د. علي أحمد عتيقة: “الدول العربية ستتأثر حتما بتداعيات الأزمة العالمية”
كان الدكتور علي أحمد عتيقة، وزيرا للتّـخطيط والتنمية الليبية في عهد الملك السنوسي، وعندما قام الضبّاط الأحرار بحركتهم في الفاتح من سبتمبر عام 1969، اضطرّ لمغادرة ليبيا، حيث تحمّـل مسؤولية الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدِّرة للنفط لمدة 14 عاما، إلى حين استقالته عام 1987. كما تولى أمانة منتدى الفِـكر العربي في الأردن لعدّة سنوات.
هذه أبرَز المحطات في مسيرة الدكتور علي أحمد عتيقة، الذي حاورته سويس إنفو حول الأزمة المالية العالمية. ومن أهم مؤلّـفاتـه “الاعتماد المتبادل على جِـسر النفط”، الذي صدر بالانجليزية في لندن عام 1988 بجامعة أكسفورد.
سويس إنفو: كيف تنظرون للأزمة الرّاهنة على الصّـعيد العالمي، هل هي أزمة مالية محدودة أم أنها أزمة اقتصادية بالغة الخطورة؟
د. علي أحمد عتيقة: بدأت الأزمة مالياً بسبب عدم مُـراقبة ومحاسبة البنوك الاستثمارية، وكذلك التجارية، في نشاطها المتعلِّـق بالنِّـسب التي تُـتبع بين رأس المال ومجموع ما تقدِّمه هذه المؤسسات، مجتمعة ومنفردة من قروض. هذه النِّـسب التي بلغت في بعض الحالات ثلاثين بل وأربعين ضعفا، مثلما كان الحال مع مؤسسة “ليمان براذرز” وغيرها، كان نتيجة ذلك، أن تحوّلت الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية.
لقد حصل كسادٌ اقتصادي، لأن المؤسّسات التي توقّـفت عن العمل بسبب عدَم قُـدرتها على دفع ما عليها من التِـزام، اضطرّت إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين، ممّا أدى إلى انخِـفاض القُـدرة الشِـرائية للمواطنين، وهو ما أدّى بدوره إلى تراجُـع الطّـلب على السِّـلع والخدمات، ممّا انجرّ عنه مزيد من إغلاق المؤسسات وتسريح مزيد من اليَـد العاملة، حتى من لديه أموال، أصبح يؤجِّـل الإقبال على الشِّـراء، طمعا في مزيد خفض الأسعار. وكانت نتيجة هذه الحلقة الشريرة، ما نلحظه من كساد عام.
سويس إنفو: كيف ستتطوّر الأزمة حسب تقديركم؟ وبتعبير آخر، هل ما نشهده حاليا سيؤدّي إلى انهيار الرأسمالية وعودة إلى البحث عن نمَـط جديد من الاشتراكية؟
د. علي أحمد عتيقة: لا أعتقد باقتِـراب نهاية الرأسمالية، إنما الذي سيحصُـل هو العودة إلى دور الدّولة في تنظيم اقتصاد السوق وإدارته، وربّما نعود إلى ما كان عليه الوضع ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي قبل مجِـيء الرئيس ريغن إلى البيت الأبيض وقبل أن تتولّى مارغريت تاتشر الحكومة في بريطانيا. فهُـما يمثِّـلان المدرسة التي تقول بتقليص دور الدّولة، والتي، حسب رأيي، هي المسؤولة عن جرّ العالم إلى الأزمة الحالية.
إن الرأسمالية مُـطلقة اليد هي التي فشلت، وهي الرُّؤية التي تُـؤمن بضرورة رفع يَـد الدولة عن السّوق، وأن تكتف بدور المراقب وحماية الأمن، والتي سبَـق لها أن تسبّـبت في أزمة 1929، والتي تصدّى لها الرئيس روزفلت، لكن الحرب العالمية الثانية هي التي أدّت إلى الزيادة في الطّـلب وأخرجت نظام الرأسمالي من أزمته وجعلت دور الدولة قائما على المراقبة، بل والتصرّف أيضا في المِـلكية العامة. وقد بلغت هذه الملكية في بلدان مثل فرنسا وإيطاليا نسبة 65%، وتتولّى إدارتها البنوك والمؤسسات، فهذه الدّول كانت تملِـك ولا تدير.
واستمرّ ذلك الوضع إلى أن جاءت حِـقبة الخصخصة التي فرضها التغير، الذي طرأ على النظام الليبرالي الرأسمالي، والذي بموجبه تمّ إهمال دور الدولة في إعادة الاقتصاد الكلّـي وفي مراقبة الأداء الاقتصادي والمحافظة على تحقيق التّـوازن بين مصلحة المؤسسة الخاصة وضمان رِبحها من جهة، وبين المصلحة العامة وما تقتضيه من عدالة وتنمية من جهة أخرى، وهو ما كان يتِـم عن طريق الضرائب التصاعدية وحرص على المحافظة على حقوق العاملين والضّمان الاجتماعي وتوفير الضمانات العامة في التعليم والصحة.
للأسف الشديد، تخلّـت الليبرالية عن هذه الضوابط، وهو ما أفضى إلى ما نشهده اليوم من اختلال، لذلك، أتوقع زيادة ملحوظة لدَور الدولة لإعادة التوازن والتكامل بين المواطنين والمستثمرين في ظلّ اقتصاد السوق.
سويس إنفو: كيف تبدو لك الآثار المتوقعة لتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية على اقتصاديات العالم العربي؟
د. علي أحمد عتيقة: للأسف، صدرت خلال الفترة التي تلَـت الأزمة، تصريحات لمسؤولين عرب تنفي أن تكون لها تداعِـيات سَـلبية على الاقتصاديات المحلية، وهي تصريحات تدع إلى الاستغراب، نظرا لاعتماد اقتصاديات هذه الدول على تصدير المواد الخام من معادِن ونفْـط أو منتوجات زراعية أو منسوجات أو سياحة، وبما أن الطَّـلب على هذه الأشياء قد انخفض وسيزداد الانخفاض كلما طالت الأزمة، وهو ما سينعكس سلبا على الأوضاع على البلاد العربية، خاصة وأن اقتصادياتها صغيرة ومجزأة.
لو كانت هناك سوق عربية مشتركة، لكانت قدرتها على المواجهة أكبر، لكن نظرا لاعتماد الدول العربية على الطلب الخارجي، فإن ميزان مدفوعاتها وميزانها التجاري سيتأثران، مما يُـضاعف الضّـغط على عملاتها ويزيد من مشكلة البطالة، سواء داخل الأقطار العربية أو بعودة العمالة الوافدة، خاصة وأن التركيبة السكانية العربية تتميّـز بنسبة مرتفعة من الشباب، عكس الدّول الصناعية، التي رغم ذلك، فهي تعاني من البطالة، بما في ذلك بطالة المتعلِّـمين، وهي أكثر خطورة.
سويس أنفو: وماذا عن مآل أسعار النفط؟
د. علي أحمد عتيقة: لقد لاحظنا كيف انخفَـض سِـعر البرميل من 150 دولار إلى 35 دولار، وهو انخفاض ما كان متوقّـعا، لكنه كان نتيجة طبيعية لحالة الرّكود الاقتصادي. حتى الصين والهند، اللتين كانتا وراء ازدياد الطلب، تراجعتا في المدّة الأخيرة، وكذلك الشأن بالنسبة لأوروبا. فالطلب مرتبط بنسبة النمو في سوق السيارات.
كما أن هذه الأزمة للأسف، تخلق وضعا لا يشجّـع على الاستثمار في المجال النفطي ولا حتى في مجال البدائل، التي يصبح الاستثمار فيها في مثل هذه الظروف مكلّـفا. وإذا ما طالت الأزمة، كما كانت في الثمانينات وأواخر التسعينات، يمكن أن يؤدّي ذلك إلى ركود في قِـطاع النفط، وينعكس سلبيا على مجال تدريب المهارات، ويؤدّي إلى عزوف الشباب عن دراسة الهندسة النفطية والجيولوجيا، التي تعتبر من ضرورات حماية هذا القطاع، لأنه في حالة السيطرة على الأزمة وعودة الطّـلب على النفط، يُـخشى أن لا تكون هناك طاقة إنتاجية لتلبية هذا الطلب، وهو ما سيؤدّي من جديد إلى رفع الأسعار.
ولكي تقع المحافظة على الطاقة، لابد من الاستثمار ومن توفر العُـنصر المتدرّب وضمان الاستقرار، لهذا، فإن انخفاض أسعار النفط ليس في صالح الدول المصدّرة للنفط ولا المستوردة له، لأن تحوّلها من عصر اعتمادها على النفط إلى عصر ما بعد النفط، يحتاج إلى سِـعر مُـجزي، حتى توفّـر النفط خلال فترة الانتقال، ويشجع البحث عن توفير البدائل، لأن العالم بعد خمسين سنة يحتاج فعلا إلى هذه البدائل. فالنفط لا يوجد في بُـحيرات، وإنما في صخور مسامية يرشح منها، وبعد فترة، ستصبح عمليات استخراجه مُـكلفة وستحتاج إلى استثمارات ضخمة.
سويس إنفو: طيب، ماذا تقترح لتتمكّـن الحكومات العربية من مواجهة هذه التداعيات الخطيرة؟
د. علي أحمد عتيقة: لابد من اللّجوء إلى التخفيض في الإنفاق، خاصة في السِّـلع الترفية وكذلك في مجال شراء الأسلحة التي لا تُـشترى ولا تُـستعمل، على بناء المباني والأبراج ومختلف هذه المظاهر، وذلك لمواجهة عودة حالة التّـدايُـن، التي تراكمت خلال الثمانينات والتسعينات، بسبب الحرب بين العراق وإيران، ويقلِّـلوا من اعتمادهم على الآخرين، وقد بدأت فعلا بعض الدّول في ترشيد الإنفاق.
هناك دول تمكّـنت من بناء احتياطات، مثل الإمارات والكويت، وذلك من خلال إنشاء ما سُـمي بـ “صناديق السيادة”، وقد جاء دور هذه الاحتياطات لتعين تلك الدّول خلال فترة الركود الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط.
لا أتصوّر أن سياسة تخفيض الإنتاج ستساعد كثيرا في هذه المرحلة، لأن الدول المستهلكة ستغطي احتياجاتها من دول أخرى، مثل روسيا والمكسيك. وإذا ما استمر هذا الوضع، قد تخسر الدول العربية المصدِّرة للنفط حصّـتها في السوق، دون أن تؤثر على مستوى الأسعار، وبالتالي، تكون خسارتها مزدوجة.
كذلك على الدول العربية أن تعمل على حماية الطاقة ولا تبيع النفط بأسعار منخفضة وأن لا تهمل اهتمامها بالتعليم وتدريب الكفاءات في مجال النفط وأن تدعم الشركات النفطية المحلية الوطنية، حتى تكتسب الخِـبرة وتستطيع أن تتعامل مع الشركات العالمية على قدَم المساواة.
وبسبب عدم تحقيق ذلك، عادت الشركات الأجنبية، التي سبق أن تمّ تأميمها من قبل، بل وأصبحت تعمل بشروط أفضل بعد أن احتاجت الحكومات لخِـبراتها في مجال تطوير حقول النفط واكتشاف المزيد منها.
سويس أنفو: هل الدول العربية مرشّـحة لمزيد من الاحتقان الاجتماعي؟ وهل ستلجأ الحكومات إلى التصلّب لمواجهة الاحتجاجات والمطالب، أم أنها ستحاور شعوبها وتتّـجه نحو القيام بإصلاحات ديمقراطية؟
د. علي أحمد عتيقة: من الصّـعب التكهُّـن في هذا المجال، ولكن لا شك في أن الأزمة الاقتصادية ستكون لها انعكاسات اجتماعية وسياسية أيضا. أعتقد بأن ظاهرة الاستقرار السياسي قد تكون ظاهرة غير صحية، لأنها تنم عن عدم وجود حِـراك سياسي وجمود سبّـبه الحزب الواحد والزعيم الأوحد أو أشكال أخرى من الحُـكم، التي قلَّـما يؤدّي إلى تطور الوعي، وأخيرا، الإصلاح وتحسين أداء المسؤول وتغييره بالطرق السلمية عند الحاجة.
لا أستطيع أن أجزم بأن الأزمة الحالية ستؤدّي إلى حِـراك سياسي، من شأنه أن يفضي إلى تغيير الأوضاع في الاتِّـجاه الإيجابي، لكن من الملاحظ أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن التغيير نحو إقامة أنظمة ديمقراطية والتخلّـي عن الشمولية في تاريخ التطوّر الديمقراطي في أوروبا، تمّ بمبادرة من القمّة وتفاعلت معه القواعد، ولم يحصل العكس حسب ما أعرف. كل الدول التي تحوّلت سياسيا، مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا واليابان والهند، كان ذلك ثمرة وعي من قياداتها، تبعته استجابة واسعة من شعوبهم، التي انخرطت بشكل واسع في الأنظمة الديمقراطية.
السؤال المطروح حاليا: هل يمكن أن تكرّر القيادات العربية مثل هذا التحول؟ فأنا شخصيا لا أتصوّر أن تقوم الشعوب لوحدها بهذه المهمّة، لأنها غير قادرة على ذلك في ظل الأوضاع الأمنية الرّاهنة، وسيطرة حكومية على مفاتيح التغيير والتطوّر الاجتماعي والسياسي.
أجرى الحوار في بيروت صلاح الدين الجورشي
رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – حذر محافظ سلطة النقد الفلسطينية يوم الاثنين 9 مارس 2009 من نفاد الاوراق النقدية وزعزعة ثقة المودعين بالبنوك العاملة في قطاع غزة اذا استمرت اسرائيل في فرض القيود على دخول الاموال اليها.
وقال جهاد الوزير في مقابلة مع رويترز ان شح الاموال ادى الى عزوف الفلسطينيين في القطاع عن التعامل مع البنوك واللجوء الى الاحتفاظ باموالهم على الطريقة الكلاسيكية “تحت الفرشة او في محافظهم الخاصة”.
وتضطر سلطة النقد الفلسطينية في كل شهر الى اجراء اتصالات مع الجانب الاسرائيلي مستعينة بجهود ممثل اللجنة الرباعية توني بلير والبنك الدولي لادخال الاموال الى بنوك غزة وغالبا ما تأتي الموافقة الاسرائيلية على ادخال مبالغ مالية اقل من المطلوبة.
ولم تتمكن البنوك في قطاع غزة لغاية يوم الاثنين من صرف رواتب 77 الف موظف يعملون في القطاع العام بسبب نقص السولة لديها وقد حصلوا على رواتبهم عن الشهر الماضي بعد تأخر لاكثر من اسبوعين ومن غير الواضح متى ستسمح اسرائيل بادخال النقد الى غزة لدفع لهذه الرواتب.
لكن المحافظ قال ان تلك المصاعب لا تعني ان البنوك العاملة في القطاع سوف تغلق ابوابها قريبا، واوضح ان هناك اتصالات تجري مع بلير والبنك الدولي للضغط على اسرائيل من اجل ادخال السيولة اللازمة لقيام البنوك بعملها.
وتحتاج البنوك العاملة في قطاع غزة الى ما يقارب 300 مليون دولار شهريا يخصص الجزء الاكبر منها لدفع الرواتب. لكن بعد فوز حركة حماس الاسلامية في الانتخابات التشريعية عام 2006 شددت اسرائيل من القيود التي تفرضها على القطاع لرفض حماس الاعتراف بالدولة اليهودية وبالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع حكومة اسرائيل.
ويرى الوزير انه “اذا استمر الوضع على هذا النحو فلن يستطيع القطاع المصرفي ان يعمل كما يجب. المال يذهب في اتجاه واحد.. تخرج السيولة ولا تعود وان ما تبقى من اموال (في ايدي الناس) لا يذهب الى البنوك. وفي كل شهر تتفاقم المسألة.”
وقال الوزير ان القيود الاسرائيلية ادت الى خروج الاموال عبر الانفاق الى خارج القطاع لاتمام المعاملات التجارية مما فاقم شح السيولة.
ونجح محافظ سلطة النقد التي تحظى بمصداقية عالية في اوساط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي “باقناع بعض البنوك العاملة في الاراضي الفلسطينية بالعدول عن قرارها اغلاق بعض فروعها في قطاع غزة”.
ونقص السيولة الذي تعاني منه فروع البنوك في غزة يقابله فائض في السيولة في فروع الضفة الغربية مما تسبب بخسائر مالية قدرتها اوساط مالية بملايين الدولارات بسبب تكديس السيولة في فروع البنوك في الضفة الغربية دون الحصول على فوائد من تشغيل هذه الاموال في قطاع غزة.
وقال الوزير” الاسرائيليون لا يفهمون ان البنوك لا تفضل ان يكون لديها سيولة اكثر مما تحتاجه لان هذا يعني مزيدا من الخسائر.”
وادى استمرار فرض القيود على دخول السيولة النقدية للقطاع الى نقص الايداعات بنحو 50 في المائة مما كان عليه الوضع قبل فرض الحصار على القطاع حين كانت تقدر بنحو 900 مليون دولار.
ويكاد يقتصر عمل البنوك في قطاع غزة منذ بدأ الحصار قبل ثلاث سنوات على دفع رواتب موظفي القطاع العام والمؤسسات الدولية من دون الاستفادة من التسهيلات النبكية والاعتمادات للمعاملات التجارية التي تعود عليها بالارباح.
ومن غير الواضح الى متى يمكن للبنوك ان تستمر في عملها في ظل هذه الظروف.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 مارس 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.