“السويسريون لا يخافون من مفاعلاتهم النووية”
في معرض تقييمها للرفض الذي قُوبلت به مبادرة حزب الخضر الداعية إلى التخلي عن استخدام الطاقة النووية، اعتبرت الصحف السويسرية الصادرة صباح الإثنين أن ما حصل بالأمس لم يكن تصويتا لفائدة الطاقة النووية. فقد فضلت أغلبية السكان منح الثقة لسلطاتها والدخول في منعرج مخطط ومنظم في مجال الطاقة.
صحيفة تاغس أنتسايغر الصادرة في زيورخ بالألمانية اعتبرت أن “أنصار خروج براغماتي من النووي كسبوا”، وذلك في اليوم الموالي لرفض الناخبين (بحوالي 54% من الأصوات) لمبادرة أطلقها حزب الخضر للمطالبة بحظر بناء مفاعلات نووية جديدة وبتحديد فترة نشاط المنشآت القائمة بخمسة وأربعين عاما.
اليومية الصادرة في زيورخ لفتت أيضا إلى أن سويسرا – وبفضل الإستراتيجية الطاقية التي تم إقرارها من طرف البرلمان الفدرالي في شهر سبتمبر الماضي – تتوفر بالفعل على خطة تتجاوز هذا التصويت الشعبي وتنص على مستقبل خال من المحطات النووية من الآن وحتى عام 2040. “وهو ما يترك مزيدا من الوقت لتطوير الطاقات المتجددة وتأمين الإمدادات بالكهرباء في إطار منظومة لامركزية. إضافة إلى ذلك، تُؤسس هذه المقاربة لأمان قانوني لأنه يُمكّن من تسوية تدريجية وبالتوافق مع الأطراف المستغِلّة لعملية إيقاف محطات عن الخدمة، وهو ما يمنع بالتالي طلبات التعويض المقدرة بمليارات الفرنكات”.
المزيد
نتائج اقتراعات 27 نوفمبر 2016
من جهتها، شددت “نويه تسورخر تسايتونغ”، اليومية الكبرى الأخرى في زيورخ، على التصويت بالثقة الذي صدر عن صناديق الإقتراع يوم الأحد وقالت: “من الواضح جدا أن الناخبين يواصلون منح الثقة للتكنولوجيا النووية وإلى الشركات المستغلة لها بالرغم من أن المفاعلات بلغت سنا معينا. كما أنهم يثقون في سلطة الرقابة معتبرين أنها تلتزم تماما برؤيتها الخاصة لمعايير السلامة بالرغم من الضغط الإقتصادي الذي تتعرض لها الشركات المُستغلة (للمحطات). كما أن الشعب يضع ثقته في الحكومة الفدرالية وفي البرلمان الذي وعد بانسحاب منظم من الخيار النووي في إطار الإستراتيجية الطاقية 2050”.
انتصار دوريس لويتهارد
صحيفة “كورييري ديل تيتشينو” (تصدر بالإيطالية في بيلينزونا) ذكّرت أن السويسريين جددوا يوم الأحد للمرة الخامسة تأييدهم للمفاعلات النووية في إطار تصويت شعبي، ولفتت إلى أنهم “لا زالوا يمنحون ثقتهم إلى الذرة بوصفها مصدر طاقة ويعتبرون أنها ضرورية حاليا على الرغم من (أحداث) فوكوشيما ومن السن المتقدم لبعض المحطات”.
يبقى أن الأجواء التي دار فيها هذا الإقتراع كانت مختلفة تماما عن عمليات التصويت السابقة ذات العلاقة مع المسألة النووية مثلما ترى صحيفة “سودأوستشفايتس” (تصدر بالألمانية في خور) التي تقول: “لقد أصبح هناك إقرار واسع – بما في ذلك في المعسكر البورجوازي (أي أحزاب اليمين السويسري) – أنه لن يتم بناء أي مفاعل نووي جديد في البلاد”.
بدورها، تلاحظ صحيفة “آرغاور تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في آراو) أن أغلبية من الشعب مؤيدة للتخلي عن الطاقة النووية “ولكن ليس بنفس الوتيرة التي كانت تريد المبادرة فرضها وبالشكوك التي كانت تترتب عنها”. وهكذا، يُمكن للمرء أن يكون معارضا تماما للطاقة النووية وأن يرفض مع ذلك تخليا بالإكراه عن استخدام الذرة حسب “سودأوستشفايتس” التي تضيف “إنه ليس تناقض في مجال السياسة الطاقية ولكنه الموقف الرسمي بالأحرى”.
هذا الموقف الرسمي تجسّده فعلا دوريس لويتهارد، الوزيرة المكلفة بملف الطاقة في الحكومة الفدرالية، التي تخرج معززة من هذه المعركة كما تلاحظ الأغلبية الساحقة من كتاب الإفتتاحيات في الصحافة السويسرية هذا الإثنين. صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان) اعتبرت أنه “بفضل استراتيجيتها الطاقية 2050، يُمكن لها (أي لويتهارد) أن تتقدم في عملية الانسحاب المنظم لسويسرا من مجموعة البلدان التي تتدفأ بالطاقة النووية”.
في نفس الإتجاه، اعتبرت “بليك” الشعبية الواسعة الإنتشار (تصدر بالألمانية في زيورخ) أن “الرفض المحدود لمبادرة الخضر حول الخروج من النووي يُشكل موافقة على استراتيجية الكنفدرالية في مجال الطاقة”، كما شددت على الإنتصار الشخصي الذي حققته دوريس لويتهارد في هذا الأحد الإنتخابي.
أصابع الإتهام تُصوّب نحو حزب الشعب
في سويسرا الروماندية (أي الناطقة بالفرنسية)، وهي المنطقة التي صوتت عكس التيار السائد في بقية البلاد ووافقت على مبادرة الخضر، أبدى كتاب الإفتتاحيات قدرا أكبر من الإنتقاد مقارنة بزملائهم في المناطق المتحدثة بالألمانية. في هذا السياق، اعتبرت صحيفة “لاتريبون دو جنيف” (تصدر بالفرنسية في جنيف) أن “الخشية من “الإرتباط بالواردات” (وكأن اليورانيوم يُستجلب من منطقة الإينغادين أو من Pays d’Enhautالسويسريين!)، ومن الآجال المفروضة من طرف المبادرة ومن المخاطر التي تتهدد مواطن العمل كانت ثقيلة في الميزان”. وتساءلت الصحيفة: “بعد الرفض بالأمس هل حُكم علينا بقضاء عشريات من الترقيع النووي ونحن نتضرع للسماء أن تبقى محطاتنا القديمة بصحة جيدة وتُجنّبنا حدوث فوكوشيما ثانية؟”.
بدورها أعربت صحيفة “لوماتان” (تصدر بالفرنسية في لوزان) عن استنكارها وقالت: “إن هذا التأجيل إلى أجل غير مسمى لمشكلة هائلة بالنسبة لسويسرا يثير قدرا كبيرا من القلق”، بل يكشف عن “شكل من أشكال اللامسؤولية لدى رجال ونساء السياسة اليوم حول هذه المسألة، حيث يتنازلون من أجل فوائد قصيرة المدى وذات طابع فئوي”.
من جهتها، حذرت صحيفة “لوكورييه” (يسارية تصدر بالفرنسية في جنيف) من أن القطاع المعني بالطاقة النووية – رغم أن الأمور قد تجاوزته حسبما يبدو – لن يسمح بأن يتم التخلص منه بسهولة وقالت: “من المحتمل جدا أن جزءا من الأوساط الإقتصادية يكون بصدد البحث في الواقع عن كسب الوقت على أمل عودة الحياة إلى الطاقة النووية على المستوى الدولي”.
أخيرا، تتجه الأنظار الآن صوب اليمين المحافظ الذي أطلق استفتاء للتصدي للإستراتيجية الطاقية 2050 المُعتمدة من طرف الحكومة الفدرالية. وفي هذا الصدد، تقول صحيفة “لاليبرتي” (تصدر بالفرنسية في فريبورغ): “سيكون من السهل جدا على حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) – الذي لا زال مؤيدا لاستخدام الطاقة النووية – التنديد بتكلفة المرحلة الإنتقالية في مجال الطاقة، لأنها لن تكون بالفعل مجانية. فمن غير الممكن القيام بتطوير مهم للطاقات المتجددة دون اتخاذ إجراءات تحفيزية مُكلفة بالضرورة. لكن لنكن جديين، ما هو البديل (عن ذلك)؟ إن التغييرات المناخية تفرض الإنتقال إلى طاقات نظيفة. يتعين الإستثمار من أجل المستقبل بدلا من السعي للحفاظ على تكنولوجيا من الماضي”، كما ترى الصحيفة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.