خبير أمريكي: “سوريا أكبر التحديات لربيع الثورات العربية”
يُعتبر أندرو تابلر أكثر الصحفيين الأمريكيين اقترابا من النظام السوري. فقد عمل في سوريا من 2001 حتى 2008، وكان رئيسا لتحرير "سوريا توديي" (Syria Today)، وهي أول مجلة سورية خاصة تصدُر باللغة الإنجليزية.
كما عمل مستشارا إعلاميا لعدد من المنظمات غيْـر الحكومية السورية، التي ترعاها قرينة الرئيس الأسد وأجرى معها مقابلات صحفية واقترب كثيرا من الرئيس السوري وسيصدر له قريبا كتابا بعنوان: “في عرين الأسد: شاهدُ عيان على التصادم السوري الأمريكي”.
وفي لقاء أجرته معه swissinfo.ch مؤخرا في واشنطن، دار الحديث حول وضع الثورة الشعبية السورية بالنسبة لربيع الثورات العربية، ولماذا اختلفت طريقة تعامُـل أوباما مع القمْـع السوري مقارنة بتونس ومصر وليبيا واليمن.
swissinfo.ch: في البداية، نريد معرفة تقييمك لعدم استفادة النظام السوري من عدم جدوى عـناد الرُّؤساء المخلوعين في تونس ومصر، وتِـكرار الرئيس بشار لسيناريو القمْـع والخُـطب التي تتَّـهم الخارج بدسِّ عناصر مخربة؟
أندرو تابلر: قد يكون الرئيس الأسد استفاد من تسرُّع الرئيس التونسي في التخلِّـي عن السلطة ومن المصير الذي آل إليه الرئيس المصري المخلوع وأبناؤه، ففضَّـل كسْـب مزيد من الوقت عن طريق توجيه خطاب مُـحبط آخر، اعترف فيه على الأقل بأن بعض المتظاهرين لهم مطالب مشروعة، وإن كان قد واصل إلقاء اللَّـوم على أكثرهم بأنهم إما مخرِّبون أو خارجون على القانون أو ينفِّـذون مخططات تستهدِف سوريا، وواصل إنكار قمع النظام للمتظاهرين وعاد من جديد إلى وعوده المُـبهمة بالإصلاح وإسناد المهمَّـة إلى لِـجان متخصِّـصة، قبل بدء ما أسماه بالحوار الوطني.
وما لم يتِـم إدخال إصلاحات دستورية أساسية، فسيظل حزب البعث مُـهيمِـنا على الحياة السياسية والبرلمانية وترسيخ المخاوف، بأن سوريا ستكون أكبر التحديات التي ستستعصي على هدف التحوُّل نحو الديمقراطية، الذي تسعى لتحقيقه ثورات الربيع العربي.
ولكن، هل وصلت جموع المتظاهرين السوريين إلى مستوى الكُـتلة الحرِجة التي لا يُـمكن عكس توجُّـهها، بحيث يمكن أن تهدِّد بقاء نظام الأسد؟
آندرو تابلر: قد يكون نظام بشار الأسد قادِرا على التشبث بالسلطة لمزيد من الوقت، ولكن إصرار المتظاهرين السوريين على مواصلة النِّـضال، رغم القمع، وتصعيد مطالبهم من الإصلاح إلى المُـطالبة بإسقاط النظام ومواصلة الضغوط الخارجية والعُـزلة الدولية، أضعفت نظام الأسد إلى حدٍّ كبير، ولكن يجب عدم الرَّبط بين إمكانية سقوط النظام وبين خروج مظاهرات مليونية حاشدة في دمشق والمُـدن السورية الرئيسية، حيث أن سكَّـان سوريا موزّعون بشكل مُـتوازن في المدن والمحافظات، وبالتالي، فليست دمشق هي القاهرة، ذات العشرين مليونا، وليُـدرك النظام السوري أن الجسارة التي تتواصل بها الإحتجاجات الشعبية السورية في الميادين الرئيسية، من درعا إلى دمشق إلى حماة واللاذقية ولجوء المتظاهرين في جِـسر الشغور بالقرب من الحدود التركية للدفاع عن أنفسهم ضد قوات الجيش والأمن، تعني أن حاجز الخوف قد سقط ولن يمكن الإستمرار في الإعتماد على الحُـلول الأمنية في مواجهة مطالب الشعب السوري بالتحوُّل نحو الديمقراطية.
هل صحيح أن عُـنصر “القمع العَـلَـوي” يلعب دورا في تأليب مشاعر “الرفض السُـنِّي” داخل صفوف الجيش السوري وعبْـر الحدود، بالنسبة لموقف الشعب التركي؟
آندرو تابلر: هناك أنباء عن بداية حدوث انشقاقات من ضبّـاط وجنود سوريين، خاصة في مناطق الحدود مع لبنان وتركيا، حيث أن مُـعظم الجنود والضباط هُـم من المسلمين السُـنّة، ورفض بعضهم تنفيذ أوامر القادة بإطلاق النار على المتظاهرين حيث أن معظم القادة علويّون من أقارب الرئيس الأسد.
فإذا أخذنا في الإعتبار الضغط التركي، فسنرى أن غالبية الشعب التركي هُـم من المسلمين السُـنة وأنهم ينظرون إلى النظام السوري الآن كأقلية من العَـلويين عاكِـفة على قتْـل وقمْـع المسلمين السُـنة، الذين خرجوا في مظاهرات سِـلمية للمطالبة بحقوقهم في حياة حرّة وديمقراطية، وهو ما اضطَـر رئيس الوزراء الطيب أردوغان إلى ممارسة ضغوط مكثَّـفة على الرئيس الأسد، لتغيير سُـلوك النظام، بل وصرَّح بأن الرئيس السوري يستخِـفُّ بالوضع ولا يعِـي خطورته، وسمحت تركيا لآلاف اللاجئين من القمْـع بعبور الحدود إلى أراضيها، وسمحت للمعارضة السورية بتنظيم مؤتمر لها في أنطاليا.
بماذا تفسِّـر عدم مسارعة الولايات المتحدة إلى مساندة المطالبة بتغيير النظام في سوريا، مع أن ذلك قد يزيح الدَّاعم الأكبر لحركة حماس ولحزب الله وقد يُـقوِّض التحالف السوري مع إيران؟
آندرو تابلر: يستنِـد التقييم الحالي لإدارة الرئيس أوباما، إلى أن الأمر يعود إلى الشعب السوري لحسْـم الوضع في سوريا، حيث لا تريد واشنطن استباق الأحداث. فمع أن المتظاهرين السوريين لا زالوا صامِـدين وراغبين في مواصلة النِّـضال، رغم القمع والقتل، تراقب الولايات المتحدة وحلفاؤُها الغربيون وتُـقيِّـم مدى قُـدرة الإنتفاضة الشعبية وقِـوى المعارضة السورية على التأثير في تغيير الوضع في سوريا، بالنظر إلى أن المجتمع السوري لم يصِـل بعدُ إلى ما وصلت إليه المجتمعات المدنية في تونس أو مصر، حيث فرضت سُـلالة العَـلويين، مجتمعا مُـغلَـقا مُـحاطا في كل مستوى بقِـوى الأمن والمخابرات، مما يجعل الموقف الحالي أشبَـه بمباراة طويلة غيْـر محدَّدة الزَّمن، تنتظر مَـن سيكون له الغلبة، ولذلك لا تريد إدارة الرئيس أوباما تِـكرار العُـقدة المستعصية التي أخَّـرت حسم الوضع في ليبيا، حتى مع التدخل العسكري للتحالف الدولي.
لكن، لا شك أن إدارة أوباما تخلَّـت عن نظرتها للرئيس بشار الأسد كإصلاحي، وبدأت تُـدرك أنه فقَـد مصداقيته وأن أي بديل له سيكون أفضل لسوريا وللمنطقة، خاصة وأن الغالبية السُـنية في سوريا لن تسمح لعناصر جهادية متطرِّفة أن تكون البديل لحُـكم سُـلالة الأسد العَـلوية.
ولكن، إذا حدث وسقط نظام بشار الأسد في نهاية المطاف، ما الذي يُـمكن أن يُـسفر عنه سقوط النظام بالنسبة للقوى الإقليمية والولايات المتحدة وإسرائيل؟
أندرو تابلر: سيكون لسقوط نظام بشار الأسد آثار عميقة في حال تغيير القيادة الجديدة لتوجُّـهات السياسات السورية الحالية، التي تجعل من سوريا أحد أركان مِـحور المقاومة المشكَّـل من سوريا وحزب الله في لبنان وإيران.
فالنفوذ السوري والمساندة السورية لحزب الله، تجعل له عُـمقا إستراتيجيا في سوريا، حيث تطوِّر الإمداد بالسلاح من قذائف الكاتيوشا والصواريخ الصغيرة القادمة من إيران عبْـر سوريا لحزب الله، ليُـصبح الإمداد السوري في أعقاب حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، في شكل تزويده بصواريخ ذات مدىً يتخطَّـى منطقة انتشار قوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة على الحدود مع إسرائيل، بما في ذلك صواريخ إم 600 وصواريخ سكود، وهي أسلحة تمَّ تصنيعها أو تعديلها في سوريا.
فإذا سقط النظام السوري وحلَّـت محلَّـه حكومة من المسلمين السُـنة أو قادتْـها غالبية منهم، فقد يتوقَّـف إمداد سوريا لحزب الله بتلك الأسلحة ويتغيَّـر توازن القِـوى داخل لبنان، كما أن الغالبية السُـنية في سوريا قد لا تحبِّـذ استمرار النفوذ الشيعي الإيراني في سوريا ويغيِّـرون توجُّـه سوريا بشكل قد يُـقوِّض مِـحور المقاومة بشكل رئيسي.
أكد المعارضون السوريون الذين التقوا الاثنين 27 يونيو في دمشق في ختام اجتماع هو الأول من نوعه في العاصمة السورية، “دعم الانتفاضة الشعبية السلمية” مطالبين في الوقت نفسه بـ “إنهاء الخيار الأمني”. ورحَّـبت الولايات المتحدة الاثنين بالاجتماع العَـلني الذي عقدته المعارضة السورية في دمشق، معتبرة أنه “حدث مهم”.
وأكد المعارضون السوريون في بيانهم الختامي “دعم الانتفاضة الشعبية السلمية التي تريد الانتقال إلى دولة ديمقراطية تعدُّدية، تضمن الحقوق”. وطالب المجتمعون بـ “إنهاء الخيار الأمني وسحب القوى الأمنية من القرى والمدن وتشكيل لجنة تحقيق” في قمع التظاهرات المناهضة للنظام السوري والمستمرة منذ منتصف شهر مارس الماضي.
وفي الإطار نفسه، دعا المعارضون إلى “ضمان التظاهر السلمي وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفض التجييش الإعلامي من أي جهة كانت”، مع مطالبة “الإعلام الرسمي بعدم التمييز بين المواطنين”. ودان البيان “التحريض الطائفي وأي ممارسات تشجع على التدخل الأجنبي”، معتبرا أن “العملية الأمنية الجارية في سوريا، هي التي تستدعي التدخل الأجنبي”.
وتوافق المجتمعون على “عقد لقاءات مماثلة في المحافظات السورية”، مؤكدين أن “المشاركين (في الاجتماع) ليسوا بديلا لأي تنظيم معارض”، في إشارة الى معارضين سوريين في الخارج رفضوا حضور الاجتماع واتَّـهموا المشاركين فيه بأنهم مسيَّـرون من النظام.
وكان المعارضون السوريون انشدوا لدى افتتاح اجتماعهم النشيد الوطني السوري ووقفوا دقيقة صمت ترحما على “الشهداء المدنيين والعسكريين” الذين سقطوا منذ بداية حركة الاحتجاج” ضد نظام الرئيس بشار الاسد في 15 مارس 2011.
وقال المعارض منذر خدام، الذي ترأس الاجتماع في كلمة له أمام الحضور “يرتسم طريقان: مسار واضح غير قابل للتفاوض نحو تحوّل سِـلمي آمن لنظامنا السياسي، نحو نظام ديمقراطي، وفي ذلك انقاذ لشعبنا ولبلدنا، وأما مسار نحو المجهول وفيه خراب ودمار للجميع”. من جهته حذّر المعارض السوري ميشال كيلو خلال افتتاح الاجتماع من أن الحل الأمني للازمة “يؤدي إلى تدمير سوريا”. مضيفا “يجب إيقاف الحل الأمني الذي يعبِّـر عن عقلية ستأخذ البلد إلى أزمة لن تخرج منها”.
ويقول المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يتخذ من لندن مقرا له، إن 1342 مدنيا قتلوا في الحملة الحكومية على المعارضين، كما قتل 342 من قوات الأمن أيضا. من جهتها، ذكرت وكالة الانباء السورية الرسمية سانا أن “هيئة الحوار الوطني تابعت اجتماعاتها برئاسة فاروق الشرع، نائب رئيس الجمهورية، حيث جرى البحث في جدول أعمال اللقاء التشاوري الذي أعلن عنه الرئيس بشار الأسد في كلمته على مدرج جامعة دمشق والذي يعمل على وضع أسُـس الحوار وآلياته، تمهيدا لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني”.
وأوضحت أن الهيئة “قررت بعد مناقشة معمقة تحديد يوم الأحد الواقع في العاشر من يوليو 2011 موعدا لانعقاد اللقاء التشاوري، وتوجيه الدعوة إلى جميع القوى والشخصيات الفكرية والسياسية الوطنية لحضور هذا اللقاء”. وقررت الهيئة أيضا “عرض موضوع التعديلات التي تبحث حول الدستور، ولاسيما المادة الثامنة منه، على جدول أعمال اللقاء وطرح مشروعات القوانين التي تم إعدادها على اللقاء التشاوري، وخاصة قوانين الأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية والإعلام”. وأكدت هيئة الحوار أنه “لا بديل عن المعالجة السياسية بأبعادها المختلفة وفتح الباب واسعا أمام جميع المواطنين السوريين للمشاركة في بناء مجتمع ديمقراطي تعددي يستجيب لتطلعات الشعب السوري”.
وكان الرئيس بشار الاسد اقترح في كلمة متلفزة في 20 من الشهر الجاري إجراء حوار وطني يفضي إلى تعديلات على الدستور أو دستور جديد. غير أن الاسد رفض خلال الخطاب، الثالث منذ اندلاع الاحتجاجات على حكمه المستمر منذ 11 عاما، إجراء إصلاحات “في أجواء من الفوضى والتخريب”.
وسعى بعض المعارضين المجتمعين في دمشق للنأي بأنفسهم عن نشطاء المعارضة الذين اجتمعوا في أنطاليا بتركيا في وقت سابق هذا الشهر، وكان بينهم جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، فضلا عن سياسيين آخرين. وقال المعارض السوري لُـؤي حسين “الحاضرون ليسوا مسلحين ولا إرهابيين أو مخربين وليس لديهم أجندات مرسومة مسبقا، إن النظام الاستبدادي الذي يحكم البلاد لابد له من الزَّوال وإقامة نظام ديمقراطي مبني على أساس المواطنة وحقوق الإنسان، ليحقق العدالة والمساواة لجميع السوريين دون تمييز”.
من جانبها قالت الكاتبة السورية ريما فليحان لفرانس برس، إن المؤتمر يبعث بـ “خطاب للمواطن الذي يريد التعرّف على البرنامج السياسي وخطاب للخارج بوجود قوى سياسية في الداخل أيضا”.
وتشهد سوريا منذ ثلاثة أشهر احتجاجات غيْـر مسبوقة تسعى السلطة إلى قمعها عن طريق قوات الأمن والجيش، مؤكدة أن تدخلها أملاه وجود “إرهابيين مسلحين يبثون الفوضى”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ. ف. ب. بتاريخ 27 يونيو 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.