حكومة العريض: قادرة على الصمود.. لكن بشروط
بعد أن أصبحت لتونس حكومة جديدة، على إثر أزمة سياسية استمرّت عدّة أشهر، تساءَل كثيرون: هل يمكن للتونسيين أن يلتقطوا أنفاسهم وأن يتوقعوا بأن الشوْط المتبقّي من المرحلة الإنتقالية سيتم بأقل كلفة، مقارنة بالمرحلة التي قادها السيد حمادي الجبالي، والتي دفعته في الأخير إلى الإستقالة؟
يمكن القول بأن البداية قد صاحبتها إلى حدّ الآن مؤشِّرات واعدة. فحكومة السيد علي العريض حظِيت بثقة 64% من أعضاء المجلس الوطني الـتأسيسي، أي 139 عضوا مقابل 45 فقط.
وبالرغم من أن الترويكا (التي تتشكل من حزب حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) قد عجزت عن توسيع دائرة التحالف، رغم المفاوضات الماراطونية التي أجراها رئيس الحكومة مع مختلف الأحزاب، إلا أنه عند منحِ الثقة، صوّتت عديد الأطراف، التي سبق لها أن رفضت الإلتحاق بالائتلاف، بدون تحفّظ، وهو ما وفّر قاعدة عريضة لصالح الحكومة وفاجأ أوساط المعارضة.
الدعم الثاني للحكومة، جاء من الأطراف الدولية التي تربطها بتونس علاقات قوية. فوزير الخارجية الألماني، حرِص على توجيه رسالة إيجابية إلى التونسيين عشية الزيارة الرسمية التي أدّاها إلى تونس يوم الثلاثاء 19 مارس، وهي أول مهمة يؤدّيها مسول أوروبي بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك حين قال “رغم كل الصعوبات التي تواجِهكم، فإنكم تسيرون على الطريق الصحيح، اصمدوا جيدا”.
من جهتهما، رحّبت كل من باريس وواشنطن بحكومة العريض، وجدّدا دعمهما لعملية الإنتقال السياسي في تونس. أما السيدة أشتون مسؤولة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي، وبمعية المكلف الأوروبي بتوسيع سياسة الجوار، فقد اعتبرا التصويت على حكومة العريض بمثابة الجواب المتوقّع على الأزمة الحكومية المفتوحة منذ مقتل شكري بلعيد في 6 فبراير الماضي، كما أنه يعكِس من وِجهة نظرهما “التسيير الجيّد للمؤسسات الإنتقالية التونسية”.
هذه البداية المشِّجعة، كادت أن تتدحرَج في متاهة خطيرة العواقِب، لولا أن قام رئيس الحكومة باحتِوائها بسرعة. لقد فوجئ جمهور النادي الإفريقي، الذي يُعتبر أحد أعْـرق الفرق التونسية في مجال كرة القدم، وذلك حين قام الكاتب العام للحكومة بوضع رئيس النادي أمام خيارين، إما الإستقالة من الحزب الذي يقوده، أو التخلّي عن رئاسة الإفريقي، وذلك بحجّة أن الجمع بين المسؤوليتيْن يتعارض مع قانون الجمعيات. وقد هدد جمهور النادي بتنظيم اعتصام مفتوح أمام مبنى رئاسة الحكومة.
تحديات حكومة العريض
لاشك في أن العريض، الذي وُجِّهت له انتقادات شديدة خلال فترة تولّيه مهمّة وزارة الداخلية، حيث اتّهمته المعارضة بالفشل، حريص على إثبات جَدارته في قيادة الحكومة. ومما يلفت النظر، أن الباحث الأمريكي دونكان بيكارد في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، عبّر عن اعتقاده بأن العريض “سيتمكن من تحقيق هدفه الجوهري، وهو تسيير شؤون البلاد إلى حين تنظيم الإنتخابات”.
وخلافا لتحاليل غربية أخرى ينظر أصحابها بتوجّس للحالة التونسية، خاصة بعد اغتيال زعيم الوطنيين الديمقراطيين، فإن هذا الباحث المختص في شؤون شمال إفريقيا، لا يعتقد بأن “الوضع قد ينفجر وأن احتمال نشوب حرب أهلية في تونس، قريب من صفر بالمائة. فمهْما تأزّمت الأوضاع الأمنية في تونس، تبقى البلاد قادِرة على الحفاظ على مستوىً أدنى من التوافُق على ثوابِت مُشتركة لا يدخل العُنف تحت طائلتها”.
صحيح ما ذكره هذا الباحث في حوار أجرته معه مؤخرا أسبوعية تونسية، لكن ذلك لا يقلل من حجم التحدّيات التي تواجِه الحكومة الجديدة. وفي مقدِّمة هذه التحديات، الإشتباك المتواصل مع أنصار الجبهة الشعبية (
(ائتلاف يضم 11 حزبا وتجمعا يساريا وقوميا وبيئيا، تأسس في 7 أكتوبر 2012)، الذن نزلوا بكثافة إلى الشوارع مطالبين بالتعجيل في الكشف عن الحقيقة فيما يتعلق باغتيال زعيمهم شكري بلعيد، مشكّكين في الرواية التي اعتمدها العريض والأجهزة الأمنية.
كما رفعوا شعارات اتَّهموا فيها مباشرة حركة النهضة ورئيسها السيد راشد الغنوشي بالضلوع في هذه الجريمة، بل إن زعماء الجبهة هدّدوا صراحة بتصعيد تحرّكاتهم خلال الأيام والأسابيع القادِمة من أجل الإطاحة بحكومة العريض، فيما قال حمه الهمامي، الناطق باسمها: “إن الجبهة ستختار الصِّيغة والوقت المُناسب لتحقيق هذا الهدف”، وهو ما يعني أن التّجاذبات السياسية بين جماعات اليسار الراديكالي، مدعومة بمعظم أطراف المعارضة، مرشحة لمزيد من التصعيد خلال المرحلة القريبة القادمة.
تونس (رويترز) – قال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يوم الخميس 21 مارس، ان تقاسم الحكم بين الإسلاميين والعلمانيين المعتدلين أصبح ضرورة في العالم العربي لتفادي الانقسام والاستقطاب، معتبرا ان تونس يمكن ان تكون مِثالا إذا نجحت الفترة المتبقية من عملية الانتقال الديمقراطي.
وتقود حركة النهضة الاسلامية المعتدلة الحكومة مع حزبين عِلمانيين هما التكتل والمؤتمر – وهو حزب الرئيس التونسي- بعد فوزها في اول انتخابات في تونس مهد الربيع العربي التي جرت في اكتوبر عام 2011 .
وقال رئيس الجمهورية، وهو علماني، في حوار بثّـته اذاعة تطاوين يوم الخميس “تجربة الائتلاف في الحُكم بين الإسلاميين والعلمانيين المعتدلين، حل ضروري في كل البلدان العربية التي تعاني تقريبا من نفس المشكل”. وصرح المرزوقي بأنه اذا لم يلتق الحداثيون والاسلاميون المعتدلون في الدول العربية في ائتلافات، فإن “الصراع سيكون شديدا”.
ورأى الرئيس التونسي، وهو حقوقي، ان تونس يمكن ان تكون نموذجا تقتدي به كل دول المنطقة الاخرى قائلا “نريد ان تكون تونس نموذجا وأنجزنا ثلاثة ارباع الطريق وما زال الربع الاخير ويجب أن ننهيه دون تعثر”.
وتعهد رئيس الوزراء الإسلامي علي العريض بعد تشكيل حكومة جديدة الاسبوع الماضي، بإجراء انتخابات هذا العام وانهاء الفترة الاخيرة من الانتقال الديمقراطي في تونس بعد تعاقب اربع حكومات مؤقتة منذ الاطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل عامين.
ودفع اغتيال المعارض العلماني شكري بلعيد في 6 فبراير الماضي تونس الى أسوأ موجة احتجاجات دفعت رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي الى الاستقالة بعد فشله في تكوين حكومة غير حزبية تهدف لخفض التوتر.
وتونس اكثر البلدان العربية التي تشهد انتقالا سلسا نسبيا مقارنة بمصر وليبيا وسوريا، لكن اغتيال السياسي بلعيد اثار مخاوف من امكانية تعثر بقية مراحل الانتقال الديمقراطي وسقوط البلاد في مرحلة العنف السياسي.
وحذر المرزوقي من ان الاوضاع في سوريا، سيكون لها انعكاس سلبي في ظل استمرار تدفق مقاتلين من تونس للقتال هناك. وقال “نخشى ان يعود التونسيون من سوريا وان يشكلوا خطرا على بلادهم.. يجب اقناعهم بان الجهاد الحقيقي في بلادهم هو محاربة الفقر والبطالة والجهل”.
وقالت تقارير صحفية ان مئات المتشددين الاسلاميين يحاربون في سوريا في محاولة للإطاحة بنظام الرئيس بشار الاسد. وأصبحت هجرة الشبان، مصدر قلق في تونس خِشية تنفيذ هجمات في الداخل بعد اكتساب خبرات قتالية اكبر في سوريا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 مارس 2013).
“مؤسسات الدولة هي المسؤولة عن حماية الثورة”
في هذا السياق، يتواصل الجدل حول دور روابط حماية الثورة. فهذه الهيئات، ورغم حصولها على الترخيص القانوني، إلا أنها تحوّلت خلال الأشهر الأخيرة إلى مسألة خلافية تشقّ القِوى السياسية بطريقة عمودية.
ونظرا لتورّط بعضها في سلسلةٍ من أحداث العنف بهدف منع أحزاب سياسية مناهضة لحركة النهضة من تنظيم اجتماعات هنا وهناك (أسفر أحدها عن سقوط قتيل في مدينة تطاوين الجنوبية)، فقد أصبحت أغلب الأحزاب والجمعيات تُطالب بحل هذه الرابطات، باستثناء حركة النهضة وجزء من حزب المؤتمر، اللذان يعتقدان بأنها تشكّل قوة مساعدة على “حامية الثورة من أعدائها”.
لكن رئيس الدولة المنصف المرزوقي، الذي هو في نفس الوقت الرئيس الشرفي لحزب المؤتمر المُشارك في السلطة، لم يتردّد في خطابه الذي ألقاه في ذكرى الاستقلال (20 مارس)، عن التأكيد على أن “مؤسسات الدولة هي المسؤولة عن حماية الثورة”، داعيا أعضاء هذه الرابطات إلى “تحويلها كليا الى جمعيات وطنية تلتزِم قولا وفعلا بالإعْمار المادي والسياسي والثقافي”، ومطالبا الدولة بمراقبة مدى التِزامها بالقانون وحلّها اذا ما تأكد أنها ميليشيات مخفية”، على حدّ قوله.
وبذلك، يتأكد أن حركة النهضة قد أصبحت معزولة في هذه المسألة، حتى من داخل الإئتلاف الحاكم، وهو ما يجعل رئيس الحكومة الجديد مدعُـوّا إلى الأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة بكثير من الجدية.
من جهة أخرى، تُواجه الحكومة تحدّيا أمنيا خطيرا، يتمثل في ملف تهريب الأسلحة وتعدّد الإشتباكات المسلّحة مع الخلايا النائمة، التي تكرر ظهورها هنا وهناك، وهو ما دفع بالمرزوقي إلى التأكيد على أنه “ليس من حق أي طرف، غير المؤسستيْن الأمنية والعسكرية، التنظيم العسكري أو شبه العسكري أو نشر السلاح لفرض القانون”، مُدِينا ما أسماه بأي “جماعة إرهابية تريد فرض ما تُـؤمن به بالقوة، لعجْزها عن فرضه بالدّعوة الحسنة ومسالك تهريب الشباب إلى ساحات قتال خارجية، يفقدون فيها حياتهم ويتسبّبون بجحيم لعائلاتهم”. ذلك أن الرأي العام المحلّي يتابع بقلق شديد عمليا خزن الأسلحة، إلى جانب البِنية التحتية للإرهاب، التي تحاول التيارات السلفية الجهادية القريبة من تنظيم القاعدة، إقامتها، وهو ما أصبح يشكِّل تهديدا مباشرا للأمن القومي التونسي.
الصمود هو التحدي الأكبر
على صعيد آخر، لم تعرف الجبهة الإجتماعية بدورها سوى هدوء مؤقّـت، حيث أخذت وتيرة الإضرابات المطلبية تستعيد نسقها التصاعُدي خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك في غياب التِزامٍ جدّي بحيْثيات العقد الإجتماعي الذي سبق وأن وقّعته حكومة الجبالي مع كلٍّ من الإتحاد العام التونسي للشغل واتحاد أرباب العمل.
في الأثناء، يُخشى أن تعود التحرّكات الإحتجاجية مرة أخرى إلى عديد الجِهات المحرومة، التي لم تتمتع بعدُ بأية لمْسة تنمَوية حقيقية منذ قيام الثورة، وهو الأمر الذي يحيل مباشرة على التحدّي الإقتصادي الذي لا يزال قائما بقوة، إذ بالرغم من التحسّن في نسبة النمو التي سجلت 3,6% في العام المنقضي، إلا أن نسبة التضخّم تشهد ارتِفاعا مُقلِقا، إلى جانب انحسار نِسبة الإستثمار الداخلي والخارجي، وهو ما دفع بعدد من المؤسسات الدولية إلى التشكيك في قدرات الإقتصاد التونسي من خلال تخفيض الترقيم السيادي للبلاد.
صحيح أن تونس تقترب من الإنتِهاء من صياغة الدستور، وذلك بعد مرور أكثر من أربعة عشر شهرا على انطلاق أشغال المجلس التأسيسي، وقد تشهد البلاد مع موفى السنة الجارية تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، حيث وعدت الترويكا بأن يتم ذلك ما بين شهريْ أكتوبر وديسمبر، وهي تُعتبر في مقدِّمة العوامل المشجِّعة، لكن الإختلاف المُتواصل حول مسألة تنظيم حوار وطني وعدم القبْض على قاتِل بلعيد، يجعل حكومة العريض تسير في وسط حقْل من الألغام، في وقت يسعى فيه رئيس الحكومة الجديد إلى إعادة الثقة للتونسيين في مستقبلهم وفي قُدرة السلطة التنفيذية على إنجاح ما تبقّى من مرحلة الإنتقال السياسي.
هناك شبه إجماع في تونس على أن الحكومة الجديدة ليست مطالبة أو قادرة على القيام بإصلاحات جِذرية، ويرى كثيرون أنها مطالبة بالصمود عدة أشهر فقط، فهذا هو التحدّي الأكبر، وستكشف الأسابيع القليلة القادمة عما إذا كانت قادرة على رفعه أم لا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.