جولة كريستوفور روس: آذان صاغية.. في انتظار التسوية
يخفي المبعوث الدولي لنزاع الصحراء الغربية أفكارا جديدة قد يكون يحملها لتسوية سِلمية لإنهاء النزاع، أو أنه لا يحمل أصلا الجديد، وأن جولته بمنطقة شمال إفريقيا التي بدأت يوم 20 مارس، لا تخرج عن سياق إثبات الحضور، كمبعوث دولي لنزاع تُدرك أطرافه والمعنِيون أن تسويته لا زالت مؤجّلة.
خلال لقاءاته مع المسؤولين أو منظمات المجتمع المدني بالمغرب أو مخيمات تندوف، حرِص كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية، على الإيحاء بأنه جاء يستمع ويستمع فقط، وأحيانا يكتفي بهز رأسه. ويقول أحد الذين اجتمعوا معه لـ swissinfo.ch إن كلامه كان قليلا وكان يُجيب على الاسئلة باختصار شديد أو يعلِّق باقتضاب.
في الخلاصات التي سيخرج بها روس من المحطات الأولى لجولته، أن وجهتيْ نظر يتقاسمها كلّ من التقاهم، وهي بالحقيقة ليس لها علاقة بمهمّته. الأولى، وجهة نظر المسؤولين المغاربة والصحراويين المناهضين لجبهة البوليساريو، والتي تمحورت حول ما عرفته منطقة الصحراء الغربية منذ أن استعادها المغرب من إسبانيا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، من تقدم عمراني وبنية تحتيه وفي ميدان الحريات وحقوق الانسان. والثانية، وجهة نظر الصحراويين المؤيِّدين لجبهة البوليساريو في تقرير مصير الصحراويين وإقامة دولة مستقلّة بالمنطقة المتنازَع عليها، وتمحورت حول انتِهاكات حقوق الإنسان وثروات المنطقة.
دعا الموفد الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس الاثنين 1 أبريل 2013 في الجزائر، إلى حل “عاجل” لهذه الأزمة، بسبب “الوضع الخطير” في منطقة الساحل، حيث تستمر العمليات العسكرية ضد المقاتلين الإسلاميين في مالي.
وقال روس للصحفيين إثر لقائه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إن “الوضع الخطير في منطقة الساحل وجوارها يستوجب إيجاد حل عاجل أكثر من أي وقت مضى” لأزمة الصحراء الغربية.
وتنشط مجموعات مرتبطة بالقاعدة منذ أعوام في بلدان شريط الساحل والصحراء. وتمكن تدخل عسكري فرنسي إفريقي من طرد هذه المجموعات من شمال مالي، بعدما احتلت هذه المنطقة لأشهر عدة خلال 2012.
ووصل روس إلى الجزائر في إطار جولة بدأها في 20 مارس في المنطقة والتقى خلالها السلطات المغربية وممثلين لجبهة البوليساريو. وقد التقى الأحد 31 مارس الوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية عبد القادر مساهل، ثم الاثنين وزير الخارجية مراد مدلسي.
وقال روس “بحثت مع (المسؤولين الجزائريين) السبيل الافضل للمضي قدما في عملية المفاوضات” بين المغرب والبوليساريو، و”سأقدم نتائج جولتي إلى مجلس الأمن في 22 أبريل”. وفي وقت سابق، أعرب مدلسي عن أمله في إحراز تقدم في ملف الصحراء الغربية مع مهمة روس الجديدة.
وطالبت منظمة هيومن رايتس ووتش المغرب بالافراج عن الصحراويين الذين دينوا في الاونة الاخيرة باحكام مشددة في اطار المحاكمة العسكرية لملف مخيم اكديم ازيك مع “منحهم محاكمة جديدة وعادلة امام محكمة مدنية”، وذلك في تقرير مساء الإثنين.
واعتبرت هيومن رايتس ووتش أن “قرار محاكمة مدنيين أمام محكمة عسكرية، انتهك المعايير الدولية الأساسية للمحاكمة العادلة” رغم أن “المحكمة عقدت جلسات علنية بحضور عشرات المراقبين المحليين والدوليين، وسمحت للمتّهمين في الأغلب بمخاطبة المحكمة دون مقاطعة”.
في المقابل، أعلن المندوب الوزاري لحقوق الانسان في المغرب محجوب الهيبة، ان المتهمين “لم يطلبوا (الخضوع) لفحص طبي” خلال مُثولهم أمام قاضي التحقيق. واضاف الهيبة في بيان تسلمته وكالة فرانس برس أن “عدم طلب المحكمة (إجراء) فحوص طبية خلال المحكمة، يفسر فقط (…) بصعوبة التحقيق في مزاعم عن تعذيب أو سوء معاملة يمكن أن تكون قد حصلت قبل أكثر من عامين”. ويقترح المغرب منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا موسعا، الأمر الذي ترفضه البوليساريو بدعم من الجزائر.
وقبل الجزائر، زار روس موريتانيا والمغرب بما فيه الصحراء الغربية، على أن ينتهي جولته في الثالث من أبريل.
(المصدر: الوكالة الفرنسية للأنباء أ.ف.ب. بتاريخ 1 أبريل 2013).
“لا جديد لإحياء عملية السلام”
وقال بشير ادخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، والذي عاد إلى المغرب عام 1991، إنه لمس خلال لقاء يوم الخميس الماضي بالرباط مع كريستوفر روس، أن هذا الأخير لا يحمل جديدا في جولته، وليست لديه خارطة طريق لإحياء عملية السلام الصحراوي، إلا أنه وصف روس بـ “دبلوماسي يتحلّى بكثير من الرَّصانة والتفتّح والصّدر الواسع والمطّلع”.
وقال ادخيل، إن روس كان حريصا على الإطلاع على آراء الجميع، دون أن يُظهر أنه بلْوَر خُطة أو فكرة من أجل أن يطرحها على الطاولة وأن “روس بأسئلته وملاحظاته، كان وكأنه يقوم بدراسة سوق لإعداد صَفقة أو كمن يقوم بإحصاء رمال الصحراء”.
وأوضح الدخيل أن روس يقوم بجولاته مُدركا أن تسوية النزاع لا زالت بعيدة، ونقل عنه قوله “إن مجلس الأمن يجتمع مرة كل سنة ليُناقش تطوّرات نزاع الصحراء، ويمدِّد لقوات الأمم المتحدة المنتشرة بالمنطقة لوقف اطلاق النار منذ 1991، والدول الكبرى المعنِية والمؤثِّرة، لها مصالح متعدِّدة ومتشعِّبة مع جميع أطراف النزاع، وهو ما يحُول دون اتِّخاذها مواقِف وقرارات حاسِمة، وتُولي اهتمامنا أكثر للنقاط الساخنة، لذلك، يجد نفسه مُضطرا للقيام بعملية “يقظة” بين الحين والآخر”.
مزيج من الأفكار لحل نزاع طال أمده
كريستوفر روس، الذي وصف نفسه “دكتور صبْر” وتلقّى دعما دوليا، سبق جولته التي تستمر حتى الثالث من أبريل وشملت المغرب، بما فيها مُدن صحراوية (العيون والداخلة)، والجزائر (بما فيها مخيمات اللاجئين بتندوف، حيث التجمع الرئيسي لجبهة البوليساريو)، وموريتانيا، حمل معه علنيا همّا وحيدا، وهو ضرورة الإسراع بحلّ النزاع الصحراوي، وتصريحه الصحفي الوحيد بالرباط قال فيه “إن الوضع في منطقة الساحل وجِوارها، يجعل من حلّ قضية الصحراء، أمرا مُلحّا أكثر من أي وقت مضى”.
هذا الهم، الأمريكي الغربي أيضا، حمله روس في جولته السابقة بالمنطقة في نوفمبر الماضي، وبعد تلك الزيارة قام بجولة بعواصم ما يعرف بمجموعة دول أصدقاء الصحراء وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وروسيا وأضاف إليها، ولأول مرة كلا من ألمانيا وسويسرا. وقبل وصوله للرباط، عرج على مدريد والتقى عددا من المسؤولين الإسبان لتتحدث تقارير عن حمله للمنطقة لمشروع، يشكل مزيجا للافكار المتداولة لحل النزاع منذ دخوله مرحلة التسوية قبل اكثر من ثلاثين عاما.
وتتمحور الأفكار التي لم يعلن عنها رسميا حول علاقة فدرالية أو كنفدرالية بين المغرب والصحراء الغربية كتسوية بين مطلب جبهة البوليزاريو بانفصال الصحراء عن المغرب، وإقامة دولة مستقلة عليها، ومقاربة المغرب بمنح الصحراويين حكما ذاتيا ذات صلاحيات واسعة تحت السيادة المغربية.
مشروع الحكم الذاتي قابل للتطوير
قُبيل وصول كريستوفر روس، قال محمد لولشكي، مندوب المغرب الدائم بالأمم المتحدة في مُحاضرة بالرباط، إن مشروع الحُكم الذاتي المغربي، قابل للتطوير ومحلّ تفاوُض، ليؤكِّد أن النزاع يقوم أساسا حول السيادة على المنطقة المتنازَع عليها وليُعيد للذّاكرة تصريحات سابقة لمسؤولين مغاربة، وأبرزها تصريح العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، بأن ما يريده المغرب من الصحراء، هو العَلَم والطابَع البريدي والعُملة المتداوَلة، وكل ما عدا ذلك، سيكون من تدبير ساكِنة المنطقة.
وأكد بشير الدخيل، أن تسوية النزاع الصحراوي لا تكون إلا بحلٍّ وسط مقبول من أطراف النزاع والمقترح المغربي بمنح الصحراويين حُكما ذاتيا، ذات صلاحيات واسعة تحت السيادة المغربية، هو الحلّ الوسط الوحيد، الذي ليس فيه لا غالب ولا مغلوب. والحُكم الذاتي شكل من أشكال الفدرالية أو الكنفدرالية لأنه نظام سياسي يحترم الخصوصية المحلية وكرامة الإنسان وحقوقه.
ودعمت التقارير حول مشروع الفدرالية أو الكنفدرالية زيارته لكل من سويسرا وألمانيا في إطار جولته الأوروبية في يناير الماضي، حيث تُعتَبر سويسرا دولة محايدة ترفُض حتى الانضمام إلى المنظمات الدولية، إلا أنها تتبنّى النظام الكنفدرالي يحتفظ لكل كِيان بخصوصياته، مقابل صلاحيات محدودة للمركز، وتُعتَبر سويسرا عملِيا، الدولة الكنفدرالية الوحيدة في العالم.
أما ألمانيا التي لا تُولي اهتماما كثيرا بنزاع الصحراء وتعتبره نزاعا يقع ضِمن نفوذ فرنسا وإسبانيا، فإن لديها نظام حكم ذاتي موسّع للأقاليم، وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد نادى بذلك مُبدِيا إعجابه بالنموذج الألماني في الحُكم الفدرالي.
وإذا كانت جبهة البوليساريو لا زالت تلتزم الصّمت حول هذه الصيغة، فإن ترحيبا مغربيا كان واضحا ما دام يبقي للمغرب سيادة على الصحراء مقابل صلاحيات كبيرة للصحراويين تجعلهم يتمتعون بدولة داخل دولة.
وقال دبلوماسي رفيع بوزارة الخارجية المغربية “إذا اقترح روس الحل الفدرالي، فأهلا وسهلا، لكن الواقع غير هذا والطرف الآخر لا يريد حلا لنزاع الصحراء”.
“حل سياسي وسط”
واهتمت الصحف المغربية بالتقارير المتداولة وقالت صحيفة “التجديد” المقرّبة من حزب العدالة والتنمية، الحزب الرئيسي بالحكومة، إنه بغضّ النظر عن الموقف الذي يمكن للمغرب أن يُبلْوره بخصوص هذه المقترحات، فإن روس لا يفعل أكثر من التفكير في هامش المقترح المغربي بالحُكم الذاتي، لأن الصيغيتين معا، أي الحكم الفدرالي أو الكنفدرالي، يعترفان بالسيادة للمركز، ويعترفان بالحكم الذاتي لبعض الأطراف” و”ما عدا ذلك، فالتفاصيل، كان المغرب في غاية المرونة في التعامل معها”.
وقالت صحيفة “العلم”، لسان حزب الاستقلال المشارك بالحكومة، إن مقترح إنشاء نظام كنفدرالي بين المغرب والبوليساريو، هو حل سياسي وسط، يتجاوز فشل صيغة استفتاء تقرير المصير الذي تطالب به جبهة البوليساريو ويأخذ بعين الاعتبار مقتضيات مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كأرضية لتسوية النزاع”.
بانتظار ما سيقوله كرستوفر روس في تقريره لمجلس الأمن الدولي حول خُلاصات جولته، وما إن كان سيقترح رسميا مشروعا جديدا لتسوية النزاع، فإن مسألة الكنفدرالية والفدرالية، باتت شكلا مقبولا في ظلّ نزاعات انفصالية تتبلْور في عدد من الدول التي تُعاني من أزمات اجتماعية تتحوّل إلى صراعات جهوية أو مناطقية.
فإلى جانب ما تردّد عن المشروع مغربيا، فإن اليمن الذي يعاني من أزمات متعدّدة، وجد في الفدرالية او الكنفدرالية حلاّ ممكنا لأزمة محافظاته الجنوبية وعلاقتها التي كانت تشكّل قبل إعادة الوحدة 1990 جمهورية اليمن الديمقراطية، وهي أفكار تلقى دعما دوليا ما دامت تعطي للخصوصيات المحلية حقّها بالبلورة والتميز، فإنها تحافظ على وحدة الدولة القائمة.
في كل الحالات، فإن تسوية أيّ نزاع، تبقى رهينة إرادة أطرافه بالتسوية وتقدّم كل طرف خطوة تُجاه الطرف الآخر، وتوفّر قناعة دولية بضرورة تسوية هذا النزاع بالضغط على أطرافه لتقديم هذه الخطوة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.