سويسرا تـريـد مُـكـافـحـة “أكثر عــدلا” للإرهاب
تتصاعد منذ فترة الدعوات إلى إدخال تحسينات على نظام عقوبات الأمم المتحدة، الذي تمّـت بلورته في إطار مكافحة الإرهاب، في اتجاه يوفِّـر حماية أفضل لحقوق الأشخاص الماديين والمعنويين، المُـدرجة أسماؤهم على "القائمة السوداء" لمجلس الأمن.
على سبيل المثال، لا توجد حاليا هيئة يُـمكن اللجوء إليها لاستئناف القرارات. وفي هذا السياق، عبّـرت سويسرا منذ فترة عن الرغبة في تغيير هذه الوضعية.
وكما هو معلوم، تدعم برن الجهود الدولية في مجال مكافحة الإرهاب ولا تتوانى عن تطبيق العقوبات، التي يُـقررها مجلس الأمن الدولي. لكنها، ترى أن نظام العقوبات سيكون أكثر نجاعة، لو تمّ إيجاد آليات توفِّـر الضمانات الإجرائية التي تفرضها حقوق الإنسان.
لهذا السبب، توجّـهت سويسرا، بالاشتراك مع مجموعة تضم 10 دول تشاطرها الرأي في شهر أبريل الماضي، بتوصيات جديدة إلى مجلس الأمن بخصوص الطريقة التي يُـمكن بها تحسين نظام العقوبات، كي يستجيب لمقاييس القانون الأساسي. ويوم الجمعة 6 مايو 2011، تمّـت مناقشة هذه المقترحات في إطار اجتماع غير رسمي للأمم المتحدة.
تطبيق إلزامي
منذ عام 1999 وبالاستناد إلى القرار رقم 1267 وإلى سلسلة من القرارات الجديدة، يفرض مجلس الأمن الدولي على الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، العديد من الالتزامات في مجال مكافحة الإرهاب، ويتعلّـق الأمر بالخصوص بعقوبات مالية، تستهدِف أطرافا محددة، وبقرارات تحُـد من حرية التنقل، إضافة إلى حظر على الأسلحة مفروض على أشخاص معنويين أو ماديين، يُـشتبه في وجود علاقة بينهم وبين تنظيم القاعدة أو حركة طالبان الأفغانية.
وفي الواقع، تُـقرر لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، المتركِّـبة من أعضاء في مجلس الأمن، مَـن الذي يُـدرج اسمه على القائمة، كما تُـقرر مَـن الذي يـُسحب اسمه منها. وفي الوقت الحاضر، تضُـم القائمة حوالي 500 شخص مادّي أو معنوي.
ومنذ عدة أعوام، انخرطت سويسرا مع مجموعة من البلدان التي تشاطرها نفس الرؤى، من أجل إقامة نظام عقوبات أكثر شفافية ونزاهة، يستجيب لقواعد القانون الأساسي. ويُـمكن القول أن جهودها سمحت لها بتحقيق بعض النجاحات.
ففي عام 2006، أدى إنشاء مكتب لتقبّـل مطالب إعادة النظر (في الشكاوى)، إلى توفير إمكانية مراجعة العقوبات المفروضة، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1999. وشهِـد موفى عام 2009 إنشاء منصب الوسيط، الذي يُـمكن أن يتوجّـه إليه الأشخاص أو الشركات، الذين سُـلِّـطت عليهم عقوبات. ومنذ يوليو 2010، تشغل القاضية الكندية كيمبرلي بروست هذا المنصب، إلا أن الصلاحيات الممنوحة للوسيط، ليست كافية بالقدر الذي يتيح له إمكانية لعِـب دور هيئة استئناف مستقلة.
تحسينات أخرى
بول سيغر، السفير السويسري لدى الأمم المتحدة في نيويورك، قال في تصريحات لـ swissinfo.ch: “إن التحسينات التي تم الحصول عليها إلى حد الآن، ليست كافية. فالنظام العام للعقوبات، لا يستجيب حتى الآن للقواعد الدستورية، وهو ما يُـهدد في المدى المنظور، بإضعاف نظام العقوبات”.
هذه النقائص برزت أيضا في سياق العديد من إجراءات التقاضي، على المستوى الإقليمي أو الوطني، التي حاول خلالها بعض الأشخاص أو الشركات التصدي للعقوبات، التي سُـلِّـطت عليهم. وقد توصلت العديد من المحاكم بعدُ إلى نتيجة مفادُها، أنه توجد فعلا مشاكل تتعلّـق باحترام الحقوق الإنسانية في إطار تطبيق بعض العقوبات.
وبالفعل، تنُـص المعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان، على أنه من حق الأشخاص الذين توجَـه إليهم اتهامات، التوفّـر على نظام استئناف ناجع، ولهذا السبب تحديدا، يُـفترض أن يتمتّـع أولئك الذين يخضعون للعقوبات المفروضة من طرف الأمم المتحدة، بهذا الحق أيضا.
في السياق نفسه، فإن سويسرا معنية مباشرة بهذه المشكلة، مثلما حدث في قضية المصرفي يوسف ندا، الذي رفع شكوى ضد الكنفدرالية لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ. وبالرغم من أن اسم يوسف ندا قد شُـطب من قائمة العقوبات في خريف 2009، إلا أن القضية لا زالت معروضة أمام المحكمة.
وفي الشكوى التي رفعها، يقول المصرفي الإيطالي – المصري، إن حقوقه لم تُـحترم وأنه تعرّض لأضرار خلال الفترة التي كان اسمه مدرجا فيها على القائمة.
توصيات جديدة
بالنظر إلى هذه التطورات، تقدّمت سويسرا رفقة عشر دول أخرى، بتوصيات جديدة إلى مجلس الأمن، من أجل ضمان الحماية القانونية للأشخاص أو الشركات المُـشتبهين بإقامة علاقات مع القاعدة أو مع طالبان. ويوم الجمعة الماضي (6 مايو 2011)، عرضت المجموعة توصياتها الجديدة خلال اجتماع غير رسمي، عقدته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهي تطالب بالخصوص بتوفير إمكانية الإعتراض (على قرار العقوبات) أمام هيئة أممية مستقلة ومحايدة.
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية السويسرية بهذه المناسبة، أنه “من أجل تحقيق هذا الهدف، تقترح سويسرا تعزيز مهمّـة مكتب الوسيط، المكلّـف بتلقي حالات الأشخاص الراغبين في الاعتراض على العقوبات المفروضة عليهم. ويتعلق الأمر بالخصوص، بتحسين وصول المكتب إلى المعلومات المبَـرِّرة للعقوبات ومنحه صلاحية تقديم توصية إلى مجلس الأمن، في الحالات التي تنتفي فيها الأسُـس التي بُـنيت عليها العقوبات”.
سياسة الخطوات الصغيرة
في تصريحاته، يقول السفير بول سيغر: “بطبيعة الحال، نحن لا ننتظر أن تتم الموافقة على جميع توصياتنا الجديدة مرة واحدة وأن يتم تفعيلها من طرف مجلس الأمن، لابد من شيء من الصبر. فخلال السنوات الأخيرة، لم نتمكن من تحقيق تحسينات، إلا تدريجيا. وفي هذا الاتجاه، يجب علينا أن ننظر أيضا إلى توصياتنا الجديدة. فالأمر يتعلّـق بالتوفيق بين العملية السياسية والمسار القانوني”.
ويشير السفير أيضا، إلى أن المبادرة السويسرية، تُـثير الاهتمام داخل الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال، عبّـر ممثل باكستان عن تأييده لها، كما وصفت العديد من البلدان هذه التوصيات الجديدة، بالمفيدة والملموسة والجيدة نوعِـيا.
في سياق متصل، يوضّـح بول سيغر أنه تمّ “إطلاق حوار مع مجلس الأمن حول الطريقة التي يُـمكن أن تطبّـق بها التوصيات، كما أجرينا محادثات مكثفة مع مختلف أعضاء مجلس الأمن. وفي هذا الصدد، أجرينا مؤخرا لقاءً بنّـاءً جدا مع البعثة الأمريكية”.
من الناحية الإجرائية، يتم تجديد نظام العقوبات كل عام ونصف (18 شهرا)، وبما أنه يُـفترض أن يُـعتمد القرار المقبل في شهر يونيو، فبالإمكان أن يتم إقرار التحويرات المحتملة في تلك المناسبة. وفي انتظار ذلك، تستمِـر المشاورات والمباحثات مع مجلس الأمن والدول الأعضاء فيه. وعلى كلٍّ، يرى بول سيغر أن الحصيلة تدعو إلى التفاؤل، ويقول: “لدينا انطباع أن توصياتنا استُـقبِـلت بشكل إيجابي من طرف العديد من الدول”.
يستنِـد نظام عقوبات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على القرار رقم 1267 المصادَق عليه في عام 1999 (وعلى القرارات التي تلته أيضا).
يتعلق الأمر بالخصوص بعقوبات مالية محددة وبتضييقات على حرية التنقل، إضافة إلى حظر على الأسلحة تجاه أشخاص ماديين أو معنويين، يُـشتبه في وجود علاقات بينهم وبين القاعدة أو حركة طالبان.
في عام 2005، تشكلت مجموعة، تضم 11 دولة، تسعى إلى تحسين حماية الحقوق الإنسانية في إطار هذه العقوبات، وهي تتألّـف، بالإضافة إلى سويسرا، من بلجيكا وكوستاريكا والدنمرك وألمانيا وفنلندا وإمارة الليختنشتاين والنرويج والنمسا والسويد.
منذ 3 أكتوبر 2000، تطبِّـق سويسرا العقوبات المفروضة من طرف الأمم المتحدة في إطار مكافحة الإرهاب.
في المقابل، كشفت قضية يوسف ندا عن المشاكل التي يُـمكن أن تُـثيرها هذه العقوبات في مجال احترام حقوق الإنسان.
تبعا لذلك، تقدّم ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السويسري في عام 2009 بالتماس يحمل عنوان “الأسس التي يقوم عليها نظامنا القانوني، يُـقفز عليها من طرف الأمم المتحدة”، وطالب فيه الحكومة السويسرية بعدم تطبيق العقوبات المفروضة على أشخاص ماديين، بالنظر إلى عدم تمكينهم من استئناف القرار وعدم توجيه أي تُـهمة لهم من طرف سلطة قضائية وعدم ثبوت أي عنصر إدانة بحقهم منذ إدراج أسمائهم على القائمة.
حظي الالتماس الذي تقدّم به ديك مارتي بموافقة غرفتي البرلمان الفدرالي.
(نقله من العربية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.