فعلها الجُمهوريون.. فماذا سيفعل أوباما؟
عجيب هو ذلك الشعب الأمريكي! فهو الذي ضاق ذِرعا بسياسات الجمهوريين التي خرّبت الاقتصاد الأمريكي وزجّـت بالبلاد في حربيْـن لا نهاية لهما، وشوّهت صورة أمريكا في أنحاء العالم، فمنح الرئيس أوباما قبل عاميْـن انتصارا كاسِـحا في انتخابات الرئاسة وزوّده بأكبر أغلبية للديمقراطيين في مجلسَـي النواب والشيوخ منذ عقود، واعتبره رمزا للأمل في أمريكا المستقبل تحت شِـعار "نعم نستطيع".
وبعد مرور عاميْـن بالتَّـمام والكمال، انقلب نفس النّـاخب الأمريكي على أوباما وحِـزبه ومنح الجمهوريين فرصة تقاسُـم السلطة مع الديمقراطيين، بأغلبية جمهورية في مجلس النواب وتقليص أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. فما الذي تسبَّـب في هذا الانقلاب وما أثره على السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة الصراع العربي – الإسرائيلي؟ وكيف سيؤثِّـر على فرص الرئيس أوباما في الفوز بفترة رئاسية ثانية؟
أسئلة تطرّق إلى الإجابة عليها مجموعة من الخُـبراء العرب الأمريكيين، في ندوة نظمها مركز الحوار العربي في واشنطن يوم 3 نوفمبر 2010، بدأها السيد سابا شامي، مؤسس التحالف الديمقراطي للعرب الأمريكيين، فقدَّم تحليله لأسباب تغيّـر مشاعر الناخبين الأمريكيين نحو أوباما وقال:
“أولا: شعور أعداد كبيرة من الديمقراطيين والمستقلِّـين، ذوي الميول اليسارية أو التقدمية، بأن أوباما خذَلهم بِـعدَم الوفاء بوعوده المتعلِّـقة بإنهاء الحروب الأمريكية في الخارج وإغلاق قاعدة غوانتانامو، سيِّـئة السُّـمعة، وتحوله بدلا من ذلك، إلى تصعيد الحرب في أفغانستان وباكستان وبقاء خمسين ألف جندي أمريكي خارج المدُن في العراق.
ثانيا: تركيزه في مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية على مساعدة الجهات التي تموِّل الحياة السياسية والاقتصادية، مثل الشركات الأمريكية الكبرى والمؤسسات المالية والبنوك، في حين بقِـيت الأقليات والفقراء، بل والطبقة المتوسطة، بِـلا مساعدة تعاني من فِـقدان الوظائف بل والمنازل مع ارتفاع معدّل البطالة إلى 10%.
ثالثا: نجاح الجمهوريين في الاستِـخدام العُـنصري لخلفية أوباما، لتخويف الأمريكيين البسطاء من أنه مسلِـم متخفِّـي في صورة رئيس مسيحي، بل والتشكيك في أنه وُلِـد في الولايات المتحدة وربط خلفيته الدِّينية بمساندته لبناء مركز ثقافي إسلامي في نيويورك، واستغلال التوجُّـه العنصري لحركة حفل الشاي، في تضخيم تلك المخاوف، بالإضافة إلى شبكة فوكس للأخبار المعروفة بعدائها للمسلمين وللديمقراطيين.
رابعا: استغلال الشركات المتضرِّرة من سياسات أوباما في السَّـعْـي لفرْض ضرائِـب أكبر على الأثرياء أو من قانون إصلاح الرِّعاية الصحية، في جلْـب تمويل ضخْـم للحملات الدِّعائية المضادّة لأوباما ومرشحي الحزب الديمقراطي، بحيث وصل الإنْـفاق على الحملات الانتخابية للتَّجديد النصفي، رقما قياسيا يقترب من أربعة آلاف مليون دولار.
كيف فعلها الجمهوريون؟
أما السيد خالد صفوري، المحلل السياسي المتخصِّص في الحزب الجمهوري، فقدم لندوة مركز الحوار تفسيرا للانقلاب على أوباما وحزبه الديمقراطي، يعكس خِـبراته من داخل الحزب ومعرفته بخَـبايا إستراتيجيات الجمهوريين وقال:
أولا: الجمهوريون أخبث كثيرا في الحملات الانتخابية. فرغم عِـلمهم بأن الرئيس بوش هو الذي جلب بسياساته وضْـعا اقتصاديا بالغ السوء وأنه كان أوّل المسارعين ببلايين الدولارات لإنقاذ المؤسسات المالية والشركات الأمريكية الكُـبرى، فإنهم ألصَـقوا التُّـهم بالرئيس أوباما على أنه السبب، ونجحوا في تسويق ذلك، مستغلِّـين الغضب الشعبي من تردّي الأحوال الاقتصادية والبِـطالة وصَـوَّروا إنفاقه الحكومي على أنه توريط للأجيال القادمة.
ثانيا: استغلّ الجمهوريون فشَـل أوباما في وضْـع شروط تضمَـن عودة فوائد حوالي ثمانية آلاف مليون دولار من الأموال الفدرالية، التي منحها لإنقاذ الشركات والمؤسسات المالية الكبرى، كان من المُـمكن أن تقدِّمها هذه الشركات كقُـروض لإدارة عجَـلة النشاط الاقتصادي وخلْـق وظائف جديدة في إقناع الناخبين، بأن سياساته الاقتصادية أخفَـقت في تحسين الوضع مستغلِّـين استطلاعات الرأي العام، التي أوضحت أن أكثر من 75% من الناخبين يروْن أن سُـوء الأحوال الاقتصادية، هو أكثر ما يُـقلقهم.
ثالثا: استغلّ الجمهوريون ارتفاع الإنفاق الفدرالي في إثارة مشاعِـر العداء نحو أوباما وحزبه الديمقراطي، بتخويف الناخبين من أنه يحمِـل أجندة شِـبه اشتراكية تتنافى مع ما بُـنِـيَـت عليه أمريكا من رفْـض لحكومة كبيرة الحجْـم تتدخَّـل في كل شؤون الحياة، حتى التأمين الصحي. وركب الجمهوريون موجة حركة حفل الشاي، المناهِـضة للضرائب وللإنفاق الحكومي، والتي قادت مسيرة التَّـخويف من أوباما وحزبه.
ماذا سيفعل أوباما؟
تصدّى للإجابة على هذا السؤال، الصحفي والمحلل السياسي السيد عزيز فهمي، فركَّـز على انعكاسات الانقلاب على أوباما، بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة إزاء الصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي فقال:
“حتى قبل أن يحدُث الانقلاب الشعبي ضدّ أوباما، فإنه بدا متراجِـعا عن مواقفه المُـعلنة من الاستيطان وسمح لناتانياهو بزحْـزحته إلى استجداء تجميد المُـستوطَـنات لعدة شهور، أما وقد نجح الجمهوريون في انتزاع الأغلبية في مجلس النواب وقيادة لِـجان المجلس، فسيتمكَّـنون من شلّ قُـدرة أوباما على طرْح أي مبادرة أمريكية للسلام، كما كان مُـنتظرا منه إذا خرج من انتخابات التَّـجديد النِّـصفي منتصِـرا، وسيختار الجمهوريون من مشروعات القرارات ما يُـظهِـر مساندتهم لإسرائيل، مثل أن يطرحوا الرّبط بين حصول السلطة الفلسطينية على المساعدات الأمريكية وبين قَـبولهم مطلَـب إسرائيل بالاعتراف بها كدولة لليهود”.
وأشار السيد عزيز فهمي إلى أن التأييد لمِـثل هذا النوْع من القرارات، لن يقتصر على الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، بل سيشمل الكثير من الأعضاء الديمقراطيين. وأوْضح أن اللُّـوبي المُـوالي لإسرائيل والمُـسمَّـى بلجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، المعروفة باسم “إيباك”، احتفل بعد إعلان النتائج بالنجاح في تحقيق الفوْز للمرشحين الذين تؤيِّـدهم، من الحزبيْـن الجمهوري والديمقراطي، وتحقيق أجندتها!
أما السيد سابا شامي، فيرى أن فريقا من أشدّ أنصار إسرائيل في مجلس النواب من الجمهوريين، سيلعبون اعتبارا من يناير القادم، أدوارا رئيسية حاسِـمة للضغط على الرئيس أوباما لصالِـح إسرائيل، ومنهم مَـن هو معروف بعدائِـه العَـلَـني للعرب، مثل العضو البارز إيريك كانتور، الذي وعد بِـما وصفه بتصحيح مسار الجهود الأمريكية في عملية السلام والحيْـلولة دُون التفهُّـم الذي يُـبديه الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للمخاوف الفلسطينية، من ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلّـة.
كما أشار السيد شامي إلى أن النائبة اليهودية الأمريكية إيلينا روزلتناين، المعروفة بعدائها الشديد للفلسطينيين وتبرير مواقف إسرائيل، مَـهْـما كانت متعنِّـتة، أصبحت المرشحة لترأس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، وبذلك سيُـواجه الرئيس أوباما مصاعِـب جمّـة، إذا حاول تنفيذ وعده بحلّ الدولتيْـن على أساس حدود عام 1967.
إيران قد تدفع الثمن
ويتَّـفق السيد خالد صفوري مع حقيقة أن نتائج الانتخابات قد أضعَـفت قُـدرة الرئيس أوباما على طرْح أي مبادرات جَـسورة في مجال التسوية السلمية، التي يؤكِّـد خبراء الأمن القومي الأمريكي أنها تصبُّ في المصلحة القومية الأمريكية، وشبَّـه الرئيس أوباما بأنه سيكون كالبطّـة العرْجاء فيما تبقى من فترته الرئاسية الأولى والأخيرة، على حدّ قوله، ولكنه أشار إلى أنه سوف يتعرّض لضغوط من الجمهوريين للسَّـماح لإسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران وأن يُـعطيها التسهيلات والأسلحة الخاصة، التي يمكِّـن بها لإسرائيل القضاء على البرنامج النووي الإيراني. واستشهد السيد صفوري على ذلك، بأن 36 عضوا من الجمهوريين أرسلوا رسالة إلى إسرائيل يطالِـبونها بشنِّ مثل ذلك الهجوم.
واتفق الخبراء الثلاثة في ندوة مركز الحوار، على أن الإنقلاب الذي نجح الجمهوريون في تدبيره على الرئيس أوباما، قلَّـص كثيرا من فُـرص إعادة ترشيحه لفترة رئاسية ثانية في عام 2012، إلا إذا تمكَّـن من إحداث معجِـزة اقتصادية تُـعيد الانتعاش إلى الاقتصاد الأمريكي المريض، أو إذا واصل الجمهوريون، بعد اقتِـسام السلطة في الكونغرس، إعاقتهم لكل محاولات الإصلاح التي سيقوم بها وتُـبيِّـن للناخب الأمريكي أنه ليس للجمهوريين خطّـة عمل أو رُؤى مفيدة، وأنهم لا يجيدون إلا الكلام، خاصة إذا واصل أعضاء حركة حفل الشاي السيطرة على توجُّـهات الحزب الجمهوري ودفعه نحو مواقِـف يمينية متطرِّفة لا تروق للناخب الأمريكي العادي، ناهيك عن عدم وجود شخصية كاريزمية من الحزب الجمهوري مرشَّـحة لخوْض الانتخابات الرئاسية القادمة ضد أوباما.
واشنطن (رويترز) – قال الرئيس الامريكي باراك اوباما يوم الاربعاء 3 نوفمبر، إن نتيجة انتخابات الكونغرس تشير الي ان الامريكيين يشعرون باحباط بشان وتيرة تعافي الاقتصاد.
وانتزع الجمهوريون في الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء 2 نوفمبر الاغلبية في مجلس النواب من الديمقراطيين.
وقال اوباما انه يتعين على الديمقراطيين والجمهوريين الآن أن يجدوا أرضية مشتركة حتى يمكنهما حل المشاكل التي تواجه البلاد. واضاف الرئيس الامريكي قائلا في مؤتمر صحفي عقده في البيت الابيض “من الواضح أن كثيرين جدا من الامريكيين لم يشعروا بذلك التقدم حتى الان، وانهم أبلغونا بذلك امس” في اشارة الى انتخابات التجديد النصفي الكونغرس. ومضى قائلا “انا حريص جدا على الجلوس مع اعضاء من الحزبين كليهما ووضع تصور للمجالات التي يمكننا السير فيها قدما”.
وقال اوباما “بالنسبة لي، فان الانتخابات تبرز انه يتعين علي ان أودي وظيفتي بشكل أفضل، وهو ما يتعين ان يفعله الاخرون جميعا في واشنطن”. وكان الرئيس الامريكي استيقظ يوم الاربعاء 3 نوفمبر على خريطة سياسية مظلمة، بعد أن عاقب الناخبون الديمقراطيين على ضعف الانتعاش الاقتصادي ومنحوا الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب.
وتمكن الديمقراطيون من الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ وان نجح الجمهوريون في تعزيز مواقعهم به مما يؤذن بمواجهات تشريعية مطولة عندما يبدأ الكونغرس الجديد أعماله في يناير 2011.
فقد ضعفت قبضة أوباما على معالجة الكثير من القضايا من التخفيضات الضريبية الى الاسكان. وسيكون عليه مواجهة محاولات لإلغاء اصلاحاته في مجال الرعاية الصحية وول ستريت وسيواجه أيضا تيارا معاكسا قويا لسياسات الإدارة.
واصبحت تشريعات رئيسية جديدة، مثل تغير المناخ والهجرة على الأرجح، غير مطروحة على الطاولة. وقال غاريت سيبرغ، محلل السياسات بشركة واشنطن ريسيرش غروب للاستشارات الاستثمارية “قدرة هذه الادارة على انجاز برامج رئيسية جديدة كانت محدودة بالفعل. ما حدث يُنهي الأمر تماما”.
وانتزع الجمهوريون ما لا يقل عن 60 مقعدا ديمقراطيا في مجلس النواب، وهو ما يزيد كثيرا عن 39 مقعدا كانوا يحتاجونها للحصول على أغلبية سترفع جون بينر المحافظ الى مقعد رئاسة مجلس النواب ويضع نوابا جمهوريين على رأس لجان المجلس. وما زالت سباقات كثيرة لم تـُحـسم بعد. وهذا أكبر تحول في السلطة منذ أن خسر الديمقراطيون 75 مقعدا من مقاعد مجلس النواب عام 1948.
وصور الجمهوريون أوباما وفريقه من الديمقراطيين على أنهم ينفقون ببذخ ويديرون بتهور عجزا هائلا ويوسّعون دور الحكومة. ولقي هذا الاتهام آذانا صاغية لدى ناخبين أنهكتهم موجة كساد هي الأشد من نوعها منذ الثلاثينات.
وقال بينر للصحفيين في الكونغرس “من الواضح تماما أن الشعب الامريكي يريد منا أن نفعل شيئا بشأن خفض الانفاق هنا في واشنطن والمساعدة على خلق بيئة يمكن من خلالها استعادة الوظائف”. وقال السناتور هاري ريد، زعيم الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ – الذي حقق فوزا مهما في ولاية نيفادا – لرويترز “نحن في حاجة لتجاوز محاولات الاعاقة والدخول في مناقشات حقيقية بشأن اجازة القوانين التي تحتاجها البلاد”.
وبينما يعمل الجمهوريون على دفع جدول أعمال يتضمن خفضا حادا في الانفاق والغاء اصلاحات أوباما الا أنهم سيواجهون صعوبة في التغلب على حق النقض الذي يتمتع به الرئيس أوباما بشأن القوانين.
وجرت انتخابات يوم الثلاثاء على كل مقاعد مجلس النواب وعددها 435 مقعدا وعلى 37 مقعدا في مجلس الشيوخ وفي 37 ولاية من بين 50 ولاية على منصب الحاكم.
وفاز الجمهوريون في سباق انتخاب حكام الولايات حتى الآن بعشر ولايات من الديمقراطيين في انتخابات يوم الثلاثاء. واقتنص الديمقراطيون ولاية من الجمهوريين اذ تم انتخاب جيري براون حاكما لولاية كاليفورنيا. ومنح الفوز الجمهوريين فرصة اعادة رسم الدوائر الانتخابية وهو تعديل للحدود يتم كل عشر سنوات ينتهي لصالح الحزب الذي يسيطر على مجلس النواب في كل ولاية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 نوفمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.