رغم معارضة واشنطن.. مجلس حقوق الإنسان يُـقـرّ التحقيق الدولي
في جنيف، صادق مجلس حقوق الإنسان على قرار يدعو إلى إجراء تحقيق دولي في انتهاكات القانون الدولي التي نجمت عن الهجوم الإسرائيلي ضد قافلة الإغاثة الإنسانية البحرية الهادفة لفك الحصار عن قطاع غزة. ولم تعارض القرار إلا الولايات المتحدة وإيطاليا وهولندا.
في أول اجتماع طارئ يخصصه مجلس حقوق الإنسان في دورة عادية لمعالجة قضية مستجدة، تطرق المجلس بعد ظهر الثلاثاء 1 يونيو وصباح الأربعاء 2 يونيو للهجوم الإسرائيلي على “أسطول الحرية” أو قافلة المساعدة الإنسانية لفك الحصار على قطاع غزة.
هذا الحادث لم يتسبب في إدخال الإضطراب على السير العادي لبرنامج عمل مجلس حقوق الإنسان، بل أدى أيضا إلى إحداث زعزعة في مواقف العديد من الدول التي استخدمت هذه المرة لهجة أخرى تختلف عن الخطاب الذي اعتادت على ترديده عند إجراء أي نقاش في المجلس يتعلق بإسرائيل أو بالأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
بل إن المفوضة السامية لحقوق الإنسان التي اتسم تدخلها بالفتور في بداية النقاش حول تداعيات الحادث عندما اكتفت بمجرد التعبير عن “القلق” و “الصدمة “، قالت في بداية هذا النقاش الخاص في خطاب تمت قراءته نيابة عنها: “إننا ندين بدون لُبس ما يبدو أنه استخدام غير متكافئ للقوة”، وأضافت بأنه “على الرغم من أن الأخبار الواردة لا زالت متواصلة ، نسجل بأن الحادث وقع في المياه الدولية”.
ونددت نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الانسان بالإستخدام “المفرط للغاية” للقوة من جانب إسرائيل وشددت على ما طالب به مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء 1 يونيو بخصوص لجنة التحقيق، حيث دعت إلى ضرورة أن تكون “متوائمة مع كافة معايير التحقيق الدولية، و(أن تشكل) في أقرب وقت، ومحايدة، وذات مصداقية، ومستقلة”.
ودعت بيلاي — وهي قاضية سابقة للامم المتحدة في جرائم الحرب — اسرائيل الى رفع حصارها لغزة قائلة انها تحرم 1.5 مليون مدني من حقوقهم الاساسية في الغذاء والمياه والمأوى.
شبه إجماع على المطالبة بتحقيق دولي!
إذا كان قرار مجلس الأمن الدولي، وتحت تأثير الولايات المتحدة، قد ترك إمكانية القيام بالتحقيق المطلوب بين أيدي إسرائيل، فإن مشروع القرار المعروض على مجلس حقوق الإنسان، وكذلك مواقف العديد من الدول بما في ذلك بعض البلدان الغربية، أصرت على ضرورة أن يكون التحقيق “دوليا”.
إذ أشار القرار في بنده السابع إلى ضرورة “إرسال لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي المترتبة عن الهجوم الإسرائيلي على القافلة البحرية الحاملة للمساعدات الإنسانية” التي كانت متوجهة إلى قطاع غزة.
وقد حظي القرار بموافقة مجلس حقوق الإنسان بأغلبية 32 صوتا مقابل معارضة 3 دول (الولايات المتحدة وهولندا وإيطاليا)، وامتناع 9 دول عن التصويت أغلبها من الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي التي لم ترغب في تجاوز ما أقره مجلس الأمن الدولي مساء الإثنين في نيويورك والإكتفاء بتحقيق تقوم به إسرائيل.
معارضة إسرائيلية وأمريكية
كما كان متوقعا، تساءل السفير الإسرائيلي في مستهل النقاش الخاص حول الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الإغاثة الإنسانية عما “إذا كان هذا النقاش سيسهم بطريقة من الطرق في تحقيق الأهداف التي تجلسون هنا من أجلها”، في معرض الإنتقاد لتخصيص نقاش طارئ ضمن أشغال الدورة العادية لمجلس حقوق الإنسان.
وبعد أن شدد السفير الإسرائيلي على ضرورة “دعم المعتدلين من أجل تعزيز التصالح بين اليهود والعرب والفلسطينيين”، أوضح أن “قطاع غزة مازال تحت سيطرة منظمة إرهابية طردت منظمة التحرير الفلسطينية”، على حد رأيه، كما أشار إلى أن “الهجوم على القوات الإسرائيلية كان مبيتا من قبل أعضاء المنظمة التركية IHH المعروفة بكونها منظمة متطرفة معادية للتوجه الغربي… وقد تم استعمال أسلحة مخبئة من قبل”، على حد قوله.
وبعد أن حاول السفير الإسرائيلي تقديم تبريرات للحصار البحري الذي تفرضه بلاده على القطاع ولتعزيزه في حال محاولة كسره من قبل أي سفينة، انتهى إلى القول بأن “معالجة المجلس لهذه القضية هو تعزيز لموقف حماس وإضعاف لموقف السلطة الفلسطينية”، على حد تعبيره.
السفيرة الأمريكية أعربت في تدخلها عن “الإنزعاج من استئناف العنف، والأسف للقتلى والجرحى في الحادث الذي وقع للبواخر أمام سواحل غزة” وقالت “إننا بصدد توضيح تفاصيل الحادث ونتوقع القيام بتحقيق جدي وشفاف ونحث الحكومة الإسرائيلية على القيام بالتحقيق في أسرع وقت”.
وفيما عبرت السفيرة الأمريكية عن “الأسف لاستمرار سكان قطاع غزة في المعاناة”، ونوهت إلى أن “استمرار الأوضاع هناك على ما هي عليه ليس في صالح أي من الأطراف”، لكنها شددت على أن “هناك آليات موجودة لنقل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وهي آليات غير مستفزة وهي التي يجب استخدامها لصالح جميع سكان غزة” كما جاء في كلمة السفيرة الأمريكية.
وترى السفيرة الأمريكية أن “تدخل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الجماهيرية في العمل الإنساني قد يعقد ذلك، وأن استمرار تهريب الأسلحة قد يقوض الإجراءات الأمنية والتنمية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين”.
واختتمت السفيرة الأمريكية تدخلها بالإشارة إلى أن “هذا الحادث قد يعزز ضرورة التسريع بالمفاوضات لإقرار السلام في المنطقة عبر مفاوضات بين الطرفين من أجل إنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967”.
تحول في بعض المواقف
إذا كان أي نقاش حول الأراضي الفلسطينية المحتلة يؤدي في غالبية الأحيان الى انقسام بين معسكر غربي معارض للقيام بأي تحرك بأي ذريعة من الذرائع، ومعسكر عربي إسلامي ومن بلدان عدم الإنحياز داعم بدون أي تحفظ، فإن حادث الاعتداء على القافلة البحرية لتقديم المساعدة الإنسانية لقطاع غزة أدى الى تغير في المواقف حيث لم تتردد العديد من الدول الغربية في إدانة الإعتداء.
وفي الكلمة التي ألقتها إسبانيا باسم الاتحاد الأوروبي، تمت إدانة “استخدام القوة الذي أدى الى وفاة مالا يقل عن عشرة مدنيين”، وهو ما أعادت تأكيده معظم البلدان الأوروبية عندما تحدثت باسمها. ومع ذلك، لم ترغب دول الاتحاد في الذهاب الى حد الموافقة على إجراء تحقيق دولي.
في مقابل ذلك، ذهبت بعض الدول الغربية إلى أبعد من ذلك على غرار السويد التي شدد ممثلها على “حق إسرائيل في تعزيز أمنها”، لكنه أوضح على الفور بأن “هذه العملية تمت في انتهاك واضح للقانون”. ومع أنه أشاد “بسرعة رد مجلس الأمن الدولي ودعوته لتحقيق جدي وشفاف”، إلا أنه شدد على “ضرورة أن يكون تحقيقا دوليا وأن يشمل انتهاكات كل جوانب القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”. وهو المطلب الذي دعمته سويسرا أيضا من خلال تشديدها على المطالبة بإجراء “تحقيق مستقل ودولي” فيما حدث.
وبعد أن طالب المندوب السويدي “بضرورة الإفراج الفوري عن كل المعتقلين”، أوضح بأن “إسرائيل ليس من حقها توقيف أشخاص في المياه الدولية”، كما أعرب عن “القلق لتحديد حرية التعبير والإعلام من قبل إسرائيل أثناء هذه العملية”، لينتهي إلى المطالبة ” بضرورة رفع نهائي للحصار عن غزة لأن استمراره سوف لن يأتي إلا بنتائج عكسية”، على حد رأيه.
وبعد إجراء التصويت، تدخل ممثل النرويج ليرد على الذين برروا امتناعهم عن الإدلاء بأصواتهم بضرورة “عدم تجاوز قرار مجلس الأمن”، وقال: “كان على مجلس حقوق الإنسان أن يوضح الطريق للأمين العام ولمجلس الأمن بالدعوة لتحقيق دولي لأن ما حدث يستدعي ذلك”.
وإذا كانت تدخلات ممثلي الدول العربية والإسلامية ودول عدم الإنحياز تسير في طريق دعم مشروع القرار بدون تحفظ، فإن بعض الأصوات أرادت تجاوز مجرد اتخاذ قرار لكي تطالب المجلس بضرورة التحول من القول الى الفعل مثلما جاء تدخل سفيرة لبنان التي قالت: “إن وصف ما ارتكبته إسرائيل بالكلمات أمر متعذر، ولأنني أخشى أن يكون الإكثار في الكلام قد بات دون طائل”، واعتبرت ممثلة لبنان ما قامت به إسرائيل “خطوة خطيرة ومجنونة تمثل جريمة ضد الإنسانية من شانها تأجيج الصراع في المنطقة”.
وفي تدخل له بعد التصويت، ذكّـر السفير الفلسطيني إبراهيم خريشة بشيء من المرارة الدول الأعضاء في المجلس، وبالأخص تلك التي رفضت القرار أو امتنعت عن التصويت، بأنه حذرهم في جلسة سابقة من أن “إسرائيل زورت جوازاتكم، وقد تزور تاريخكم وماضيكم وحاضركم، واليوم أستطيع أن أقول وبكل وضوح أخشى أن يعتدوا على مياهكم الإقليمية وان يصلوا الى عواصمكم”.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
بعد التذكير بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، وبنود معاهدات جنيف، نص مشروع القرار على:
– التعبير عن القلق الكبير بخصوص تدهور الأزمة الإنسانية في قطاع غزة المحتل.
– التأكيد على ضرورة ضمان المرور المستمر للبضائع والأشخاص إلى قطاع غزة المحتل ، والترحيب بالمبادرات الهادفة لفتح ممرات إنسانية وآليات أخرى للسماح بمرور مستمر لمواد الإغاثة.
1- يدين بكل قوة الهجوم البشع الذي قامت به قوات الجيش الإسرائيلي ضد قافلة المساعدة الإنسانية البحرية والتي أدت إلى مقتل وجرح العديد من المدنيين الأبرياء من العديد من البلدان.
2- يأسف بشدة لوفاة مدنيين أبرياء ، ويعرب عن تعاطفه العميق وتعازيه للضحايا وعائلاتهم.
3- يطلب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتقديم معلومات عن الإطار والمكان والظروف التي يتواجد فيها الأشخاص المعتقلون والجرحى.
4- يطلب من القوة المحتلة إسرائيل بالافراج الفوري عن كل المعتقلين والمعدات والسماح بعودتهم الآمنة الى أوطانهم.
5- يدعو القوة المحتلة إسرائيل من أجل ضمان مرور مواد الإغاثة الإنسانية بدون عرقلة بما في ذلك المواد الغذائية، والوقود والأدوية الى قطاع غزة المحتل.
6- يرحب ببيان الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان الذي يدين الهجوم الإسرائيلي ويدعو الى محاسبة تامة والى القيام بتحقيق مستقل وجدي في هذه الهجمات.
7- يقر بإرسال لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي المترتبة عن الهجمات الإسرائيلية على القافلة البحرية المحملة بمواد الإغاثة الإنسانية.
8- ويقرر البقاء مهتما بمتابعة هذا الموضوع.
جنيف، 2 يونيو 2010
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.