توقعات المصالحة الفلسطينية لا زالت.. تتأرجـح!
يعمد كثير من المسؤولين الفلسطينيين الى إطلاق وصف "جناحي الوطن" في إشارة الى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وهو مجاز لا تحمل ترجمته السياسية الحرفية مجرد محاولات للتخفيف من واقع حقيقة الإنقسام، بل إنها تتضمن إشارات تشي بصعوبة التوصل إلى مصالحة فلسطينية حقيقية.
وقد سعى رئيس المكتب السياسي خالد مشعل خلال لقائه الأخير بالرئيس محمود عباس (بتاريخ 24 نوفمبر 2011) إلى إشاعة جو من التفاؤل بامكانية تحقيق المصالحة، عندما استخدم مصطلح “الشراكة” لوصف نتائج الإجتماع الذي خصص لبحث مسألة المصالحة.
ولم تكن تصريحات عباس أقل تفاؤلا أيضا، إذ حرص الرئيس الفلسطيني، ورئيس حركة فتح، قطب الإنقسام الآخر، على التأكيد على “الأجواء الإيجابية” التي غمرت لقاء الأخوة – الأعداء.
وبالرغم من أن لقاء عباس مشعل ليس الأول الذي يجمع الرجلين منذ سيطرة حماس على قطاع غزة في صيف 2007، ولن يكون الأخير في مسيرة الحوار الوطني الفلسطيني الذي انطلق في السودان مننذ عشربن عاما خلت، فإن توقعات المصالحة الفلسطينية، لا زالت تتأرجح بفعل حالة الإستقطاب المحلية والاقليمية والدولية.
ربيع العرب.. خريف فلسطين
إنها حالة حافلة بعدة ملفات، أقلها شأنا، يمكن أن يؤثر في مستقبل المصالحة الفلسطينية، وهي ملفات تبدأ من الداخل المقيد بالإحتلال وسيناريوهات التسوية السياسية المتراجعة، مرورا بالتغيرات الجارية في العالم العربي، وانتهاء بمراكز القوى الإقليمية والدولية.
ولم يكن لقاء القاهرة الأخير الذي جمع عباس ومشعل إلا نتيجة مباشرة للتطورات السريعة التي عصفت بالمنطقة خلال العام الحالي، ولا يمكن النظر إلى نتائجه المتوقعة سوى من خلال ما يُمكن تسميته بـ “ربيع العرب.. وخريف فلسطين”.
وفي حين سرعت التغيرات الجارية في العالم العربية من توقيع اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة، إلا إنها لم تفلح حقيقة في إخراج الفلسطينيين من خريفهم الداخلي الذي تفرضه حالة الإنقسام القائمة منذ سنوات طويلة.
وفي هذا السياق، يؤكد مقربون من الرئاسة الفلسطينية أن اللقاءات الحميمة الجارية بين قطبي الإنقسام الفلسطيني، فتح – حماس، لاتخلو من منغصات وقنابل موقوتة يمكن أن تعطل قطار المصالحة.
قراءات متباينة
وتبدأ هذه العوامل بتفسير الاسباب التي دعت كل من الطرفين الى الدخول مجددا في حوار عميق حول المصالحة بعد تلكؤ وتردد استمر سنوات، لاسيما النتائج الأولية لثورات الربيع العربي، وتوقف المفاوضات السياسية مع إسرائيل.
ويسود الإعتقاد لدى قيادة حركة حماس في الخارج أن وصول الإسلاميين الى سدة الحكم في عدد من الدول العربية يعني تراجعا للدور الكبير الذي تلعبه حماس كذراع للاخوان المسلمين.
وقد تعززت هذه الرؤية بالخروج الهادىء لقيادة حماس من دمشق بسبب الأوضاع هناك ومحاولتها الفاشلة التي قوبلت برفض كبير للإنتقال إلى القاهرة. وقد أكد أكثر من مسؤول أن النظام الحاكم في مصر أخبر حماس بأن التمثيل الوحيد الفلسطيني المسموح به هناك هو من خلال منظمة التحرير الفلسطينية.
لكن قيادة حماس الداخل في قطاع غزة ترى عكس ذلك وتعتقد أن صعود الإسلام السياسي في المنطقة إنما يعزز مواقعها وسيدفع الجميع، كما نقل على لسان إسماعيل هنية، إلى “خطب ود حماس”، الأمر الذي يدعو إلى الإستعجال في موضوع المصالحة في هذا الوقت.
وفي هذا السياق، لم يتردد القيادي البارز في حماس محمود الزهار، المعروف بمعارضته المُعلنة لمواقف رئاسة المكتب السياسي للحركة، في إعلان مواقف متعددة تقلل من شأن فرص نجاح حوار المصالحة.
عقبات تعترض حكومة وحدة وطنية
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس عباس ومشعل التوصل الى توافق حول البرنامج السياسي للحركتين لاسيما موافقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، إلا أن حماس لا زالت ترفض الإعتراف باسرائيل، وهي مسألة تعيق اعتراف أي حكومة تشكلها حماس أو تشارك فيها من الإعلان صراحة بالاعتراف بالإتفاقات السياسية القائمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
وفي الواقع، يحُول هذا الموقف دون تشكيل حكومة وحدة وطنية بين الفرقاء الفلسطينيين، بل إن الرئيس عباس وعد الإدارة الأمريكية بعدم تشكيل مثل هذه الحكومة قبل أن تستنفذ اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الاوسط مهمتها الجديدة الخاصة باستئناف المفاوات بين الفلسطيينيين واسرائيل.
وفي ظل تزايد التوقعات باحتمالات فشل اللجنة الرباعية، سيكون موقف القيادة الفلسطينية والتيار الوطني الذي تفوده حركة فتح، ضعيفا في حالة الذهاب إلى انتخابات عامة مثلما وعد عباس في شهر مايو 2012، لاسيما وان الهجوم الفلسطيني الدبلوماسي الساعي للحصول على عضوية كاملة لفلسطين من خلال مجلس الأمن الدولي قد تراجع أمام الحملة الأمريكية – الإسرائيلية المُضادة.
بحث عن شرعية من خلال “المصالحة”
في الأثناء، يتفق مراقبون على صعوبة ترجمة المصالحة على أرض الواقع حتى في ظل التفاهمات المعلنة بين حركتي فتح وحماس، والإكتفاء بالبحث عن شرعية من خلال هذه المواقف.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش في حديث مع swissinfo.ch: “من الصعب جدا إجراء مصالحة حقيقية في ظل مفهومين مختلفين وأسباب مختلفة تسيّر مواقف كل من فتح وحماس”.
ويرى هواش أن “ما يجري هو محاولة كل طرف الحصول على شرعية مطلوبة من خلال هكذا مصالحة. حماس وبعد أن اهتزت شرعيتها بسبب تواجدها في دمشق مع ما يجري هناك ومع طهران أيضا، فإنها تبحث عن شرعية من خلال الإطار الفلسطيني”.
في المقابل، يذهب المحلل السياسي الفلسطيني إلى أن “حركة فتح والقيادة الفلسطينية تبحث أيضا عن شرعية من خلال المصالحة بهدف توحيد النظام السياسي الفلسطيني وإنهاء الإنقسام، لاسميا بعد توقف المفاوضات” مع الطرف الإسرائيلي.
استانف وفدا فتح وحماس يوم الاحد 18 ديسمبر 2011 اجتماعاتهما في القاهرة لبحث تطبيق بنود اتفاق المصالحة الفلسطينية، وفق ما اعلن رئيس وفد فتح لوكالة فرانس برس.
وقال عضو اللجنة المركزية لفتح عزام الاحمد ان وفدي الحركتين باشرا اجتماعا جديدا “للتحضير للحوار المقرر في العشرين من هذا الشهر (ديسمبر 2011) برعاية مصرية”، في إشارة الى الاجتماع مع كل الفصائل الفلسطينية التي وقعت اتفاق المصالحة في الثالث من مايو 2011.
واضاف ان “الرئيس عباس سيصل الاربعاء (21 ديسمبر) الى القاهرة لرعاية المحادثات”.
وينتظر ان يصل رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل مساء الاثنين (19 ديسمبر) على ان يلتقيه عباس الخميس (22 ديسمبر)، وفق مسؤولين فلسطينيين.
ويضم وفد حماس الذي يتراسه نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى ابو مرزوق العديد من قادة الحركة في الضفة الغربية بينهم محمود الزهار، وفق ما اوضح احمد.
وبعد هذه المشاورات الثنائية، ستجتمع كل الفصائل الفلسطينية الثلاثاء والاربعاء لبحث مواعيد اجراء الانتخابات واصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وذلك بناء على ما تم الاتفاق عليه بين عباس ومشعل في اجتماعهما الذي عقد في 24 نوفمبر الماضي.
وشدد عباس على انه سيتم التركيز خلال هذه الاجتماعات “على هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية وكيفية مشاركة كل الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير التي لديها مسؤوليات والتزامات”.
وقال عباس في مقابلة مع شبكة يورونيوز إن “أي فصيل يريد الإنضمام الى منظمة التحرير عليه أن يوافق على التزاماتها”.
ويطالب المجتمع الدولي حركة حماس بنبذ العنف والموافقة على الاتفاقات التي وقعت سابقا مع اسرائيل والاعتراف بالدولة العبرية.
وقال احمد ان الاجتماع العام للفصائل “سيتناول مختلف بنود اتفاق المصالحة الذي وقع في ايار/مايو ومنظمة التحرير وتشكيل الحكومة والانتخابات والمصالحة وإعادة توحيد المؤسسات الأمنية والمدنية”.
ووقعت فتح وحماس في 27 أبريل 2011 اتفاق مصالحة بينهما تمت المصادقة عليه لاحقا من جانب كل الفصائل الفلسطينية.
ويلحظ هذا الإتفاق تشكيل حكومة تضم شخصيات مستقلة ستكلف بإجراء انتخابات في شهر مايو 2012.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 18 ديسمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.