عودة التفاؤل إلى سكان بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية
لفتت بنغازي، أكبر المدن بشرق ليبيا، أنظار وسائل الإعلام إليها العالمية قبل أربعة أشهر، مع تزايد الإهتمام الدولي بتصاعد حركة الإحتجاج الشعبية ضد نظام العقيد معمّر القذافي.
واليوم، تستضيف هذه المدينة الساحلية مقر المجلس الوطني الإنتقالي، الذي يستعد لتولي إدارة البلاد بعد سقوط نظام القذافي، وهو احتمال يعتقد المجتمع الدولي أنه يقترب من التحقق مع مرور الأيام.
وأوضح دانيال بييلير، مدير مكتب مؤسسة المساعدات الإنسانية، التابعة للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون ببنغازي في حديث إلى swissinfo.ch خلال زيارة خاطفة قادته إلى برن نهاية الأسبوع الماضي، بأن الليبيين ينتظرون منذ 42 عاما الإفلات من القبضة الحديدية لنظام القذافي، وهم اليوم متفائلون بإقتراب ذلك الموعد إلى حد ما.
وكانت المؤسسة السويسرية للمساعدة الإنسانية افتتحت مكتبا لها في بنغازي شرق ليبيا في منتصف شهر مارس 2011 لتقديم المساعدات اللازمة إلى المحتاجين من أبناء الشعب الليبي في ظل الظروف الإستثنائية التي يمر بها بلدهم.
swissinfo.ch: كيف تصفون الوضع الآن في مدينة بنغازي؟
دانيال بييلير: الوضع هادئ. ويكاد يعود إلى حالته الطبيعية. هناك حركة مرور مكثفة. وعادت أجهزة الأمن إلى العمل في الشوارع بأزيائها الرسمية، والمقاهي مفتوحة، إلى جانب كل المتاجر تقريبا. ويقوم متطوّعون بتطهير وتنظيف الشوارع، وهو ما يعطي مؤشرا جيّدا على أن ليبيا تدخل عهدا جديدا.
وعندما أتحدث إلى الموظفين في مكتبي أو إلى عامة المواطنين في الشارع، أشعر بان لديهم ثقة إلى حد ما بأن العملية الإنتقالية سوف تنتهي قريبا، وهم يفعلون ما في وسعهم لتحقيق ذلك. والإنطباع السائد لدى العاملين معنا، هو انهم مرتاحون في ظل سلطة المجلس الوطني الإنتقالي، الذي أسسه المعارضون لنظام القذافي لتمثيل ليبيا.
ويتشكل هذا المجلس من أعضاء منحدرين من بنغازي ومن طرابلس وبريقا ومصراته، ومن جميع أنحاء البلاد. وما توصلت إليه شخصيا، أنه ليست هناك أي نيّة لديهم لتقسيم ليبيا.
ما نوع المشروعات التي تشرفون على إنجازها؟
دانيال بييلير: نركّز جهودنا على تقديم المساعدات الإنسانية، في مجاليْ الخدمات الصحية والمعونات الغذائية. ونقدّم الدعم إلى المستشفيات في طبرق وبنغازي ونوزّع عليها شحنات من الأدوية. وقبل يوميْن فقط، وصلت إلى ميناء المدينة سفينة محمّلة بعشرين طنا من مسحوق حليب الاطفال.
ونشرف من جهة أخرى على مشروع لصالح الأفراد المشردين داخليا. ويوجد حاليا في بنغازي لوحدها 77 مخيّما تؤوي 65.000 نازحا، الكثير منهم يقيمون في ضيافة مجموعات سكانية، نقدّم لهم الدعم اللازم من فرش وبطانيات ولوازم اخرى. كذلك، يوجد أفراد قد وفدوا من مصراته وبريقا وأجدابيا، إلى بنغازي خلال المراحل السابقة.
وهل لاحظتم وجود أي رعايا أجانب في المدينة؟
دانيال بييلير: إلى حدود 2 يونيو الماضي، غادر التراب الليبي 950.000 شخص تقريبا إلى البلدان المجاورة. ومنذ البداية، قدمت كل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون والمكتب الفدرالي للهجرة، الدعم المالي والمساعدة اللوجستية للمنظمة الدولية للهجرة من أجل تنظيم عودة مواطني بلدان العالم الثالث إلى ديارهم بمجرد ما تسمح الظروف لهم بذلك.
ما طبيعة المساعدات التي تقدمها سويسرا؟ هل هي معونات مالية بالأساس؟ أم يتعلق الأمر بخبرات وخدمات لوجيستية؟
دانيال بييلير: نقوم من جهة بتقديم الدعم والمساعدة لشريكنا الرئيسي اللجنة الدولية للصليب الاحمر، كما نقدم دعما ماليا إلى برنامج الغذاء العالمي وإلى مكتب الامم المتحدة للشؤون الإنسانية. ونشرف من جهة اخرى، وبشكل مباشر، على انشطة، كتقديم الدعم الطبي للمشردين داخليا ورعاية المشروعات النسائية.
والأدوية التي نقوم بتوريدها، هي أدوية متخصصة، هناك حاجة إليها على سبيل المثال عقب العلاجات الكيميائية التي يخضع لها المصابون بمرض السرطان. هذه الأدوية مكلفة جدا وقد قطع خط إستيرادها إلى البلاد وتوزيعها بسبب الأحداث الإستثنائية التي تمر بها ليبيا. نقوم بنقل هذه الأدوية عبر البحر إلى ميناء بنغازي، وسيتكفّل موظفونا هناك بالإشراف مباشرة على توزيعها.
من الواضح أن السكان في بنغازي “منظمون” بشكل جيّد، ولكن هل توجد مشكلات مثل الفساد أو اعتماد الطرق الملتوية؟
دانيال بييلير: لا أتصوّر ذلك. وكل الأشخاص الذين تحدثت إليهم، وجدتهم مخلصين لبلادهم إلى حد بعيد. ويعبّر جميعهم عن سعادتهم الغامرة بحدوث هذا التغيير في حياتهم. وهم يعملون ليلا ونهارا من أجل مستقبل أفضل.
إن الحماس الذي يبديه السكان في بنغازي مثير للإعجاب. ويجتمع هؤلاء كل يوم في ميدان وسط المدينة. يجلسون إلى بعضهم البعض، ويتجاذبون أطراف الحديث. ويُضفي هذا على المكان حالة من البهجة والسرور.
وماذا عن وضع المرأة؟ لقد كان من الملفت للنظر في جميع هذه الثورات العربية، المشاركة القوية للمرأة، حيث احتلت المراة إلى جانب الرجل، الشوارع والساحات العامة؟
دانيال بييلير: هذا أيضا صحيح. كان في الماضي يحظر على النساء في ليبيا تأسيس جمعيات او اتحادات نسائية، لكنني اكتشف في مدينة بنغازي مجموعة من النساء دأبن على مدى السنوات العشر الماضية على تقديم العون للعائلات الفقيرة في المنطقة. حاليا، بدأت المنظمات النسائية في الظهور العلني وأصبحت تكتسب أهمية مع مرور الوقت.
هل يقبل الرجال بسهولة بهذا التحوّل؟
دانيال بييلير: في الحقيقة، الناس هناك منفتحون، وهذه الهيئات مجدية ونافعة بالنسبة للمستقبل. ما لاحظته بالنسبة للمحيط الذي يشتغل معي، هو أنهم أناس متعلمون ولديهم رغبة كبيرة في تطوير قدراتهم. وما هو ملفت للنظر، أن هناك عددا كبيرا من المواطنين الذين كانوا مقيمين في بلدان أجنبية هم بصدد العودة إلى ليبيا لدعم وطنهم في هذه اللحظة التاريخية المهمة، وهذا في حد ذاته يستحق الإعجاب.
هل دخلت سويسرا إلى بنغازي في وقت مبكرّ، حتى تكون في وضع جيّد لاحقا؟
دانيال بييلير: هذا ليس شغلنا الشاغل، تظل مهمتنا الأساسية تقديم العون للسكان. وكانت هناك أطراف أخرى حاضرة على عين المكان في نفس الوقت معنا. وتتعاون جميع المنظمات الإنسانية بين بعضها البعض، وتشرف الأمم المتحدة على التنسيق بينها.
معنى هذا أنه ليس هناك تضارب في المصالح أو تنافس بينها؟
دانيال بييلير: لا، ليس الأمر كذلك، كانت العلاقة جيّدة بيننا منذ البداية، والعمل هناك ممتع فعلا.
هل توجد في المدينة أيضا جهات عربية نشطة في المجال الإنساني؟
دانيال بييلير: هذا صحيح، هناك منظمة الإغاثة الإسلامية. وخلال الإجتماعات التنسيقية، تلتقي جميع الأطراف القادمة من الغرب أو من الشرق. والجميع يشارك في هذه الجهود الإنسانية، كل بطريقته.
افتتحت المؤسسة السويسرية للمساعدات الإنسانية، التي تتبع الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون مكتبا لها في بنغازي في منتصف شهر مارس 2011.
يهدف هذا المكتب إلى تقديم العون الإنساني، وتوفير المساعدات الطارئة.
يشغّل المكتب حاليا 10 موظفين، من بينهم طبيب سويسري من أصل ليبي، وخمسة آخرين من المواطنين المحليين.
تتركز جهود المكتب على تقديم المساعدات الطبية، والغذائية، كما يعمل مع النازحين والمُرحّلين في الداخل الليبي.
توفّر الحكومة السويسرية كذلك مساعدات مالية لعدد من أهم المنظمات الإنسانية والأممية العاملة في بنغازي. وفي موفى شهر أبريل 2011، توزعت المبالغ على الشكل التالي:
اللجنة الدولية للصليب الاحمر: 550.000 فرنك سويسري.
المنظمة الدولية للهجرة: 1.500.000 فرنك.
برنامج الغذاء العالمي: 500.000 فرنك.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: 300.000 فرنك.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.