سيناء تشتعل وأمْـن مصر في خطر
هي المرة الأولى التي تتجسَّـد فيها عيانا بيانا مقولة أن أمن مصر في خطر، بل في خطر شديد.
فدماء الجنود المصريين الستة عشر، التي سالت عند الحدود مع إسرائيل ساعة الإفطار يوم السابع عشر من رمضان المعظم، ليست الأولى، ولكنها الأكثر غزارة مقارنة بالحالات السابقة التي تكرّرت مرّات عديدة طوال العام والنِّصف المنصرم، وكانت تصيب ما بين جندي إلى ثلاثة جنود في الهجوم الواحد، وهي العملية الأكثر تعبيرا عن المزيج الخطير من الإهمال واللامُبالاة وسُوء التخطيط وبلادة الإدارة وغياب المعلومات وقلّة التصرّف السليم.
الردّ البليد
فقبل يومين، أعلنت إسرائيل تحذيرات واضحة لا لبس فيها، بأن سيناء قد تشهد حدثا جللا، وأن الحدود المشتركة مع مصر معرَّضة لهجوم إرهابي. وجاء الرد الرسمي في صورة تصريحات لمحافظ جنوب سيناء، بأن تلك التّحذيرات ليست سوى خِدعة إسرائيلية وأن هدفها هو التأثير على موسِم السياحة الذي يبدو واعدا في سيناء.
وقد يفهم المرء محاولة التّخفيف من تأثير التّحذيرات الإسرائيلية العلنِية والرّسمية على السياحة المصرية، التي تعاني تراجعا كبيرا، أما ما هو غيْر مفهوم، فيتعلق بعدم اتّخاذ إجراءات أمنية احتِياطية لمواجهة أي طارئ أمني، والتصرف وفق برنامج أمني معتاد، وكأن الأمور جميعها تحت السيطرة الكاملة والتجاهل غيْر المبرّر للتحذيرات الإسرائيلية، حتى ولو من قبيل الاستعداد لِـما هو أسوأ.
غياب الكفاءة
مفاجأة الهجوم على موقع أمني مصري قريب من الحدود مع إسرائيل في وقت الإفطار، وقتل الجنود بدم بارد والاستيلاء على مدرّعتين ومحاولة استخدامِهما في الهجوم على الجانب الآخر من الحدود، تدُل على خسّة العمل وخسّة من فكّروا فيه وقاموا بتنفيذه، ولكنه يدلّ أيضا على عدم كفاءة من القائمين على الموقع الأمني وعدم تحسُّبهم لمثل هذه المفاجآت الدَّنيئة والمتوقّعة أيضا. وتلك حقيقة يتحمّل وِزْرها كلّ القائمين على ملف الأمن في سيناء.
لقد كان معروفا منذ فترة أن سيناء باتت موقِعا جاذبا لعناصر من التنظيمات الجِهادية العابِرة للحدود والمتعدّدة الجنسيات وللعديد من الخلايا النائمة، التي تنتمى فِكريا إلى القاعدة وتتصرّف وِفق أولوياتٍ تمزِج بين المُعطيات المحلية والاعتبارات العالمية معاً وتستغلّ التراجع في الأداء الأمني المصري، استغلالا شديدا.
وكان معروفا أيضا أن حالة الانفِلات الأمني التي تشهدها البلاد منذ ثورة 25 يناير 2011، مثّلت بيئة حاضِنة للعديد من العناصر غيْر المصرية التي استطاعت الدخول والخروج من الأراضي المصرية عبْر منافذ عدّة، سواء الأنفاق مع قطاع غزة أو الحدود مع ليبيا والتي مثّلت بدَوْرها بعد انهِيار نظام القذافي، مصدرا متجدِّدا لكافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والتي اتجه مُعظمها إلى سيناء، إما بغرض استخدامها في مواجهة قوى الأمن المصرية أو لنقلها عبْر الأنفاق إلى داخل قطاع غزة.
وكان معروفا ثالثا، أن سيناء لم تنلْ حظّها من الاهتمام التنموي أو المعاملة الأمنية الرّشيدة مع أهلها وسكّانها، وغالبيتهم من القبائل البدوية ذات الطبيعة الثقافية والسلوكية الخاصة، والذين لديهم مظالِـم شتّى. وبالرغم أن مظالِم أهل سيناء تعود إلى سنوات طويلة مضَت، لكن الحكومات الثلاثة التي تشكّلت بعد الثورة لم تتّخذ من الإجراءات والسياسات التنموية والأمنية، التي من شأنها إعادة وصل سيناء المكان والسكان، بمركز صنع القرار في القاهرة وإشعار أهل سيناء بأنهم مواطنون أصيلين في بلدهم.
الأنفاق.. بين إغاثة الفلسطينيين وتهديد مصر
وكان معروفا أيضا أن الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون على أعماق تصِل إلى أكثر من 20 مترا بين أراضي القطاع والأراضي المصرية لغرَض الحصول على أصناف عدة من السِّـلع المصرية، قد باتت عنْـصرا ضاغِطا على الأمن المصري بوجه عام، وأمن سيناء بوجه خاص، إذ عبْرها وفي الاتجاهيْـن معا، ينفذ السلاح والمخدّرات ومواد صناعية وكيميائية تُـستَخدم في الزراعة، ثبت ضررها على الصحة العامة، فضلا عن انتقال الأفراد غيْر المرغوب فيهم والممنوعون من دخول مصر.
وبدلا من أن تكون هذه الأنفاق وسيلة لتخفيف الضغط والحِصار على الشعب الفلسطيني في القطاع، فإذا بها تتحوّل إلى ثغْـرة خطيرة في الأمن القومي المصري. وقد ظهر ذلك جلِيا منذ الأيام الأولى لثورة يناير 2011، حيث هرب عبْرها مسجونون عَـرَب أدِينوا بأحكام قضائية لاختِراقهم الأراضي المصرية وتشكيل خلايا للقِيام بأعمال إرهابية، وتمّ تهريبهم من السجون المصرية ليلة 28 يناير 2011 إلى القطاع مباشرة.
وكان معروفا أيضا، أن هناك بعض عناصر خارجة على القانون من أهل سيناء يتعاونون مع مهرّبين على جانبي الحدود المصرية – الفلسطينية والحدود المصرية – الإسرائيلية، ويتبادلون تهْـريب الأفراد والأسلحة والمخدّرات على نحو واسع، وأن بعض هؤلاء قد التحَـموا مع العناصر الجِهادية التي استطاعت أن تبني لنفسها مأوى آمنا في ربوع سيناء.
حديث مؤسف
ومع ذلك، فلم تكن الإجراءات وأساليب المواجهة على قدْر يتناسب مع حجْم الخطر المُتزايد يوما بعد يوم. ومن المؤسف أن يُقال رسميا، أن الجنود الذين استشهدوا على يَـد الغدر، هُـم جنود قليلو الكفاءة، نظرا لأنهم ينتمون إلى الشرطة المدنية. وأيا كان انتماء هؤلاء الجنود للشرطة أو للجيش، وفي مثل هذا الموقع الحسّاس وبالقرب من الحدود مع كلٍّ من غزة وإسرائيل، فمِن الأجْـدر أن يكونوا على أعلى مستوى من التدريب والجاهزية للقِتال والاستعداد لمواجهة عمليات طارئة وهجمات غيْر معتادة، كالتي حدثت بالفعل. وهنا تتجسّد مسؤولية الإهمال الأمني الجسيم.
والصحيح، أن دعوات الانتقال والردّ بقوة على التنظيمات الإرهابية والجهادية، سواء في قلب سيناء أو في أي مكان آخر، قد خرجت من الرئاسة المصرية، كما تمّت على الفور عمليات عسكرية جوية لدكّ الانفاق والبحث عن العناصر المتورِّطة في الهجوم الإرهابي، لكن تظل هناك مسؤولية مباشرة على مَـن لم يتّخذوا الإجراءات المناسبة لمنع تلك الهجمات ضد المواقع والأمكنة الأمنية، سواء للشرطة او للجيش.
مسؤولية الإخوان والرئيس
مسؤولية الأجهزة الأمنية ثابتة ومؤكّدة، بيْـد أن البيئة السياسية الجديدة التي تعيشها مصر في ظل رئاسة محمد مرسى، القادم من جماعة الإخوان المسلمين، تتحمّل أيضا جُزءا مهِمّـا من هذه المسؤولية. فنظرا للروابط الخاصة، عقيديا وفكريا، التي تجمع بين جماعة الإخوان المصرية وحركة حماس المُسيْطرة على قطاع غزة، فقد تمّ اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تسهل دخول وخروج الفلسطينيين من غزّة إلى مصر، دون النظر إلى طبيعة الوضع في غزة، فضلا عن التغاضي عن موضوع الأنفاق المخصّصة للتهريب، وهو ما أدّى إلى انتقادات للرئيس مرسي، فضلا عن مخاوف تكرّرت بصور شتّى من أن يكون ذلك مقدِّمة لتوطين عدد كبير من الفلسطينيين في شمال سيناء، ثم ربط هذه المنطقة بقطاع غزة لاحقا.
وبالرغم من النفي الرئاسي الرسمي لمثل هذه المخاوف، فقد ظلّت قناعات ومخاوِف جزءٍ كبير من المصريين على حالها. وحين يربِط البعض مثل هذه المخاوف بما جرى في رفح المصرية، يرتفع مؤشّر الرفض الشعبي للمخاطر القادِمة من قطاع غزة بشكل هستيري. وتجسّد ذلك في قيام بعض أهل سيناء بقطع الطريق الدولي المؤدي إلى رفح المصرية ومنع مرور الشاحنات المحمّلة بالبضائع والمُستلزمات التي يُشاع تهريبها إلى غزة عبْـر الانفاق، وهو التصرّف المشحون عاطِفيا بحكم الهجوم الدّنيء على موقع أمني مصري، والمستند إلى تفسير بات شائِعا، بأن الانفتاح أكثر على قطاع غزة بدون ضوابط أمنية معقولة، سيؤدي إلى الإضرار بأمن مصر والمصريين.
أزمات في الطريق
وثمّة شعور غالِب لدى المصريين، بأن التقارب بين رئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين وحركة حماس، سيقود إلى أزمات عديد، وربما التورّط في حرب مع إسرائيل، يجد كثيرون أنه لا سبب جوهري لها الآن أو على الأقل سيؤدي بإسرائيل إلى القيام بعمليات اختراق نوعية للأراضي المصرية، بحُـجّة مطاردة العناصر الجهادية والإرهابية في سيناء.
لقد نفت حكومة غزّة وحركة حماس رسميا أي تورط أو عِلم بالهجوم على الجنود المصريين، واعتبرت أي اتهام لها يصبّ في قطع التواصل الطبيعي بين مصر بعد الثورة وبين حركة حماس والشعب الفلسطيني في غزة.
ومع ذلك، فهناك مسؤولية وفشل تتحمّلهما حماس. فحين تتدرّب عناصر جِهادية معروفة بصلتها بالقاعدة أو بغيرها من التنظيمات غيْر الفلسطينية الموجودة في عُمق غزة ويُسمح لها بالهروب عبْر الأنفاق إلى الأراضي المصرية، يتّضح معنى المسؤولية جليا.
أما الفشل، فيكْـمُن في أن حماس لم تعُـد الحركة المُسيْـطرة على مجريات الأحداث في القطاع، وأن هناك مَـن هو أكثر جُـرأة ورغبة في توريط المنطقة ككل في حرب لا يستعِد العرب لها جيِّدا. والمشكلة هنا، تكمُـن في حاصل جمْع فشل حماس وسوء الإدارة المصرية، إذ النتيجة ستكون من قبيل هجوم رفح، وربما ما هو أسوأ .
رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – رفضت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة يوم الاحد 12 أغسطس، تأييد الرئاسة الفلسطينية للحملة المصرية لإغلاق الانفاق التي تربط بين القطاع ومصر.
وقال طاهر النونو، المتحدث باسم حكومة حماس في قطاع غزة “إن تصريحات الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة حول دعم تدمير الأنفاق وتوجيه اتهامات باطلة لها، بانها تمس الأمن المصري، بأنها دليل على تورط الرئاسة في الحصار وتكريس الانقسام”.
واعلن عبد الرحيم في بيان بثَّـته وكالة الانباء الرسمية، تأييد الرئاسة الفلسطينية “لكل الاجراءات والتدابير التي تنفذها القيادة وقوى الأمن المصرية بالتصدّي للجماعات الإرهابية المتطرِّفة والمشبوهة، بما فيها اية اجراءات خاصة ومطلوبة لإغلاق أنفاق التهريب ومسالك التخريب التي تمسّ بالمصالح والعلاقات الأخوية والتاريخية بين الشعبين المصري والفلسطيني”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 أغسطس 2012).
القاهرة (رويترز) – تعهّد الرئيس المصري محمد مرسي يوم الأحد 12 أغسطس الجاري بسحق متشدِّدين يهاجمون مواقع للجيش والشرطة في شِبه جزيرة سيناء.
وقال في كلمة في احتفال ديني، مشيرا إلى حملة تقوم بها القوات المسلحة والشرطة لملاحقة منفِّذي هجوم وقع الأسبوع الماضي على نقطة لحرس الحدود في شمال سيناء وقُـتِل فيه 16 عسكريا، إن الحملة تستهدف “مَـن بغى وطغى وتآمر وخطّط ومَن اعتدى وقتل.
“هؤلاء الخوَنة لن تأخذنا بهم أبدا رأفة أو شفقة… نلاحقهم حتى ننتهي منهم”.
وقالت مصادر عسكرية وأمنية وشهود عيان في محافظة شمال سيناء، إن خمسة مسلحين قتلوا وأصيب سادس يوم الأحد مع استمرار الحملة العسكرية. وبدأت الحملة يوم الأربعاء، بعد أيام من قيام المتشدِّدين بقتل 16 من أفراد الجيش في هجوم مباغت بمدينة رفح الحدودية.
وتُعدّ الحملة الأمنية في شمال سيناء، أكبر عملية عسكرية في المنطقة منذ حرب عام 1973 مع إسرائيل. كما تُعد اختبارا مبكّرا لقُـدرة الرئيس محمد مرسي على التغلّب على المتشدِّدين الذين يُثير وجودهم في المنطقة، قلق إسرائيل.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 أغسطس 2012).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.