سجل الأردن في حقوق الإنسان.. خطوات محتشمة وانتقادات للنقائص
تميزت دراسة أوضاع حقوق الإنسان في الأردن أمام آلية الإستعراض الدوري الشامل، بتركيز وفد عمـّان على ما يكفله القانون من حماية وما تم تحسينه في هذا الإطار، وبإثارة بعض الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية لقضايا "التعذيب" و"جرائم الشرف" ووضع عض الحريات مثل "حرية التعبير والصحافة" و"حرية التجمع وتنظيم الجمعيات".
وقد جرت مُناقشة تقرير الأردن أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان بجنيف صباح الأربعاء 11 فبراير 2008، بحضور وفد هام ترأسه السفير الأردني السابق في جنيف الدكتور موسى بريزات، الذي يشغل اليوم منصب مدير العلاقات الدولية والمنظمات ورئيس قسم حقوق الإنسان بوزارة الخارجية الأردنية.
التقرير الأردني الذي جاء في 19 صفحة، سرد حالة أوضاع حقوق الإنسان في البلد كما تراها الجهات الساهرة على إعداد التقرير، لكنه ركّـز في قسمه الكبير على ما تنص عليه مواد الدستور الأردني لضمان مختلف الحقوق الفردية والجماعية، وما تعلق منها بالحقوق السياسية المدنية أو بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
غير أن المشكلة التي اعتـرضت تقديم تقرير الأردن، تمثلت في عدم تسليمه من طرف الجهات المعنية في الوقت المحدد لتتم ترجمته من العربية إلى لغات العمل الرسمية الأخرى في الأمم المتحدة (الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية)، وهي مسألة تطرقت لها العديد من الدول أثناء تدخلاتها، وحالت دون تكوين الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان صورة شاملة عن أوجه التحسن كما عرضتها الجهات الرسمية التي أعدت التقرير.
إعلان مباشر عن رفع التحفظات
ومن أوجه التحسن التي اطلع عليها المشاركون في مراجعة تقرير الأردن، “رفع التحفظ عن المادة 15 من اتفاقية محاربة كل أشكال العنف ضد المرأة”، وهو ما أعلن عنه رئيس الوفد الأردني الدكتور موسى بريزات، إثر توصله بالخبر من العاصمة عمّـان مباشرة أثناء عرض التقرير.
من جهة أخرى، نوه التقرير إلى أن الأردن لم يُحِـل أي شخص للمحاكمة بموجب قوانين محاربة الإرهاب التي تم اعتمادها، والتي قال “إن دورها كان وقائيا بالدرجة الأولى، حتى لو أنها ليست قوانين مثالية”.
وشدد التقرير وأعضاء الوفد الأردني أثناء مداخلاتهم أيضا على إجراء مراجعة لقانون العقوبات “لإلغاء عقوبة الإعدام، بحيث تنحصر على بعض الجرائم” وتم التأكيد على أن “هذه العقوبة لا تنطبق على الأحداث ولا على المرأة الحامل”، كما ورد في التقرير، لكن دُولا عديدة طالبت في تدخلاتها بضرورة الإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام.
وأسهب التقرير في وصف ما يكفله الدستور الأردني بالنسبة لحرية الصحافة، وما يخوله قانون المطبوعات والنشر وتعديلاته من حريات ومن حماية للمصادر ومن عدم تعريض الصحفي للحبس في قضية لها علاقة بالمطبوعات.
وبالنسبة لحرية التجمع والتظاهر، أشار التقرير إلى أن قانون الاجتماعات العامة وتعديلاته “ليس الهدف منه التضييق على التجمعات السلمية، وإنما الحفاظ على هذه التجمعات وتقدير الظروف المواتية لإقامتها، ولحفظ الأمن والنظام العام”. وقد أوضح رئيس الوفد الأردني بأن “أحداث الحرب على غزّة وحدها عرفت تنظيم أكثر من 600 مظاهرة جماهيرية”.
كما عـّدد تقرير الأردن أيضا الآليات التي تم استحداثها للدّفاع عن حقوق الإنسان، أو لنشر المعرفة بتلك الحقوق، مثل إنشاء ديوان المظالم، وتشكيل لجنة دائمة لحقوق الإنسان، ودوائر لحقوق الإنسان بكل الوزارات، وإنشاء دائرة محاربة الفساد، وتعميم التكوين في مجال حقوق الإنسان على عدة مستويات، دراسية وجامعية ومهنية.
“جرائم الشرف” و” التعذيب” و”دور محكمة أمن الدولة”!
تقرير منظمات المجتمع المدني، الذي لخّـص مشاركات ثمانية منها من ضمنها منظمات دولية وعربية وأردنية، أثار جملة من التساؤلات حول العديد من الحالات التي أعاد ممثلو دول غربية طرحها أثناء النقاش.
المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن يرى أنه “على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرز في مجال تعزيز حقوق المرأة… لا تزال مشاركتها في الحياة العامة محدودة”.
أما منظمة العفو الدولية، فتطرقت لموضوع “جرائم الشرف” قائلة “إن النساء في الأردن ما زلن يقعن ضحايا لأعمال القتل دفاعا عن الشرف”، وأفادت بأن “17 إمراة قُـتلن بهذه الطريقة في عام 2007”.
أما منظمة “هيومن رايتس ووتش” فانتقدت “وضع النساء والفتيات المهدّدات بالعُـنف المنزلي أو المعرّضات لخطر جرائم الشرف في مراكز مخصصة لحمايتهن”، مُعتبرة ذلك “شكلا من أشكال الاحتجاز الإداري”، وطالبت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بحث الحكومة الأردنية “على نقلهن إلى مركز الوفاق، التابع للحكومة أو إلى مراكز غير حكومية بديلة لإيواء النساء المعرّضات لخطر العنف”.
من جهتها، أثارت لجنة الحقوقيين الدولية موضوع التعذيب، إذ أشارت إلى “وجود تقارير متسقة وموثوقة يُزعم فيها أن أعمال التعذيب وغيره من ضرب وإساءة المعاملة قد استخدمت على نحو منهجي في السجون ومراكز الاحتجاز في الأردن”.
منظمة “هيومان رايتس ووتش”، التي سمح لها بزيارة مرفق احتجاز تابع لإدارة المخابرات في أغسطس 2007، ناشدت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان من أجل “حث الأردن على وقف عمليات الاعتقال والاحتجاز التي تقوم بها إدارة المخابرات العامة”.
وتطرقت منظمات المجتمع المدني في تقريرها أيضا إلى المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون وتلك المرتكبة في حق حرية التجمع وتشكيل الجمعيات.
انقســامٌ بات تقـليديــا
تقرير الأردن أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، لم يسلم من الانقسام التقليدي الملاحظ في آلية الاستعراض الدوري الشامل منذ بدايته، المتمثل في وقوف مجموعة الدول العربية والإسلامية، وعدد من دول عدم الانحياز مثمنة التقدم الحاصل في مجال حقوق الإنسان في الأردن ومطالبة بتقاسم الخبرات مع بقية الدول، بل إن دولة عربية ذهبت إلى حد نصح الأردن بـ “عدم الرضوخ للضغوط من أجل قبول قوانين لا يوجد بشأنها إجماع”.
أما مواقف الدول الغربية، التي إن كان بعضها قد رحب بالتقدم الحاصل في بعض الملفات، فقد اتّسمت بإعادة طرح الغالبية منها للتساؤلات التي صدرت عن منظمات المجتمع المدني.
فقد أثارت فنلندا موضوع “جرائم الشرف” و”العنف ضد المرأة”، فيما تطرقت فرنسا إلى موضوع “التعذيب” و”التمييز في الحق في الميراث”، بينما تركز تدخّـل كندا على “العراقيل التي تتعرض لها حرية التعبير والصحافة، ومشكلة تمويل منظمات المجتمع المدني”.
وإذا كانت دول غربية عديدة قد أثارت موضوع العمالة الوافدة من حيث التمتع بالحقوق، فإن دولا عربية كثيرة تطرّقت إلى الموضوع من باب أن “الأردن يأوي أكثر من 700 ألف عراقي بكل ما يخلفه ذلك من ضغط وتأثير على المجتمع”.
ورد رئيس الوفد الأردني الدكتور موسى بريزات بتوضيح أن “ما تردد عن التعذيب هو قائم على أسس ومعلومات خاطئة”، واستشهد بموقف المقرر الخاص المكلف بمناهضة التعذيب مانفريد نوفاك، الذي قال “إنه بعد أن ردّد هذه الاتهامات تراجع عنها بعد ساعات”، لكن السيد بريزات اعترف بأن “هناك حالات تجاوز مثلما هو واقع في باقي البلدان” وأنه “تتم معالجة تلك الحالات بجدية ومتابعة مرتكبي التجاوزات”.
وحتى فيما يتعلق بـ “جرائم الشرف”، قال السيد بريزات “إنه لا يوجد شيء اسمه جريمة شرف، وإنما هناك بعض الأحداث التي تقع تحت الانفعال والحكومة عززت من حجم العقوبة” على هذا الصنف من الجرائم.
وفي رده على انتقاد البعض لعدم سماح القانون الأردني لأطفال من أب غير أردني بالحصول على الجنسية، أشار إلى أن الأردن يُؤوي شعبا يرزح تحت الاحتلال، في إشارة إلى الشعب الفلسطيني، ومن هذا المنطلق، يرى أن منع أطفال من الحصول على الجنسية الأردنية هو للحفاظ على هوية هذا الشعب، قبل أن يختتم بقوله “هناك قضايا معلّـقة مرتبطة بحل هذه المشكلة الفلسطينية”.
وستقوم الترويكا، أي ممثلو البلدان الثلاثة المكلفة من قبل المجلس، بتحرير خلاصة مناقشة تقرير الأردن بتقديم التوصيات التي سيتم اعتمادها بعد ظهر يوم الجمعة 13 فبراير الجاري.
30 مايو 1974: الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
28 مايو 1975: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
28 مايو 1975: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
1 يوليو 1992: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
13 نوفمبر 1991: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
24 مايو 1991: اتفاقية حقوق الطفل.
31 مارس 2008: اتفاقية حقوق الأشخاص المعاقين.
لم يصادق الأردن على عدد من البروتوكولات الإضافية التابعة لمعاهدات: التعذيب والعنف ضد المرأة وعقوبة الإعدام، كما لم يصادق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
في المقابل، كان الأردن من الدول العربية القليلة التي وقّـعت وصادقت على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.