“عــارٌ على آليات حقوق الإنسان إن لم تستجب للضحايا في ليبيا”
لم تُقنع صرخات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا ومن قبلها في تونس ومصر بعدُ الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بضرورة عقد جلسة خاصة، رغم وصف المفوضة السامية لحقوق الإنسان بأن ما حدث في ليبيا "قد يرقى الى مستوى جرائم ضد الإنسانية".
وفي الوقت الذي لم تجرؤ فيه أيّ من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان على التقدم بطلب عقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان، تتفنن المجموعة الدولية، ومعها آليات حقوق الإنسان في اختيار الألفاظ المنمقة و”الجوفاء” برأي مراقبين لتوصيف ما تتعرض له شعوب المنطقة من انتهاكات على مرأى ومسمع من العالم وفي حدود ما تسمح به الأنظمة القائمة من حرية ممارسة الإعلام المحلي والدولي لمهمته ووظيفته.
بان كي مون يكتفي بـ ” الإستنكار”
أمين عام منظمة الأم المتحدة بان كي مون لم يجد مفردة معبرة عن ما يشعر به، أحسن من عبارة “الإستنكار” لما سمعه عن “رمي قوات الأمن الليبية للمتظاهرين من طائرات حربية وطائرات عمودية بالرصاص”.
وكما جاء في بيان الناطق باسمه، مارتين نيزيركي، وبعد أن أجرى محادثات هاتفية مع معمر القذافي، عبر الأمين العام للأمم المتحدة للزعيم الليبي عن “ضرورة وقف أعمال العنف على الفور”.
أعمال “قد ترقى الى مستوى جرائم حرب”
أما المفوضة السامية لحقوق الإنسان فقد تجرأت على الأقل على تسمية الأشياء بأسمائها،على الرغم من التحديدات التي وضعتها الدول على طريقة تعاملها مع الأزمات.
وفي البيان الذي أصدرته يوم الثلاثاء 22 فبراير، لم تكتف بـ “الإستنكار”، بل طالبت بضرورة القيام بتحقيق دولي في أعمال العنف المرتكبة في ليبيا وإنصاف الضحايا.
إذ نادت بالحرف الواحد بـ “وقف فوري للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل السلطات الليبية، وطالبت بالقيام بتحقيق دولي في أعمال العنف التي تهدف للقضاء على المتظاهرين في البلاد”.
وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بيلاي “إنها قلقة جدا لتواصل سقوط الضحايا، وأن الطريقة العشوائية التي تطلق بها السلطات الليبية الذخيرة الحية على المتظاهرين السلميين لا يمكن السكوت عنها”.
وفي انتقاد لسكوت المجموعة الدولية على ما يجري في ليبيا، قالت بيلاي: “إن على المجموعة الدولية أن تتحد في إدانتها لمثل هذه الأعمال وأن تلتزم بوضوح لضمان إنصاف الآلاف من ضحايا هذا القمع”.
وفي حديثها عن الأخبار الواردة من ليبيا عن عمليات قناصة، وإطلاق رصاص بالرشاشات والطائرات الحربية ضد المتظاهرين، قالت المفوضة السامية: “إن مثل هذه الادعاءات الخطيرة المرتكبة في انتهاك سافر للقانون الدولي، يجب أن لا تمر بدون تحقيق شامل ومستقل”.
وفي انتظار إجراء هذا التحقيق الدولي والمستقل في حال التوافق على القيام به، تذكّر المفوضة السامية لحقوق الإنسان بأن “القيام بهجمات واسعة ومنهجية ضد السكان المدنيين قد يرقى الى مستوى جرائم ضد الإنسانية”، وهو ما اعتبره البعض “أضعف الإيمان”.
مجلس يجازف بمصداقيته
أما مجلس حقوق الإنسان الذي استطاع في ظرف خمسة أعوام عقد جلسات طارئة أكثر مما عقدته لجنة حقوق الإنسان على مدى 60 عاما من النشاط تقريبا، فيبدو أنه قد أصابه الشلل. إذ لم تجرؤ لحد اليوم أيّ من الدول الأعضاء فيه على التقدم بمجرد طلب لعقد جلسة طارئة لمعالجة أوضاع الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا التي لا تطالب إلا بمزيد من الكرامة والحقوق والحريات، وهي تفعل ذلك بطريقة سلمية مثالية يشهد بها الجميع.
وكما هو معلوم، فإن عقد جلسة طارئة لمعالجة انتهاكات طارئة لحقوق الإنسان، يتطلب تقدم دولة من الدول الأعضاء بطلب إلى مكتب المجلس يشتمل على توقيعات 16 دولة من الدول الأعضاء السبعة والأربعين. ولكن هذا ما لم تقدم عليه حتى الآن لا المجموعة العربية والإسلامية ولا مجموعة دول عدم الانحياز التي كثيرا ما كانت تسارع لفرض عقد الجلسات الخاصة في الماضي خصوصا عندما يتعلق الأمر بانتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني أو اللبناني.
في الوقت نفسه، لم تجرؤ أي من الدول الغربية التي كثيرا ما كانت تجعل من الدفاع عن حقوق الإنسان حصان طروادة تمتطيه للتشهير ببعض الدول النامية، على تقديم هي هذا الطلب لعقد الجلسة الخاصة، وقد يعود ذلك إلى الحرص على عدم الإضرار بمصالحها الاقتصادية ولاعتقادها بأنها سوف لن تجد أحسن من الأنظمة القائمة في المنطقة العربية للحفاظ عليها وتأمينها.
وأمام هذه الوضعية لم تجد منظمات المجتمع المدني على اختلافها وتعدد توجهاتها ودوافعها بُـدّا من التقدم بطلب مشترك للدعوة إلى عقد جلسة خاصة للمجلس حول الأوضاع في ليبيا، رغم أنها تعلم جيدا أن ذلك سوف لن يحدث بدون تبني الدول الأعضاء للمشروع.
فقد تقدمت سبعون منظمة حقوقية غير حكومية من بينها بعض المنظمات غير الحكومية العربية بطلب عقد جلسة خاصة بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 60/251 الذي يقضي بحقد جلسات خاصة لمعالجة وضع طارئ لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
وبعد فشل محاولات عقد جلسة طارئة أثناء ثورة الشعب التونسي، وخلال ثورة الشعب المصري (وبعرقلة من الوفد المصري تحديدا)، هل سيجرؤ المجلس اليوم في تقاعسه عن معالجة الوضع الليبي، على نسف المصداقية التي جاء من أجل استعادتها عند تعويضه للجنة لحقوق الإنسان التي كثيرا ما كان يُردد أن رحيلها كان بسب فقدان المصداقية؟
وتشير آخر المعلومات إلى محاولات من الاتحاد الأوروبي (في ظل معارضة من إيطاليا) لجمع التوقيعات الضرورية من أجل عقد جلسة طارئة يوم الجمعة 25 فبراير. وفي رد على سؤال لـ swissinfo.ch، أوضحت الخارجية السويسرية أنها “تدعم مبادرة الدعوة لعقد جلسة خاصة حول الأوضاع في ليبيا في مجلس حقوق الإنسان”.
مطالبة بإقصاء ليبيا
من جهة أخرى، يبدو أن منظمات المجتمع المدني، وأمام الجمود التي اتسم به تحرك الدول الأعضاء (رغم الإختلافات القائمة بينها)، قررت المراهنة على “طلب الكثير للحصول على القليل”، حيث لم تقتصر طلباتها على الدعوة إلى عقد جلسة خاصة، بل حثت في رسالتها الموجهة إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وإلى دول فاعلة في مجلس الأمن الدولي، على “العمل على إقصاء ليبيا من عضوية مجلس حقوق الإنسان”.
واعتمدت في ذلك على البند 8 من القرار الأممي رقم 60/251 الذي يسمح للجمعية العامة للأمم المتحدة بوصفها الهيئة المشرفة على مجلس حقوق الإنسان بإقصاء أي دولة “ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
وعما إذا كانت محافل حقوق الإنسان ترى فيما حدث في ليبيا من قصف للمدنيين بالطائرات والذخيرة المضادة للطيران مبررا لهذا الإقصاء، يقول فرج فنيش، رئيس قسم العالم العربي بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن “المفوضة السامية عبرت عن استنكارها لما يحدث من انتهاكات خطيرة في ليبيا هذه الأيام. وبالتالي فإن موقفها واضح من ان هناك انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. والمنظمات غير الحكومية التي تطالب الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بهذا الإقصاء وفقا للبند 8، لها الحق في ذلك وترتكز على واقع ملموس من اجل ممارسة هذا الضغط. يبقى أن هذا الضغط قد يدفع بعض الدول الأعضاء للتحرك إن هي أرادت ورأت بان ذلك واجب عليها”.
وحول هذا الموضوع ردت الخارجية السويسرية على سؤال لـ swissinfo.ch أن “سويسرا ترى أن أية مناقشة لها علاقة بالإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا يجب أن تناقش في الجلسة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان حول ليبيا التي تدعمها سويسرا. أما فيما يخص احتمال إقصاء ليبيا من المجلس فإن ذلك من صلاحية الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة التي عليها اتخاذ القرار بأغلبية ثلثي الأعضاء”.
وأمام حسابات التكتلات الجغرافية، والخوف من التعرض لنفس المصير في يوم من الأيام، أو الرغبة في الحفاظ على المصالح الاقتصادية والإستراتيجية، تتباطأ بعض آليات حقوق الإنسان في الاستجابة لنداءات الإستغاثة القوية من ضحايا بطش نظام القذافي اليوم كما تغافلت عن نداءات ضحايا بن علي ومبارك بالأمس. وإذا كانت ثورات تونس ومصر واليوم ليبيا تفضح انتهاكات الأنظمة العربية بما لا يدع أي مجال للشك أو المراوغة، فإن تقاعس آليات حقوق الإنسان يكشف في نفس الوقت ازدواجية دعاة احترام حقوق الإنسان من باقي التجمعات الجغرافية وفي مقدمتها الدول الغربية.
أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أصدرته صباح الثلاثاء 22 فبراير عن الإستعداد لتقديم مساعدات طبية لمعالجة الجرحى في ليبيا.
وقالت المنظمة الإنسانية التي تخذ من جنيف مقرا لها أنها “ستتجه على عين المكان في أقرب وقت لتقييم الأوضاع في الميدان”.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها على اتصال وثيق بجمعية الهلال الأحمر الليبي وبالبعثة الدائمة للجماهيرية لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف.
وفي تقييمه للأوضاع السائدة، عبر جون ميشال مونود رئيس البعثة الإقليمية للجنة الدولية للصليب الأحمر (يوجد مقرها في تونس وتغطي ليبيا أيضا) عن “أسفه العميق لفقدان الأرواح البشرية والإصابات بجروح التي تسبب فيها التصعيد في أعمال العنف في بنغازي وفي مدن ليبية أخرى”.
وذكّرت المنظمة الإنسانية بأن الجرحى، ورجال الإسعاف، وسيارات الإسعاف والمستشفيات يجب أن تبقى بعيدة عن اعتداءات كل الأطراف.
وبخصوص قوات الأمن قالت اللجنة الدولية “إن عليها احترام المعايير الدولية فيما يتعلق باستخدام القوة أثناء الحفاظ على النظام”. وفيما يتعلق بالأسرى ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بانه “يجب معاملتهم وفقا لمتطلبات القانون الدولي”.
بعد ظهر الثلاثاء 22 فبراير أصدر عدد من المقررين الخاصين للأمم المتحدة بيانا تضمن تحذيرا للنظام الليبي تم التأكيد فيه على أن “التمسك بالسلطة لا يمكن أن يتم بقتل الأشخاص”.
وأشار البيان الموقع عليه من قبل المقرر الخاص المعني بالتعذيب، والمقرر المعني بالإعدامات الجماعية وخارج نطاق القانون، ورئيس فريق العمل المعني باستخدام المرتزقة، وفريق العمل المعني بالحبس التعسفي، والمقرر المعني بالحق في حرية التعبير، والمقرر المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان إلى أن “انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت أثناء الأيام الأخيرة قد ترقى الى مستوى جرائم ضد الإنسانية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.