بعد الدستور.. تونس تُعمّق انخراطها في مكافحة الإرهاب
بعد مرور أقل من أسبوع على تولّي حكومة مهدي جمعة مهامّها، اكتشفت قوات الأمن مجموعة إرهابية مُختفية في منزل بمنطقة روّاد القريبة من قلب العاصمة التونسية. هي ليست الخلية الأولى التي تم اكتشافها، حيث أن عدد المُحالين على القضاء منذ انطلاق الحملة، يقارب 500 متّهمين في قضايا لها صِلة بالإرهاب، لكن أهمية هذه المجموعة تكمُن في خطورة أعضائها المطلوبين لدى الأجهزة الأمنية، حيث اتضح أنهم ينتمون إلى الصفّ الأول من المسؤولين على الجناح العسكري لهذا التنظيم المسلَّح، قبل أن يتبيَّن في أعقاب العملية بأن من بينهم كمال القضقاضي، الذي لقي حتفه قبل يومين من حلول الذكرى الأولى لتنفيذه عملية اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد.
رغم أن الحصار حول المنزل كان مُحكما، فقد فضّلت المجموعة المسلّحة أن تستمِر في المواجهة لفترة تتجاوَز الخمسة عشر ساعة. لم يُـبدِ أيّ أحد من أعضائها الإستعداد لتسليم نفسه حَيا، بل كان أغلبهم حاملا لأحزمة ناسِفة ومستعدّين لتفجيرها في أي لحظة. وقد حاول بعضهم الهجوم على رجال الأمن، من أجل قتل أكبر عدد مُمكن في صفوفهم.
من جهة أخرى، دلّت كل المؤشرات على أنهم كانوا حلقة أساسية في تنظيم مسلّح، تراجعت قدراته بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة، بعد أن تلقّى تِباعا، سلسلة من الضربات الموجِعة. ومع تصفيتهم جميعا، وهُم سبعة مُدرَّبين بشكل جيِّد، تكون الجهات الأمنية قد ضيَّعت كنزا ثمينا من المعلومات الخطيرة التي تستحقها البلاد في هذه الحرب المفتوحة منذ أشهر عديدة ضدّ جماعة “أنصار الشريعة”، التي سبق لحكومة علي العريّض أن صنَّفتها كحركة إرهابية.
الشعور بالخيبة
كان وزير الداخلية مُطمئِنّا كثيرا لنتائج العملية، إلى درجة أنه اعتبرها “هدية” لأسْرة شكري بلعيد، لكن زوجة الفقيد بسمة خلفاوي، علَّقت على ذلك بقولها “لا يمكن أن تكون جثّة القضقاضي هدية لعائلة بلعيد”. وأضافت أن وزير الداخلية لطفي بن جدو “يحاول التغطية على فشله”، مؤكِّدة على أن العائلة تُطالِب بكشف مَن يقِف وراء عملية الإغتيال “من تخطيط وتمويل، وليس فقط في مستوى مَن نفَّـذ”، على حد قولها.
وقد جاء موقِف الأسْرة مُنسجِما مع موقِف حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، الذي كان يتزعّمه بلعيد، والذي أكّد في بيان أصدره بالمناسبة، بأن الجريمة التي استهدفت زعيمه، كانت “سياسية” وأن مَن نفَّـذوها كانوا أدوات، وبالتالي، فإن الكشف عن الحقيقة كاملة “يستوجب الوصول إلى الأطراف السياسية التي خطَّطت وموَّلت وأعطَت الإذْن بالتنفيذ”، حسب رأي الحزب.
وبناءً عليه، فإن عملية روّاد لم تغلق ملفّ بلعيد، بل على العكس من ذلك، زادت في إضفاء الغموض على تلك الجريمة، التي كادَت أن تضع البلاد في مَسارٍ مجهول، لأن الفرَضية الرائِجة في بعض أوساط المعارضة تقول بأن حركة النهضة قد تكون وراء الإغتِيال وأن جُزءً من الأجهزة الأمنية يُمكِن أن يكون مُوَرَّطا، وهما الفرضِيَتان اللّتان رفضتهما بشدّة قيادة حركة النهضة ووزارة الداخلية. لهذا السبب، فإن إعادة طرح المشكلة بنفس الخلفِية بعد عملية روّاد، قد غَـذّى شعورا بالخيْبة، وربما بالإحْباط لدى الأوساط الأمنية المكلّفة بهذه القضية، وجعلت الكاتب العام لنقابة الحرس الوطني يُعلِن بأنه “حتى لو تمّ ذبْح القضقاضي علَنا، لشكَّكوا في موْته!”.
المزيد
دستور تونس الجديد “خطوة هامة” في اتجاه القطع مع الإستبداد
“لا مكان للإرهاب في تونس”
عندما كشَف مهدي جُمعة عن أولويات حكومته، وضَع على رأسها مُقاومة الإرهاب، وأكّد بالخصوص على أن الإرهاب “لا مكان له في تونس”، وعلى أن حكومته “عازِمة على التصدّي للتّهديدات الإرهابية وفرْض سُلطة القانون”. وشدّد بالخصوص على أن “للثورة دولة تحميها ولا مكان للإرهاب”، وتعهَّد في المُقابل بالكشْف عن قَتَـلة “الشهيديْن” شكري بلعيد ومحمد لبراهمي.
لم يكتف جُـمعة بذلك، بل قرّر أن تكون أول زيارة رسمية له بصفتِه رئيسَ حكومة يقوم بها خارج البلاد، هي الجزائر، وأن يكون الملف الرئيسي المطروح على جدْول مُحادثاته مع المسؤولين في البلد الجار، يتعلّق بتدعيم التنسيق بين البلديْن، هو الملف الأمني، مُعتبِرا أن “أمن تونس هو جزء من أمن الجزائر، وأن أمن الجزائر هو جزء من أمن تونس”، فاتحا بذلك المجال للإعتقاد بأن تونس تتَّجه نحْو بناءِ تحالُفٍ استراتيجي ثُـنائي، وربما إقليمي، لمواجهة هذه الظاهرة التي فرَضت نفسها بعد الثورة، وجعلت جزءً واسِعا من السياسيين في تونس يعتقِدون بأن مواجهتها لن تتِم بالإستناد فقط على الإمكانيات المحلية، وأنها تفرض – بحُكم تشعُّبها – الإنخراط النشِـط في جهود إقليمية ودولية تقِف وراءها الولايات المتحدة بقوة.
تجدر الإشارة إلى أنه – وبعد انتهاء الزيارة الرسمية – اجتمعت فعاليات اللّجنة الكبرى المُشتركة، التونسية – الجزائرية، وخصّصت محادثاتها للمسْألة الأمنية، وذلك بعد أن أصبحت حدود البلديْن خاضِعة لثلاث أنظِمة رقابةٍ عسكرية مُشتركة.
لماذا كل هذا الدعم؟
يوم الأربعاء 5 فبراير، نظّم رئيس الحكومة الحالي حفْل استقبال على شرَف السفراء الأجانب العاملين بتونس وقد أكد جميعهم تقريبا له استِعداد حكوماتهم لتقديم الدّعم في مجال مكافحة الإرهاب. أكثر مِن ذلك، فإن مُـلوكا ورؤساءً قرّروا المشاركة في التظاهُـرة الرسمية التي تنظّم يوم الجمعة 7 فبراير في تونس تحت إشراف الرؤساء الثلاث، بمناسبة ختم الدستور، وذلك بعد أن توالت الوفود والرسائل المشِّجعة من قادة كُبرى العواصِم الغربية والمهنِّئة بالخطوة التي قطعت في اتّجاه بناء نظام ديمقراطي في البلاد.
في هذا السياق، لسائل أن يسأل: لماذا كلّ هذا الدعم لتونس؟ الجواب بسيط: هناك إرادة غربية بالأساس حتى تنجح تونس في انتِقالها الديمقراطي، وليس ذلك من أجْل عيون أبنائها، ولكن هناك مخاوِف دولية من أن يحصل في تونس ما حصل في ليبيا، بأن تتحوّل إلى دولة فاشِلة. وماذا يعني ذلك؟ إنه سيكون من أسوإ الأخبار بالنِّسبة لأوروبا والولايات المتحدة. إذ من شأنه أن يُشرِّع الأبواب أمام حالة مُخيفة وغيْر مستقِرّة، حيث ستزداد مخاطِر تصدير العناصِر المُهدِّدة لأمن دول شمال المتوسط، إلى جانب تضاعُف حجْم المُهاجرين السريِّين ونشاط العِصابات الإجرامية المنظمة.
من هذه الزاوية، يبدو أن دعْم تونس لتُصبِح بلدا ديمقراطيا، أصبح حاليا “جزءً لا يتجزَّأ من الأمن القومي الأوروبي والعالمي” برأي عدد من المراقبين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.