جديد الجامعة العربية والأزمة السورية .. كوفي عنان مبعوثا “مشتركا”
بينما كان وزراء الخارجية العرب يعقدون يوم السبت 10 مارس اجتماعا في القاهرة مع سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا لمناقشة الوضع فى سوريا، فى سابقة تعكس بعض ملامح الدور الجديد للجامعة العربية..
.. التقى فى دمشق كوفى أنان المبعوث الخاص لكل من الأمم المتحدة والجامعة العربية بالرئيس بشار الأسد لمحاولة وضع خطة الطريق العربية موضع التنفيذ، بدءا بوقف القتال ثم تأمين الإمدادات الانسانية للمناطق المنكوبة، وأخيرا البدء فى حوار سياسى بين الحكومة والمعارضة وصولا إلى حل سياسى شامل للأزمة القائمة في البلد منذ عام كامل.
عنصران مشتركان
الجامع بين التطورين هما عنصران مشتركان؛ أولهما سوريا باعتبارها أزمة تهم العرب والعالم معا، وجميعهم يسعون إلى وقف معاناة الشعب السورى وبلورة أفق مستقبلى سلمي، وثانيهما الجامعة العربية باعتبارها صاحبة خطة الطريق السلمية لاحتواء الأزمة والحيلولة دون التدخل العسكرى الدولى.
وكلا الأمرين مرتبطان بالأمم المتحدة التى دخلت على خط المبادرة العربية بشأن سوريا بطلب من الجامعة نفسها، فما كان من مجلس الأمن الدولي إلا أن استجاب فى 14 فبراير الماضى وأيّـد الخطة العربية، وعيّن مبعوثا أمميا يحمل على عاتقه إقناع دمشق بالتجاوب مع وقف الآلة العسكرية والإلتزام بخطوات الحل السلمى.
فى هذا الإطار الثلاثى – أي الأزمة السورية والأمم المتحدة والخطة العربية – تتبلور اكثر وأكثر ملامح الدور الجديد للجامعة العربية فى ظل بيئة ما بعد الثورات والإنتفاضات الشعبية العربية، والتى فرضت على الجامعة أن تتخلى جزئيا عن الإنحياز المطلق للنظم والحكومات، وأن تضع فى اعتبارها وضمن مسؤولياتها الدفاع عن حقوق الشعوب فى الحرية والكرامة الانسانية.
التخلص من القديم .. بداية أولى
والصحيح هنا أن الجامعة فى تحركاتها الحالية لم تتخلص بعدُ من كل آليات العمل القديمة التى تفرض عليها التحرك فى إطار رسمى بحت، ولم تتخلص من أطر صنع القرار التى تجعل المواقف الرسمية للحكومات هى الفيصل فى تحديد سلوك الجامعة تجاه الأزمات الداخلية لأحد الأعضاء فى الجامعة.
لكن الصحيح أيضا، ورغم هاتين السمتين، فإن الجامعة باتت نقطة ارتكاز فى التعامل مع الأزمات الداخلية العربية، وأنه كلما كانت هذه الأزمة ساخنة وتمسّ مصالح إقليمية ودولية، ترتفع الأصوات بأن يكون للجامعة رؤية رسمية تحدد مسار العمل المطلوب عربيا وإقليميا ودوليا أيضا.
هذا الإستنتاج تدعمه تصريحات الرئيس التركي عبد الله غول التى أكد فيها رفض بلاده التدخل الأجنبى فى الأزمة السورية وتأكيده على أن رؤية الجامعة العربية هى الأساس فى الحل. كما أن الولايات المتحدة ولاعتبارات تخص وضع الرئيس أوباما فى عام الإنتخابات الرئاسية، والإلتزام المطلق بأمن إسرائيل، والتطورات المحتملة لأزمة البرنامج النووى الايرانى (إن قررت تل أبيب القيام بعمل عسكرى)، تتوافق مع الموقف العربي العام الرافض تسليح المعارضة السورية وترى أن فرصة تطبيق الخطة العربية، ورغم العنف الحكومي السوري، ما زالت قائمة.
تحول جزئى وقيود كبرى
هذا التحول الجزئى فى أسلوب عمل الجامعة العربية ليس مُمهّدا، ويواجه قيودا عدة، أولها أن تقبل الدول الأعضاء لمبدأ أن يكون للجامعة العربية كمؤسسة إقليمية دورا منفضلا عن الأعضاء أنفسهم فى الأزمات الداخلية للدول العربية ليس متحققا بالدرجة الكافية، إذ هناك حالة انتقائية تفرض نفسها على الدول العربية، أو بعبارة أخرى لا توجد معايير واضحة وثوابت تقنن حركة الجامعة إزاء الأزمات الداخلية لبلد عضو.
ويتضح هذا الأمر فى الحالة اليمنية التي لم تكن تقل فى سخونتها عما عليه حال الأزمة السورية فى اللحظة الجارية، لكن الجامعة فضلت أن يكون الدور الأكبر لدول الخليج العربية الأقرب جغرافيا لليمن والأكثر قدرة على التواصل مع كل أطراف الأزمة فيه.
واستطرادا كان موقف الجامعة بمثابة الداعم السياسى والمعنوى للدور الخليجى وخطته فى نقل السلطة سلميا من الرئيس صالح إلى نائبه، وهى الخطة التى حصلت أيضا على دعم دولى فى اكتوبر 2011 حين قرر مجلس الأمن الدولى تأييد الخطة الخليجية وتعيين مبعوث أممى خاص لمتابعة تنفيذها، وهو ما تكلل بالنجاح بالفعل.
نحو تدخل عربى حميد
القيد الثانى يتعلق بطبيعة الأزمة الداخلية للدولة العضو ومدى قدرة الجامعة على أن يكون لها خطوط اتصال مع أطرافها المختلفين، وذلك بعيدا عن أي اتهام لها بأنها تؤجج الأزمة وتتدخل فيما لا شأن لها فيه.
ونظرا لأن سلوك الجامعة العربية كان قائما على التواصل فقط مع المؤسسات الرسمية للدول، فإن التحول إلى فتح قنوات اتصال مع القوى المعارضة وفى لحظات التوتر الكبرى، يمثل نقطة تحول مهمة فى سلوك الجامعة العربية.
ولذلك واتساقا مع خصوصية الوضع السوري كان وما زال الموقف الرسمى للجامعة العربية هو التواصل مع الأطياف المختلفة للمعارضة السورية وحثها على توحيد جهودها ومواقفها حتى يصبح للتفاوض مع النظام السوري معنى ونتائج مناسبة إن قبل الأخير هذا المسلك التزاما بالخطة العربية.
طبيعة الازمة السورية
القيد الثالث ويخص الأزمة السورية، إذ يوجد انقسام بين مواقف الدول الأعضاء بات معروفا للكافة بين اتجاهين كبيرين؛ الأول يتعلق بالرغبة فى تسليح المعارضة السورية واعتبار ذلك الرد العملي الوحيد والمتاح على النظام السوري الذى لم يتوقف عن قتل شعبه والتنكيل بأفراده. ويقود هذا الإتجاه كل من السعودية وقطر ويتجاوب معهما باقى دول المنظومة الخليجية.
أما الإتجاه الثاني فيرى أن تسليح المعارضة السورية ليس مقبولا، لأنه سيعني إنهاء فرص الخطة العربية تماما، ولا توجد ضمانات بأنه سيؤدي إلى إسقاط النظام السوري أو أنه سيمنع القتل ويحول دون سقوط الضحايا السوريين، بل يتخوف الرافضون لمبدإ تسليح المعارضة بأن هذه الخطوة تنطوى ضمنا على توسيع مجال الصراع العسكرى والقذف بالبلاد فى أتون حرب أهلية مدمرة، وستعيد تكرار المأسى التى شهدتها ليبيا حين تقرر دخول الحلف الأطلسي على الخط، فضلا عن أنها ستفجر حتما أزمات عربية وإقليمية أخرى لا محالة فى ذلك.
توافق عربى ودولى
المهم هنا هو أن موقف الرافضين العرب تسليح المعارضة السورية، وفى مقدمتهم مصر والجزائر والمغرب ولبنان والسودان يتوافق مع الإتجاه السائد فى مجلس الأمن الدولى، والذي تقوده روسيا والصين، فى حين أن المؤيدين عربيا تسليح المعارضة السورية لا يجدون النصير الدولى الظاهر.
إن هذا التشابه بين التيار الغالب فى الجامعة العربية والإتجاه القائم فى مجلس الأمن وبين القوى الكبرى عامة، يعكس أكثر من مجرد تقارب آني أو مؤقت، فقد كان واضحا أن الناتو لم يتحرك فى ليبيا إلا بعد أن صدر الموقف العربي المؤيد لاستخدام القوة العسكرية الدولية ضد قوات القذافى، وبالتالى سيكون من العسير جدا على أية قوة دولية أن تذهب جهارا نهارا إلى تقديم الدعم العسكري إلى المعارضة السورية ما لم يكن هناك موقف عربى واضح وداعم لمثل هذا السلوك.
وهكذا يبدو أن القوى الرئيسية فى قمة النظام الدولى تتجه للإلتزام بما يراه أصحاب القضية والأقربون منها، وفى ذلك قدر هائل من الشرعية لأية خطوة دولية محتملة. وهى شرعية لا تأتي إلا من المؤسسة الإقليمية صاحبة المصلحة، وهي فى الحالة السورية (والعربية عموما) جامعة الدول العربية ولا أحد غيرها.
بيروت (رويترز) – اختتم مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول العربية الى سوريا كوفي عنان محادثاته مع الرئيس بشار الاسد وغادر سوريا دون علامة تذكر على احراز تقدم بشأن وقف اراقة الدماء المتزايدة في سوريا.
وقال عنان في دمشق يوم الاحد 11 مارس: “انني متفائل لعدة اسباب.. الوضع سيء وخطير للغاية لدرجة أننا جميعا لا يمكننا تحمل الفشل”.
ولم يصدر تعليق واضح من الاسد على “المقترحات الملموسة” لعنان لوقف اطلاق النار واجراء حوار وتقديم مساعدات انسانية. وابلغ الاسد عنان ان “ارهابي” المعارضة يعرقلون اي حل سياسي.
وتجتمع وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مع وزير الخارجية الروسي لافروف في نيويورك يوم الاثنين 12 مارس على هامش اجتماع وزاري خاص لمجلس الامن بشأن الانتفاضات العربية.
وعرقلت روسيا وهي حليفة لسوريا منذ فترة طويلة والصين محاولات لاجازة مشروع قرار بمجلس الامن الدولي يدين دمشق بسبب محاولاتها سحق انتفاضة بدأت قبل عام بالقوة قتل خلالها الالاف.
وتريد موسكو وبكين تقسيم اي تنديد دولي بالعنف في سوريا بشكل يتسم بالمساواة على نحو اكبر بين الحكومة والمعارضة. وقال مساعد وزير الخارجية الصيني في الرياض يوم الاحد انه يجب على طرفي القتال في سوريا وقف القتال ويجب ارسال المساعدات الي المناطق التي يمزقها الصراع ولكنه حذر ايضا الدول الاخرى من استخدام المساعدات “للتدخل”.
واتخذت السعودية وقطر خطا متشددا ضد الحكومة السورية. وكرر الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي يوم الاحد 11 مارس دعوات لتزويد المعارضة السورية بالسلاح. وقال ان هذه هي الوسيلة الوحيدة لانهاء الصراع دون تدخل خارجي.
واضاف بعد محادثات مع وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيله في الرياض ان النظام في سوريا يرتكب مذبحة ضد شعبه. وقال فسترفيله “لا نستطيع قبول الاستمرار غير المعقول بشكل كامل للاعمال الوحشية التي يرتكبها نظام الاسد ضد شعبه.”
وتقول الامم المتحدة أن قوات الاسد قتلت أكثر من 7500 شخص في قمعها للمحتجين والمعارضين . وتقول السلطات ان المعارضين قتلوا الفي جندي.
وتزامنت مهمة عنان مع هجوم يشنه الجيش السوري على معاقل للمعارضة في شمال غرب البلاد. وقال نشطاء ان اربعة اشخاص على الاقل قتلوا في بلدة ادلب يوم الاحد 11 مارس بعد ان توغلت الدبابات فيها يوم السبت. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان ثلاثة جنود ومدنيا قتلوا أثناء قتال في قرية الجانودية بمحافظة ادلب صباح الاحد.
وقالت الوكالة العربية السورية للانباء ان “ارهابيين” قتلوا بالرصاص بطل الملاكمة السابق غياث طيفور في مدينة حلب وانهم قتلوا عضوا بارزا في حزب البعث في محافظة حمص.
واستبعد المجلس الوطني السوري المعارض الذي يقيم زعماؤه خارج البلاد عقد أي محادثات ما دام الاسد في السلطة. وقال المجلس ان المفاوضات لا يمكن ان تجري بين الضحية والجلاد وان على الاسد وحاشيته التنحي عن الحكم كشرط مسبق لبدء اي مفاوضات جادة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 مارس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.