تركيا تتغيّر.. جنرالات الجيش يُـعـزِّزون النظام الديمقراطي
مرة أخرى، تظهر صورة تركيا في الخارج، تلك التي يغلب عليها الطابع العسكري، وذلك من خلال الإستقالة الجماعية التي قدّمها رئيس الأركان الجنرال ايشيك كوشانير وقادة القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية.
ومع أنها المرة الأولى، التي تتِـم فيها الاستقالات بهذه الطريقة الجماعية، غير أنها لم تكن بالمفاجِـئة جدا، كما عكستها وسائل الإعلام.
وفي الواقع، فإن الاستقالة حتى الفردية، حدث غيْـر عادي في الجيش التركي، عندما يتعلق الأمر بمواجهة مع السلطة السياسية، فكيف بالإستقالة الجماعية؟ إذ غالبا ما كانت التطورات تنتهي إلى واحد من أمرين: إما رضوخ السلطة السياسية لإملاءات العسكر، وهو ما كان يحصل غالبا، بل دائما، وإما أن يزحف العسكر بدبّـاباتهم إلى القصر الجمهوري لاعتقال الرئيس وإلى رئاسة الحكومة لاعتقال رئيس الوزراء.
اليوم لم يتحقق أي من السيناريوهيْـن المذكوريْـن. فلا رئيس الحكومة رضخ إلى رغبات الجيش، ولا الجيش قام بانقلاب عسكري. كان هذا دلالة كبيرة على أن تركيا تغيّـرت كما العالم من حوْلها تغيّـر.
وعندما تحوّل العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وأحداث 11 سبتمبر، ما عاد ممكنا الاستمرار بالصيغة السياسية نفسها للنظام في بلد يسعى ليأخذ بأسباب الحضارة والتقدّم والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لذا، كان وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، فرصة لإحداث التغيير المطلوب، لكن الإرادة السياسية الداخلية بمُـفردها، لم تكن كافية لذلك، إذ أن التطوّرات الإقليمية والدولية وفَّـرت شروطا أساسية لنجاح إمكانية التغيير، ولاسيما في بُـعدها المتعلق بالمؤسسة العسكرية التركية ودورها في الحياة السياسية.
غضب أمريكي يهزّ نفوذ الجيش التركي
اهتز النفوذ السياسي للجيش التركي منذ أن غضب البنتاغون عليه، بسبب عدم مُـمارسة نفوذه لكي تشارك تركيا في غزْو العراق عام 2003، وحينها صبّ وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوفيتز، جام غضبهما على رئاسة الأركان التركية واتَّـهماها بأنها سبَّـبت بالمزيد من القتلى الأمريكيين في العراق، لذلك رفعت واشنطن غطاءها التقليدي عن أية حركة عسكرية تركية للجيش ضد الحكومات السياسية، قابله احتضان لحركات الإسلام السياسي المعتدِل، الذي كان حزب العدالة والتنمية أبرز تجليّـاته. هذا الحدث كان بداية زعزعة أسُـس النفوذ السياسي للجيش التركي.
مواجهة بين الجيش وحزب العدالة والتنمية
وصلت المواجهة إلى ذِروتها بين حكومة حزب العدالة والتنمية والجيش في أبريل 2007، عندما ضغط الجيش لمنع انتخاب عبدالله غُـل رئيسا للجمهورية في الإنذار الإلكتروني الشهير بـ “إنذار 27 نيسان – أبريل”. لكن رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان ردّ بالاحتكام إلى الإرادة الشعبية في انتخابات نيابية مبكّـرة، حقَّـق فيها حزب العدالة والتنمية في 22 يوليو 2007 انتصارا كاسِـحا، أوصل بَـعدها غُـل نفسه إلى الرئاسة في كسْـرٍ لإرادة الجيش.
كانت المواجهة عمليا بين الإرادة العسكرية والإرادة الشعبية، وهذه كانت نقطة قوة حزب العدالة والتنمية. من هنا، بدأ مسلْـسل الكشْـف عن تحركات غيْـر شرعية يقوم بها بعض جنرالات الجيش من أجل الإطاحة بحكومة رجب طيب أردوغان. وهذه كانت حلقة في غاية الأهمية لإضعاف هيبة الجيش وكشف أنه كان منشغِـلا بأمور محلية سياسية، وليس بكيفية تعزيز قدرات تركيا العسكرية تُـجاه الخارج. ولو لم تكن الاثباتات دامغة، لَـمَـا تمكَّـنت الحكومة من تقديم هؤلاء إلى القضاء.
“نهاية نظام الوصاية”
في سياق كل هذه التطورات، كان حزب العدالة والتنمية يُـعدّ لـ “انقلابه” التاريخي، عندما طرح على استفتاء شعبي رزمة تعديلات دستورية في 12 سبتمبر 2010 طالت 28 مادة في الدستور، كانت بمثابة نهاية نظام الوِصاية في تركيا، إذ أن التعديلات نصَّـت على إمكانية محاكمة عسكريين لا يزالون في الخِـدمة امام محاكم مدنية في قضايا لا علاقة لها بالسلوك العسكري داخل الجيش، وهذه كانت سابِـقة في تاريخ تركيا الحديثة، وبمُـوجبها أمكن اعتقال العشرات من الضبّـاط وتقديمهم للمحاكمة، ومن بينهم جنرالات كبار.
استفتاء 12 سبتمبر كان هو النهاية العملية لنفوذ العسكر في السياسة التركية، لذا عندما قدّم رئيس الأركان وقادة القوات المسلحة الآخرين استقالاتهم في موفى شهر يوليو، كان ذلك إعلان استسلام، أكثر من أي شيء آخر.
زمن الانقلابات العسكرية في تركيا قد ولّى
الاستقالات الجماعية للقادة العسكرية، هي من أهَـم الأخبار في الخمسين سنة الأخيرة في تركيا. فبدلا من أن تتقدم الدبّـابات إلى القصر الجمهوري، انسحب هؤلاء إلى بيوتهم بعد رفْـض الحكومة ترقية أو إحالة المتّـهمين العسكريين إلى التقاعد والإصرار على استمرار المحاكمات.
هذه الإستقالات مؤشّـر لا لُـبس فيه على أن السلطة العسكرية فقَـدت أي هيبة لها، لكن يُسجل المراقبون أنها لم تقُـم بمغامرات انتحارية والتزَمت الدستور والقانون، وبالتالي، كان سلوك الجنرالات ديمقراطيا بكل معنى الكلمة وساهم في تعزيز المسار الديمقراطي في تركيا.
تصفية طبقة عسكرية بكاملها، يوفِّـر فرصة لحزب العدالة والتنمية لتعيين قادة جُـدد من الجيل الجديد الأكثر احتراما للقوانين والأكثر “طاعة” للسلطة السياسية ويرسِّـخ سيطرة “الحزب الواحد” على كل مفاصل الحياة في تركيا.
ومع أنه توجد بعدُ موادّ قانونية تُـشير إلى دور الجيش في السياسة، مثل المادة 35 و85 من النظام الداخلي للجيش، والتي تمنح القوات المسلحة صلاحية اللُّـجوء إلى القوة العسكرية لحماية الدولة من أي تهديد تَـراه للنظام الجمهوري والعِـلماني، غيْـر أنها بحكم المعطلة، وهي ستنتظر الدستور الجديد لكي يتِـم الغاؤها نهائيا.
إعداد دستور جديد.. ولكن
فغالبا ما كانت السلطة السياسية تنتظر رأي الجيش وما يمكن أن يكون رأي الجيش. لكن مع حزب العدالة والتنمية تغيَّـر الوضع وعكست قيادات حزب العدالة والتنمية تصميما على ممارسة السلطة، انطلاقا من التفويض الذي منحه الشعب لها.
واليوم، مع الإستقالة الجماعية لقيادة الجيش التركي و”التواطُـؤ” مع القائد العام للدّرك نجدت اوزال ليكون رئيسا للأركان، ستكون القيادة الجديدة للجيش أكثر انسِـجاما مع توجُّـهات حزب العدالة والتنمية، إن لم نقُـل أكثر ارتهانا و”طاعة”، وبالتالي، لن يعود أمام حزب العدالة والتنمية أي عُـذر أمام إعداد دستور جديد، خال من الشوائب الديمقراطية، ولاسيما حول دور الجيش ووظيفته وحصره في الدِّفاع عن التهديدات الخارجية، لا عن الأمن الداخلي.
غير أن إعداد دستور جديد، سيواجه تحديّـات من نوع آخر، وهي الأهم، ومنها: تلبية التطلُّـعات الكردية في وضع ضمانات دستورية للإعتراف بالهوية الكردية. كذلك، سيكون الإلتزام بضمانات حماية العِـلمانية من أهم البنود التي سيكون على حزب العدالة والتنمية إبقاؤها كما هي، منعا لأي تفسير الْـتِـباسي لها. أيضا، فإن الاعتراف بالهوية العَـلوية وعقيدتها، سيكون من أهم الخطوات لترسيخ الديمقراطية في تركيا.
ديمقراطية تركية على نمط أوروبي
لا شك أن حدث الإستقالات الجماعية يرسِّـخ صورة تركيا الديمقراطية على النَّـمط الأوروبي. لكن تشديد حزب العدالة والتنمية قبْـضته بهذه الطريقة على جميع السلطات في البلاد، بما فيها السلطة العسكرية، يحمل في الوقت نفسه، مخاوف من نشوء ما أطلَـق عليه أكثر من كاتب تركي “فاشية” و”ديكتاتورية” الحزب الواحد، وهذه نظرة تحتل حيِّـزا من النقاش، خصوصا أن السجون التركية تعُـجُّ بالنزلاء السياسيين، ولاسيما الأكراد ومن بينهم 53 صحفيا. وكما هو معلوم، فإن السلطة المطلقة للحزب الواحد، حمّالة رغبات قد تكون في بعض الأحيان “قاتلة”.
انقرة (رويترز) – قال متحدث باسم الرئيس التركي عبد الله جول ان الرئيس وافق يوم الخميس 4 أغسطس على تعيين الجنرال نجدت اوزال رئيسا للقوات المسلحة كما وافق على تعيين قائد لكل من القوات البرية والبحرية والجوية.
وكان أربعة من كبار قادة الجيش استقالوا الاسبوع الماضي احتجاجا على سجن ضباط اعتقلوا في قضايا تآمر على قلب نظام الحكم.
وزار رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان مقر قيادة الجيش صباح يوم الخميس للتوقيع على حركة الترقيات الجديدة بعد اختتام اجتماعات استمرت أربعة أيام للمجلس العسكري الاعلى.
وسيتولى الجنرال اوزال الذي شغل من قبل منصب قائد قوات الامن منصب رئيس الاركان العامة في الجيش التركي ثاني أكبر جيوش حلف شمال الاطلسي.
وتفجرت الازمة المستمرة منذ فترة بين الجيش العلماني وحزب العدالة والتنمية الحاكم ذي الجذور الاسلامية يوم الجمعة 29 يوليو بعد استقالة رئيس أركان القوات المسلحة التركية الجنرال اسيك كوسانير مع قادة القوات البرية والبحرية والجوية احتجاجا على اعتقال عدد من الضباط الكبار.
ومكنت استقالاتهم اردوغان من تعزيز سيطرته على الجيش التركي الذي كان يملك يوما سلطة مطلقة وقام بسلسلة انقلابات منذ عام 1960 كان اخرها الاطاحة بحكومة يقودها الاسلاميون من السلطة عام 1997.
لكن نفوذ الجيش تراجع وتمكن اردوغان من تقليص سلطات الجيش مع دفعه لاصلاحات لتعزيز الديمقرطية يدعمها الاتحاد الاوروبي.
ومنذ ان تولى حزبه العدالة والتنمية السلطة عام 2002 خاض معركة مع المؤسسة العلمانية التي يقودها الجيش والقضاء والتي تخشى أن يكون الحزب يخفي جدول أعمال اسلاميا سريا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 أغسطس 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.