سفير سويسري: “الانفتاح الاقتصادي لسوريا أكبر بكثير مما نتصور”
نظمت شبكة الأعمال وتنشيط التجارة الخارجية السويسرية (OSEC) مؤخرا جلسات إعلام في زيورخ للتعريف بالإمكانيات الاقتصادية والتجارية المتاحة مع عدد من الدول العربية من ضمنها سوريا.
swissinfo.ch قابلت سفير سويسرا لدى سوريا والعراق، السيد مارتين إيشباخر، الذي أعرب عن اعتقاده أن تلك العلاقات تحتاج، رغم تميزها بـ “الجودة والاستمرارية”، إلى مزيد من التطوير نظرا للمؤهلات المتوفرة في شتى الميادين.
عندما وجهنا السؤال للسفير مارتين إيشباخر عن تقييمه للعلاقات السويسرية-السورية، بادر بالرد بأنها “جيدة وتتميز بالاستقرار والاستمرارية”.
لكن العلاقات بين برن ودمشق لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي والتجاري، بل تعرف تنوعا يشمل أيضا دور المساعي الحميدة التي قامت بها سويسرا في وساطتها بين سوريا وإسرائيل. وعن هذه الوساطة، يقول السفير إيشباخر: “بحكم العلاقات المتميزة بالثقة المتبادلة حدث أن طلب منا القيام بدور الوسيط، وسويسرا على استعداد دائم للقيام بهذا الدور عندما يتعلق الأمر بدفع عجلة السلام في الشرق الأوسط”. وذكّر السفير السويسري بأن جنيف شهدت عدة لقاءات قمة أمريكية سورية.
ولئن كانت سويسرا قد تخلت عن دور الوساطة في المفاوضات السورية-الإسرائيلية لتركيا بسبب “التقلبات في منطقة الشرق الأوسط”، فإن هناك قطاعات أخرى تعرف جاذبية بين سويسرا وسوريا – عدا القطاع الإقتصادي والتجاري – ومن بينها علاقات ثقافية متنامية جعلت من سوريا في السنوات الأخيرة وجهة العديد من السياح السويسريين الراغبين في القيام برحلات سياحة ثقافية متميزة، أو الطلبة السويسريين الراغبين من تعلم اللغة العربية، إضافة إلى بعثات سويسرية للتنقيب عن الآثار تنشط في عدة نواحي من القطر السوري منذ أكثر من عشرين عاما.
إنفتاح الاقتصاد السوري يفوق التصور
ويعترف السفير السويسري لدى سوريا أنه اكتشف عند توليه هذا المنصب في ديسمبر من عام 2007بأن “الانفتاح الاقتصادي في سوريا أكبر بكثير مما نلمسه قبل قدومنا لهذا البلد”، قبل أن يضيف: “حتى أثناء تواجدي هنا منذ حوالي عام ونصف هناك، طرأت الكثير من المستجدات سواء على مستوى القوانين أو في مجال تحرير التجارة الخارجية”.
ونظرا للفجوة بين التصور السائد في سويسرا عن الاقتصاد السوري وحقيقة التطور الذي يشهده هذا القطاع هناك، عمدت شبكة الأعمال وتنشيط التجارة الخارجية السويسرية إلى تنظيم جلسات توعية وإعلام لإطلاع أرباب الشركات على الإمكانيات المتاحة والظروف السائدة في السوق السورية.
وعند الحديث عن تلك الظروف، يتبادر للذهن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين. في هذا الإطار يقول السفير مارتين إيشباخر: “هناك تجديد لاتفاقية حماية الاستثمار بين البلدين، وهناك اتفاقية في مجال النقل البري. ولكن اتفاقية منع الازدواج الضريبي هي محط نقاش وليست جاهزة في الوقت الحالي “. ومع ذلك يرى السفير السويسري أن “الإطار العام متوفر ونحن نشجع الشركات السويسرية على متابعة هذا التطور وهذا الانفتاح للإقتصاد السوري”.
وجدير بالذكر أن حصيلة الميزان التجاري بين سويسرا وسوريا، حسب إحصائيات عام 2008، هي لصالح سويسرا بحوالي 200 مليون فرنك سويسري من الصادرات مقابل حوالي سبعة ملايين من الواردات.
وتعتبر صادرات سويسرا في اتجاه سوريا من مختلف قطاعات التصدير التقليدية للكنفدرالية، مثل الآلات والأدوية والساعات. أما في ميدان الاستثمار الأجنبي، فيقول السفير إيشباخر: “تحتل سويسرا، باستثمارات شركة نيستلي، المرتبة الأولى من حيث الاستثمار الأجنبي في سوريا في قطاعات غير البترول والعقارات”.
وإذا كانت شركة نيستلي قد احتلت هذه المرتبة بفضل إقامة معامل إنتاج لها في البلد، فإن قطاع الأدوية، رغم أهميته، يقتصر على التصدير عموما، أو بقيام شركات سورية لصناعة الأدوية بإنتاج أدوية بترخيص من شركات سويسرية تملك براءات إختراع تلك الأدوية، وهذا إما لتلبية حاجيات السوق المحلية أو للتصدير في البلدان المجاورة.
ولكن السفير السويسري يعتبر أن “هذه القيمة في المبادلات بين البلدين دون المستوى الممكن”. مضيفا في المقابل أن “المهم في هذه العلاقات أنها تعرف نموا متزايدا عاما بعد عام في كلا الاتجاهين وفي العديد من المجالات”.
وإذا كان السفير مارتين إيشباخر يعتبر أن كل القطاعات تحتاج إلى المزيد من التطوير، فإن مساعده المكلف بالملف الاقتصادي، علي المرديني، يركز على ضرورة تطوير “قطاعات تكنولوجيا البيئة والهندسة الدقيقة والطاقة المتجددة” التي يعتقد بأن سويسرا لديها الكثير مما يمكنها تقديمه في هذا الميدان.
وجهة للسياحة الثقافية وتعلم اللغة العربية
في القطاع السياحي، يبدو أن سويسرا أصبحت من الوجهات المفضلة لدى السياح السويسريين في السنوات الأخيرة، خصوصا لدى محبي السياحة الثقافية. ويرى السفير مارتين إيشباخر أن هذا النوع من السياحة “يبقى في مستوى السياحة الثقافية الراقية، وسوف لن يتحول إلى سياحة عارمة”.
ويستطرد قائلا: “لا يمر يوم بدون أن يتصل بي شخص من معارفي قدم إلى سوريا للتعرف على المعالم الحضارية لهذا البلد”.
وعما إذا كانت لدى القطاع السياحي السوري رغبة في الاستفادة من الخبرة السويسرية في هذا الميدان، سواء في تكوين الإطارات السياحية أو في إدارة الفنادق الفاخرة، يكتفي السفير السويسري بالقول أن “هناك أفكارا في هذا الميدان، وهناك عدد محدود من الطلبة السوريين الذين يزاولون دراساتهم في سويسرا. ولكن حتى هذا القطاع قابل للتطوير في المستقبل”.
وعلى غرار ما فعله مارتين إيشباخر قبل ثلاثين سنة عندما تعلم في هذا البلد اللغة العربية وأصبح من ألمع المستعربين في الخارجية السويسرية، هناك أعداد من الطلبة السويسريين الذين يترددون سنويا على سوريا للإلمام باللغة العربية أو لتعميق المعرفة بها؛ إذ اكتسبت المدارس السورية شهرة لدى أوساط الشباب السويسري الراغب في تعلم اللغة العربية.
وقد كانت السفارة السويسرية وراء تأسيس مهرجان موسيقى الجاز بسوريا قبل أن تسلم ذلك لجهات سورية واصلت المسيرة، ودائما بدعم ومشاركة سويسرية، إضافة إلى تنظيم أول حفلة لموسيقى “الراب” في سوريا خلال احتفالات منظمة الفرانكفونية هذا العام. وقد تم مؤخرا تنظيم أيام ثقافية سويسرية-سورية في حلب.
تقاليد عريقة في التنقيب عن الآثار بسوريا
ومن القطاعات التي تعرف تواجدا سويسريا بسوريا منذ عقود، قطاع التنقيب عن الآثار، ولئن كانت هذه النشاطات لا تستفيد من الترويج والدعاية المطلوبين.
ويقول السفير مارتين إيشباخر في هذا الصدد: “هناك تواجد سويسري مهم ويجب أن اعترف بأنني شخصيا لم أكن مطلعا بالتفصيل عليه قبل قدومي إلى سوريا”. وهناك في الواقع بعثتان سويسريتان للتنقيب عن الآثار تمارسان نشاطا في سوريا منذ أكثر من عشرين أو ثلاثين عاما.
البعثة الأولى تابعة لجامعة بازل تحت إشراف البروفسور لوتنصورير، المهتمة بحقبة ماقبل التاريخ أو العصر الحجري القديم، والتي تنشط بالتعاون مع السلطات السورية في منطقة الكوم بالصحراء السورية، وقد توصلت بعد إلى اكتشافات هامة.
والبعثة الثانية تابعة لكانتون وجامعة جنيف، وتنشط منذ حوالي عشرين عاما في قصر الحير الشرقي الذي يعود للحقبة الأموية.
ويؤكد السفير السويسري في ختام حديثه أن “سويسرا تحظى بسمعة ممتازة سواء لدى الحكومة السورية او لدى الشعب، وهناك تسهيلات في الاتصالات، كما أننا نجد دوما آذانا صاغية”.
محمد شريف – زيورخ – swissinfo.ch
ولد مارتين أيشباخر في كانتون برن عام 1954.
1975-1983: درس العلوم الإسلامية في برن، ودمشق وحلب.
1985: عمل في وزارة الخارجية السويسرية.
1987: عمل كسكرتير للسفارة السويسرية في موسكو.
1989-1992: عمل في السفارةالسويسرية في القاهرة، حيث كان مسؤولا عن الشؤون الاقتصادية.
1992- 1996: عمل في وزارة الخارجية في برن حيث كان مسؤولا عن العلاقات بين سويسرا والشرق الأوسط.
1996: عمل كمستشار وسكرتير أول لرئيس البعثة السويسرية في براغ.(جمهورية التشيك).
منذ عام 2001، شغِلَ منصب مستشار السفير السويسري في باريس، وتم تكليفُه بمجالات الثقَافة والعلوم والشؤون التَعليمية.
2003 – 2006: شغل منصب رئيس مكتب الإتصال السويسري في بغداد.
في عام 2006، عُين سفيرا لسويسرا في طرابلس (ليبيا).
منذ أواخر عام 2007، يشغل منصب السفير السويسري في دمشق. بالإضافة إلى ذلك تم تفويضه في العراق أيضا منذ خريف عام 2008، لكن مقره ظل في السفارة بدمشق.
متزوج من الكاتبة اليزابيث هوريم ولديهما وَلَدان راشدان.
تُمَثل سويسرا سفارة في دمشق، كما لديها قُنصلية في مدينة حلب.
تتوفر الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون على مكتب في العاصمة السورية دمشق.
يعيش في سوريا 184 شخصاً من الرعايا السويسريين، يحمل 145 منهم الجنسية المزدوجة (حسب إحصائيات عام 2008).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.