شبابُ الثورة المصرية.. بين الإحتجاج السّلمي والعنف الصّريح
كان الشباب المصري محركا أساسيا للثورة الشعبية التي أطاحت بنظام مبارك في يناير 2011، واليوم يتجمّع العديد من الشبان الثوريين في ائتلافات ومنظمات وجمعيات فيما تثير تحرّكاتهم ردود فعل شتى تتراوح بين الإستحسان والإستنكار.
مساء الجمعة 22 مارس 2013 المسمّاة “برد الكرامة”، وبينما كانت كاميرات القنوات التليفزيونية أمام مقرّ جماعة الإخوان المسلمين بحي المقطم تبث لقطات حية مليئة بالدّماء والدخان والكر والفر بين مجموعات من جماعة الإخوان المسلمين وشبابها، في مواجهة مجموعات من المتظاهرين، بعضهم ينتمي إلى أحزاب جبهة الإنقاذ وائتلافات شبابية معارضة للرئيس مرسي.
وفي حدود العاشرة مساء، صدر بيان من شباب جبهة الإنقاذ يُعلن فيه انتهاء فعاليات المظاهرة السِّلمية ويندِّد بالعنف، الذي بدأه أنصار الإخوان، لكن المفارقة هنا، تكمن في تعبير “المظاهرة السلمية” الوارد في بيان شباب جبهة الإنقاذ، وهي المظاهرة التي لم تكن كلها كذلك. فبعض ما حدث، كان عنفا صريحا تتحمّله كل الأطراف، مهْما ادّعت غير ذلك.
عنف معتاد ومتصاعد
الأمر على هذا النحو، أصبح شيئا معتادا في الحالة السياسية المصرية، نتيجة الإستقطاب السياسي والتراجع الإقتصادي والإنفلات الأمني، وتراجُع هيْبة مؤسسات الدولة وغياب المبادرات الوطنية الجامعة، وتمسك كل طرف بموقفه السياسي، باعتباره الموقف الأحق أن يُتبع، فضلا عن بعض قنوات إعلامية، توفر قدرا من الحماية المعنوية لمظاهر العُنف المختلفة، وِفق تبريرات عديدة.
وفي ظل هذه الأزمة، يظل للشباب وائتلافاتهم ومنظماتهم وتحرّكاتهم على الأرض، فضلا عن بعض أداء إعلامي، دور خاص ومسؤولية مباشرة عن العديد من الأحداث والمواجهات التي أحْـرِقت فيها منشآت وسالت فيها دماء.
بعد عامين على سقوط نظام حسني مبارك، يرى العديد من “شباب الثورة” أنه لم يعد أمامهم سوى اللجوء إلى العنف، “كرد فعل على عنف الإخوان”، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر، والمتهمة بإعادة إنتاج نظام قمعي يضرب عرض الحائط المبادئ الديمقراطية، التي قامت من أجلها الثورة.
وشهدت المنطقة المحيطة بهذا المبنى، الكائن في منطقة جبل المقطم، ثلاث مرات في أسبوع واحد أعمال عنف بين المتظاهرين الغاضبين وبين الإسلاميين وقوات الشرطة، أوقعت عشرات الجرحى.
ويدل استهداف مكتب إرشاد جماعة الإخوان على أن الحركة الإسلامية باتت تعتبر مع مكتبها السياسي مركز السلطة الحقيقي وليس الرئيس محمد مرسي المنتمي إليها. وانتشرت قوات الأمن المركزي يوم السبت أمام المقر غداة صدامات “جمعة الكرامة”، التي أدت إلى إصابة أكثر من 160 شخصا. وسميت هذه التظاهرة “جمعة الكرامة”، ردا على اعتداء عدد من شباب الإخوان على ناشطين كانوا يرسمون رسوم “غرافيتي” على جدران المبنى والشارع الكائن فيه، وصفع أحدهم ناشطة معارضة صفعة قوية على وجهها، ما أثار موجة استنكار عارمة.
وفي اليوم نفسه، تم الإعتداء على عدد من الصحفيين والمصوّرين، كانوا في الموقع لتغطية الأحداث، ما أسهم في تفاقُم أجواء التوتر بين الجماعة وقِسم كبير من الصحافة المصرية، التي يتّهمها الإخوان بعدم الحِياد وبمحاولة تشويه صورتهم.
ويقول شريف عبد الونيس 28 عاما “نحن لسْنا بلطجية نحن ندافع عن حقّنا في الحياة أمام مَن يريدون قهْرنا من جديد”. ويقول الشاب الملثم اشرف صبري (21 عاما) “العنف الذي نقوم به، رد فعل لعنف الإخوان… هم نكلوا بنا من قبل ولم يحاسَبوا.. وهو ما دفعنا أيضا للعنف وسنستمر فيه”.
كذلك يقول الجواهرجي الملتحي أحمد كريم (38 عاما) فيما كانت معركة طاحنة ببن الإخوان والمتظاهرين تدور أمام محله “الإخوان يتعاملون بعنف بالغ ثم يلومون الشباب على الرد بنفس الوسيلة.. هذا عبث”. وجرت مهاجمة أكثر من 30 مقرا للجماعة ولحزب الحرية والعدالة، المنبثق عنها، منذ انتخاب مرسي في يونيو 2012.
فالتضامن الذي ظهر مطلع 2011 ضد مبارك بين هذه الحركة الإسلامية المنظمة جيدا و”شباب الثورة”، لم يستمر طويلا. وفي فيديو أعده موقع “مصريين” الإعلامي، تظهر أعمال العنف الحالية وكأنها امتداد للثورة التي طردت مبارك من السلطة. ويقول المتظاهرون “الإخوان كذابون يخدعون الناس تحت سِتار الدِّين” لقد أصبحوا “الحزب الوطني الجديد”، في إشارة إلى حزب مبارك السابق.
ومرسي الذي انتخب في يونيو 2012 ديمقراطيا، هو أول رئيس مدني بعد أن تعاقب عدد من العسكريين على الرئاسة في مصر. لكن مرسي منح نفسه صلاحيات واسعة جدا بموجب إعلان دستوري، أصدره في نهاية 2012 ثم عمل على تبنّي دستور يرسِّخ سلطة الإسلاميين، الأمر الذي أثار غضب المعارضة.
وما يزيد النّقمة، محاولتهم السيطرة على كل مفاصل الدولة، إضافة إلى حالة الانفِلات الأمني والأزمة الاقتصادية الخانقة، التي انعكست خصوصا في تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى “مستوى حرِج”، بحسب البنك المركزي، حيث انخفض إلى نحو 5،13 مليار دولار في نهاية يناير 2013.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 23 مارس 2013)
مسؤولية الشباب وصدمتهم
فمنذ الأيام الأولى لسقوط نظام مبارك، تحمّلت قوى الشباب مسؤولية تحفيز المصريين، على الإستمرار في التواجد في الشارع وإقامة الفعاليات والمظاهرات والإعتصامات، والدعوة إلى المليونيات أيام الجُمع، أسبوعيا، كما تحملت القوى ذاتها مسؤولية التنظير للبقاء في الميادين لأطول فترة ممكنة، كنوع من الضغط الشعبي المتواصل على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتسليم السلطة إلى رموز سياسية مدنية وإنهاء الفترة الإنتقالية بأسرع ما يمكن.
تأثرت هذه الفعاليات في حينها بحالة النشوة والنجومية والإعتراف بالفضل والمكانة، التي أحاطت بالرموز والقيادات الشبابية التي كان لها دور رئيسي في تنظيم الإحتجاجات ضد نظام مبارك، واعتُـبرت آنذاك المحرّك الفعلي للثورة المصرية، مثل زياد العليمي وأحمد ماهر وخالد تليمة وإسلام لطفي وشادي الغزالي وطارق الخولي وكثير غيرهم، وهي حالة اصطدمت بواقع أن سقوط نظام مبارك لم يؤدِّ مباشرة إلى اعتلاء هؤلاء الشباب سدّة الحكم مع الرموز السياسية المعارضة الأخرى، التي كان يُنظر إليها باعتبارها من قادة الثورة ورموزها، وفي مقدمتها د. محمد البرادعي.
مثل هذه الصدمة استمرت قائمة، ومعها استقر في وجدان الرموز الشبابية والمنظمات والإئتلافات أن “الثورة قد سُرِقت”، وأنه لابد من استعادتها من سارقيها، مهْما كانت التضحيات. وساعد على ذلك، الأصول الاجتماعية التي ميّزت هؤلاء الرموز والمجموعات التي تلتف حولهم، فهم جميعا أبناء الطبقة الوسطى، والبعض منهم ميسور الحال وحاصلون على تعليم جامعي جيد، ولديهم ثقافة سياسية جيدة ويؤمنون بالديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وعدد منهم يؤمن بالأفكار الاشتراكية الثورية القريبة من الفوضوية، وأغلبهم قادرون على التحدث بطلاقة لوسائل الإعلام المختلفة، وكثير منهم لديه تأثير على مجموعات عديدة من الشباب كما يُجيدون استخدام وسائل الإتصال الحديثة وشبكات التواصل الإجتماعي.
الشباب و”سارقي الثورة”
القوى الشبابية حددت سُرّاق الثورة وخاطفيها في جهتين رئيسيتين: الأولى، هي المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى نهاية دوره السياسي في أغسطس 2012، ثم جماعة الإخوان المسلمين بعد أن فاز مرشحها د. محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية وأصبح أول رئيس مدني مُنتخَب. ومن هنا، كانت المواجهات الشبابية ضد المجلس العسكري إبّان الفترة الإنتقالية، مسألة حياة أو موت تمزج بين ممارسة الدور الإحتجاجي بأشكال سلمية، امتزجت أحيانا بعُنف ضد وزارة الداخلية ومبنى الإذاعة والتليفزيون ووزارة الدفاع، مع التمسك بالأمل في استعادة الحق المسلوب والخوف على فقدان الثورة وأهدافها، والقلق مما سُمي بعودة النظام القديم.
أما في مواجهة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، فتمثل الدافع الأكبر للقوى الشبابية في التصدي لفشل الرئيس في القيام بدوره كرئيس للمصريين جميعا، وسلوك الجماعة الإستعلائي القائم على إقصاء الآخر والتمكّن من الدولة المصرية، ومعارضة محاولات استنساخ التجربة الإيرانية، سياسيا وأمنيا، وإهمال الرئيس مرسي وحكومته تحقيق أهداف الثورة، لاسيما في مجال البناء الديمقراطي وتحقيق العدالة الإجتماعية.
إفراط في الإئتلافات الشبابية
في البداية، وبعد سقوط نظام مبارك، أخذت تحركات القِوى الشبابية مساريْن متوازييْن: الأول، هو التعددية المفرطة في إنشاء الإئتلافات الشبابية المنسوبة إلى الثورة وحمايتها، والكثير منها لم يكن يُعرف عنه سوى مجرّد اسم شخص وعدّة بيانات سياسية، ثم لا شيء على الأرض. وبدا الأمر في حينه طبيعيا، لأنه ردّ على حالة الحِرمان والتهميش السياسي التي سادت في سنوات حُكم مبارك، وما أن زالت جُدر القمْع والتقييد، حتى سارع الكل في إنشاء منظماته وائتلافاته، متصوّرا أنه قادر بذلك على البروز والقيادة والمشاركة في الحكم والتعبير عن الثورة وأهدافها.
لكن البعض من الرموز الشبابية، ذات التأثير، رأت في كثرة الإئتلافات، مؤامرة قادها المجلس العسكري وفلول النظام السابق، لتفتيت قوة الشباب ككتلة جيلية اجتماعية سياسية، يمكنها أن تؤثر في مسار الأحداث. بيْد أن أمر المؤامرة، لم يتوافر عليه دليل قاطع، لكنه ظلّ قناعة قوية لدى المنظمات الشبابية.
“ائتلاف شباب الثورة”.. الأشهر
أما المسار الثاني، فأخذ شكلا تعاوُنيا بين عدد من المنظمات الشبابية المؤثرة وذات الوجود والشعبية، والتي دار كل منها حول رمز أو أكثر من الشباب الأكثر ثقافة والأكثر حركية وشُهرة، حيث تشكل أكثر من ائتلاف ومجلس وتحالُف، سُميت جميعها باسم شباب الثورة، غير أن أكثرها شُهرة وتأثيرا فقد حمل اسم “ائتلاف شباب الثورة”، والذي تشكل في مارس 2011 وضمّ بالأساس سبع قوى، هي الإخوان، حزب الجبهة، حزب الغد، ومجموعة مؤيدي البرادعي، حركة 6 أبريل، وحركة شباب 25 يناير وتحالف ثوار مصر. ثم تشكّلت بعد ذلك، لجنة تنسيقية لشباب الثورة، ضمّت ائتلاف شباب الثورة بتنظيماته الرئيسية ومجلس أمناء الثورة وشباب الإخوان والجمعية الوطنية للتغيير وتحالف ثوار مصر وائتلاف مصر الحرة وحركة شباب 25 يناير والأكاديميون المستقلون.
وتحدّدت آنذاك مهمّة الائتلاف في تنسيق الجهود بين القِوى الشبابية عند تنظيم الفعاليات والمظاهرات والاعتصامات المختلفة، والحفاظ على روح الثورة وممارسة الضغوط على المجلس العسكري والحكومة، لتحقيق أهداف الثورة، سياسيا واجتماعيا، وجذب وتجميع الشباب وتثقيفهم ومدهم بأدوات العمل السياسي الجماهيري، وإشاعة روح الثورة في كل مكان، ومنع عودة النظام القديم أو أي من رموزه إلى الساحة السياسية مجدّدا، والوقوف وراء الشخصيات المحسوبة على الثورة أثناء الانتخابات البرلمانية والقيام بحملات توعية ميدانية في الاحياء والمحافظات المختلفة، ضد رموز النظام السابق.
واللافت للنظر، أن ائتلاف شباب الثورة جمع بين المنتسبين للأفكار السياسية المختلفة. فمنهم الليبرالي والإخواني والثوري والاشتراكي والفوضوي، والبعض منهم، ظل على انتمائه التنظيمي أو الحزبي السابق، وذلك تأثُّـرا بتجربة 18 يوما، هي عمر الاحتشاد الجماهيري من كل لون سياسي واجتماعي، والذي انتهى بسقوط نظام مبارك يوم 11 فبراير 2011، والتي كانت نموذجا للعمل السياسي والجماهيري والجماعي، القائم على التوافق على هدف مركزي لا خلاف عليه، وهو إسقاط النظام. وحين تحقق ذلك، كان التصور أنه يمكن في ظل الإختلاف الأيديولوجي وعبْر عمل جماعي مماثل أن تتحقق باقي أهداف الثورة. أما عمليا، فقد واجه هذا التصور المثالي صعوبات كثيرة.
انتهاء الدور مؤقتا
ظل الإئتلاف محافظا على كِيانه، وشارك بفاعلية في كثير من الفعاليات الكبرى ولعب دورا مركزيا في التعبئة ضد الفريق أحمد شفيق، إبّان المنافسة الإنتخابية الرئاسية، خاصة في المرحلة الثانية التي انحصرت فيها المنافسة بين شفيق ود. محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان، المدعوم من قوى ليبرالية ومدنية، لكنها انفضت من حول الرئيس فيما بعد.
وبفوز الثاني في الإنتخابات الرئاسية وانتهاء المرحلة الانتقالية، رؤى أن وظيفة الإئتلاف قد انتهت، وأن لكل عضو أن يعمل تحت مظلته الحزبية الأم. كانت الفكرة آنذاك، أن الثورة قد حققت أحد أهم أهدافها، وهو الإنتقال من سلطة العسكريين إلى سلطة مدنية، وفي ظلها يصبح العمل الحزبي، هو الأفضل والأنسب.
من دعْم الرئيس.. إلى إسقاط نظامه!
غير أن حصيلة ثمانية أشهر من حُكم الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، جاءت على عكس التوقّعات والطموحات، إذ تأكد أن الجماعة لا تريد مشاركة، بل مغالبة، وأن الرئيس المنتخب لا يقوم بواجباته كرئيس لكل البلاد، بل فقط لعشيرته وجماعته، مما شكّل صدمة لكل مَن وقف وراء انتخابه أو تصوّر أن الجماعة سوف تقدِّم نموذجا في التطور الديمقراطي والنهوض الاقتصادي. ومن هنا، أخذت تنظيمات شبابية التفكير مرة أخرى في جمع طاقاتها المُشتركة، من أجل إسقاط ما بات يُعرف بـ “حكم الإخوان”.
تجسّدت الخطوة الجديدة في 11 مارس 2013، حين تشكل كيان شبابي جديد، حمل اسم “تكتل القِوى الثورية الوطنية”، والذي يضمّ منظمة شباب الجبهة وحزب 6 أبريل وحزب العدل والمساواة والتنمية واتحاد شباب الثورة وشباب حزب المصريين الأحرار وائتلاف ثوار مصر وجبهة الشباب الليبرالي. وتم تحديد المهمّة في السعي لاسترداد ثورة الشعب المصري، والعودة إلى صفوف الثوار وتوحيد الصف الثوري للتخلّص من دولة القمْع والاستبداد والظّلم والفساد، واستكمال ما بدأه الشعب المصري يوم 25 يناير، وإسقاط نظام الإخوان المعادي للديمقراطية.
الألتراس.. من الرياضة إلى السياسة
هذا التحرّك الشبابي، ليس الوحيد لمواجهة حكم الإخوان. فقد تبلْورت قوّتان أخريان لعِبتا الدور الأكبر في توظيف العنف كوسيلة لمواجهة الرئيس المنتخب وقوات الشرطة وتحدي جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة خاصة، والتيار الإسلامي عامة. وهما الألتراس والبلاك بلوك. ولكل منهما قصّة ومدخل.
فالالتراس، هم في الأصل جماعات مشجعي الأندية الرياضية التي تتنافس لتشجيع الفِرق الرياضية بكل حماس وقوة. وتغلب عليهم فئة الفتية ما بين 12 إلى 16 عاما، ويؤثر عليه شباب أكثر حِنكة وخِبرة في تكوين المجموعات ووضع الشعارات وتنظيم التشجيع والتأييد أثناء المباراة وبعدها.
وطوال عام 2012، برز “التراس أهلاوي” كجماعة رفض ومواجهة لقوات الأمن والقضاء معا، بعد تحميلهما مسؤولية استشهاد 72 من الشباب اليافع أثناء مباراة بين نادي الأهلي ونادي المصري البور سعيدي، على أيدي مجموعة من الخارجين على القانون، والبطء في تقديم المتسببين في المذبحة إلى العدالة. وقد تمسّك الألتراس بمبدإ القصاص الفوري، وإلا قاموا بأنفسهم بتحقيق القصاص الذي يرونه مناسبا ضد مَن يعتقدون أنهم مدبّرو المؤامرة.
الدم بالدم
وطوال عام استمرت فيه المحاكمة القضائية، كان شعار الألتراس بسيطا في كلماته عنيفا في مدلوله، وهو “الدم بالدم” و”القصاص أو الفوضى”. وجاءت الفعاليات التي نظمها الألتراس وكذلك التي شارك فيها ودعت إليها قوى حزبية أخرى في مواجهة دار القضاء العالي ومكتب النائب العام ووزارة الداخلية والنادي الاهلي واتحاد الكرة، كنوع من الضغط لسرعة الإنتهاء من المحاكمة وإصدار أحكام رادعة.
لم تسلم الفعاليات التي نظمها الألتراس من التخريب المتعمَد وإلقاء القنابل المولوتوف والتسبب في حرائق لمبان عامة، واقتحام النادي الأهلي نفسه وتوجيه عِبارات قاسية للإدارة واللاّعبين أثناء تدريبهم، فضلا عن قطْع طرق حيوية في قلب القاهرة ومحاولات لتعطيل حركة قطارات المترو. ولم تهدأ هذه الفعاليات الإحتجاجية، إلا بعد صدور حُكم قضائي، تضمن إعدام 21 شخصا ثبت اشتراكهم في عملية القتل لشباب الأهلي، وأحكام أخرى بالسجن لآخرين لمُدد تراوحت بين 3 سنوات إلى عشرين عاما.
شارك ألتراس أهلاوي وألتراس نوادي رياضية أخرى أيضا، في فعاليات دعت إليها أحزاب وقوى سياسية معارضة، واتّسمت مشاركاتهم بكَثرة العدد والتنظيم والسيْر في طرق محدّدة، يعلن عنها قبل يوم من الحدث، مع ميل إلى العنف. وهكذا، تداخلت الأسباب وتعدّدت لتحوِّل الألتراس من الرياضة القائمة على المنافسة، إلى السياسة بكل تعقيداتها، والنتيجة، أن الألتراس بات قوة سياسية تتفاعل مع الأحداث بأشكال مختلفة.
“بلاك بلوك”.. الملثمون الغامضون
القوة الثانية، هي جماعة “بلاك بلوك” أو الكتلة السوداء، والتي مثّـلت ظاهرة جديدة على الواقع المصري، متأثرة بخِبرات أوروبية سابقة، وهي مجموعات شبابية عبّرت عن غضبها في ارتداء الملابس السوداء والأقنِعة السوداء والنزول كمجموعات في المظاهرات، مدّعين أن نزولهم هو عنف لمنع العُنف ولحماية المتظاهرين السِّلميين من هجمات منتسبي تيار الإسلام السياسي الحاكم. وبرز دور هؤلاء، في المظاهرات المناهضة لوزارة الداخلية وأقسام الشرطة. وتُعرّف الجماعة نفسها بالشباب الغاضب الذي يُعبّر عن رأيه بطريقة مختلفة، وهي العنف “لأن الهُتاف لن يفيد والسِّلمية لن تؤتِي ثمارها”، على حد زعمها.
ومما ادّعته هذه الجماعة مسؤوليتها عن حرق مقر الإخوان المسلمين في السادس من أكتوبر واقتحام مقر موقع “إخوان أون لاين” وحرق مقر جريدة الحرية والعدالة وحرق مطاعم لسلسة شهيرة وحرق الجزء الخلفي للمجمّع العلمي. كما هددت الجماعة بالهجوم على عدد من الأماكن الحساسة والحيوية في البلاد، على رأسها “مجلس الشورى” والمتحف المصري”، فضلاً عن مجمّع التحرير الإداري .الأمر الذي أدى بالنائب العام اعتبار الجماعة مؤثمة قانونيا وغير شرعية والقبض على رموزها إن تم التعرف عليهم. لكنهم ما زالوا يظهرون بين الحين والآخر.
خلاصة القول، لقد أصبح العنف عند بعض القوى الشبابية، منهجا للتغيير. ومع استمرار الإنسِداد السياسي، تزداد المواجهات وتسيل الدِّماء ويُفقِـد عموم الناس ثقتهم في الثورة المصرية وأهدافها النبيلة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.