حقوق الإنسان.. الميدان “الأخير” للنزاع حول الصحراء الغربية؟
كلّـما اقتَـرب مجلِـس الأمن الدولي من اتِّـخاذ قرار جديد حَـوْل نزاع الصحراء الغربية، تتصاعَـد المُـواجهات بين المغرب وجبهة البوليساريو، لكنها اصبحت تقتصر منذ سنوات قليلة، على جبهة حقوق الإنسان، بعد أن ساد الهدوء جميع الجبهات الأخرى.
ومن جهته، يستعد مجلس الأمن الدولي هذه الأيام لاستِـصدار قرار جديد، يُـمدِّد فيه ولاية قوات الأمم المتحدة المُـنتشرة بالصحراء لمدّة سنة إضافية، ويقرأ تطورات النزاع التي تتعلّـق بالمُـفاوضات غيْـر المباشرة، ويدعو أطراف النزاع – كالعادة – للتعاون مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، للوصول إلى حلٍّ مُـتوافَـق عليه يُـنهي النزاع المُـمتد على مدى ثلاثة عقود ونصف، دون أن تظهَـر في الأفُـق حتى الآن، نهاية له.
القرار الجديد لمجلس الأمن، لن يحمل مفاجآت أو على الأقل لن يأتي ولن يخرج عن الإطار الذي وضع به الأمين العام بان كي مون تقريره، الذي قدّمه للمجلس بداية شهر أبريل 2010، تحدّث فيه عن الجهود التي بَـذلها من خلال مبعوثه الشخصي، الدبلوماسي الأمريكي الأسبق كريستوفر روس، ولم تُـسفِـر سوى عن جلستيْـن من المحادثات غير الرسمية، عقدت الأولى في النمسا في شهر أغسطس 2009 والثانية في ارمونك، القريبة من نيويورك في شهر مارس الماضي.
تدبير النزاع لا حلّـه
أطراف النزاع، أي المغرب وجبهة البوليساريو أساسا، يُـدركان أن الوضع على الأرض والموقف الدولي والإقليمي، لا يحتمِـلان تغييرا في تعاطي المنظمة الدولية مع النزاع، وبالتالي تكتفي جميع الأطراف المتنازِعة أو الإقليمية والدولية المعنِـية، بتدبير النِّـزاع لا حلّـه. ويُـدركان في الوقت نفسه، أن الوضع القائم لا يسمَـح لأيٍّ منهما الخروج عن الإطار الذي رُسِـم دوليا لتدبير النزاع، وإذا ما علت أصوات تُـطالب بالذّهاب نحْـو ميدان السلاح، فإنها في أحسن حالاتها، مُـحاولات ابتِـزاز لا يُـؤخذ بها ولا يُـلتفَـت إليها.
المغرب كما يقول مسؤولوه، “في صحرائه” ومُـنشغل في تنمية المُـدن الصحراوية، إن كانت العمرانية أو البشرية، بعد أن ساد الأمن والاستقرار المنطقة وتوقفت الهجمات المسلّـحة منذ 1991، والعالم يراقب وقْـف إطلاق النار بواسطة قوات (مينورسو)، ويسعى لإخراج السلام الصحراوي من مأزقه، عبر اقتراح منْـح الصحراويين حُـكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية. وبالنسبة له، فإن قرارات مجلس الأمن ذات الصِّـلة الدّاعية لإجراء استفتاء للصحراويين لتقرير المصير، أصبحت جزءً من الماضي، بعد أن تبيّـن للأمم المتحدة (التي عجَـزت عن الوصول حتى إلى قوائم مُـتّـفق عليها بخصوص الصحراوي الذي له الحق في التصويت) استِـحالة تطبيق هذا الإستفتاء.
من جهتها، لا زالت جبهة البوليساريو متمسِّـكة بالقرارات الدولية ذات الصِّـلة المعنية بتقرير المصير وتُـطالب باستمرار مجلس الأمن بتطبيق هذه القرارات، ولم تعُـد تملك – بعد التطورات التي عرفها العالم والإقليم – من أوراق ضغْـط على المغرب أو مجلس الأمن، إلا ورقة واحدة: حقوق الإنسان “تحرج” بها المجتمع الدولي وتضمن لها “تعاطف المجتمع المدني” في الدول الكبرى المعنِـية بالنزاع، خاصة إسبانيا.
ويمكن القول أن ورقة حقوق الإنسان حققت العديد من المكاسِـب السياسية والإعلامية للجبهة، خاصة بعد الحِـراك الذي عرفته المُـدن الصحراوية ومُـدن مغربية أخرى في شهر مايو 2005، أعلَـن خلاله ناشطون صحراويون تأيِـيدهم لجبهة البوليساريو وأظهروا أن الجبهة قرّرت نقْـل المواجهات مع المغرب إلى داخله، من خلال تحويل الحِـراك إلى “انتفاضة” دائمة، ترتفع حِـدّتها أو تتقلّـص، كما شكّـل الناشطون الصحراويون المؤيِّـدون للجبهة (يطلق عليهم بالمغرب بوليساريو الداخل أو انفصاليي الدّاخل)، منظمات وهيئات تُـعنى بحقوق الإنسان الصحراوي، بعد فشلهم في الدّفع بهيئات حقوقية مغربية التَـحقوا بها للذّهاب معهم بعيدا في مطالبهم.
السلطات المغربية قابَـلت هذا الحِـراك بالعُـنف، وإن كان بمستوى أقل حدّة من العُـنف الذي تواجَـه به اضطرابات في دول أخرى مشابهة أو بعض التحركات الإجتماعية التي تعرفها مدن مغربية، ورفضت منح التّـرخيص القانوي لنشاط المنظمات الحقوقية الصحراوية.
حقوق الإنسان.. ميدان النزاع الأخير
على مدى السنوات الخمس، كانت حقوق الإنسان ميْـدان النِّـزاع الصحراوي، المغرب، كما في بقِـية أراضيه، دفع باتِّـجاه الانفتاح وتوسيع الهامش الديمقراطي، ودبّـر تحرّك الناشطين الصحراويين بالكثير من المُـرونة وقلّـصت أجهزته الأمنية الكثير من انتِـهاكات حقوق الإنسان، ويُـمَـحوِر تحرّكاته على أوضاع اللاّجئين الصحراويين في مخيّـمات تندوف، حيث قيادة جبهة البوليساريو وقوّاتها العسكرية.
رسائل محمد عبد العزيز، الأمين العام لجبهة البوليساريو إلى الامم المتحدة حوْل انتِـهاكات حقوق الإنسان، خاصة منذ عام 2008، لم تعُـد تحدث في مُـدن مغربية خارج منطقة النِّـزاع.
وخلق التدبير المغربي للملفّ، نِـقاشا في أوساط الناشطين الصحراويين، الذين كان جلّـهم يقضي وقته في نشاطات مؤيِّـدة لجبهة البوليساريو خارج المغرب، فذهبوا بعيدا في تحدّي السلطات المغربية وتوجّـه سبعة منهم في شهر أكتوبر الماضي إلى مخيمات تندوف في زيارة علنِـية، التَـقوا خلالها بمسؤولي الجبهة وحضروا نشاطات عسكرية، فاعتقلتهم السلطات المغربية حين عوْدتهم وأحالتهم على المحكمة العسكرية بتُـهم الخِـيانة العُـظمى والاتِّـصال بالعَـدُو أثناء الحرب، وتتراوح العقوبات ما بيْـن الإعدام والمؤبّـد، وتلاها نجاح الناشطة أمينتو حيدرا باستِـفزاز السلطات المغربية بمطار العيون، حين عادت من الولايات المتحدة حامِـلة جائزة لحقوق الانسان ومرفوقة بصحفيين إسبان، وسجّـلت بورقة الدخول إلى المغرب أن جنسيتها صحراوية وعنوانها الصحراء الغربية، فقررت السلطات المغربية إبعادها إلى إسبانيا وحيث اعتصمت في مطار لانزاروتي بلاس بالماس، مُـضربة عن الطعام لتتخذ قضيّـتها بعدا دوليا، دخلت على خطّـها فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة.
بعد الناشطين السّـبعة وأمينتو حيدرا، عادت حقوق الإنسان واجهةً للحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو، في انتظار عقْـد اجتماع مجلس الأمن الدولي دوْرة اجتماعاته العادية حول تطوّرات النزاع الصحراوي ولتُـطالب الجبهة بتوسيع صلاحيات قوات الأمم المتحدة المُـنتشرة لوقْـف إطلاق النار (مينورسو)، لتشمل مُـراقبة حقوق الإنسان والتقرير بها إلى مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة المتخصِّـصة، وهو ما تجاهله بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير وعَـرّضه لهجوم إعلامي عنيف من طرف جبهة البوليساريو.
اقتراح توسيع بعثة “مينورسو”
ويقترح الناشط الحقوقي إبراهيم الأنصاري أنه من الطبيعي توسيع صلاحيات بِـعثة المينورسو، لتشمَـل مراقبة حقوق الإنسان، أسْـوة بالبِـعثات الدولية الأخرى المنتشرة في العالم، وإن كانت المدن الصحراوية عرفت تطوّرا مُـلفتا في هذا الميْـدان خلال السنوات الماضية. ويقول لـ swissinfo.ch إن أية مقارنة بين وضْـع 2005 و2010، ستؤكِّـد أن الفرق كبير، لكنه يُـبدي في تصريحات من مدينة العيون “خِـشيته من تسييس هذه العملية”، بعد أن أصبحت حقوق الإنسان هي الميدان الوحيد للمُـواجهات.
ويسجِّـل الناشط الأنصاري عدَم اعتراف الدولة المغربية بالمنظمات الحقوقية، التي أسسها الناشطون الصحراويون وتمنَـعهم من التعبير عن آرائهم بشكل عَـلني أو التظاهر السِّـلمي وإدخال المدنيين في المنطقة في مُـواجهات مع هؤلاء الناشطين.
ولا ينفي الأنصاري الطَّـابع السياسي أحيانا للناشطين الصحراويين في ميْـدان حقوق الإنسان وممارسة نشاطات حقوقية بخلفِـية ورؤية سياسيتين، على غرار الدولة المغربية التي تَـتعاطى مع مِـثل هذه الملفات برُؤية سياسية أيضا. ولا يرى الأنصاري على ضوء الأوضاع السياسية، الإقليمية والدولية، إمكانية توسيع صلاحيات المينورسو.
معارضة مغربية
ويؤكِّـد مسؤول كبير في وزارة الخارجية المغربية، أن الدول الأساسية في مجلس الأمن الدولي، لا ترى أن توسيع صلاحيات المينورسو، لتشمل حقوق الإنسان، أمر يُـساعد على إحلال السلام في المنطقة وأن المغرب تلقّـى تطمينات بأن القرار الجديد لمجلس الأمن لن يخرج عن مضمون تقرير بان كي مون للمجلس.
وقال هذا المسؤول لـ swissinfo.ch إن توسيع صلاحيات المينورسو يُـعتبر مسّـاً بالسيادة المغربية وتدخُّـلا في الشؤون الداخلية للبلاد، وقرارات مجلس الأمن تؤكِّـد على سيادة القانون المغربي في المناطق المُـتنازَع عليها.
ويُـعبِّـر هذا المسؤول عن ثِـقة بلاده بملفّـها في ميدان حقوق الإنسان والشهادات الدولية في هذا المجال، مشيرا إلى أن اتفاقية الوضع الخاص للمغرب مع الاتحاد الأوروبي، ما كان لها أن تُـوَقَّـع لولا إقرار الاتحاد بالتقدّم في ميْـدان حقوق الإنسان الذي حقّـقه المغرب.
وحوْل هذه الصلاحيات الممنوحة لبعثات الأمم المتحدة في العالم وعدم منحِـها لبعثة في الصحراء، قال إن إنشاء المينورسو عام 1991، كان لمُـراقبة وقْـف إطلاق النار والإعداد للاستفتاء، لكن عملية الاستفتاء توقّـفت وقرارات مجلس الأمن منذ عام 2003 تتحدّث عن حلٍّ مُـتّـفقٍ عليه بيْـن أطراف النِّـزاع، أي توقف العملية السياسية التي كان على البعثة الدولية أن تسير بها.
وقال، إن إعلان جبهة البوليساريو قَـبولها وُجود آلية دولية لمُـراقبة حقوق الإنسان في مخيّـمات تندوف، لم يُـوله العالم اهتماما، لأن الجبهة ليست عُـضوا في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة المتخصِّـصة في مجال حقوق الإنسان، وأن الخُـطوة الأولى لتُـبَـرهِـن الجبهة ومعها الجزائر على نِـيةٍ صادِقة، هو إحصاء اللاّجئين في المخيمات ومنحهم حقّ الاختيار بيْـن العوْدة للمغرب أو البقاء في الجزائر، مع حرية التنقّـل والسفر أو الانتِـقال إلى بلد ثالث.
نزاع يطول.. وفرص ضائعة
خلاصة القول: نِـزاع يَـطول، وفي كل مرحلة تحتلّ المواجهة ميْـدانا، لا يهُـم اسمه ما دام جزءً من الحرب وعنوانه.
هذا النزاع الذي تحرص أطرافه على إعلان رغبتها بتسويته العادلة، لكن الواقِـع وتباعُـد مقاربة كل طرف للنزاع وتسويته، يُـشيران إلى تَـنافٍ مع هذه الرّغبة واستمرار عشرات من الألوف من البشر في العيش في مخيمات، تفتقِـد إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة لإنسان القرن الحادي والعشرين، وضَـياع فُـرص ثمينة على منطقة، كان اتحادٌ في يوم من الأيام.. يُـوحِّـدها.
محمود معروف – الرباط – swissinfo.ch
نيويورك (الأمم المتحدة) (أ ف ب) – عبّـر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إثر اجتماع مع رئيس جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) في نيويورك يوم 24 الجمعة أبريل الجاري، عن قلقه لانتهاكات لحقوق الإنسان، التي يجري الحديث عنها في الصحراء الغربية.
وقالت الأمم المتحدة في بيان، إن بان كي مون وعد بأن تواصل المنظمة الدولية لعِـب دور “فعّـال وعادل” في البحث عن حلٍّ للنزاع بين جبهة البوليساريو، التي تدعمها الجزائر، والمغرب التي ضمّـت هذه المنطقة في عام 1975.
وأكد البيان أن الأمين العام “ما زال قلقا جدا من الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان” وأكد أن مبعوثه الخاص كريستوفر روس “سيُـواصل العمل لتشجيع حقوق الصحراويين”.
يتبادل المغرب والجبهة الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وقد شجّـعهما بان كي مون على السير في طريق حوار بنّـاء برعاية المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
كما عبّـر الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه على مصير اللاّجئين الصحراويين، ودعا الجانبيْـن إلى احترام اتِّـفاقهما حوْل توسيع برنامجٍ للزيارات العائلية وتسهيل مُـشاورتهما مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
وهنّـأ الأمين العام جبهة البوليساريو لسماحها بزيارات عائلية عبْـر الطرق البرية وعبَّـر عن أمله في استئناف الزيارات جوّا.
ويُـتوقّـع أن يتم تمديد مهمّـة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية التي تنتهي في نهاية الشهر الجاري إلى 30 أبريل من العام المقبل، وكانت هذه المهمة بدأت في عام 1991.
ودعا بان كي مون في تقرير في 12 أبريل المغرب وجبهة البوليساريو إلى التفاوض بحُـسن نية وبدون شروط مُـسبقة لإنهاء نزاعهما حوْل الصحراء، برعاية كريستوفر روس.
وعقدت أربع جولات تفاوُض بين الجانبيْـن في مانهاست، ضاحية نيويورك، منذ يونيو 2007 من دون أن تؤدي إلى نتيجة.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 25 أبريل 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.