كيف ينجح أو يفشل الإئتلاف المُعارض الجديد في سوريا؟
ماذا حصل إذن؟ هل تمكنّت أطراف المعارضة السورية أخيراً، وبعد صراعات ونزاعات مريرة (شخصية ومالية وإيديولوجية على حد سواء) في ما بينها، أن توحِّد صفوفها حقاً، وتعثر على الوصفة السحرية للتواصل مع القواعد المُنتفضة في الداخل السوري؟
اتفاق الدوحة، الذي أعلن تأسيس “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، يُوحي بذلك، وإن كان ذلك للوهلة الأولى. فقد ذُكِر أن الإئتلاف يُمثِّل 90 في المئة من أطياف المعارضة وفصائلها في الداخل والخارج، وأنه لن يكون (كما كان المجلس الوطني السوري) مجرد تجمّع لعناصر المعارضة المنفية، بل سيكون ربع أعضائه الـستين (60) ممثلين للمحافظات الـأربع عشرة (14) في الداخل السوري.
فضلاً عن ذلك، يُنتظر الآن أن يحظى الائتلاف باعترافات إقليمية ودولية تعطيه شرعية إضافية بصفته الممثل الشرعي للشعب السوري. وهذا قد يبدأ مع احتمال احتلاله لاحقاً (إذا ما فشلت جهود التسوية الجديدة المحتملة مع النظام السوري) مقعد سورية في الجامعة العربية، وربما أيضاً العديد من السفارات في الخارج. هذا إضافة إلى نيل دعم دبلوماسي قوي من مؤتمر أصدقاء سورية الذي يُعقد في المغرب أواخر شهر نوفمبر الجاري، والحصول على الأصول السورية المجمدة في الخارج، وصولاً إلى احتلال المقاعد السورية في هيئات الأمم المتحدة، إذا ما تمكّن الإئتلاف بعد حين من تشكيل حكومة مؤقتة.
دعم مشروط
يوم الإثنين 13 نوفمبر 2012، خطت جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج الخطوة الأولى في اتجاه الإعتراف، حين أعلنتا أن الإئتلاف هو “الممثل الشرعي لتطلعات الشعب السوري والمحاور الرئيس لجامعة الدول العربية”.
بيد أن هذه كانت ” نصف خطوة” أو على الأقل “خطوة أولى”، لأنها يمكن أن تكون مفتوحة على واحد من خيارين: إما الإعتراف لاحقاً بالإائتلاف ممثلاً شرعياً وحيدا للشعب السوري، وبالتالي إسقاط ما تبقى من شرعية للنظام السوري الراهن، أو إبقاء الباب مفتوحاً مع هذا الأخير باعتباره هو أيضاً ممثلاً، وإن غير أوحد، للشعب السوري، وبالتالي التفاوض معه لايجاد تسوية سياسية وفق بيان جنيف (الصادر في يونيو 2012) الذي أشار إليه أيضاً بيان مؤتمر وزراء جامعة الدول العربية الصادر يوم 12 نوفمبر الجاري.
ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني أن الإيجابيات التي تحققت من توحيد قوى المعارضة السورية (وهو توحيد بدا إلى حد بعيد قسرياً على يد قوى إقليمية ودولية) قد تبقى حبراً على ورق، وقد تكون أشبه بالإعترافات المتلاحقة التي نالتها منظمة التحرير الفلسطينية في المحافل الدولية من دون نتائج ملموسة على أرض الواقع، إذا لم يُثبت الإئتلاف الوطني قدرته على الإنجاز في مجال أول حاسم: توحيد معظم فصائل وكتائب المعارضة المسلحة في إطار جسم واحد يشرف عليه هو إشرافاً فعلياً لا شكليا، ما يحد من توسّع نفوذ العناصر الجهادية المرتبطة أو القريبة من تنظيم القاعدة.
الشرط الأول
قد يتساءل البعض: لماذا هذا الأمر هو الأهم؟ لأنه الشرط الأول الذي وضعته الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لمد المعارضة الجديدة الموحّدة بالسلاح المتطور والمال، والذي يبدو أن حلفاء أمريكا القطريين والسعوديين والأتراك والمصريين يلتزمون به، كما بدا ذلك واضحاً في نصف اعتراف الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي بالإئتلاف الوطني الجديد.
فالرئيس أوباما كرر قبل إعادة انتخابه، ثم خلال الحملة الإنتخابية، أن “الولايات المتحدة تريد أن تتأكد بشكل مُطلق عن الأطراف التي تساعد قبل أن تبدأ بتقديم الدعم المادي”. وواشنطن بوست قالت الإثنين الماضي (12 نوفمبر 2012) أن “الداعمين الدوليين للمعارضة السورية يريدون أن يروا الإئتلاف الجديد وقد قلّص النفوذ الصاعد للجماعات المتطرفة في البلاد. إن تشكيل المجلس العسكري الذي سيضم ممثلين عن الجيش الحر والميليشيات والمنشقين، هو أهم خطوة يجب أن يقوم بها الإئتلاف الجديد”.
وهذه اللازمة، أي أولوية السيطرة على الكتائب المسلحة، كررها أيضاً ديلوماسيون غربيون حضروا مداولات مؤتمر الدوحة، إذ قالوا إن البلدان الغربية “تأمل أن يتمكّن الإئتلاف الجديد من منح المجالس المحلية المعارضة الشرعية اللازمة لوضع المقاتلين تحت جناحه وسلطته، الأمر الذي سيوازن القادة الجهاديين حسني التسليح”.
والأرجح أن انتخاب الداعية والخطيب السابق لمسجد دمشق معاذ الخطيب، جاء هو أيضاً في هذا السياق. فهذا الشيخ الذي عُرِف عنه الإعتدال والإنفتاح، هو الأقدر على جذب المقاتلين المؤمنين بعيداً عن الجماعات المتطرفة. وقد كان ملفتاً أن يركّز الشيخ الخطيب في أول تصريح له بعد انتخابه بالاجماع، على ضرورة توقف التجاوزات التي يقوم بها بعض المسلحين (ويقصد بذلك جبهة النصرة وغيرها من الكتائب الجهادية).
وهذا أمر قد يكون في متناول الخطيب الآن، لأنه، وإلى جانب أوراق اعتماده الدينية – الإديولوجية، قد يحوز على القدرات المالية والتسليحية التي وعدت بها دول أصدقاء سورية، خاصة إذا ما وفت كل من قطر (التي تسلّح وتموِّل عناصر الإخوان المسلمين) والسعودية (التي تسلِّح وتموٍّل السلفيين) بوعودهما، وجعلتا المساعدات تمر عبر الإئتلاف الوطني الجديد.
فرص ومخاطر
كل هذه المعطيات تشي بأن الدعم الأمريكي والأوروبي للمعارضة السورية ليس شيكاً على بياض، كما حدث مثلاً مع المجلس الوطني الليبي الذي حاز على الدعم منذ اللحظة الأولى، على رغم أن قدرته التمثيلية كانت هشة للغاية. إذ أن هذا الدعم جاء مشروطاً بأمرين: قدرة الإئتلاف على إثبات وجوده في الداخل السوري، كما أشرنا أعلاه، وقدرته أيضاً على تخطي الخلافات والصراعات المتوقعة حين يبدأ وضع اتفاق الدوحة موضع التنفيذ، خاصة تشكيل الحكومة المؤقتة والمجلس العسكري، عبر تحديد التفاصيل التي يعشعش فيه الشيطان دوما.
فهل سيكون في وسع هذا الإئتلاف تحقيق هذين الأمرين؟ فلننتظر قليلاً لنر، وإن كانت حظوظ الإئتلاف تبدو أفضل قليلا من حظوظ المجلس الوطني الذي لم تساعد الظروف الذاتية والموضوعية طائرته على الإقلاع ولو متراً واحداً طيلة السنة الماضية.
لكن، وكما أن نجاح أو فشل الإئتلاف في الإنجاز ستعتمد عليه، إلا أن هذا ينطبق بالقدر نفسه على مواقف القوى الكبرى. فإذا لم تتوقف هذه القوى عن استخدام تشظي المعارضة كشمّاعة تعلّق عليها رغبتها الحقيقية في عدم التدخل، فإن الإئتلاف قد يُنجز بالفعل، لكنه لن يتمكن من الحسم، خاصة بعد أن أصبح تدويل الأزمة السورية حقيقة واقعة.
مجلس التعاون الخليجي يعترف بالائتلاف السوري الجديد ممثلا شرعيا للشعب السوري
أعلن مجلس التعاون الخليجي يوم الاثنين 12 نوفمبر 2012 اعترافه بالائتلاف السوري المعارض الجديد ممثلا شرعيا للشعب السوري. وقال عبد اللطيف الزياني الامين العام للمجلس في بيان إن المجلس يعلن اعترافه بالائتلاف الوطني السوري ممثلا شرعيا للشعب السوري.
الجامعة العربية تصدر ترحيبا متحفظا بائتلاف المعارضة السورية الجديد
رحبت الجامعة العربية يوم الاثنين 12 نوفمبر 2012 بتشكيل ائتلاف المعارضة السورية الجديد لكنها لم تصل إلى حد الاعتراف بها اعترافا كاملا بصفته ممثل الشعب السوري. ومع استمرار بعض الدول العربية في رفض التخلي بشكل كامل عن الرئيس السوري بشار الأسد عجز اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية بالقاهرة عن أن يعلن بوضوح ان الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة هو الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري.
فرنسا تعترف بائتلاف المعارضة السورية الجديد
أصبحت فرنسا يوم الثلاثاء 13 نوفمبر 2012 أول دولة أوروبية كبرى تعترف بائتلاف المعارضة السورية الجديد على أنه الممثل الوحيد للشعب السوري وقالت انها ستبحث تسليح قوات المعارضة التي تحارب الرئيس حافظ الأسد ما أن تشكل حكومة في الخارج. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في مؤتمر صحفي في باريس “اعلن اليوم اعتراف فرنسا بالائتلاف الوطني السوري بصفته الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري والحكومة المستقبلية لسوريا الديمقراطية التي تجعل وضع حد لنظام بشار الاسد أمرا ممكنا.” واضاف هولاند أن مسألة تسليح المعارضة السورية “سينظر فيها بمجرد ان يشكل ائتلاف المعارضة حكومة انتقالية”.
بريطانيا: ائتلاف المعارضة السورية “حجر زاوية” مُهمّ
في القاهرة، رحب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بأحدث مسعى من المعارضة السورية لتشكيل جبهة موحدة في مواجهة الرئيس السوري بشار الأسد لكنه قال إن هناك حاجة لبذل جهد أكبر قبل أن تعترف بها بريطانيا رسميا. ويوم الثلاثاء 13 نوفمبر 2012، قال هيغ للصحفيين في اجتماع وزراء عرب وأوروبيين في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة “هذا حجر زاوية في غاية الأهمية.” وأضاف “نريد إشراك كل المعارضة السورية… وأن يحظى بدعم داخل سوريا. وإن حدث هذا فسنعترف به ممثلا شرعيا للشعب السوري.”
الكرسي الرسولي يرحب بالاتفاق بين مكونات المعارضة السورية ويتحفظ على توجهاتها
أعلن الكاردينال روبرت سارا والقاصد الرسولي في سوريا المونسنيور ماريو زيناري يوم الثلاثاء 13 نوفمبر 2012 أن الاتفاق الذي توصلت اليه قوى المعارضة السورية بتوحدها في ائتلاف من شأنه ان يسهل التفاوض من اجل السلام، لكنهما ابديا تحفظات عن توجهات الائتلاف الجديد. وفي مقابلة أجريت يوم الثلاثاء مع راديو الفاتيكان، اشاد الكاردينال روبرت سارا الذي اوفده البابا بنديكتوس السادس عشر الاسبوع الماضي الى لبنان للإعراب عن تضامن الكنيسة مع سوريا، بهذه الخطوة المتقدمة. وقال “لدينا على الاقل هيئة نتحاور معها. لأنه في السابق لم نكن نعرف مع من نجلس ونتحدث”.
(المصدر: وكالات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.