غموض أوباما.. وهواجس الأمن الإسرائيلية .. وسراب “حل الدولتين”
لا يكاد يمر يوم إلا ويؤكد الرئيس أوباما أو أحد كبار المسؤولين عن السياسة الخارجية الأمريكية التزامه العميق بحل الدولتين دون أن يتطرق أحد منهم إلى الحديث عن شكل ومقومات ووضع الدولة الفلسطينية التي يأمل الجميع في أن تكون إقامتها إيذانا بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي في نطاق تسوية شاملة تعيد باقي الأراضي العربية المحتلة في سوريا ولبنان.
وفي محاولة لمعرفة فرص إدارة أوباما في تحقيق ذلك السلام المنشود ومخاطر انهيار عملية السلام برمتها حضرت سويس إنفو ندوة أقامها مركز ويلسون الدولي في واشنطن وتحدث فيها أولا السفير آرون ميللر، مساعد المنسق الأمريكي لعملية المفاوضات العربية الإسرائيلية سابقا، فقال: “إنه رغم اختيار الرئيس أوباما للسناتور جورج ميتشل مبعوثا خاصا للشرق الأوسط بما يتميز به من قدرة مشهود لها في حل الصراعات المستعصية، ورغم أن أوباما لا يزال يؤمن بشعار حملته الانتخابية: “نعم يمكننا إحداث التغيير”، فإن الأوضاع على الأرض الفلسطينية تنذر بقرب زوال فرصة حل الدولتين.
وأضاف ميللر: “يكاد الوقت ينفد بحيث تتضاءل فرصة إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع تآكل ما تبقى من أراضي الضفة الغربية تحت وطأة الاستيطان المتزايد فيها، وما لم تتحرك إدارة أوباما بسرعة بحيث يمكن إقامة الدولة الفلسطينية خلال فترة رئاسته فسيكتب التاريخ أن فرصة إقامة تلك الدولة تلاشت في عهد الرئيس أوباما”.
وأشار خبير المفاوضات العربية الإسرائيلية إلى أن الانقسام الفلسطيني وحقيقة أنه لم يتبق في يد الفلسطينيين أي شيء يقدمونه كتنازلات في مقابل موافقة إسرائيل على إقامة تلك الدولة، أصبح من المحتم على إدارة أوباما أن تستخدم المبادرة العربية للسلام كحافز يشجع إسرائيل على وقف الاستيطان مقابل بدء تطبيع تدريجي كلما نفذت إسرائيل التزاما مما يقتضيه التحرك على طريق إقامة الدولة الفلسطينية والحل الشامل الذي يتطلب الانسحاب الإسرائيلي كذلك من مرتفعات الجولان ومزارع شبعا.
وردا على سؤال لسويس إنفو عما إذا كان بوسع أوباما ممارسة الضغط على إسرائيل خاصة في ظل حكومة يرأسها بنيامين ناتانياهو المعروف بتصلبه ورفضه لفكرة حل الدولتين، قال السفير ميللر: “من الحقائق الثابتة أنه يتعين على أي رئيس أمريكي ينخرط في الوساطة في المفاوضات العربية الإسرائيلية إذا كان يسعى إلى النجاح في مهمته أن يجمع بين تقديم التأكيدات والضمانات للطرفين وبين ممارسة النفوذ أو الضغط على الطرفين، فالنجاح يقتضي تقديم الحوافز والتلويح بالعواقب في آن معا. وهذا هو ما فعله كيسنجر ثم كارتر ثم جيمس بيكر وهو ما سيتعين على أوباما عمله”.
هواجس الأمن الإسرائيلية
وتحدث في ندوة مركز ويلسون الدولي الدكتور شاي فيلدمان مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة برانديز بولاية ماساتشوستس والرئيس السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب، فأعرب عن اعتقاده بأنه لن يكون بوسع رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما يلتقي بالرئيس أوباما في الثامن عشر من الشهر الحالي أن يتسبب في صدام يحدث شرخا في العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة خاصة وأنه حاول ذلك في السابق مع الرئيس كلينتون وخسر الانتخابات الإسرائيلية في عام 1999 وإنما سيركز ناتانياهو في طرحه للموقف الإسرائيلي من حل الدولتين على هواجس الأمن الإسرائيلية.
واضاف الدكتور فيلدمان: “سيقول ناتانياهو لأوباما إن مشكلة إسرائيل مع إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو أنه إذا بدأ الفلسطينيون في التفكير في دولتهم المستقلة فسوف تكون لذلك عواقب تهدد الأمن الإسرائيلي مثل تشكيل قوات مسلحة فلسطينية، والسيطرة الكاملة على الأجواء الفلسطينية، والتحكم في منافذ الدخول والخروج من تلك الدولة، وبما أن حقوق السيادة الكاملة للدولة الفلسطينية تتعارض مع متطلبات الأمن كما يراها الإسرائيليون سيتعين أن تكون سيادة الدولة الفلسطينية سيادة منقوصة. وربما ستكون إجابة الرئيس أوباما على تلك المخاوف: لا أعتقد أن تلك المخاوف تتعارض بالضرورة مع فكرة حل الدولتين”.
وأضاف الخبير الأمريكي الإسرائيلي قوله “إن الرئيس أوباما سيُذكّـر رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه عندما كان رئيسا لوزراء إسرائيل في عام 1996 كان يتعامل مع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في إطار حل الدولتين بعد أن كان معارضا قويا لاتفاقات أوسلو وأنه يتعين عليه الإعتراف بالاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين في السابق كما يطلب من حماس ضرورة الاعتراف بها”.
وأشار الخبير الأمريكي الإسرائيلي إلى أن هناك مطلبا إسرائيليا آخر يطرحه وزير الخارجية الإسرائيلي آفيغدور ليبرمان كشرط لإقامة الدولة الفلسطينية هو “أن يتم نقل الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل حاليا ويشكلون حوالي عشرين في المائة من تعداد السكان في إسرائيل إلى المستوطنات الإسرائيلية التي يتم الاتفاق على إخلائها بحيث تصبح إسرائيل دولة يهودية خالصة”.
غموض أوباما ودولة ليست لها قيامة
وأعرب السيد غيث العمري المستشار السابق للرئيس الفلسطيني محمود عباس في ندوة مركز ويلسون الدولي عن قناعته بأن استمرار الخلافات والانقسامات الفلسطينية بين حماس والسلطة الفلسطينية والخلافات بين الزعماء الإسرائيليين حول شكل الحل الممكن للصراع مع الفلسطينيين من شأنه تعويق مسيرة إحراز تقدم في عملية السلام حتى مع التوجهات الجديدة لإدارة أوباما التي تتعمد الغموض فيما يتعلق بماهية الدولة الفلسطينية التي يمكن إقامتها لتحقيق حل الدولتين.
وقال العمري إن تعبير حل الدولتين أصبح يستخدم كلعبة دبلوماسية موضحا بأنه “لا يوجد لدى إدارة الرئيس أوباما تعريف محدد لما ستكون عليه الدولة الفلسطينية، وربما يكون هذا أفضل لأن من سيحدد ذلك التعريف هو المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون الذين يدركون تماما أن تعريف وحدود وشكل تلك الدولة سيتحدد وفقا لما يمكن تسويقه بشأنها لدى الرأي العام الفلسطيني والرأي العام الإسرائيلي، وبعدها يمكن للرئيس أوباما أن يلقي بدلوه وفقا للإشارات الصادرة من مفاوضات الطرفين”.
هكذا يتضح من طرح الخبراء الثلاثة أن حل الدولتين يفترض، أولا: أن يتم التوفيق بين الطرفين الفلسطينيين المتناحرين وأن ينطوي ذلك على موافقة حركة حماس على الاعتراف بالإتفاقات السابق إبرامها مع الإسرائيليين. ثانيا: أن يتمكن الرئيس أوباما بعد لقاءاته بالعاهل الأردني ثم رئيس الوزراء الإسرائيلي فالرئيس المصري ثم الرئيس الفلسطيني من رسم صورة كاملة لمواقف العرب والإسرائيليين إزاء حل الصراع وما يمكن أن يقدمه العرب من حوافز لإسرائيل. ثالثا: أن الدولة الفلسطينية المنشودة ستكون ناقصة السيادة خدمة لهواجس الأمن الإسرائيلية ولذلك سيظل تعريف أوباما لماهية تلك الدولة يكتنفه الغموض.
غير أن كل تلك الآمال حتى في الحصول على دولة فلسطينية غير قادرة على ممارسة سيادتها ربما تعصف بها الأوضاع القائمة على الأرض والتي يمكن أن تجعل الحل الوحيد هو دولة واحدة على أرض فلسطين هي دولة إسرائيل. كما يقول الدكتور شاي فيلدمان ردا على سؤال لسويس إنفو: “إذا لم يتم إحراز تقدم سريع يعطي الفلسطينيين الأمل في مستقبل أفضل وإذا سيطرت عليهم مشاعر الإحباط واليأس وإذا شعر الفلسطينيون بأن الحقائق على الأرض تتجه نحو ما تسميه إسرائيل حل الدولة الواحدة فلن يستطيع أحد أن يلوم الفلسطينيين إذا انتفضوا من جديد وبدءوا موجة جديدة من أعمال العنف”.
صفقة أوباما السرية مع الدول العربية
ولعل تصريحات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تكشف حقيقة عزم أوباما على عقد صفقة مع الدول العربية بل والإسلامية تستند إلى تطوير مبادرة جديدة وصفها العاهل الأردني بقوله: “تعكف إدارة الرئيس أوباما على تطوير مبادرة جديدة طموحة تسمي “حل السبع وخمسين دولة” للسلام تنطوي على وقف الاستيطان تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية مع تعهد إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب عام 1967 مقابل تطبيع العلاقات مع كل الدول العربية والإسلامية وأساعد في تطوير تلك المبادرة”، وربما تتمكن إسرائيل من خلال تلك المبادرة من الحصول على منافع التطبيع مع دول المؤتمر الإسلامي السبع والخمسين مقابل دولة فلسطينية ناقصة السيادة وربما مفتقدة لمقومات البقاء.
محمد ماضي – واشنطن – swissinfo.ch
القدس (رويترز) – استعد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الخميس 14 مايو 2009 لمحادثات في البيت الابيض يمكن أن تنطوي على مواجهة وزار جارة عربية يساورها القلق من احجامه عن تبني اقامة دولة فلسطينية.
وجاء اجتماع نتنياهو مع الملك عبد الله عاهل الاردن بعد اجرائه محادثات يوم الاثنين 11 مايو مع الرئيس المصري حسني مبارك زعيم دولة عربية أخرى وقعت على اتفاق للسلام مع اسرائيل والذي حثه على دعم اقامة دولة فلسطينية. وذكرت وكالة الانباء الاردنية بترا أن الملك عبد الله قال لنتنياهو ان الوصول الى حل قائم على دولتين للصراع الاسرائيلي الفلسطيني شرط لتحقيق السلام في الشرق الاوسط.
وصرح مسؤولون اسرائيليون بأن نتنياهو أطلع العاهل الاردني على عزمه اجراء محادثات اقتصادية وأمنية وسياسية مع الفلسطينيين. وكان الفلسطينيون قد أعلنوا أنه لا يمكن استئناف مفاوضات السلام ما لم يتعهد نتنياهو باقامة دولة فلسطينية.
وقبل اجتماع رئيس الوزراء الاسرائيلي الاثنين القادم (18 مايو) مع الرئيس الامريكي باراك أوباما أشار زلمان شوفال رئيس لجنة السياسة الخارجية بحزب ليكود اليميني الذي يتزعمه نتنياهو الى انقسامات مع واشنطن. وقال شوفال لاذاعة الجيش الاسرائيلي “من الواضح تماما أن الرئيس اوباما سيجدد نداءه باقامة دولتين لشعبين وأنا متأكد أن رئيس الوزراء لن يقوم باعلان يحمل نفس الروح”.
وسيركز نتنياهو الذي يقوم بأول زيارة له للولايات المتحدة منذ تولي حكومته اليمينية المسؤولية في 31 مارس اذار في محادثاته مع اوباما ايضا على منطقة خلاف محتملة أخرى وهي كيفية التعامل مع برنامج ايران النووي. وذكرت مصادر سياسية اسرائيلية أن نتنياهو ينظر الى المسألة الايرانية والحاجة الى وقف سريع لما تعتقد اسرائيل أنه سعي من قبل طهران لامتلاك أسلحة نووية كمسألة اكثر الحاحا من السعي الى سلام مراوغ مع الفلسطينيين. وقال افيجدور ليبرمان وزير خارجية نتنياهو الاسبوع الماضي ان على القوى العالمية أن تتخذ اجراءات ضد ايران اذا لم توقف برنامجها النووي بحلول اغسطس اب.
ووافقت اسرائيل القوة النووية الوحيدة بالشرق الاوسط على جهود غربية لفتح باب الحوار مع ايران لكن زعماء اسرائيليين أثاروا قلق الولايات المتحدة بتلميحهم الى شن غارات وقائية اذا رأوا أن الدبلوماسية فشلت. وتقول ايران ان أنشطة تخصيب اليورانيوم تهدف الى توليد الكهرباء.
وقال شوفال وهو سفير سابق لدى واشنطن ويقدم المشورة لنتنياهو لكنه ليس من دائرة المقربين منه ان هناك أسبابا “عملية للغاية” وراء احجام رئيس الوزراء الجديد عن النطق بكلمتي “دولة فلسطينية”. وأضاف شوفال “يمكن أن يسبب هذا مشاكل له في الائتلاف…وهو يعتقد أن الاعلان عن أشياء يجب ان تأتي في نهاية العملية يزيد اي رغبة فلسطينية في الوصول الى نوع من الحلول الوسط معنا ضعفا.”
وأحجم متحدث باسم نتنياهو عن التعقيب على تصريحات شوفال.
ويتكهن شوفال بأنه على الرغم من الخلافات سيحاول نتنياهو واوباما تجنب اي شقاق علني. وأضاف “يريد الجانبان الوصول ان لم يكن الى تفاهمات فعلى الاقل الى وضع يحول دون المواجهات.. على الاقل المواجهات العلنية فكلاهما لا يحتاج الى هذا”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 مايو 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.