعميم هذا التقرير على الدول الأعضاء في منظمته، وبالإضافة الى ذلك يقوم حاليا بالتجوال في مناطق سويسرا لشرح ما شاهده من آثار لهذه الحرب على سكان قطاع غزة.
فلسطين مرشحة وليست بعد عضوا في ميثاق روما
لكي تقبل المحكمة الجنائية الدولية شكوى للتحقيق في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية يجب أن يكون البلد المتقدم بالشكوى عضوا في نظام المحكمة أي منظما لميثاق روما أو أن يتقدم بالطلب بلد عضو في المحكمة أو ان يحيل مجلس الأمن ملف التحقيق على المدعي العام للمحكمة.
في هذا السياق، قال وزير العدل الفلسطيني السيد علي خشان لسويس انفو “إننا قمنا بإيداع الإعلان بالموافقة لدولة فلسطين على ميثاق روما وهذا سيؤدي الى العديد من النتائج القانونية: أولا ملاحقة كل مجرم حرب وُجد في فلسطين منذ الفترة (التي تبدأ) من عام 2002 وهي فترة نفاذ اتفاقية روما حتى هذه اللحظة”. لكن الوزير أوضح أيضا بأن “تسجيل الطلب لا يعني الانضمام الى اتفاق روما بل فقط تقديم الطلب وانتظار النظر فيه من قبل سكرتارية المحكمة الجنائية الدولية”.
ويرى الوزير الفلسطيني أن “فتح التحقيق هذا يعني أنه تم قبولنا في مرحلة ما يسمى بالتحليل المبدئي وهي المرحلة التي تُطالب فيها الدولة التي تتقدم بالطلب بتقديم الملفات والمستندات اللازمة في هذا الموضوع. وقد قمنا بتقديم الكثير من الوثائق التي يقوم مكتب المدعي العام بتحليلها”.
أما المرحلة القادمة حسب تأكيد وزير العدل الفلسطيني السيد علي خشان “فتتمثل في قيام مكتب المدعي العام بتكوين رؤية يقوم بعدها بتحرير تقرير يُرفع الى الغرفة التمهيدية بالمحكمة الجنائية يقوم بعدها بطلب فتح التحقيق”.
ومع أنه لم يتم البتّ بعدُ في انضمام فلسطين إلى ميثاق إعلان روما، فإن الوزير الفلسطيني يرى أن “طلب فتح تحقيق قد يتم بطلب من دول أخرى عضو في المحكمة الجنائية الدولية”. وعما إذا كانت هناك دول بالفعل قد قبلت التقدم بهذا الطلب، امتنع الوزير عن الإفصاح مكتفيا بالإشارة إلى أن “هناك اتصالات جارية في هذا الشأن”.
ويذهب الوزير الفلسطيني إلى أن أول لقاء جمعه بالمدعي العام للمحكمة الجنائية السيد أوكامبو كان “إيجابيا جدا”، ويستشهد على ذلك بأنه “استمر لأربع ساعات ونصف بدل نصف ساعة الذي كان مخصصا من قبل”.
قانونيون يتحدثون عن مجزرة في حق المدنيين
في الفقرة الثانية من جلسة النقاش التي نظمتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان بخصوص أحداث غزة والمحكمة الجنائية الدولية، تطرق نخبة من القانونيين الدوليين إلى مسيرة تحالف منظمات المجتمع المدني لصالح محاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في حرب غزة الأخيرة.
ويرى المحامي الفرنسي جيل دوفير، الذي قام بتحرير وثيقة الشكوى المرفوعة للمحكمة الجنائية الدولية، أنه “لكثرة الأدلة والتفاصيل قد نتناسى حجم المأساة التي أمامنا”، والذي ذهب الى حد القول بأنه “لا يجب الحديث عن حرب ضد غزة بل عن مجزرة في حق المدنيين هدفها قتل المدنيين وقتل الأطفال لأن الفارق الكبير بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية يستبعد أية احتمالات لوقوع أضرار جانبية لعمليات عسكرية لم يتم التحكم فيها بدقة”.
في هذا السياق، لا يتردد القانوني الفرنسي في إجراء مقارنة بين الأحداث التي أدت الى محاكمة النازيين في نورمبرغ وما حدث اليوم في غزة، ويقول جيل دوفير “إذا كانت أحداث النازية المروعة قد أثارت الحملة الأولى لصالح حقوق الإنسان بعد محاكمات نورمبرغ، فإننا نتساءل أليس من حقنا اليوم أن نعتبر أحداث غزة انطلاقة لحملة ثانية لصالح الدفاع عن حقوق الإنسان ولصالح إعادة النظر في مفهوم حقوق الإنسان انطلاقا من أرض فلسطين؟”.
وأوضح المحامي الفرنسي بان “الإتهام يركز على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية نظرا لاستهداف المدنيين، وثانيا أن السلطة الفلسطينية بطلب الانضمام، أعطت للمحكمة الجنائية الدولية حق التحقيق في التراب الفلسطيني في الأحداث التي تعود حتى إلى عام 2002”. وبخصوص هذه النقطة أشار السيد جيل دوفير بأن “هناك أمران شكوى قدمتها منظمات المجتمع المدني المتحالفة في تجمع يجمع أكثر من 450 منظمة، وهناك قرار السلطة الفلسطينية الذي خول للمحكمة الجنائية الدولية تطبيق قوانينها على التراب الفلسطيني بما في ذلك قطاع غزة بشكل رجعي ابتداء من العام 2002 وفقا لميثاق المحكمة الجنائية الدولية”.
وعمن يشككون في مصداقية المدعي العام لأسباب مختلفة يقول المحامي جيل دوفير “لا مجال لهذا التشكيك لأن المدعي العام مرهون بما سيقدم له من أدلة ووثائق وهذا ما نقوم به. وأن التجاوب مع ذلك لحد الآن جيد”. أما فيما يتعلق باتهام المحكمة الجنائية الدولية بأنها تطبق مبدأ “الكيل بمكيالين” في إشارة الى ما يتم في حق دارفور وفي حق محاكمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير، فيقول الخبير الفرنسي “إنني أأسف لهذا الكيل بمكيالين، ولكن اللوم لا يعود للمحكمة الجنائية الدولية بل لمجلس الأمن الدولي الذي حول القضية الى المحكمة في قضية السودان والتزم الصمت حيال ما قامت به إسرائيل في غزة”.
زميله البلجيكي جورج هنري بوتيي عزز ما قاله المحامي الفرنسي وأشاد بصدقية المحامين الموقعين على الشكوى وعلى رأسهم جيل دوفير، قبل أن يشرح الأسباب التي جعلت مقدمي الشكوى يشددون على مفهوم الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وقال جورج هنري بوتيي “إن مجرد تصريح مسؤولة إسرائيلية عبر التلفزيون بأنها، في المواجهة مع حماس سوف لن تسثني أية بقعة (من القصف)، يكفي وفقا للمادة 12 من ميثاق المحكمة، وعبر محاكمة عادلة وفي ظرف زمني معقول، التوصل إلى إدانة فعلية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.
وأوضح المحامي البلجيكي أيضا بان “الدلائل متوفرة لتعزيز شرعية عضوية فلسطين في المحكمة، والمطلوب هو التحلي بنفس طويل لتوثيق الدلائل وتعزيز الفرق القانونية التي تسهر على ذلك لأن الخصم يتوفر على قدرات هائلة في هذا المجال”.
وقد استعرض المشاركون كذلك تجربة المحاكم الوطنية سواء في النرويج أو في أسبانيا مع استعراض محاولات التحايل التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية بالضغط على سلطات هذه البلدان لتغيير قوانينها لكي لا تصبح محاكمها الوطنية مخولة لفتح تحقيق ضد شخصيات إسرائيلية تتهم بالتورط في ارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
مقارنة مع ما حدث بخصوص ملف السودان مع المحكمة الجنائية الدولية، يبدو أن الدول العربية التي جندت نفسها بشكل كبير في محاولة تجنيب تنفيذ المدعي العام أوكامبو لمخططاته الرامية الى إصدار مذكرة اتهام الرئيس السوداني، لم تبد نفس التصميم فيما يتعلق بالحملة الرامية إلى تقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
إذ في الوقت الذي تجندت فيه أكثر من 450 منظمة غير حكومية عربية وغربية، وانضم فيه العديد من الحقوقيين الى فريق العمل الساهر على متابعة الشكوى المرفوعة للمحكمة الجنائية الدولية، وفي الوقت الذي تطوع فيه العديد من الخبراء في الطب الشرعي والهندسة والأسلحة لتوثيق الدلائل، يعترف وزير العدل الفلسطيني أن الدولة العربية الوحيدة التي دعمت طلب السلطة الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدولية هي الكويت معربا عن الأسف لكونها ليست عضوا في المحكمة وهو ما قد لا يؤثر كثيرا على طلب فتح التحقيق.
وفيما يتعلق بجامعة الدول العربية، فقد سبق للوزير الفلسطيني أن تقدم بطلب تشكيل فريق عمل لمتابعة جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين، وهو ما لم يتم الاتفاق بشأنه في مرحلة أولية لتعاد المحاولة من جديد في مايو 2008 على مستوى وزراء العدل العرب ويتخذ قرار بتشكيل هذه اللجنة لتوثيق جرائم الحرب الإسرائيلية. ولكن هذه اللجنة، كما أوضح الوزير الفلسطيني “لم توفر لها لا الإمكانيات الضرورية على مستوى جامعة الدول العربية كما أنها لم تحصل على دعم مالي من أية جهة” مؤكدا أن “كل ما يتم يتم بمجهود شخصي”. وعبر الوزير عن الأمل في “تكفل الجامعة العربية على الأقل بدعم العمل القانوني في هذا المجال”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.