خفض الدّعم الأمريكي.. هل يؤثِّـر على فعالِـية المنظمات الحقوقية؟
تباينت آراء خبيريْـن قانونييْـن مصريين عاملين في مجال حقوق الإنسان، حول التأثيرات المُـحتملة لقرار الإدارة الأمريكية الجديدة بخفض الدّعم المادّي المخصَّـص لمؤسسات المجتمع المدني في بلدان الشرق الأوسط، خاصة المعنِـية بالانفتاح السياسي والإصلاح الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان.
ففيما اعتبر أحدهما أن القرار سيكون له “تأثير سلبي”، اعتبر الآخر أنه لن يكون له أي تأثير.
وبينما يرى أحد الخبيريْـن أن الاعتماد على “الاتحاد الأوروبي”، كجهة مانحة وداعِـمة، هو الحلّ الوحيد للخروج من المأزق، الذي تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة بقِـيادة الرئيس باراك حسين أوباما، لوضع مؤسسات المجتمع المدني في الشرق الأوسط، وخاصة مصر والأردن، فيه، يرى الآخر أن الاعتماد على “الجُـهد التطوّعي” هو “الحلّ الآمن” والمضمُـون للخروج من الأزمة.
وخلال الفترة من 2003 إلى 2008، كانت القاهرة أكثَـر دولة عربية، باستثناء العراق، تلقيًّا للمعُـونات الأمريكية لتدعيم الديمقراطية والحكم، ولكن في الميزانية المُـقترحة للعام المالي 2010، فإن المخصّـصات المالية لبرنامج الديمقراطية والحُـكم أقل من تلك المخصّـصة للبنان والضفة الغربية وغزة، ولكنها تزيد بنِـسبة ضئيلة عن تلك المخصّـصة للأردن، وهو الأمر الذي يدلِّـل على تراجُـع أهمية قضيّـتَـيْ الديمقراطية والحُـكم الرّشيد في العلاقات الأمريكية ـ المصرية، على الرّغم من خطاب أوباما إلى العالم الإسلامي من القاهرة، الذي أعلن دعمه للديمقراطية والحُـكم الرشيد وحقوق الإنسان خارجيًّا.
وحسب صيغتَـيْ مجلس النواب والشيوخ لقانون المُـساعدات الخارجية لعام 2010، تُقدر المساعدات العسكرية بـ 1.3 مليار دولار و250 مليون دولار مساعدات اقتصادية. وكل نسخة من مشروع القانون، تتضمّـن تخصيص ما لا يقِـل عن 25 مليون دولار لبرامج الديمقراطية والحكم في مصر، والتي تزيد بخمسة ملايين دولارا عن المبلَـغ الذي طلبته الإدارة. ويرى التقرير أنه عند هذه النقطة، لا تتضمّـن أن نسخة من مشروعَـي القانون مشروطة، على أيّ جزء من المعونة.
ولكن نسخة مجلس الشيوخ لمُـوازنة العام المالي 2010، تخصّـص ما يقرب من 200 مليون دولار، كهِـبات من أجل تعزيز المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والقاهرة، ولكن المشروع يطلب من وزيرة الخارجية مُـناقشة لجنة الاعتمادات قبل الشروع فيها.
وهذه الفكرة مطروحة بصورة غير رسمية منذ عدة سنوات وكانت موجودة في مشروع مجلس الشيوخ للمساعدات الخارجية للعام المالي 2008، إلا أنها حُـذفت في الصورة النهائية لقانون المساعدات الخارجية، ومن المتوقّـع أنها لن تدرج تلك الفقرة في المشروع النهائي لقانون المساعدات الخارجية لعام 2010.
الاتحاد الأوروبي الدّاعم البديل!
في البداية، يرى حافظ أبو سعده، الخبير القانوني والناشط الحقوقي، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن “ما حدث ليس تخفيضًا في التمويل الأمريكي للمنظمات المصرية العاملة في مجال حقوق الإنسان، بقدر ما هو إعادة توزيع، وتصحيح لمسار التمويل، الذي كان يصل لجهات وهيئات ومنظمات، هي في الأساس حكومية!”
ويقول الناشط الحقوقي أبو سعده في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “أرى أن هذا القرار لن يؤثِّـر على عمل المنظمات التي تعمل بجدِّية في مجال حقوق الإنسان، لأن أغلب الأموال التي كانت تصِـل من الجانب الأمريكي، كانت تذهب لمنظمات تابعة للدولة، أما المنظمات التي تعمل باستقلالية ولا تخضع لسيْـطرة الحكومة، فلم تكن مستفيدة من التمويل بدرجة تجعل وقفه يعوِّق مسيرتها”.
ويشير أبو سعده إلى أن المجلس القومي لحقوق الإنسان (وهو مجلس حكومي تابع لمجلس الشورى المصري) وكذا المجلس القومي للمرأة، وهو مجلس حكومي وغيرهما من المجالس والهيئات والمنظمات التابعة للدولة، بطريقة أو بأخرى، هي أكثر المنظمات استِـفادة من التّـمويل الأمريكي، كما أن هذه الأموال كانت تُـصرَف في أشياء كمالية وتجميلية، وأقرب مِـثال على ذلك، أن المجلس القومي لحقوق الإنسان اشترى 10 سيارات ذات الدّفع الرّباعي من أموال التمويل!! ومن ثمّ، فإنني أشكّ أن يؤثِّـر هذا القرار أو التوجّـه الأمريكي الجديد على نشاط أو فعالية المنظمات الجادّة العاملة في مجال حقوق الإنسان. كما أن أغلب أموال الدّعم كانت تذهَـب للمؤسسات الأمريكية العاملة في مصر، ونحن على سبيل المثال في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، لا نعتمد على التمويل الأمريكي، فمنذ 4 سنوات لا نعتمد إلا على دعم الاتحاد الأوروبي فقط!
وحول الشُّـبهات التي يثيرها قَـبول بعض المنظمات المصرية العاملة في مجال حقوق الإنسان للتمويل الخارجي، قال أبو سعده: “يجب أن لا يُـقلِـقنا هذا الأمر وأن لا يثير لدينا أية مخاوِف، لأن هذه المنظمات تعمَـل تحت رقابة الأجهزة الإدارية للدولة، وبشكل علني وتطوعي”.
وحول خلط بعض المنظمات بين طبيعة عملها في مجال حقوق الإنسان وبين الدخول في اللعبة السياسية، قال أبو سعده: “الأصل، أن هذه المنظمات لا تعمَـل لصالِـح قِـوى سياسية بعينها ضدّ أخرى ولا لصالح مرشّـح بعينه ولا لصالح حِـزب سياسي معيّـن، وإنما هدفها، مصلحة المواطن المصري، دون الدخول في اللّـعبة السياسية”.
ترضية للنظام المصري!
أما السيد نجاد البرعي، الخبير القانوني والناشط الحقوقي المصري ورئيس مجلس إدارة مؤسسة تنمية الديمقراطية المصرية، فيرى أن قراءة ما حدث تفيد بأن الإدارة الأمريكية الجديدة قرّرت أخيرا الخُـضوع إلى رغبة الحكومة المصرية، خاصة بعد التوتّـر الذي ساد العلاقة بين الجانبين، المصري والأمريكي، خلال الفترة الثانية من رئاسة جورج بوش، ولعلّ أكبر دليل على ذلك، امتناع الرئيس المصري محمد حسني مبارك عن زيارة واشنطن لمدة 64 شهرًا (أكثر من 5 سنوات)!
ويقول الناشط الحقوقي البرعي في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “مبلغ الـ 10 مليون دولار التي تمّ منعها نهائيا من المِـنحة، فكانت توضع تحت يَـد السفير الأمريكي بالقاهرة، ليقوم هو بتوزيعها بمعرِفته على الجمعيات والمنظمات المعارِضة غير المسجّـلة بشكل رسمي لدى الحكومة المصرية، لكن الإدارة الأمريكية رأت أن هذا المبلغ لا يوزّع حسب المُـستهدف”.
ويعتقد الناشط الحقوقي نجاد البرعي أن سبب التخفيض هو سعي الإدارة الأمريكية الجديدة لترضية الإدارة المصرية وتخفيف حِـدّة التوتّـر في العلاقات بين البلدين، والذي استمر لأكثر من 5 سنوات، نظرا لأهمية الدّور الذي تلعبه مصر في صُـنع السلام في المنطقة، مشيرا إلى أن هذا التوجّـه يثير المخاوِف لدى المهتمِّـين بمجال حقوق الإنسان، من أن تكون هناك نيّـة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة للتّـقارب مع النظام المصري لتفعيل دوره في عملية السلام على حساب الاهتمام بدعم حقوق الإنسان.
ويشكك الناشط الحقوقي نجاد البرعي في إمكانية حدوث أزمة كبيرة لدى المنظمات الحقوقية في مصر، بسبب خفْـض التمويل الأمريكي، غير أنه يُـقرّ بأن المنظمات الصغيرة ستكون أكثر تأثّـرا بهذا الأمر، مشيرا إلى أن تقليل التمويل يتطلّـب من المنظمات ترشيد الإنفاق على الأنشطة، خاصة في مجال التدريبات والمؤتمرات وورش العمل المكلفة، والتركيز على الجُـهد الأساسي لحقوق الإنسان، المتمثِّـل في الرّصد والمراقبة التي لا تكلف كثيرا، مقارنة بالأنشطة الشكلية الأخرى.
“الجهد التطوّعي”.. هو الحل!
وعن مصادِر التّـمويل الأخرى والبديلة التي تدعم العمل في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، قال البرعي: “هناك الدّعم الذي يقدِّمه الاتحاد الأوروبي في صورة برامج تمويلية، وهناك “الجهد التطوعي” الذي تقوم به مجموعات كبيرة من الشباب”، مشيرا إلى أن “المنظّـمات التي ترهن نشاطها وعملها على التّـمويل الخارجي، هي منظمات غير جادّة وأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر حدث فيها حِـراك كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأن هذا الحِـراك لن يتأثّـر بنقْـص التمويل المخصّـص لدعم مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان!”.
وأوضح الخبير القانوني نجاد البرعي أن المنظمات الأمريكية العاملة في مصر في مجال حقوق الإنسان، إما أنها شركات مدنية تابعة للقانون المدني وإما شركات تجارية تابعة للقانون التجاري وإما جمعيات أهلية تابعة لقانون الجمعيات، مذكِّـرا بأن المنظمات المصرية العاملة في مجال حقوق الإنسان، بدأت تنتشِـر وتقْـوى قبل ظهور موضوع التمويل الأمريكي. فقد استمرّت المنظمات خلال الفترة ما بين 1985 و2004، وهو تاريخ بدء إقرار التمويل والدّعم الأمريكي.
وبيّـن البرعي أن المنظمات الحقوقية استفادت من التمويل الأجنبي خلال الأعوام الخمسة الماضية في تدريب أعضائها، مطالبًا هذه المنظمات بالاستغناء عن “الموظّـف الحقوقي”، وهو الشخص الذي يعتمِـد في دخله اليومي على العمل في مجال حقوق الإنسان، داعِـية الحكومة بتطبيق البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك فيما يخُـص تقوية المجتمع المدني وتدعيمه وإتاحه الفرصة بشكل أوسع أمامه، حتى يقوى وتزداد فاعِـليته.
واختتم البرعي تصريحاته بالتّـأكيد على أن مؤسسات المجتمع المدني تشكِّـل شبكة أمان اجتماعي، وأن المجتمع المدني القوي لا ينمو إلا في دولة متماسِـكة تحكمها حكومة قوية، وأن المجتمع المدني لا يعمل أبدا على إضعاف الدولة أو النّـيل من هَـيْـبة الحكومة، وأن دوره هو كشف الأخطاء والمساعدة على حلّـها والسير نحو طريق الإصلاح في كل المجالات، موضحًا أن المجتمع المدني لا يعمل بالسياسة ويجب أن لا يُـستخدَم كظهير لأيّ حزب من الأحزاب السياسية، وإنما يُـمكنه المشاركة في تقويتها، وهي أحد أدواره ضِـمن الخدمات التي يقدِّمها للأمّـة كلها.
وتعمل في مصر نحو 80 منظمة حقوقية، لكن المنظمات الناشطة منها لا تتجاوز 50 منظمة، وتتفاوت في حجم أنشطتها وتغطِـيتها الجغرافية، وتتعدّد مجالات عمَـلها بين مُـناصرة حقوق الإنسان بشكل عام والتّـخصّص في أحد مجالات العمل الحقوقي، مثل حقوق التعليم والصحة والسّجناء والعمّـال وغيرها، ولا توجد إحصاءات واضحة لحجْـم التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية في مصر، إذ تتعمِـد أغلبها إخفاء حجْـم ومصدر التمويل، خِـشية إثارة حفيظة المؤسسات الأمنية وحتى الرأي العام الداخلي، الذي قد لا يتفهّـم قبول تمويلٍ من حكومات بعينها.
همام سرحان – القاهرة – swissinfo.ch
أعربت منظمة حقوقية أمريكية تنتمي لليمين الأمريكي وتراقب أوضاع الحريات في العالم العربي والإسلامي، عن “إحباطها الشديد” إزاء ما وصفته بالتّـخفيضات الأخيرة التي أجرتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التمويل المخصّص لمؤسسات المجتمع المدني المستقلة في مصر ودول عربية أخرى.
ورغم إشادتها بالزيادة التي رصدتها إدارة أوباما لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في موازنة السنة المالية 2010، وهي الزيادة التي بلغت 234 مليون دولارا عن ميزانية العام الماضي، فإن منظمة “فريدوم هاوس” (بيت الحرية) الأمريكية قالت، إن هناك “تخفيضات أخيرة في تمويل نشطاء المجتمع المدني المصريين المستقلِّـين بشكل مثير للإحباط بشدة”.
ودعت المنظمة في تقرير لها نُـشر يوم الأربعاء 1 يوليو 2009، إدارة أوباما إلى إعادة تمويل برامج دعم النشطاء المستقلِّـين في مصر “إلى مستويات السنة المالية 2008”. كما دعت المنظمة، التي تُـعرف بأنها موالية لإسرائيل وتميل للحزب الجمهوري، إدارة أوباما إلى “المحافظة على الزيادات لمبادرة الشراكة الشرق أوسطية وصندوق الديمقراطية الإقليمي للشرق الأدنى، كما ينبغي أن المحافظة على زيادات (التمويل) في لبنان واليمن والمغرب”.
وتابع التقرير: “هناك حاجة إلى المزيد من التمويل في ليبيا وتونس والجزائر، لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان”. وقالت المنظمة إن الميزانية التي وضعتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للديمقراطية وحقوق الإنسان، تمثل انخِـفاضا بمقدار 9% عن طلب دعم التمويل الأجنبي الإجمالي.
وأعربت “فريدوم هاوس” عن خيْـبة أملِـها لتخفيض الإدارة الأمريكية ميزانية مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، التابع لوزارة الخارجية بمقدار 9 ملايين دولار.
وقالت المنظمة، إن المكتب “أدّى عملا برامجيا إبداعيا ديمقراطيا وحقوقيا في السنوات الأخيرة”، كما تطرّق التقرير إلى القرار بتخفيض ميزانية مكتب المِـنحة القومية للديمقراطية بمقدار 15 مليون دولار، وهو القرار الذي وصفته بأنه “ضيِّـق الأفُـق ويجب أن تتِـم مراجعته من جانب الكونغرس”.
وأشاد تقرير المنظمة بطلب زيادة تمويل مكتب هيئة المعونة والتنمية الدولية الأمريكية “يو إس إيد”، وأعربت عن أملِـها في أن يتلقّـى مكتب الديمقراطية والحُـكم، موارد وموظفين كافيين للتأكّـد من أن الديمقراطية وحقوق الإنسان جزء متكامِـل من برامج تطوير الديمقراطية التابعة للهيئة.
وأشاد التقرير بزيادة تمويل دعم الديمقراطية بنسبة 30% في الدول الواقعة جنوب حِـزام الصحراء الكبرى، كالسودان والصومال ونيجيريا وليبيريا والكونغو الديمقراطية.
وأبدت المنظمة دعمها للمستويات المرتفعة، لتمويل برامج الديمقراطية في أفغانستان وباكستان، اللتين تحظَـيان وحدهما بأكثر من ثُـلث الدّعم الإجمالي للديمقراطية، المخصّـص لمنطقة جنوب وشرق آسيا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.