“لا حديث عن حل في سوريا قبل رحيل الأسد”
إن ما تحظى به سويسرا من احترام على الساحة الدولية، وما تتميّز به مواقفها من حياد، يسمح لها بلعب دور مهمّ في التوصّل إلى حلّ للأزمة السورية.
هذه هي الرسالة التي حاول عبد الباسط سيْدا، رئيس المجلس الوطني السوري إبلاغها إلى المسؤولين السويسريين خلال زيارة أداها إلى برن يوم الإثنيْن 27 أغسطس 2012.
وبينما سمحت هذه الزيارة للرجل الاوّل في المعارضة السورية بمناشدة المجتمع الدولي بتقديم المساعدة العاجلة للاجئين الفارين من جحيم الحرب الأهلية في سوريا، والدعوة إلى فرض حظر جويّ في المناطق المحررة، ودعوة سويسرا إلى فتح مؤسساتها الصحية لمعالجة المصابين إصابات خطيرة، سمحت ايضا للمسؤولين السويسريين بالـتأكيد على ما تراه بلادهم أوّلوية في سوريا، وفي مقدمتها مساعدة اللاجئين والمصابين، وعدم افلات الذين ارتكبوا انتهاكات ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية من العقاب من أي طرف كانوا.
انتهزت swissinfo.ch فرصة وجود الدكتور عبد الباسط سيْدا في سويسرا، والتقته على هامش ندوة صحفية عقدها بمدينة تون التابعة لكانتون برن، واجرت معه الحوار التالي:
swissinfo.ch: يُعدّ شهر اغسطس الأكثر دموية في يوميات الثورة السورية. امام تفاقم وتردي الوضع الإنساني، كيف تتصوّر المخرج من هذه الدوامة؟
عبد الباسط سيْدا: يتمثّل المخرج في ضرورة تحرك المجتمع الدولي في سبيل وقف العنف. وهذا يتحقق عبر فرض مناطق الحظر الجوي والممرات الآمنة، لإيصال المواد الإغاثية للمحتاجين، وفي حال تعذّر التوصل إلى وقف العنف، نحن ندعو إلى تدخّل دولي عسكري لحمل النظام وقف إطلاق النار. أما الحل الآخر، فيتمثّل في مد السوريين بالوسائل الكفيلة بمقاومة الطائرات والدروع، حتى يتمكّنوا من حماية المناطق التي باتت محرّرة وبعيدة عن سلطة النظام.
تساءلت في استنبول أخيرا عن سبب صمت العالم عن الجرائم التي ترتكب في سوريا. بماذا يجيبك المسؤولون الدوليون وخاصة في روسيا عندما تطرحون عليهم هذا السؤال؟
عبد الباسط سيْدا: نحن دائما نواجه بمماحكات بين الدول، وهناك أيضا مجاملات، ونحن نقول إن هذا كلّه غير مجدي وأن السوريين يُقتلون كل يوم ونحن نطالب الجميع بالعمل بقوة من أجل وقف آلة القتل في سوريا. ولكن في حال استمرار هذا الموقف السلبي من المجتمع الدولي، فإن الامور مرشّحة بأن تتجه نحو المصير المجهول المفتوح على كل الاحتمالات الكارثية. فالتطرّف سيزداد في المنطقة، ولن تقتصر الآثار السلبية لما يحصل في سوريا على الوطن السوري، بل ستمتد إلى الجوار الإقليمي، وقد يهدد الاستقرار والأمن الدوليين.
العديد من الجهود الدبلوماسية تبذل حاليا لحل الأزمة السورية، هل أنتم مستعدون للتعامل بإيجابية مع المبعوث الدولي الجديد؟
عبد الباسط سيْدا: قابلت المبعوث الدولي الجديد الأسبوع الماضي في فرنسا، وتناقشنا طويلا في أبعاد واوجه الحل السياسي. نحن نعترف لهذا الرجل بتجربته وحنكته الدبلوماسية. قلنا له إننا أقررنا في الماضي بما جاء في مبادرة كوفي أنان، ولكن في ظل تلك المبادرة، ارتكب النظام السوري أبشع الجرائم، وقتل خلال الزيارات المكوكية لكوفي 3000 مدني سوري. أوضحنا للإبراهيمي اننا لن نقبل بعد الآن أن تكون الجهود الاممية مظلة لجرائم جديدة في حق الشعب السوري. لتجنّب ذلك، لابدّ ان تكون هناك جدية في هذه الجهود، ومنذ البداية لابد أن نتوافق بان هذه الزمرة القاتلة المتمثّلة في بشار الأسد ومعاونيه، لابدّ ان يرحلوا أوّلا لأنهم هم المسؤولون عن قتل السوريين منذ عام ونصف.
كذلك أوضحنا له أن مبادرة كوفي انان احتكمت إلى المعادلة الموجودة في مجلس الأمن وراعت في بنودها اجندات القوى الدولية، وأخذت في الاعتبار توازنات تعود إلى الحرب العالمية الثانية.
ما هو تقييمكم للمبادرتيْن الإيرانية والمصرية الداعيتيْن إلى تشكيل مجموعة تنسيق رباعية مصرية- إيرانية- تركية- سورية لإنهاء الأزمة في سوريا؟
عبد الباسط سيْدا: بالنسبة للمبادرة الإيرانية، لديْنا تحفظات عليها، لأن الوسيط لابد ان يكون محايدا، وإيران تمدّ نظام بشار بالسلاح والعتاد، والمساعدات بمختلف أنواعها. فالأمور إذن، لا يمكن أن تستقيم. نحن نريد أن تكون علاقاتنا طبيعية مع إيران، لأن ثورتنا اهدافها داخلية، وشعبنا يريد أن ينال حريته.
اما بالنسبة للمبادرة المصرية، فنحن نرحّب بها، ونحن سعداء باستعادة مصر لدورها. لقد أحدث غياب مصر في الآونة الاخيرة خللا كبيرا على المستوى الإقليمي، ونحن متفائلون بالمبادرة المصرية. لكن في كل الأحوال، لا حديث عن حل قبل رحيل الأسد، لأنه أولغ في سفك دماء أبناء شعبه، ولا يمكن أن يكون الأسد وحزب البعث جزء من الحل او من مستقبل سوريا بأي شكل من الأشكال.
مرت 18 شهرا حتى الآن على انطلاقة الثورة السورية، متى برأيكم سيسقط النظام الحاكم في سوريا؟
عبد الباسط سيْدا: هناك مؤشرات كثيرة على أن النظام في دمشق يعيش في مرحلته الاخيرة. من ذلك الانشقاقات الكبيرة في المجاليْن العسكري والمدني (انشقاق رئيس الوزراء، العديد من الدبلوماسيين، عمداء وجنيرالات كبار في الجيش وفي قوات الامن..). ونمتلك معلومات دقيقة على وجود عدد كبيرا من المسؤولين في الدولة يرغبون في الإنشقاق كلنّهم يخشون على أرواح أقربائهم وممتلكاتهم، وينتظرون اللحظة المناسبة لإعلان ذلك.
والآن، هناك الكثير من المناطق قد خرجت فعلا عن سلطة النظام في إدلب ودرعا وحلب،…وتقوم القوات النظامية بدكّ هذه المناطق وقصفها بالطائرات والدبابات. البلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة، وآلة الحرب والدمار تستمدّ بقاءها اليوم، نتيجة ما تتلقاه من مساعدات ودعم من إيران وروسيا. إن بقاء النظام السوري بات متوقّفا على المعادلة الإقليمية والمساعدات الخارجية.
يرى البعض أن تأخّر الحل في سوريا يعود في جزء منه إلى فشل المعارضة في طمأنة القوى الدولية وتبديد الهواجس عن طبيعة البديل المرتقب في سوريا ما بعد الأسد؟
عبد الباسط سيْدا: أعتقد ان المجتمع الدولي الغير مستعد حتى الآن لإتخاذ موقف حازم مما تشهده سوريا ويبرّر عجزه بالقول أن المعارضة مفككة. نحن في المعارضة توافقنا على وثيقة عهد وطني، كما أننا توافقنا على خارطة طريق. والمعارضة لم تتوحّد في أي بلد من البلدان، حتى نطالب المعارضة السورية بذلك، والقسم الاكبر منها منضوي تحت لافتة المجلس الوطني السوري ومن هم في المجلس يتواصلون مع الجميع، لذلك هذه الذرائع أعتقد انها غير مقبولة، وأنها تعكس تقاعس المجتمع الدولي قبل أي شيء آخر.
هل طلبتم بتدخّل سويسرا لتذليل هذه الهواجس وهذه المخاوف؟ وهل يمكن لسويسرا ان تلعب دور الوسيط الحميد بين الأطراف السورية؟
عبد الباسط سيْدا: أعتقد ان سويسرا بموقعها الحيادي، تستطيع أن تفعل الكثير، ونحن تناولنا معهم هذا الموضوع، وقلنا إن هذه الهواجس خاصة بالنسبة لمستقبل سوريا غير موجودة من جانب المعارضة، لكن المشكلة حينما تكون إرادة التذرّع موجودة نستطيع أن نتذرّع بأي شيء.
قبل فترة تكلّم وزير الخارجية السويسري على أن بلاده لن تسمح لمن يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا من الإفلات من العقاب، هل تطرّقتم إلى ذلك أيضا في حديثكم مع المسؤولين السويسريين؟
عبد الباسط سيْدا: نعم تحدّثنا في هذا الموضوع، وهذا الإلتزام السويسري كان موضع ارتياح منا، ونحن أيضا دعونا على متابعة هذا الموضوع، لان ما يرتكب في سوريا، يرتقي فعلا إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، ولابد من محاسبة مرتكبي تلك الجرائم، أيا كان الطرف الذي ينتمون إليه.
ما الذي يطلبه السوريون اليوم من سويسرا؟
عبد الباسط سيْدا: المطلوب من سويسرا اليوم هو مد يد المساعدة إلى الشعب السوري في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها، وخاصة المساعدة الطبية، إلى جانب تدريب الكوادر، كما أن سويسرا تحظى باحترام كبير على الساحة الدولية، ويمكنها أن تقود مبادرات بالتعاون مع الإتحاد الاوروبي.
هل ناقشتم على سبيل الذكر، احتمال استقبال سويسرا لمزيد من اللاجئين السوريين؟
عبد الباسط سيْدا: نعم تحدّثنا في موضوع اللاجئين مع المسؤولين في وزارة الخارجية السويسرية، وكذلك في أوضاع الجرحى، لأن هناك حالات تستوجب التدخّل العاجل، وبعد تلك الإصابات، تستوجب معالجات معقّدة، وقلنا لهم إننا بحاجة إلى نقل جرحى إلى سويسرا. اما بالنسبة للجوء المؤقّت، فنحن نتفهّم أن هناك قوانين في سويسرا لابد من احترامها، ولكن نظرا للوضع الإستثنائي في سوريا، نتمنى أيضا ان تتخذ سويسرا مبادرات اسثنائية كذلك.
في عام 2012، أنفقت سويسرا 11 مليون فرنك في صورة مساعدات إلى سوريا وفقا لمصادر وزارة الخارجية.
هذه التمويلات صرفت عبر العديد من منظمات الإغاثة التي توجد مقارها بسويسرا مثل اللجنة الدولية للصليب الاحمر (1.75 مليون فرنك)، وبرنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ((1 مليون فرنك)، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (792.000 فرنك)، واليونيسف (165.000 فرنك).
مشاريع المساعدات إلى سوريا المموّلة من طرف سويسرا تشتمل ايضا على ارسال خبيريْن في مجال الرعاية النفسية، وبناء مأوى خاص بالأطفال اللاجئين إلى الأردن، وأيضا إرسال موظّف للعمل في مكتب تنسيق الجهود الإنسانية الذي يوجد مقره بمصر.
كذلك قدّمت سويسرا تبرّعات للجمعيات التي تساعد اللاجئين السوريين في ليبيا. كما ساهمت في تجديد ثماني مدارس في الأردن حيث يوجد أطفال اللاجئين السوريين. واخيرا قامت بتمويل عيادة طوارئ لمداواة إصابات المعارضة السورية، وبلغت هذه المساعدة 53.000 فرنك.
اقترحت سويسرا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تعيين كارلا ديل بونتي عضوا في لجنة التحقيق حول سوريا، كما اعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية السويسرية في مقابلة تلفزيونية بثت يوم الثلاثاء 28 أغسطس 2012.
وقالت المتحدثة تيلمام رينز لقناة اس اف SF التلفزيونية العمومية الناطقة بالالمانية ان “سويسرا تتعهد بقوة ان تجري تحقيقات وملاحقات حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا”.
وكارلا ديل بونتي، المتقاعدة حاليا، كانت تشغل منصب المدعية العامة في محكمة الجزاء الدولية حول يوغسلافيا السابقة وقد ذاع صيتها في ملاحقة مجرمي الحرب.
واضافت المتحدثة السويسرية ان بلادها “تتحرك من اجل تمديد مهمة لجنة التحقيق، ولهذا السبب فان سويسرا تقترح ان تدعم ديل بونتي عمل هذه اللجنة”.
وفي شهر سبتمبر المقبل تنتهي مهمة لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة لمدة عام، وقد نشرت اللجنة في 15 اغسطس الجاري تقريرا تحدثت فيه للمرة الأولى عن “جرائم حرب” وأخرى “ضد الانسانية” ارتكبت في سوريا.
ومن المقرر ان ينظر مجلس حقوق الانسان في هذا التقرير يوم 17 سبتمبر في اجتماع سيقرر خلاله أيضا تمديد مهمة لجنة التحقيق من عدمه.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 28 أغسطس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.