تقرير التنمية الإنسانية: “دول عربية تحولت إلى تهديد لأمن مواطنيها”
في أعقاب صدور تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية لعام 2009 يوم 21 يوليو الجاري، واهتمامه بالتحديات التي يتعرض لها أمن الانسان العربي وتشمل تراجع الحريات وممارسات التعذيب والبطالة والفقر والتصحر والإحتلال الخارجي، أكد الدكتور حسن أبوطالب، نائب رئيس تحرير "الأهرام" في حديث مع swissinfo.ch أن "السِّـمات البنيوية لأنظمة الحكم القائمة في الدول العربية "هي المسؤولة عن بقاء العالم العربي متخلِّـفا".
واعتبر الخبير المصري، الذي يشغل منصب نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن معدي التقرير أغفلوا حجم الضغوط والتدخلات الخارجية في عدد من البلدان العربية (مثل فلسطين والعراق والسودان والصومال) التي ساهمت في خلخلة الإستقرار وإعاقة التنمية وتدمير المكتسبات الضئيلة، كما حذر أصحاب القرار في البلدان العربية من مغبة الإستمرار في تأجيل الإستحقاقات الملحة والتغافل عن نصائح الخبراء وتوصيات العقلاء.
swissinfo.ch: بحُـكم إشرافكم على إعداد التقرير الإستراتيجي العربي من عام 2000 إلى 2007، كيف كانت قراءتكم لخُـلاصات هذا التقرير الخامس الخاص بالتنمية البشرية العربية؟
د. حسن أبو طالب: من حيث الخلاصة العامة، نستطيع أن نقول إن التقرير يؤكّـد بأن هناك حالة من حالات التدهور العام في حالة الإنسان العربي، سواء حالته فيما يتعلق بمواجهة الفقر أو في متطلبات الحرية والأمن، وأيضا فيما يُـمكن أن نسمّـيه بمتطلبات التطور التقني والمعرفي.
هي خلاصة في الحقيقة تعكِـس قدرا كبيرا من التخلّـف في المجتمعات العربية وأيضا قدرا من التراجع في مجال الحريات ومجال التطور السياسي والإصلاح السياسي، الذي تمّ التـأكيد عليه بصفة رسمية من كافة قادة كل الدول العربية بعد غزو العراق في مارس 2003.
وقد فهمنا من الوثائق العربية التي صدرت عن الجامعة العربية، وأكّـد فيها القادة إصرارهم على مواصلة ما أسمَـوه ووصفُـوه بخطّـة الإصلاح السياسي والاقتصادي، لكن بعد هذه السنوات الخمس، نستطيع أن نقول إن هذه الخُـطط لم تؤدِّ إلى تغيير نوعي في حياة الإنسان العربي.
هل تتّـفقون مع أخطر ما توصّـل إليه التقرير، من أن الدولة العربية تحوّلت في العديد من الحالات إلى مصدر لتهديد أمن مواطنيها، بدلا من ضمانه وحمايته؟
د. حسن أبو طالب: قبل الإجابة عن هذا السؤال، أود أن أشير إلى بعض الملاحظات التي قام بها المحرر الرئيسي الذي شارك في كتابة هذا التقرير وعبّـر فيها عن استيائه من أن التقرير بشكله النهائي، الذي صدر بالفعل عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قد تجاهل وجهة نظر معدّي التقرير، في أنهم ساوَوا ما بين نوعين من التهديدات التي تواجه الإنسان العربي.
تهديدات تتعلّـق ببنية الدولة وفي طريقتها في إدارة الحياة، سواء من جوانبها الثقافية والاقتصادية والسياسية، وأيضا الجانب الآخر الذي يتعلّـق بالتهديدات القادمة من الخارج، في صورة احتلال أو في صورة الضغوط التي تُـمارس من بعض القوى الكبرى على المجتمعات والنُّـظم العربية.
التقرير كما ظهر في صيغته النهائية، خفّـف كثيرا من دور العامل الخارجي ووضع المسؤولية بكاهلها على بنية الدولة وعلى أداء الحكومات، وأيضا على التراجع العام في المجتمعات المدنية وانتشار مزيج من الثقافات، التي لا تدعو إلى العِـلم والمعرفة، وإنما تتمسك وتنظر إلى الماضي باعتباره النموذج الأمثل وليس المستقبل، وليس العِـلم هو النموذج الأفضل لمجتمعاتنا العربية.
لكن أستطيع أن أقول بالتأكيد، هناك دور ومسؤولية على الحكومات العربية وعلى معظم النظم العربية، إن لم تكن كلها، وإن بدرجات مختلفة، لتشترك بسمة واحدة، وهي أنها تُـضايق على مواطنيها وتُـضايق على مجتمعاتها المدنية وتُـقلِّـص مجال الحريات السياسية والحريات الإنسانية بوجه عام، ومن ثمَّ أدّى ذلك إلى غياب سمة المشاركة السياسية الفعالة للمواطن العربي وأيضا شعوره دائما بأنه تحت الضغط وأن الدولة أقوى منه بكثير وأنه لا يستطيع أن يصل إلى هذه الحقوق، حتى ولو ضحّـى كثيرا بحياته وبماله وبوقته، وبالتالي، هناك خلاصة في هذا التقرير صحيحة، ولكن تحاول في نفس الوقت تجاهل الضغوط الخارجية، شيء لم يكن موفّـق فيه هذا التقرير.
لاحظنا من خلاصة هذا التقرير والتقارير التي سبقته منذ عام 2002، أن التنمية البشرية في المنطقة العربية تواجه تحدِّيات جمّـة، يبدو أنها بدأت تستعصي على الحل. هل تتجه المنطقة برمتها إلى نوع من الفشل الصومالي أو العراقي؟
د. حسن أبو طالب: بالتأكيد أن هناك نوع من الفشل، ولكن بودّي الإشارة إلى نقطة مهمّـة. ربّـما بعض الحالات العربية تتحمل فيها الدولة المسؤولية الأكثر، مع عدم إغفال أن هناك نسبة من الإخفاق العربي العام أو الإخفاق في هذه النوعية من الدول، ناتج عن ضغوط خارجية، لكن في بعض الحالات، كما هو واضح على سبيل المثال في العراق وفي فلسطين.
فالإخفاق هنا، ليس إخفاقا للدولة التي تشكّـلت في ظل هذا الاحتلال أو التي لا زلنا نسعى إلى تشكيلها أو نفعل لتشكيلها، كما هو الحال في فلسطين أو بما يُـسمّـى بالأزمة أو الحالة أو المشكلة الصومالية.
البُـعد الخارجي هنا يلعب الدور الأكبر، ولا نستطيع أن نُـغفل إطلاقا في أنه سبّـب مأساة الإنسان، سواء في العراق أو في الصومال أو في فلسطين، وبالتالي، يجب علينا أن لا نُنكر إطلاقا بأن هناك مسؤولية تأتي من الخارج تزيد هذه المسؤولية إلى نسبة كبيرة للغاية، ربما تصل إلى 90% في بعض الحالات، كما ذكرتها.
دعني أقول بأن بنية الدولة العربية، للأسف الشديد، تشترك (لو أغفلنا أو تجاوزنا عن العامل الخارجي في هذه الحالات الخاصة)، بسمات أساسية. فجزء كبير من هذه البنية يقوم على ثقافة تقليدية ويقوم على ثقافة تُـعطي الحاكم سلطات واسعة، ولا يحظى هذا الحاكم، سواء كان رئيسا أو ملكا أو أميرا أو شيخا، إلى نوع من الرقابة، لا الدستورية ولا الشعبية.
ربما في بعض الحالات العربية، نجد مساحة واسعة نسبيا من الحريات الصحافية، وتُـنفِّـس هذه المساحة عن بعض ما هو مكبوت في داخل نفوس الإنسان العربي في هذه البلدان، ولكن يظل هناك سقفا مُـعيَّـنا لا يستطيع فيه الإنسان أن يتجاوزه، هذا السقف هو سقف المحاسبة، سقف القدرة على التغيير سقف المشاركة السياسية الفعالة، من خلال آليات ديمقراطية وقانونية ودستورية، نزيهة وشفافة تعكـس إرادته في التغيير وفي المحاسبة.
وبالتالي، هذه السِّـمات العامة التي تشترك فيها الدول العربية، هي المسؤولة عن هذا القدر الكبير من تخلف الإنسان العربي وأيضا في قدر كبير من معاناته في مجال الحرية والأمن الإنساني وأيضا في مجال تحسين وضعه الاقتصادي من خلال مواجهة أزمة الطاقة التي تتزايد في كثير من البلدان العربية. حتى في داخل البلدان التي لديها موارد مالية كبيرة، هناك أزمة فقر في قطاعات كبيرة، وبالتالي، هذه السِّـمات البنيوية في الدول العربية هي المسؤولة عن بقاء العالم العربي متخلِّـفا وغير قادر على الحِـراك وغير قادر على أن يتنافس في ظل بيئة تتسم بالتنافسية الشديدة في نمط الحياة وأسلوبها وفي يُـمكن أن نسميه أيضا بمستوى هذه الحياة.
في نفس هذا السياق، تحدّث التقرير عن اتِّـساع ظاهرة الفقر، التي شمِـلت 65 مليون عربي على الأقل، وظاهرة البطالة إضافة إلى أن المنطقة توشك أن تقع ضحية مباشرة لتغيير المناخ، هل يعني هذا أن المنطقة تتّـجه نحو المزيد من الصعوبات التي ستُـعيقها عن إيجاد الحلول لهذه المشاكل التي تهدِّد بمخاطر لا حصر لها؟
د. حسن أبو طالب: موضوع التغير المناخي هو قضية عالمية، الكون كله يشارك في مواجهتها وهناك شعور بتحدي كبير، لكن للأسف الشديد، العالم العربي، رغم أنه يُـدرك أن هذه القضية تمسّـه وتؤثر عليه تأثيرا مباشرا، سواء في مسألة التصحّـر ونُـدرة المياه، وكم هو معروف أن مصادر المياه للمناطق العربية، تأتي من الخارج أو من خلال تحلية مياه البحر، التي تحدث كما هو معروف في بلدان الخليج ومن خلال تكلفة مالية عالية للغاية، ولكن في نفس الوقت، نجد هذه البلدان العربية، ونظرا لمشكلة البنيوية التي أشرنا إليها، لا تنظر إلى مثل هذه القضايا من باب المنهج العلمي، بمعنى أنها تقول بأن هذه القضية ستؤثر علينا، فلماذا لا نتضامن في مواجهة هذه المشكلة؟ لماذا لا نبحثها لماذا لا نجتهد في إيجاد الحلول المناسبة لنا والتي تحمي مواردنا والتي تحمي أيضا أراضينا، وفي نفس الوقت تكون لدينا وجهة نظر عربية نستطيع أن ندخل بها في المنتديات الدولية المختلفة، التي تهتمّ بهذه القضية؟
هذه القضية لم تعد الآن طرفية أو قضية فكرية أو احتمالية، هناك الكثير من الظواهر والملابسات وأيضا من القياسات، سواء في قياسات الجو أو في قياسات ارتفاع درجات الحرارة أو في قياسات ارتفاع مياه البحر، تدل على أن هناك تغيّـرا كبيرا سيحدُث في غضون عشر سنوات وفي غضون 20 عاما أو 25 عاما وأن البحث عن الحلول، يجب أن يبدأ الآن وليس بعد 10 سنوات أو أكثر.
المشكلة في العالم العربي أنه كان في مثل هذه القضايا، ذات الطابع الكوني، ينتظر ماذا سيفعل الآخرون ماذا ستفعل الدول المتقدّمة، ليست لديه القُـدرة على المبادرة، ليست لديه القدرة على التفكير الجماعي ولا القدرة والإرادة على أن يضع جزءً من موارده لمواجهة هذه القضايا.
للأسف الشديد، نُـدرك أن هذه القضايا تتعلق بالوجود وليس بتحسين مستوى الحياة، هي تتعلق بالحياة نفسها، إما أن تبقى وإما أن تفنى. نحن بحاجة إلى أن ندفع حكومتنا العربية إلى تفكّـر تفكيرا جديدا يراعي مثل هذه التغيرات، وهذه المواجهة لا يُـمكن أن تتم بصورة منفردة، كما قد يتصورها البعض، أو من خلال توفير بعض الموارد المالية واقتناص تكنولوجيات سيقترحها الغرب المتقدِّم في ذلك الإطار، ولكن علينا أن نجتهد في إيجاد الحلول التي تتناسب مع مواردنا من جانب، ومع موقعنا الجغرافي ومع طبيعة مشكلتنا من جانب آخر، وهو الأمر الذي لن يشعر به الآخرون قبل أن نشعر به نحن.
لكن جميع هذه التقارير، التي أعدها خبراء أجانب أو عرب مطلعون على جميع التفاصيل، لم تستجب إليها الحكومات ولم تترك المجتمع العربي يتحرك للمساهمة في معالجتها..
د. حسن أبو طالب: هذا صحيح، كثير من الحكومات العربية تعلّـلت فيما يتعلق بموضوع تداعيات القضايا المناخية والبيئية، بأنها قضايا ذات طابع استيرادي، هذا ما سمعته من بعض المسؤولين العرب الذين هم مكلّـفون بمواجهة هذه القضايا، وقالوا بأن هذا الأمر احتمالي وليس مؤكّـدا، وأن هذا الأمر إذا فكرنا في مواجهته، فنحن بحاجة إلى موارد كثيرة، ونحن ليست لدينا مثل هذه الموارد، وأن هناك جهودا يمكن أن تبذلها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
إذن للأسف الشديد، الحكومات العربية تأخذ موقف الانتظار وتأخذ أيضا موقف التفاعل السلبي وليس التفاعل الإيجابي، ربما هناك بعض التصريحات التي تصدر من هذا الوزير أو ذاك، تُـعبّـر عن شيء من القلق أو قدر من الخوف في المستقبل، ولكنه يضع العبء على من سيأتي بعده وليس عليه هو الآن.
المشكلة في مثل هذه القضايا التي تحدث نتيجة تراكم زمني، تكون مؤشراتها واضحة، المشكلة هي أننا لا نُـقدِّر مثل هذه المؤشرات، حتى هذه اللحظة، كما تعلم، تسييس العمل العربي يؤثر كثيرا والخلافات العربية والقضايا العربية الخلافية تؤثر كثيرا على أن يندمج العالم العربي في عمل جماعي، سواء فيما يتعلق بحماية البيئة لمواجهة التصحّـر بالبحث عن موارد جديدة للمياه أو ترشيد استخدام المياه في العالم العربي، بحيث تكون إستراتيجية عربية مُـلزمة للجميع، كل هذه الأمور تكاد تكون غائبة تماما.
وأيضا، المجتمع المدني مشكلته في العالم العربي، أنه مجتمع مدني ضعيف مُـحاصر بالقيود، كثير من القضايا لا يُـمكنه أن يتعامل معها، مشكلته أيضا أنه يعتمد في نشاطه على التمويل الخارجي، ونحن نعلَـم أن التمويل الخارجي مرتبط أساسا بأولويات محدّدة تضعها الجهات التمويلية، وبالتالي، لا يستطيع أن يطالب المجتمع المدني بهذه الجهات التمويلية الخارجية بأجندة وطنية، هو دائما تابع للأجندات الخارجية وللأولويات الخارجية، ومن هنا، يكون دائما عمل هذا المجتمع غير متوازن وغير متناسب مع متطلّـبات التنمية الحقيقية في المجتمعات العربية، هذه أيضا قضية كبيرة للغاية، كيف ندفع المجتمع المدني ونساعده في البلدان العربية من خلال تمويل داخلي من خلال تمويل ذاتي من خلال تمويل وطني، أن يُـبرز القضايا الوطنية، وليس أن يكون مجرّد انعكاس لأجندات خارجية.
في ظل هذه الأوضاع القاتمة، هل ترون بصيص أمل؟وهل هناك إيجابيات يُـمكن توقّـعها من الأجيال الجديدة، جراء اتّـساع الوعي وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، أم أن المنطقة تتجه نحو مستقبل أكثر قتامة من وضعها الحالي؟
د. حسن أبوطالب: أستطيع أن أقول إن العالم العربي أو المجتمعات العربية، بمعنى أكثر دقّـة، تعيش مرحلة انتقالية، وهذه المرحلة ناتجة عن أن هناك أجيالا جديدة تتفاعل مع تقنيات للتواصل، تختلف تماما عن التقنيات وعن مشكلات هذه التقنيات وتداعياتها، التي تفاعلت بها الأجيال السابقة.
وأستشعر من خلال الكثير من الكتابات والدراسات الميدانية وأيضا من خلال التفاعل مع عناصر من الأجيال الجديدة في المجتمعات العربية، بأن هناك حالة من حالات الانفصال. هم يشعرون (أي الأجيال الجديدة) بأنهم يملكون الأدوات الأحدث وأنهم تربّـوا على مثل هذه الأدوات وأنهم أكثر قُـدرة على التفاعل معها من الأجيال القديمة، لكن في نفس الوقت، هذا الأمر يؤدّي إلى حالة من حالات الانفصال النِّـسبي عن الواقع، لأن العيش دائما في مجتمع افتراضي بمشكلاته الذاتية ومشكلاته التي يُـمكن أن تُـحل من خلال ضغطة زِرٍّ وفي لحظات معدودة، يختلف تماما عن المشكلات والتعقيدات الموجودة على أرض الواقع.
والمشكلات المادية التي نلمسها والتي تحتاج إلى موارد وخطط وإلى تفكير عِـلمي وإلى تضحيات وإلى أيضا مثابرة وإلى خِـطط زمنية قصيرة ومتوسطة وطويلة وهكذا… وعمليات متابعة وعمليات رقابة، كل هذه الأمور للأسف الشديد، تكاد تكون غائبة عن الأجيال الجديدة التي تتفاعل مع العالم الافتراضي من خلال شبكة المعلومات الدولية ومن خلال شبكات الدردشة وشبكات النقاش المفتوح، بمنطق مختلف. ومن هنا، أتصور بأننا بحاجة إلى أن تكون هناك دراسات ميدانية للطريقة التي يُـمكن أن ندفع بها الأجيال الجديدة لكي تكون أكثر اتفاقا وأكثر التِـصاقا بمشكلات الواقع عنها من مشكلاتها في العالم الافتراضي.
هذه المرحلة الانتقالية قد لا تطول، فقد تأخذ بعضا من الوقت، ولكن إذا لم تعالج بحِـكمة ومنذ هذه اللحظة، من خلال إعادة النظر في المناهج التعليمية وفي العملية التعليمية برمّـتها وإعادة النظر في الأداء الإعلامي، سواء الحكومي أو الخاص، وللأسف الشديد، هناك ما يُـمكن أن نسمّـيه بموبقات تشترك فيها كل عناصر الإعلام المرئي والمسموع، التي تقوم على الإصرار، أكثر من التوعية وأكثر من التنوير وأكثر من وضع المواطن العربي أمام تحدياتِـه في التنمية وفي المشاركة السياسية وفي الحصول على المعرفة الحقيقية التي تدفعه إلى الأمام، هذه الأمور كلها للأسف الشديد، لا زالت بحاجة إلى مواجهة حقيقية وسريعة، وإذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فلن يكون هناك بصيص أمل إلا بعد فترة طويلة من الزمن.
أجرى الحوار عبر الهاتف كمال الضيف – swissinfo.ch
بيروت (رويترز) – تناول تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية العربية لعام 2009 الصادر في بيروت يوم الثلاثاء 21 يوليو، مسألة التحديات التي يتعرض لها امن الانسان العربي متحدثا عن تهديد للحريات وممارسات تعذيب عدة وبطالة وفقر وتصحر. واطلق التقرير في احتفال أقيم في القصر الحكومي برعاية رئيس وزراء تصريف الاعمال فؤاد السنيورة بحضور حشد سياسي واجتماعي واعلامي وخبراء.
وتتناول الدراسة الحالية موضوع امن الانسان في البلدان العربية، انطلاقا من الاطار الذي وضعه “تقرير التنمية البشرية” لعام 1994 حول امن الانسان. وينطلق هذا التقرير من ان جوانب القصور التي حددت معالمها التحليلات الواردة في تقرير التنمية الانسانية العربية الاول، ربما تكون بعد مرور سبع سنوات على اصداره قد ازدادت عمقا.
وجاء في التقرير أن “أجهزة الدولة تمارس انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني”. وقال التقرير الذي وقع في 288 صفحة “في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2001، أصدرت معظم البلدان العربية قوانين لمكافحة الارهاب تقوم على تعريف فضفاض لمفهوم “الارهاب”. ومنحت هذه القوانين الاجهزة الأمنية في الدولة صلاحية واسعة في بعض المجالات التي تشكل تهديدا للحريات الاساسية في مواضيع اخرى”.
وأضاف التقرير، الذي جاء تحت عنوان “تحديات امن الانسان في البلدان العربية”، “تمارس اجهزة الدولة انتهاكها حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني. ودونت المنظمة العربية لحقوق الانسان امثلة على ممارسات التعذيب في ثمان دول عربية بين 2006 و2008″، لكن التقرير لم يسمِّ هذه الدول.
ويعد التقرير الحلقة الخامسة في سلسلة تقارير التنمية البشرية التي يرعاها برنامج الامم المتحدة الانمائي ويضعها باحثون عرب ودوليون من وجهة نظر مستقبلية.
واكد السنيورة في الاحتفال أنه “من دون النجاح في الوصول الى حل لازمة الصراع العربي الاسرائيلي حلا نهائيا وعادلا، لن نتمكن من حماية الامن الانساني العربي”، وقال “لا نُـمُـو ولا تنمية ولا تقدّم ولا تطوّر ولا رفاه بالقدر الذي نحتاجه في العالم العربي، ما دام الكيان الاستيطاني الاسرائيلي مستمرا في فرض هذا الصراع وبشكل متصاعد منذ أكثر من ستين عاما”.
واشار التقرير إلى ان “الذي يهدد أمن الانسان العربي يتجاوز مسألة النزاعات المسلحة ليشمل قضايا اخرى اساسية، منها التدهور في البيئة والوضع الهش لعدد كبير من الفئات الاجتماعية والتقلب الاقتصادي الناتج عن الاعتماد المفرط على النفط والانظمة الصحية الضعيفة وعدم خضوع الاجهزة الامنية للمساءلة”,
وتحدث التقرير عن احكام عرفية، مشيرا الى ان الكثير من مواطني البلدان العربية يعيشون في حالة من “انعدام الحرية”. واكد التقرير أن “العلاقة بين الدولة وامن الانسان، ليست علاقة سليمة.. ففيما يتوقع من الدولة ان تضمن حقوق الانسان، نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدرا للتهديد ولتقويض المواثيق الدولية والاحكام الدستورية الوطنية”. وشدد هذا التقرير على ان “إخفاق الدولة الذي يكمن وراء ازمة دارفور، يقدم دليلا واضحا على مدى تأثير أداء الدولة في امن الانسان”.
اما بالنسبة لاوضاع اللاجئين، فان التقرير أوضح ان المنطقة العربية تتميز بوضع فريد بين مناطق العالم أجمع، فهي المنطقة التي تلتقي فيها قضية اللاجئين الاطول عهدا في كل انحاء العالم، اي قضية الفلسطينيين بتلك الاحدَث عَـهدا في درافور.
وقال تقرير للامم المتحدة الاسبوع الماضي، إن الوضع بالنسبة للمدنيين في دارفور لا يزال “مقلقا للغاية”، حيث نزح 2.6 مليون شخص ويحتاج 4.7 مليون الى المساعدة.
وتطرق تقرير التنمية البشرية الى مسألة العنف ضد النساء، حيث دعا البلدان العربية إلى “سن القوانين الكفيلة بحظر زواج الفتيات قبل بلوغهن سن الرشد، اي الثامنة عشرة”. وافاد التقرير بان هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، مشيرا الى ان البطالة تعد من المصادر الرئيسية لانعدام الامن الاقتصادي في معظم البلدان العربية. وقال إن معدلات الفقر العام تتراوح بين “28.6%و30% في لبنان وسوريا في حدها الادنى، ونحو 59.9% في حدها الاعلى في اليمن، ونحو 41% في مصر”.
وحسب التقرير، فان معدلات البطالة المحلية تتفاوت بدرجة ملموسة بين بلد وآخر “إذ تتراوح بين 2% في قطر والكويت ونحو 22% في موريتانيا، غير ان البطالة في أوساط الشباب، تمثل في كل الاحوال تحديا جديا مشتركا في العديد من البلدان العربية”.
وأوضح التقرير أن اتجاهات البطالة ومعدّلات نمو السكان تُـشير “الى ان البلدان العربية ستحتاج بحلول عام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة… ويبلغ معدل البطالة بين الشباب في العالم العربي، ما يقرب من ضعف ما هو عليه في العالم باسره”.
ووفقا لتقرير التنمية البشرية، فانه “غالبا ما تنعكس البطالة بصورة غير متوازنة على الإناث. فمعدلات البطالة بين النساء في البلدان العربية أعلى منها بين الرجال، وهي من المعدلات الاعلى في العالم اجمع”. ودعا التقرير الدول العربية الى التركيز على “إعادة هيكلة النظام التربوي التعليمي من أجل سد فجوات المهارة”.
اما بشأن التقلبات المناخية، فقال تقرير الامم المتحدة إن المنطقة “توشك ان تقع ضحية مباشرة لتغيير المناخ”، وتحدث عن ندرة المياه في البلدان العربية، مشيرا الى مخاطر التصحر والضغوط البيئية التي تهدد أمن الانسان.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 يوليو 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.