خبراء: “سويسرا ليست تلميذا نجيبا في مجال حقوق الإنسان”
بعد أقل من أسبوعين من تأييد أغلبية الناخبين في سويسرا لحظر بناء المآذن وما أثير من جدل حول انتهاك القرار لحق من الحقوق الإنسانية الأساسية لفئة معينة من السكان، توفر مناسبة إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان يوم 10 ديسمبر فرصة مناسبة لتقييم أداء سويسرا في هذا المجال ومستوى وعي المواطنين العاديين بهذه الحقوق ومعرفتهم بها.
عدد من الخبراء الذين استجوبتهم وسائل إعلام محلية في هذا السياق أكدوا أن سويسرا تنخرط بقوة للترويج والتعريف بهذه الحقوق والحث على احترامها في الخارج لكنهم كشفوا أن العديد من الأشخاص داخل سويسرا يتوفرون على وعي ضئيل جدا بمعاني حقوق الإنسان.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء السويسرية ATS-SDA، قال رودي توبلر، رئيس المجلس السويسري للسلام إن الرأي القائل بأن سويسرا باعتبارها “الديمقراطية الأقدم” قد استوعبت الحقوق الإنسانية مع حليب الأم (تقريبا) لا زال شائعا جدا، لكنه استدرك مذكرا بأن حقوق الإنسان تظل عملية تدريب وتطوير في نفس الوقت.
ويرى السيد توبلر أن الوعي بما تعنيه حقوق الإنسان غير متطور بالقدر الكافي في سويسرا ويُوضح هذا الواقع بالإشارة إلى ما وصفه “إخفاق” سويسرا في الإلتحاق (أو دخول) بالنظام العالمي الذي تلى الحرب الكونية الثانية عندما رفضت الإنضمام إلى الأمم المتحدة ومجلس أوروبا على حد السواء.
إضافة إلى ذلك، لازال الموقف الجوهري القائم (في صفوف شريحة عريضة جدا من الرأي العام) تجاه من يُنعتون بـ “القضاة الأجانب” سائدا في البلاد بالرغم من أن سويسرا تلعب دورا مركزيا في دوائر مهمة مثل مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
وفي هذا السياق، لم يتم التعامل مع بعض التقارير الدولية (كتلك الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة) في الأغلبية الساحقة من الحالات على اعتبار أنها تمثل “فرصة” يمكن اقتناصها لتطوير الأمور والإرتقاء بها.
انتقادات لسويسرا
السيد توبلر، ساهم بقدر كبير في إعداد التقرير الأخير للجنة حقوق الإنسان الأممية حول سويسرا الذي نُشر في أكتوبر 2009. وقد جرى في سياق هذه العملية التثبت من مدى تقيد سويسرا بالعهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية التي تعهدت برن باحترامه.
وقد انتقد التقرير عدة مسائل منها العنف المسجل ضد بعض الأقليات والعنف الممارس من قبل الشرطة والنقص المسجل في الهيئات الرقابية أو انتهاكات حقوق الإنسان في مجال اللجوء.
وبالنسبة للعديد من السويسريين فإن حقوق الإنسان مهددة في البلدان السائرة في طريق النمو ولكن ليس في بلدهم لكن السيد توبلر يُورد مثال معاهدة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الأشخاص المعاقين التي لم تُصادق عليها سويسرا بعدُ والتي يُتوقع أن ينظر فيها البرلمان خلال الدورة التشريعية الحالية (2007 – 2011).
ويشير الخبير إلى أنه في حين يسود الإعتقاد بأن سويسرا تستجيب لكافة الشروط لفائدة المعاقين، إلا أنها متأخرة كثيرا مقارنة بالمستوى الذي وصلت إليه الأمور على الساحة الدولية.
نداء من العفو الدولية
من جهتها، تؤكد منظمة العفو الدولية أيضا أن أمام سويسرا طريق طويل لتدارك الأمر. ويشير دانيال غراف، المتحدث باسم الفرع السويسري للمنظمة إلى أن العديد من المعاهدات الدولية قد تم التوقيع عليها بشكل متأخر نسبيا. كما اعتبر أن الهيكلة الفدرالية للبلاد تجعل من التطبيق السريع للتوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة أمرا أكثر تعقيدا.
وفيما تنخرط سويسرا بحماس شديد على الساحة الدولية وفي منظومة الأمم المتحدة من أجل تفعيل وتطبيق حقوق الإنسان، لكن “هذا الدليل على الفعالية يتناقض مع التطورات الجارية في سويسرا”، على حد قول السيد غراف.
ويذهب المتحدث باسم المنظمة الحقوقية إلى أن تقليص حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء في سويسرا لا يتساوق مع المقاييس التي تدافع عنها برن وتطالب بها في الخارج. في الوقت نفسه، تؤمل العفو الدولية في أن تقترن الرئاسة السويسرية لمجلس أوروبا (من نوفمبر 2009 إلى أبريل 2010) بالتزام وتصميم أكثر لفائدة حقوق الإنسان على المستوى الوطني.
في السياق نفسه، من المفترض أن يسمح تقديم تربية سياسية للنشء في المدارس بمعالجة مختلف أنواع سوء الفهم القائمة وهو أمر كشف التصويت الأخير حول المآذن عن الحاجة الشديدة إليه، على حد تعبير السيد توبلر.
ويرى الخبيران أن من بين الوسائل الناجعة لوضع التوصيات موضع التطبيق وللقيام بالإجراءات الرقابية إنشاء “مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان”، وهي هيئة مطلوبة منذ سنوات عديدة وخاصة من طرف الأمم المتحدة لكن الحكومة الفدرالية قررت الصيف الماضي التخلي عن فكرة إقامة مركز خبرة لوقت محدد بالإشتراك مع الجامعات السويسرية.
swissinfo.ch مع الوكالات
لم تظهر سويسرا أي استعجال في التصديق مختلف المعاهدات والإتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
المؤرخ جون أ. فانزون، صاحب مؤلف مرجعي في هذا المجال، يذكر بأن سويسرا كانت آخر دولة تصادق (من بين الدول السبعة عشر الذي كانت تشكل مجلس أوروبا آنذاك) على المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.
في السبعينات والثمانينات، باءت عدة محاولات بذلتها الحكومة الفدرالية للتصديق على معاهدات دولية تتعلق بحقوق الإنسان بالفشل الذريع. ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (لم تصادق عليه سويسرا إلا في عام 1992) أو الإتفاقية الخاصة بمكافحة العنصرية (1994) أو المتعلقة بحقوق النساء (1997).
يشير المؤرخ فانزون إلى أن الأسباب الكامنة وراء هذه المواقف المترددة عديدة وتشمل على سبيل الذكر لا الحصر: عدم انضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة (حتى عام 2002)، وآليات النظام الفدرالي، وطول وتعقد عملية اتخاذ القرار والدقة التي درست بها الكنفدرالية هذه النصوص.
من جهة أخرى يؤكد الباحث فانزون أنه “حتى اليوم، لم تصادق سويسرا أبدا على شيء لا يُمكن لها أن تطبقه بعد ذلك” ويُلفت إلى أن بلدانا أخرى لم تتعامل بنفس الصرامة خلال عملية التصديق وهو ما لا يعني بالضرورة أن هذه الدول تحترم كل ما تشتمل عليه الترسانة القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان.
على مستوى السياسة الداخلية، تعرضت المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان إلى صعوبات جمة حيث تعلل المعارضون لها بـ “سيادة” و”حياد” سويسرا من أجل الحيلولة دون تمكين القضاة الأجانب (أي الهيئات الدولية المختصة التي يمكن رفع الشكاوي أمامها) من حشر أنوفهم في شؤون البلد، مثلما يشرح السيد فانزون.
لكن المنعرج حصل في موفى الثمانينات، لدى مصادقة سويسرا للمرة الأولى على معاهدة أممية تتعلق بحقوق الإنسان وهي اتفاقية الأمم المتحدة لنكافحة التعذيب (تمت المصادقة عليها عام 1988). وفي عام 1999، أدرجت حقوق الإنسان في نص الدستور الفدرالي.
مع ذلك، لا زالت بعض المواثيق الدولية غير مصادق عليها من طرف سويسرا إلى حد اليوم مثل الميثاق الإجتماعي الأوروبي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.