عملية حزب العمال الكردستاني في “أق توتون”: مأزق الرّد التـُّركي
شكّـلت العملية التي قام بها حزب العمَّـال الكردستاني في الثالث من شهر أكتوبر الجاري ضدّ مخفر "أق توتون" (أي التبغ الأبيض) التركي وقتل أكثر من 17 جنديا تركيا، حدثا بالغ الأهمية وتحوّلا نوعيا في مبارزة الكباش بين تركيا وحزب العمال.
فالعملية ليست الأولى ضد ذلك الموقِـع الحُـدودي الذي يبعُـد أربعة كيلومترات عن الحُـدود العراقية. فقد تعرّض منذ عام 1992 إلى خمس هجمات أوقعت حتى الآن ما مجموعه 43 قتيلا وسَـط الجنود الأتراك. والمرة الأخيرة كانت في مايو الماضي، بمعنى أن الموقع كان مُـعرَّضا دائما للتَّـهديد، ومع ذلك، فشلت القيادة العسكرية في مَـنع تِـكرار الهجمات وفي إراقة دمِ العسكريين المتروكين لقَـدرهم ولإهمال القيادة، وهذا ما استدعى للمرة الأولى سِـجالا داخليا يمَـس “قُـدسية” الجيش، حامي الوطن.
والهجوم الكردي، كان نوعيا، لأنه عكس قُـدرات وتكتيكات رفيعة لحزب العمَّـال الكردستاني، مكّـنته من عُـبور أربعة كيلومترات مَـشيا على الأقدام ومهاجمة الموقِـع من كلّ الجِـهات وإيقاع أكبر قدر من الخسائر وسط الاتراك.
في المقابل، لم يفقد حزب العمال سِـوى عددا قريبا لعدد القتلى الأتراك، وفقا للرِّواية التركية، رغم أن الطَّـرف المُـهاجم يسقط له عادة ضحايا لا تقِـل عن ضعفين أو ثلاثة أضعاف لعدد ضحايا الطرف المدافع.
أكثر من ذلك، قام حزب العمال بعملية إسناد مدفعي للهجوم في أسلوب جديد، يجمع بين حرْب العِـصابات والحرب النظامية.
ضربة مُحرجة
كانت العملية ضربةً قويةً لنظام الرّدع العسكري التركي، إذ أن التساؤلات لم تتوقَّـف حول ماذا كانت تفعل عمليات المراقبة والرّصد من قِـبل الطائرات التجسسية التركية وعبر المناظير الليلية، وما هي جدوى عمليات التَّـنسيق الاستخباراتية بين أنقرة وواشنطن؟
وكانت العملية ضربة قاسية لكلِّ المجهودات الحربية، التي قامت بها تركيا على امتداد الأشهر الأخيرة، وأهمّـها العملية العسكرية الجويَّـة والبريَّـة الواسعة في شتاء العام الحالي، ضدّ قواعد الحزب في شمال العراق، لذلك، وقعت عملية “أق توتون” وقْـع الصَّـاعقة، بل ليس من المبالغة وقع الزلزال أولا لدى القيادة العسكرية، وثانيا لدى السلطة السياسية.
وزاد من حرّج الجيش أن العملية وقعت ولم يمْـضِ على تسلُّـم رئيس الأركان الجديد، الجنرال ايلكير باشبوغ، موقعه سوى شهرا، ما شكَّـل تحدِّيا له ولسُـمعته، كأحد أبرز القادة الأتراك الذين قادوا عمليات عسكرية منذ التسعينيات ضد حزب العمال، كما داخل العراق، كذلك في الداخل التركي.
بعد خمسة أيام فقط على العملية، انعقد البرلمان التُّـركي في الثامن من الشهر الجاري، وأقرَّ تفويض الحكومة السَّـماح للجيش بالقيام بعمليات عسكرية خارج الحدود، وبالتحديد ضد مناطِـق تواجد حزب العمال في شمال العراق.
في الواقع، كانت جلسة البرلمان مقرّرة مُـسبقا، لأن التفويض الأول قبل سنة، كان سينتهي في 17 أكتوبر الجاري. ومع أن نتيجة التصويت كانت محسُـومة سلفا، لكن تصادُفها بعد أيام مع عملية “أق توتون”، منحها بُـعدا لم يكن لها لو لم تحصُـل العملية.
عاملان أساسيان
تجديد التفويض كان رسالة إلى أن سيف التهديد التُّـركي بالتَّـدخل في شمال العراق ضدّ مقاتلي الحزب الكردستاني، سيبقى مسلطا على امتداد السنة المقبلة، وبالتالي، يبقى احتمال التدخل العسكري التركي ورقة ضغط تشهرها أنقرة على الجميع، من حزب العمال إلى حكومة إقليم كردستان إلى حكومة بغداد، وصولا إلى الإدارة الأمريكية.
فضلا عن هذه الأهداف “الطبيعية”، فإن حصول التفويض بعد عملية “أق توتون” سيدفع الأتراك إلى التَّـفكير بأساليب جديدة لتدخُّـلهم العسكري، في حال حصوله، وإلى “تطوير بنك الأهداف”، ليتجاوز اقتصاره على حزب العمال الكردستاني تحت ضغط عاملين: الانتقام بطريقة أوسع وأكثر نوعية من حزب العمال، والثاني، تصريحات الرئيس التركي عبدالله غُـل من أن قِـوى أجنبية تدعم حزب العمال الكردستاني.
في العامل الأول، بدأت تدبّ الحرارة في فِـكرة إقامة حِـزام أمني في شمال العراق، إن لم يكن على امتداد الحدود العراقية، فعلى الأقل، عند بعض المواضع الجغرافية الحساسة، وهذا يفتح على تصريحات بعض رجال السياسة الأتراك في المعارضة، ومن جانب العديد من الخبراء الأمنيين، بضرورة تغيير خطِّ الحدود بين تركيا والعراق، بحيث ينتقل إلى سفوح الجبال داخل العراق، بدلا من مروره عند رؤوس الجبال، ليُـمكِّـن لتركيا الدفاع عن حدودها بصورة أفضل.
وإذا كان تغيير الحدود رسميا، أمرا مستبعدا، فإن تغييرها بقوّة الأمر الواقع قد لا يكون صَـعبا من خلال إقامة حِـزام أمني ليس عميقا داخل العراق، لكن بالقدر الذي تستطيع فيه قوات الجيش التركي التَّـمركُـز والدفاع بصورة أفضل عن الداخل التركي ومنع تِـكرار عمليات على غِـرار “أق توتون”.
وجاء موقِـف الرئيس غُـل من أن بلاده ستقوم بكل ما يجب أن يُفعل إشارة قوية إلى إمكانية وضع فكرة إقامة حِـزام أمني على نار حامية.
فرصة للتغير الداخلي
أما مسألة اتهام غُـل لقِـوى أجنبية بمساعدة حزب العمال الكردستاني، فهو بالتأكيد يقصُـد تغاضي حكومة بغداد وإقليم كردستان وأمريكا عن تواجد عناصِـر الكردستاني في شمال العراق، وتسامح دُول أوروبا الغربية مع النشاطات الإعلامية وجمع التبرّعات التي يقوم بها حزب العمال في تلك الدُّول.
وهذا الأمر ليس بالجديد ومعروف للقاصي والدّاني، لكنه تجديد وتذكير لهذه القوى بمسؤوليتها أيضا عن استمرار حالة حزب العمال الكردستاني، وتبرير مُـسبق لِـما يمكن أن تفعله تركيا في ظِـل عدم تحرّك هذه القِـوى ضد الحزب، لكن عملية “أق توتون” دخلت أيضا في كونها فُـرصة لتغيير المُـعادلات الداخلية.
فسهولة الهجوم وانكشاف ثَـغَـرات في نظام الدِّفاع العسكري التركي كان سببا لمطالبة العسكر بإعادة العمل ببعض الإجراءات، التي أُلغي العمل بها انسجاما مع شروط الاتحاد في الاصلاح السياسي. فالعسكر يُـريد عودة العمل بنظام تفتيش الأماكن المُـشتبه بها، من دون إذن مُـسبق من القضاء، ومراقبة الاتصالات اللاسلكية وقطعها، إذ يرى ضرورة لذلك أيضا من دون العودة لأحد، وغيرها من الإجراءات التي تطلق يد الجيش وتُـعيد الهيمنة الأمنية على مناطق جنوب شرق تركيا الكردية، وربما خارجها. ويرى الجيش أن القوانين الحالية تُـكبّل يده في مُـكافحة الارهاب.
ورغم أن حكومة رجب طيب أردوغان تُـقاوم مثل هذه المطالب بصورة قوية منذ مدة طويلة، إلا أن تراجع عملية الإصلاح منذ أكثر من سنتين، والصَّـدمة التي أحدثتها عملية “أق توتون”، قد تُـخلخل مُـمانعة الحكومة أمام الرأي، خصوصا أن الانتخابات البلدية على الأبواب، حيث يجد حزب العدالة والتنمية نفسه بين كفّـي كماشة قاعدته التركية الملثومة، والرغبة في عدم خسارة نفوذه القوي في المنطقة الكردية.
لمن الأولوية.. الديمقراطية أو الأمن؟
أيضا، فإن مناخ “العسكرة” يطغى على مزاج العديد من التيارات السياسية، ومن ذلك الدعوة إلى إعادة العمل بقانون حالة الطوارئ في المناطق الكردية.
وانتقل النقاش الداخلي نتيجة لذلك، من كيفية الردّ على الهجوم الكردي إلى سِـجال بين دُعاة ترسيخ النَّـزعة الديمقراطية والحريَّـات، وبين دُعاة إعطاء الأولوية للأمن، ولو على حساب بعض الحريات.
يقول الكاتب محمد ألتان، إنه إذا فعل العسكر ما يريده، فستتعسكر البلاد، وإن القول بأنه لا يمكن مكافحة الإرهاب في ظل القوانين الحالية، أمر خطير جدا.
واستهجن الكاتب جنكيز تشاندار القول بأنه توجد علاقة بين تصاعُـد عمليات حزب العمال الكردستاني و”ضعف القوانين الحالية”، وقال إن هذا مجاف للحقيقة.
من جهته، أشار الكاتب أوميت فرات إلى أن العسكر يحاول منذ عام 2004 إعادة حال الطوارئ إلى البلاد، لكن حالة الطوارئ التي كانت قائمة، لم تفض إلى أيام جميلة.
وكان لرئيس إقليم حالة الطوارئ (الذي كان يشمل المناطق الكردية) السابق نجاتي تشيتينكاي، موقف لافت بالقول ان الحل ليس في إعلان حال الطوارئ، بل في تفعيل مشروع غائب لتنمية جنوب شرق الأناضول.
ويقول رئيس غرفة الصناعة في ديار بكر، محمد قايا، إن الإرهاب ينتهي فقط بالمزيد من الخُـطوات الديمقراطية.
أما الأكاديمي البارز باسكين أوران، فأعرب عن اعتقاده بأن إعلان حالة الطوارئ يجعل من حزب العمال الكردستاني الممثِّـل الوحيد للأتراك، ويُـبعِـد تركيا عن الاتحاد الاوروبي.
ماذا عن جوهر المشكلة المزمنة؟
وقال الكاتب كيزبان خاتمي، إن إدارة الاتحاد والترقي لم تجلب لنا منذ مائة عام السعادة، وأن العلاج الوحيد للإرهاب هو الدولة الحقوقية.
ويربط محمد يلماز، في جريدة زمان، بين دعوات عودة حالة الطوارئ ومحاولة إضعاف المسار الإصلاحي في تركيا، محذّرا الحكومة في اجتماعاتها مع المسؤولين العسكريين والأمنيين في إطار لجنة مكافحة الإرهاب، من الوقوع في هذا الفخّ الذي يُـراد من ورائه عودة نُـفوذ القِـوى العسكرية، ومنها منظّـمة أرغينيكون، التي ستبدأ محاكمة أعضائها في العشرين من الشهر الجاري. وذكّر يلماز أن كل رؤساء الأركان السابقين كانوا قد اعترفوا بخطإ إعلان الطوارئ، حتى أن قائد انقلاب 12 سبتمبر 1980 كنعان ايفرين، وصف منع التحدّث باللغة الكردية بـ “الخطأ”.
وبمعزل عن كل التطوّرات والمستجدات الآنية، فإنه من المُـؤسف أن أحدا في تركيا لا يعود إلى جوهر المشكلة المُـزمنة منذ أيام، مصطفى كمال أتاتورك، ولا أحد يسأل نفسه بصورة جدية: لماذا لم تعرِف المشكلة حلاّ لها حتى الآن؟ ولماذا يحِـمل الشبَّـان الأكراد السلاح، رغم التغيرات المتعدِّدة في التوازنات الإقليمية والدولية، وتعاقب السلطات السياسية في أنقرة منذ أكثر من ثمانين عاما؟
أما ما يجري من معالجات موضوعية وظرفية، فلن يفضي إلا إلى المزيد من الدّمع وإراقة الدم، كما يقول أحمد تورك، رئيس حزب المجتمع الديمقراطي الكردي (المرشح للحظر من قِـبل المحكمة الدستورية)، وعدم الاستقرار الداخلي التركي والإقليمي.
محمد نور الدين – بيروت
أنقرة/أربيل (رويترز) – قال الجيش التركي يوم السبت 11 أكتوبر إن طائراته الحربية ومدفعيته قصفت 31 قاعدة لحزب العمال الكردستاني الانفصالي يوم الجمعة في إطار عملية تستمر أسبوعا في شمال العراق بعد هجوم قتل فيه 17 جنديا تركيا.
وقال أحمد دنيس، المتحدث باسم حزب العمال الكردستاني في العراق، إن القصف الجديد وقع في مناطق جبلية داخل العراق لمدة ساعة يوم السبت ولكنه لم يدل بالمزيد من التفاصيل.
وذكر الرئيس التركي يوم السبت للمرة الأولى علانية أن الحكومة التركية تتحدث الى حكومة إقليم كردستان العراقية بشأن التحرك ضد حزب العمال الكردستاني الذي يشن هجمات داخل تركيا من قواعده في شمال العراق.
وكانت تركيا رفضت من قبل الجلوس على مائدة تفاوض مع أكراد العراق وألقت باللوم عليهم في عدم القيام بجهد كاف لطرد مقاتلي حزب العمال الكردستاني وقالت إنها تتعامل مع الحكومة المركزية في بغداد.
وصعد الجيش عملياته ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا وعبر الحدود في شمال العراق بعد سلسلة من الهجمات القاتلة للمتمردين الانفصاليين ضد الجنود الاتراك منذ اسبوع.
وقال بيان الجيش الذي صدر يوم السبت، إن الطائرات والمدفعية التركية هاجمت 31 هدفا لحزب العمال الكردستاني في منطقة هاكورك بشمال العراق قرب منتصف ليل الجمعة. وأوضح أن العملية كللت بالنجاح.
ولم يذكر الجيش مدى الاضرار التي وقعت او ما إذا كان هناك أي جرحى وقتلى. وقال متحدث باسم حزب العمال الكردستاني إن مقاتليه لم يتعرضوا لخسائر.
وأكد جبار ياور المتحدث باسم قوات البشمركة الكردية وقوع القصف التركي ليل الجمعة.
وأكد الرئيس التركي عبدالله غُـل انه جرت محادثات مع السلطات الكردية العراقية التي أشار إليها التلفزيون التركي في وقت سابق قائلا، إن تركيا تحدثت مع اكراد العراق في الماضي في مسعى للتعاون ضد حزب العمال الكردستاني.
وقال غُـل في مؤتمر صحفي “هذا ليس جديدا.. انني اجد ان هذا الامر صحيح للغاية وليس هناك شيئ عادي اكثر من ذلك”. وقال إن انشطة حزب العمال الكردستاني موضع قلق بالنسبة لزعماء اكراد العراق.
ورحب فلاح مصطفي، رئيس دائرة العلاقات الخارجية بحكومة إقليم كردستان، بالحوار المباشر مع تركيا.
وقال لرويترز إنه يعتقد ان ذلك سيسهم الى حد كبير في حل النزاعات والمشاكل القائمة مشيرا الى العلاقات الاقتصادية والتجارية الطيبة بين الحكومة الاقليمية وتركيا.
ومدد البرلمان التركي يوم الاربعاء لعام اخر، تفويض الجيش لشن عمليات ضد متمردي حزب العمال المتمركزين في شمال العراق.
واعتقلت الشرطة التركية امرأة في وسط اسطنبول تعد لهجوم انتحاري يوم السبت.
وقال معمر جولير محافظ اسطنبول في تصريحات بثها التلفزيون في اشارة الى حزب العمال الكردستاني “كانت هذه مهاجمة انتحارية ونحن نعرف انها عضو بالمنظمة الارهابية”.
وشن حزب العمال الكردستاني هجمات في مدن تركيا الكبرى في الماضي، ولاسيما اسطنبول.
وقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ أن شن حزب العمال الكردستاني حملته المسلحة من أجل اقامة وطن للاكراد في جنوب شرق تركيا عام 1984.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 أكتوبر 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.