شكوك في مصر حول جديّة الحكومة في مطاردة الفساد ومحاكمة المفِـسدين
أبدى خبراء مصريون متخصِّـصون في الاقتصاد والقانون والسياسة وشؤون البرلمان، عدم رضاهم عن إجرءات ملاحقة الفساد ومحاسبة الفاسدين، التي اتخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، وحكومة تسيير الأعمال برئاسة الفريق أحمد شفيق، معتبِـرين أنها "بطيئة" و"أقل من المأمول" و"تثير الشكوك" حول جديَّـة مطاردة الفساد ومحاكمة المفِـسدين.
وطالب الخبرء في تصريحات خاصة لـ “swissinfo.ch”، بتوحيد جهة مطاردة الفساد، وذلك من خلال تشكيل لجنة عُـليا لملاحقة الفساد، تتكوّن من عدد من قُـضاة مصر الشرفاء، المشهود لهم بالكفاءة والوطنية ونظافة اليد، على أن يكون النائب العام الحالي (المستشار الدكتور عبد المجيد محمود)، أحد أعضائها وليس رئيسها، معتبِـرين أن “الفساد في مصر متجذِّر، وهو أقوى من النائب العام”، ومطالبين بإدراج اسم مبارك وأفراد عائلته في مقدِّمة الشخصيات المطلوب التحفُّـظ على أموالهم، إلى حين انتهاء التحقيق.
وفي محاولة منها للوقوف على الإجرءات، التي تم اتخاذها – حتى الآن – لملاحقة الفساد بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك يوم 11 فبراير، التقت “swissinfo.ch” كلا من الخبير الاقتصادي ممدوح الولى، مساعد رئيس تحرير الأهرام للشؤون الاقتصادية والخبير القانونى عصام الإسلامبولي، المحامي والفقيه الدستوري والخبير السياسي والبرلماني الدكتور جمال زهران، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بورسعيد ورئيس كتلة المستقلين بالبرلمان المصري دورة 2005 والدكتور السيد مصطفى أبو الخير، الخبير في القانون والتحكيم الدولي.. فكان هذا التحقيق:
جهات رقابية كثيرة بلا فعالية!
في البداية، كشف ممدوح الولي عن أن “لدينا في مصر 21 جهة رقابية، أبرزها الجهاز المركزي للمحاسبات (تابع لمجلس الشعب) وهيئة الرقابة الإدارية (تابعة لرئاسة مجلس الوزراء) وجهاز الكسب غيْـر المشروع (تابع لوزرة العدل) وإدارة مباحث الأموال العامة (تابعة لوزارة الداخلية)، إضافة إلى مجلسَـي الشعب والشورى، فضلا عن وجود جهات رقابية أخرى، لكنها قطاعية، أي تختصّ بالرقابة على قطاع بعيْـنه. فمثلا: هناك جهاز يراقِـب حماية المستهلِـك وجهاز يراقب الممارسات الاحتكارية، …إلخ”، مشيرا إلى “عدم وجود تنسيق بين هذه الجهات”.
وقال الولي: “المُـؤسف، أن هذه الجهات الرقابية تكلِّـف الموازنة العامة للدولة، مليار جنيه سنويا، منها 663 مليون للجهاز المركزي للمحاسبات و187 مليون لهيئة الرقابة الإدارية و325 مليون لمجلس الشعب و159 مليون لمجلس الشورى، …إلخ، وذلك وفقا لموازنة عام 2010” وأنها “كانت تعمل بشكل مُـنفرد وتخضع فقط للجهة التي ترأسها، فضلا عن أنها ظلَّـت طوال فترة حُـكم الرئيس مبارك (30 عاما)، مغلولة اليد ومنزوعة السلطة”.
وأضاف الولي أن “جهاز الكسْـب غير المشروع، كان يعمل بشكل رُوتيني وأن إقرارات الذمّـة المالية التي كان يحصُـل عليها من الهيئات والمؤسسات، كان مصيرها سلّـة المهملات، اللَّـهُـم إلا أن تكون هناك توصِـية من القيادة على شخص بعينه، عندها يتم عمل اللازم، وفقا لرغبة النظام”، موضحا أن “الجهاز المركزي للمحاسبات يُـشرف ويراقب 22 ألف جهة وهيئة ومؤسسة بمصر!!”.
وحذر الولي من التفاؤل المُـفرط بنجاح الثورة قائلا: “ما زال الطريق طويلا، فلم نَـر حتى الآن ما يؤكِّـد أن هناك تغييرا حقيقيا قد حدَث، فكل ما حدث حتى الآن، أن ضابطا نزل من على كرسي الحُـكم (الرئيس السابق حسني مبارك)، ليجلس مكانه عدّة ضبّـاط آخرين (المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، مشيرًا إلى أن “هناك تسريبات شِـبه مؤكدة بأن بعض قيادات الحزب الوطني ورجال أعمال مقرَّبين من النظام السابق، يقِـفون خلْـف الاحتجاجات الفِـئوية التي تندلع بشكل يومي في البلاد، منذ إعلان تخلِّـي الرئيس عن السلطة، في محاولة منهم للالتِـفاف على الثورة وتقويضها بإفساد لعلاقة بين الشعب والمؤسسة العسكرية الحاكمة”.
يشار إلى أنه لا يوجد جهاز مختصّ لمكافحة الفساد في مصر، وإنما هناك العديد من الأجهزة والتي تلعب دورا كبيرا في محاربة ومكافحة الفساد، وهي تابعة لمؤسسات الدولة الثلاث (السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية).
إجراءات بطيئة وغير كافية!
كشف ممدوح الولي عن أن الإجراءات التي اتَّـخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة تسيير الأعمال، غيْـر كافية على الإطلاق، فضلا عن أنها بطيئة ولا تتناسب مع الإيقاع السريع للثورة، كما أنها غيْـر عادلة، حيث اكتفت – فيما يبدو- بتقديم كبْـش فداء، يتمثَّـل في أربعة شخصيات فقط من رموز النظام السابق (حبيب العادلي وزير الداخلية وزهير جرانة، وزير السياحة وأحمد المغربي، وزير الإسكان والأحمد عز، أمين تنظيم الحزب الحاكم)، معتبرا أنه “كان من المُـفترض أن تبدأ هذه الإجراءات منذ اليوم الأول من إعلان تخلِّـي الرئيس عن السلطة وتكليف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، دون أن تمنحهم فُـرصة لتهريب أموالهم وإخفاء الثروات التي نهبوها من الشعب”.
وقال الولي في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “هناك علامات استِـفهام كثيرة تطرح نفسها بقوّة حول أسباب عدم محاسبة وملاحقة أركان النظام حتى الآن، وفي مقدمتهم الدكتور زكريا عزمي (رئيس ديوان رئيس الجمهورية والنائب بالبرلمان) والسيد صفوت الشريف (رئيس مجلس الشورى والأمين العام للحزب الوطني) والدكتور أحمد فتحي سرور (رئيس مجلس الشعب) والدكتور أحمد نظيف (رئيس مجلس الوزراء)…. إلخ؟!.
متفقا مع الولي، كشف الدكتور جمال زهران عن أن “مجلس الشعب نفسه كان مؤسسة للفساد، حيث عيّـن سرور 200 مستشارا بالمجلس، يتقاضى الواحد منهم 125 ألف جنيها مصريا شهريا (الدولار= 5.87 جنيها)، بينما لا يتجاوز ما يتقاضه نائب البرلمان 7 آلاف جنيها!!، ومن أشهرهم المستشار عدلي حسين (محافظ القليوبية) والمستشار سري صيام (رئيس لجنة تعديل الدستور، التي عينها مبارك قبَـيل رحيله)، متهما حكومة نظيف بـ “إهدار 800 مليار جنيه، وهي قيمة الأراضي التي وُزِّعت على كبار المسؤولين بالدولة”.
متفقا مع زهران والولي، أوضح الخبير القانوني عصام الإسلامبولي أنه “غير راضٍ على الإطلاق عن الإجراءات التي اتخُّـِـذت حتى الآن بشأن ملاحقة الفساد”، لأن حجم البلاغات التي قدّمت للجهات الرقابية والمسؤولة كثيرة جدا، كما أن التقارير المقدّمة من الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية، لا تُـعدّ ولا تُـحصى، مشيرا إلى أن “النائب العام الموكول بمحاسبة فساد النظام السابق، هو نفسه أحد أركانه، لأنه معيَّـن بقرار من مبارك، ورئيس مجلس الشعب في النظام السابق (أحمد فتحي سرور)، هو الذي منح النائب العام درجة الدكتوراه!
وطالب الإسلامبولي بضرورة إسقاط النظام السابق بأكمله، لأن الذي يحكُـم البلاد الآن هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو المجلس الذي عيَّـنه مبارك، والذي يرأس حكومة تسيير الأعمال الآن، هو الفريق أحمد شفيق، الذي عيَّـنه مبارك أيضا وهكذا… فالذي يحكُـم مصر اليوم – رغم قيام الثورة الشعبية – هم أعضاء النظام السابق، الذي يُـفترض أنه قد سقَـط بأكمله بمجرّد الإعلان عن نجاح الثورة، رافضا القول بأن النظام الحاكم بمصر قد سقَـط، لأن الذي سقط فقط هو رأس النظام، فيما بقي النظام حاكما كما هو!
وأضاف أن تقديم أربعة من رموز الفساد بالنظام السابق للمحاكمة، غير كافٍ، بل ومُـثير للشُّـبُهات والشكوك، متسائِـلا عن جدية المحاسبات بقوله: أين رئيس ديوان رئيس الجمهورية (الدكتور زكريا عزمي) وأين رئيس مجلس الشعب (الدكتور أحمد فتحي سرور) وأين رئيس مجلس الشورى والأمين العام لحزب الفساد (صفوت الشريف) وأين رئيس مجلس الوزراء (الدكتور أحمد نظيف) وأين… إلخ تلك الأسماء التي أفسدت الحياة وقنَّـنت الفساد بمصر؟ أعتقد أنه ليس هناك قوة وإرادة حقيقية لملاحقة الفساد.
وماذا عن محاسبة الرئيس؟!
وفيما يخص محاسبة مبارك، كشف الإسلامبولي عن أنه قدّم بنفسه بلاغا للنائب العام منذ أسبوع، “مسجل برقم (181/لسنة 2011) وموقع عليه من 37 من الشخصيات العامة، أبرزهم السفير إبراهيم يسري والدكتور صلاح صادق وأبو العز الحريري والدكتور عبد الحليم قنديل وحمدين صباحي ومحمد الأشقر والدكتور يحيى القزاز والدكتورة كريمة الحفناوي، وقد تسلَّـم منَّـا البلاغ، النائب العام المساعد وقام الـ 37 بالتوقيع أمامه عليه (البلاغ)”، مؤكدا “أننا طالبْـنا فيه بالتحقيق فيما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، من أن ثروة الرئيس السابق حسني مبارك تقدر بــ 70 مليار دولار”.
وقال الإسلامبولي في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “نحن ننتظِـر من النائب العام الاهتمام بالموضوع وسرعة إصدار قرار بالتحفُّـظ على ثروات الرئيس السابق وجميع أفراد عائلته وأقاربِـه، إلى حين الانتهاء من التحقيقات، وأن يخاطب الجريدة التي نشرت التقرير للتأكّـد من صحة هذا الكلام”، متوجها بالشكر “لحكومات سويسرا وبريطانيا لقيامهم بالتحفُّـظ على ثروات الرئيس وعائلته من تِـلقاء أنفسهم، ونتمنّـى أن تحذو باقي الدول حذوهم”.
وفيما أيَّـد الولي ما انتهى إليه الإسلامبولي، فقد طالب بأن تكون هناك جدية ورغبة صادِقة في تطهير البلاد ممّـن أفسدوا الحياة السياسية ونهبوا ثروات البلد وتسببوا في إفقاره وتجويعه، رغم إمكانياته الكبيرة، معتبرا أن “الحكومة ارتكبَـت خطأ فادحا، باستثناء اسم الرئيس السابق (حسني مبارك) وأفراد عائلته، من الطلبات التي أرسلتها لحكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا وسويسرا بتجميد أرصدة مسؤولين سابقين ووزراء سابقين وحاليين ورجال أعمال، بينما كان المفروض أن يكون مبارك وعائلته على رأس القائمة، فيما تطوّعت دول محترمة، مثل سويسرا بتجميد أرصدة الرئيس السابق حسني مبارك، كإجراء تحفُّـظي”.
وطالب زهران، النائب العام، بإدراج اسم مبارك وأفراد عائلته في مقدِّمة الشخصيات المطلوب التحفّـظ على أموالهم، إلى حين انتهاء التحقيق، فيما نسب إليهم من تُـهم وفساد، مع التعجيل بمحاكمتهم، مشيرا إلى أن “ما ارتكبته ليلى الطرابلسي (زوجة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي) وأفراد عائلتها، لا يرقى لعُـشُـر ما ارتكبته سوزان مبارك وأفراد عائلتها في ظل نظام فاسد، كانت تديره مافيا الفساد وشلّـة من المنتفعين”، مشيدا بجريدة الشعب، التي كان لها فضل السَّـبق في كشف فساد وزرة الزراعة ووزيرها (آنذاك) الدكتور يوسف والي أيام المرحوم عادل حسين، الذي كافأه مبارك بإغلاق الجريدة وتجميد الحزب!
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد نقلت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية «أدريان سولبيرغر» قوله أن ما تمّ تجميده من أرصدة للرئيس السابق حسنى مبارك وأسرته و5 من المقرّبين له حتى الآن، هو في حدود عشرات الملايين من الفرنكات السويسرية، لافتاً إلى أن عملية البحث والتنقيب عن أرصِـدة أخرى لمبارك وأسرته والمحيطين به، لا تزال مستمرة. وأوضحت الصحيفة أن الإجراء السويسرى تُـجاه أرصدة مبارك، يأتي وفقا لقانونها الجديد الذي يسمح للمسؤولين الحكوميين بتجميد حسابات أي زعيم سابق يُـشتبه في فساده.
إجراءات عاجلة لإثبات حسن النوايا!
متّـفقا مع الإسلامبولي والولي، يقترح الدكتور جمال زهران “تشكيل لجنة عُـليا لملاحقة الفساد، تتكّون من عدد من أبرز قُـضاة مصر الشرفاء، المشهود لهم بنظافة الكفّ، تكون مهمَّـتها رصد ومكافحة الفساد أيْـنما وُجِـد ومهما كان مرتكِـبوه، مع إشراك النائب العام الحالي معهم، بصفته عضوا في اللجنة، لتسيير الأمور، وهذا ليس طعنا في ذمّـة النائب العام، ولكن إيمانا مني بأن الفساد في مصر أقوى من النائب العام”، معتبرا أن “الرّغبة في دفْـن الفساد الذي ارتكبه النظام السابق طيلة الثلاثين عاما، كانت السِـر وراء إصرار مبارك على توريث السلطة لنجله الأصغر جمال”.
وقال زهران، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بورسعيد في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “إن على اللجنة العليا لرصد ومحاسبة الفساد، مخاطبة جميع الجهات الرقابية بالدولة، وخاصة الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية وجهاز الكسب غيْـر المشروع ومباحث الأموال العامة، لتسليم ما لديها من تقارير عن الفترة السابقة”، مشيرا إلى أن “تاريخ الثورات في العالم، يؤكِّـد تشكيل مثل هذه اللجنة، عقِـب اندلاع الثورة مباشرة وأن الفساد كان سبب خراب مصر وتخلّـفها، ولهذا، فلن نسكُـت وسنظل نحارب الفساد ونلاحِـق الفاسدين حتى آخر نفَـس”.
ويعتبر زهران أن “الفساد في مصر ليس ملفا واحدا، وإنما ملفات كثيرة. فهناك: ملف فساد الرئيس وعائلته وأقاربه وأصدقاءه، وملف فساد الأراضي التي تمّ تخصيصها بالمخالفة للقانون وباستخدام السلطة والنفوذ، وملف فساد بيْـع الشركات العامة بأبخَـس الأثمان، وأشهرها: صفقة بيع عمر أفندي وإيديال، شركة حديد الدخيلة، وملف فساد السلطة والنفوذ، للحصول على مزايا خاصة لأعضاء من الحزب الحاكم بمجلس الشعب، وملف الفساد السياسي للحزب الحاكم وما ترتب عليه من إفساد الحياة السياسية والحزبية في مصر، وهو أمر يستدعي ضرورة مُـحاكَمة رئيس الحزب والأمين العام للحزب والأمناء المساعدين وهيئة مكتب الحزب والأمانة العامة ولجنة السياسات وأمناء الحزب بالمحافظات، مع ضرورة تصفية الحزب وإلغائه، فضلا عن ملف تزوير الانتخابات التي أجْـرِيت في مصر طيلة العقود الثلاثة، وخاصة انتخابات 2005 و2010، التي تم فيهما تزوير وتزييف إرادة الشعب”.
ومن جهته، طالب الإسلامبولي الحكومة باتِّـخاذ عدة إجراءات عاجِـلة، لإثبات حُـسن النوايا يمكن تلخيصها في: “اختيار مجلس رئاسي مُـكوّن من ثلاثة أفراد، اثنين مدنيين وعسكري واحد، لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وإسقاط الحكومة الحالية، لأنها معينة من قِـبل النظام المخلوع، وتعيين حكومة تكنوقراط لتسيير الأعمال خلال الفترة الانتقالية، إلى حين إجراء انتخابات برلمانية واختيار نائب عام جديد بمعرفة مجلس القيادة الأعلى، ليتولى لجنة ملاحقة الفساد”.
وأضاف الإسلامبولي: “كما يجب إعلان إلغاء حالة الطوارئ فورا وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، حيث لا يُـعقَـل أن تُـجرى الانتخابات وحالة الطوارئ مفروضة بالبلاد، إضافة إلى إطلاق سراح كافة المعتَـقَـلين السياسيين وسجناء الرأي العام”، داعيًا إلى “توحيد جهة مُـطاردة الفساد، بإنشاء هيئة قومية للرقابة والمتابعة، تُـسلَّـم لها كل بلاغات وتقارير الفساد وتمنح الصلاحيات اللازمة لإتمام عملها على أكمَـل وجه وبأقصى سرعة ممكنة”.
كيفية استعادة الأموال المهربة؟
وحول أنسَـب الطُّـرق لاستعادة الأموال المهربة، أوضح الدكتور السيد أبو الخير، الخبير في القانون الدولي أن “هناك طريقين: الأول، هو الطريق الدبلوماسي من خلال طلب تتقدَّم به وزارة الخارجية المصرية، تطلُـب فيه هذه الأموال، حيث تتم المفاوضات بينها وبين الدول المُـودَع بها هذه الأموال. وعيْـب هذه الطريقة، أن مُـعظم الدول تخصم نِـسبة من هذه الأموال لكي يتِـم استعادتها، وهناك دول ترفض الردّ، لأن قوانينها تمنع الرد إلا بناء على حُـكم قضائي نهائي”.
وقال أبو الخير في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: الطريق الثاني، هو الطريق القانوني. ويتمثَّـل في ضرورة صدور حُـكم قضائي نهائي من محكمة جنائية ومن قاضٍ طبيعي، بشرط أن لا تكون هذه المحكمة عسكرية أو من محاكم أمْـن الدولة، لكونها محاكم استثنائية، وبعد صدور حُـكم نهائي (أي استنفد كافة طُـرق الطعن، سواء بمرور المدة القانونية دون طعْـن على الحكم أو برفض الطَّـعن على الحكم)، علما بأن حُـكم محكمة الجنايات لا يطعن عليه إلا بالنقض فقط، إذا كان حضوريا، أما إذا كان غيابيا، فتتم إعادة الإجراءات حال حضور المتَّـهم، سواء بتسليم نفسه أو بالقبض عليه”، ضاربا مثلا لذلك “بأنه بعد الحُـكم على عبد الوهاب الحباك، رئيس الشركة القابضة للصناعات الهندسية بالسجن لمدة (18 سنة)، استعادت مصر مبلغ 180 مليون دولار كانت مُـودعة بأحد بنوك سويسرا بإسم نجله”.
وأوضح خبير القانون الدولي أن “هناك اتفاقيات دولية تؤكِّـد ذلك ويمكن الاستناد إليها في استعادة الأموال المُـهرَّبة، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005 واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، وهناك مبادرة “ستار” التي أطلقها البنك الدولي والأمم المتحدة عام 2008، وتهدف إلى استعادة الأموال المهرّبة من الدول النامية المُـودعة في الدول الغنية، ويمكن تقديم بلاغات إلى النائب العام في أي دولة من الدول الأوروبية، يطلب فيه تجميد الأرصِـدة الموجودة بالدولة، وإذا صدر قرار بأي دولة أوروبية، ينفَّـذ في كل دول الاتحاد الأوروبي الـ (27)”، مشيرا إلى أن “هناك قانون في سويسرا ينُـصّ على اعادة مِـثل هذه الأموال إلى الدول المُـهرَّبة منها، كما تُـساهم منظمة الشفافية العالمية في هذه القضايا”.
في سبتمبر 2004، أجرت “وحدة قياس الرأى العام” التابعة لبرنامج الدراسات البرلمانية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، استطلاعا تليفونيا مع 680 من المتخصِّـصين والخبراء والنواب وكوادِر حزبية وإعلاميين ونشطاء المجتمع المدنى، مثَّـلوا اتجاهات متباينة، للكشف عن واقع الفساد في مصر، حيث طرحت الأسئلة التالية:
أولاً: هل الفساد في مصر يزيد أم يقل؟ وكانت الإجابة: أن (78.8%) من العيِّـنة ترى أن معدّلات الفساد في مصر في ازدياد مستمر.
ثانياُ: ما أخطر صور الفساد في مصر الآن؟ وكانت الإجابة: الرّشوة (18%) والوساطة والمحسوبية (14.2%) والتحايل على البنوك وتهريب الأموال+ فساد بعض المناصب العليا+تردّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار (7.5%)، سرقة المال العام (6.6%)، سوء أحوال الجهاز الإداري (6%)، سطوة ذوي النفوذ وتدني مستوى الإعلام وهيمنة الحزب الوطني الديمقراطي وتوريث الحكم ووصول عناصر لا تستحِـق السلطة، وتدخل السلطة التنفيذية في الانتخابات النيابية واحتكار السلطة من قِـبل قلة قليلة وسوء أحوال المحليات وأزمة التعليم وارتشاء بعض القُـضاة وانحِـياز البعض الآخر للسلطة التنفيذية (32.7%) مجتمعين.
ثالثاً: ما أهَـم وسيلة لمواجهة الفساد؟ وكانت الإجابة: تطبيق القانون وسيادته، دون تمييز (16.4%)، إيقاظ الضمير وتنمية الجانب الأخلاقي لدى أفراد المجتمع (14.8%)، توعية المواطنين بشتّـى السُّـبل الممكنة (9.8%)، تفعيل مبدأ الشفافية ودعْـم الجهات الرقابية ومسألة المُـفسدين والضرب على أيديهم بشدّة (بنسبة 8.2%)، بث الرّوح الوطنية وتأكيد الهوية الوطنية (6.6%)، دور القُـدوة في مواجهة هذه الظاهرة ودعم القيم الديمقراطية وتفعيل مبدأ الفصل بين السلطات (4.9%)، تشديد الرقابة (بنسبة 3.3%)، دور الإرادة السياسية، إيجاد جيل ثالث صالح، الدور الذي يمكن أن تقوم به السلطة القضائية من خلال حملة أيادي بيضاء (1.6%).
رابعاً: ما أهم الجهات التي تطالبها بالتدخل لمكافحته؟ وكانت الإجابة: المؤسسة البرلمانية (14.3%) وجهاز الرقابة الإدارية (12%) والصحافة والإعلام ووزارة الداخلية ومجلس الوزراء (7.5%) ورئاسة الجمهورية ووزارة العدل (6.8%) والقيادات الحزبية (5.3%) وإدارة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف (4.5%)، الجهاز المركزي للمحاسبات ومؤسسات المجتمع المدني (3.7%) والمدعى العام الاشتراكي ومباحث الأموال العامة والمنظمات غير الحكومية والمجالس المحلية ووزارة الشباب والمواطنين أنفسهم، ودور كل مسؤول في موقعه ودور المؤسسات الثقافية والأسرة ووزارة التربية والتعليم (30.4%).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.