ديك مارتي يـديـن مُجددا إجراءات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب
لمع اسم ديك مارتي مجددا في وسائل الإعلام عقب نشره نتائج التحقيق الذي أنجزه بطلب من مجلس أوروبا حول عمليات تهريب الأعضاء من كوسوفو في موفى التسعينات، لكن جهود عضو مجلس الشيوخ السويسري من أجل فرض احترام حقوق الإنسان عديدة وقديمة.
ومن بين النجاحات الأخيرة التي حققها، تمكنه من إقناع غرفتي البرلمان الفدرالي في مارس الماضي باعتماد مقترح يرمي إلى الحد في سويسرا من التجاوزات المترتبة عن الإجراءات المتخذة من طرف مجلس الأمن الدولي في نيويورك في سياق مكافحة الإرهاب. وعلى إثر موافقة البرلمان، تم شطب بعض الأسماء التي كانت مُدرجة على القوائم السوداء للأمم المتحدة.
لقد اعتمدت سويسرا (البلد الوحيد الذي أقدم على ذلك حتى الآن) في ربيع 2010، مذكرة تضع حدودا بينة للإجراءات المتخذة ضد “إرهابيين محتملين” أدرجت أسماؤهم على قوائم سوداء أعدها مجلس الأمن الدولي. ومع أن الحكومة السويسرية تعتبر أن وجود هذه القوائم يمثل أداة ناجعة في مجال مكافحة الإرهاب، يرى ديك مارتي في حديث أدلى به إلى swissinfo.ch (قبل نشر تقريره الأخير حول تهريب الأعضاء من كوسوفو) أنه من غير المقبول أن تقبل سويسرا دون إبداء أي احتراز بتدابير أممية تدوس على المبادئ البديهية للقانون الدولي.
swissinfo.ch: كيف تنتهك هذه القوائم مبادئ الأمم المتحدة؟
ديك مارتي: ليست القوائم في حد ذاتها هي التي تطرح مشكلا ولكن الطريقة التي تُـدار بها. إذ يمكن لدولة عضو في مجلس الأمن إدراج اسم فيها بدون صعوبة. إذ يكفي أن تصرح، دون الإضطرار إلى تقديم أدلة، إلى لجنة العقوبات (تضم في عضويتها 15 دولة – التحرير) بأن الشخص الفلاني يدعم (تنظيم) القاعدة أو شبكة إرهابية.
تبعا لذلك، يجد الشخص نفسه مُدرجا على القائمة، دون أن يتم إعلامه أو الإستماع إليه. كما لا يمكن له معرفة تفاصيل الإتهام (الموجه إليه) التي تُضفى عليها صفة أسرار الدولة، كما لا يمكن له اللجوء إلى سلطة مستقلة للدفاع عن نفسه. إنه التعسّف في أشمل صورة.
من الناحية العملية، ما الذي يعنيه أن يجد المرء نفسه مُـدرجا على هذه القوائم السوداء؟
ديك مارتي: يتم احتجاز جميع ممتلكاته، ولا يمكن له الحصول لا على بطاقة ائتمان ولا على حسابات مصرفية، كما لا يمكن له ممارسة نشاط مُكسب (أي مقابل أجر). يحصل على الحد الأدني الضروري كي يعيش كما لا يمكن له عبور الحدود. ولا تخضع جميع هذه التضييقات لأي سقف زمني. وهي تعني بالنسبة لبعض الأشخاص الإفلاس الإقتصادي.
كيف استقبلت مذكرتك من طرف غرفتي البرلمان السويسري؟
ديك مارتي: لقد صادق عليها مجلس الشيوخ (الغرفة العليا بالبرلمان) بالإجماع. وعندما تم طرح الملف على مجلس النواب (الغرفة السفلى) مارست وزارة الخارجية ضغوطا كي لا تتم المصادقة على المذكرة – التي تُعلي من شأن القانون الدولي – في صياغتها الأصلية. فسويسرا تطمح إلى أن تصبح عضوا في مجلس الأمن ولا ترغب في انتهاج طريق مخالف (لما هو معمول به داخل المجلس في هذه القضية). لقد كانت الحكومة الفدرالية تريد أن أخفف (من حـدّة) النص لكنني رفضت. وفي مارس الماضي، وافق مجلس النواب على مذكرتي رغم ضغوطات الحكومة السويسرية.
ما هو التأثير الذي نجم عن ذلك؟
ديك مارتي: كان من نتائج هذه المذكرة أن تحركت الأمم المتحدة حيث تم شطب بعض الأسماء من القوائم السوداء. لا بد من التشديد على أن البعثة السويسرية في نيويورك بقيادة السفير بيتر ماورر، اجتهدت كثيرا كي يضع مجلس الأمن ضوابط تحدد العقوبات المرتبطة بهذه القوائم. كما قامت الأمم المتحدة أيضا بتعيين “وسيط” في شخص سيدة كندية لكن ليس بإمكانها سوى تقديم رأي استشاري، أي أن الأمر لا يتعلق بهيئة استئنافية فعلية. وقد توصلت بعدُ إلى أن أسماء أشخاص تُوفوا منذ فترة طويلة لا زالت مُدرجة على القوائم. وهذا يكشف عن مستوى جدية نيويورك حول هذه المسألة.
يمثل الأعضاء الخمسة عشر الذين تتشكل منهم لجنة العقوبات دولا. ألا تطرح هذه المسألة مشكلة بخصوص الإستقلالية؟
ديك مارتي: فعلا، فهذه اللجنة تشتغل بنظام المقايضة: أنت تسمح لي بوضع “إرهابيّ” على القائمة وأنا سأتركك تضع “إرهابيّك” عليها في الوقت المناسب.. إن أسلوب العمل هذا داخل مجلس الأمن مُـشـيـن.
ألا تسهم هذه الإدارة الإعتباطية للقوائم السوداء في مزيد تعميق الهوة القائمة بين الغرب والعالم الإسلامي؟
ديك مارتي: بالفعل، فالحكومات والأوروبية منها بالخصوص، لا تقيم الدليل على أي قدر من الشجاعة كي تكون منسجمة مع المبادئ التي تنادي بها. ومن خلال تصرفهم هذا، يمنحون مشروعية للإرهاب، وهي (شرعية) مكافحة الدول التي تستخدم وسائل غير شرعية: القوائم السوداء، والرحلات السرية لوكالة المخابرات المركزية والسجون السرية. إن هذا النظام غير القانوني بصدد التمدد (أو التوسع). فباسم التصدي للإرهاب تم اختطاف أشخاص واحتجازهم على مدى سنوات دون أحكام قضائية. وبعد 9 أعوام يتم الإفراج عنهم بسبب غياب الأدلة وبدون أي اعتذار أو دولار تعويضات. هذا (التصرف) يُوجد تعاطفا لفائدة الإرهابيين، وهو ما يمثل إحدى الأمور الأكثر خطورة.
كيف تفسر هذا التهاون لدى البلدان الغربية؟
ديك مارتي: هناك تفسير يثير لدي خيبة أمل هائلة: هذه الإجراءات لم تمس إلى حد الآن إلا مسلمين. فلو تعلقت الإتهامات بمواطن غربي مسيحي، فإن ذلك سيحرك الأمور.
كانت قضية المواطن المصري الإيطالي يوسف ندا الدافع وراء اتخاذ ديك مارتي قرار بطرح مذكرته على البرلمان. وقد جاء فيها: إذا ما اتضح أنه – بعد انقضاء 3 أعوام – لم يتم تحويل ملف شخص “وُضع اسمه على القائمة” إلى سلطة قضائية أو أن الشخص المعني لم يتمكن من استئناف القرار لدى سلطة مستقلة، فيتوجب على برن أن ترفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن عليه.
في عام 2001، وجد يوسف ندا، الذي يقيم في جيب “كامبيوني الإيطالي الذي يقع داخل أراضي كانتون تيتشينو، نفسه مُدرجا على القائمة السوداء وممنوعا من التنقل بعد أن اتهم بتمويل هجمات 11 سبتمبر 2001. وكان رجل الأعمال قد اشتغل على مدى 30 عاما في سويسرا دون أية مشاكل.
بناء على طلب من السلطات الأمريكية، قامت الأجهزة القضائية في سويسرا وإيطاليا بفتح تحقيقات بشأنه وبعد أربعة أعوام من الأبحاث، قررت المحكمة الفدرالية الجنائية في بيلينزونا إغلاق الملف لغياب الأدلة. وهي نفس النتيجة التي توصلت إليها العدالة الإيطالية.
إثر ذلك، توجه يوسف ندا الذي ظل اسمه مُدرجا على القائمة السوداء إلى الحكومة الفدرالية ثم إلى المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا مقرها لوزان) كي يتم شطب اسمه من القائمة، فتمت إجابته بأن قانون الأمم المتحدة يعلو على التشريعات الوطنية في هذه الحالة.
على إثر مصادقة البرلمان السويسري على مذكرة ديك مارتي تم سحب اسم يوسف ندا من القائمة ضمن ثمانية أسماء أخرى لكن المواطن المصري الإيطالي رفع القضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ (شرق فرنسا). ومن المنتظر أن تعقد جلسة علنية للنظر في الشكوى في غضون شهر مارس 2011.
7 يناير 1945: ولد ديك مارتي في بلدة سورينغو قرب لوغانو جنوب سويسرا. متزوج وله 3 بنات.
1974: حصل على الدكتوراة في الحقوق بعد دراسات جامعية في جامعة نوشاتيل وفرايبورغ بألمانيا.
1975 – 1989: تقلد منصب نائب المدعي العام ثم منصب المدعي العام في كانتون تيتشينو.
1989 – 1995: شغل منصب وزير في الحكومة المحلية لكانتون تيتشينو.
1995: انتُـخِـب عضوا في مجلس الشيوخ السويسري عن كانتون تيتشينو وممثلا للحزب الراديكالي.
منذ 1998: عضو في الجمعية البرلمانية التابعة لمجلس أوروبا.
منذ 2005: رئيس لجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان في مجلس أوروبا.
2005 – 2007: شغل منصب المقرِّر الخاص لمجلس أوروبا، المكلّـف بالتحقيق حول السجون السرية لوكالة المخابرات الأمريكية في أوروبا.
نوفمبر 2007: مُـنح جائزة حقوق الإنسان من طرف المنظمة International Services for Human Rights غير الحكومية.
في يوليو 2008 كُـلِّـف من طرف مجلس أوروبا بالتحقيق حول عمليات تهريب مزعومة للأعضاء البشرية من كوسوفو وبإعداد تقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في الشيشان.
في 16 ديسمبر 2010 نشر نتائج التحقيق الخاص بكوسوفو الذي تضمن اتهامات خطيرة لعدد من المسؤولين الحاليين في جمهورية كوسوفو من بينهم رئيس الوزراء هاشم تاتشي.
(نقله من الفرنسية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.