لجنة أمميّة:”السلطات السوريّة مسؤولة عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”
توصلت لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان إلى أن سوريا "مسؤولة عن وقوع أعمال تعسفية من ضمنها جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قواتها العسكرية والأمنية".
وقدمت اللجنة التي لم تسمح لها السلطات بزيارة البلد، أكثر من 20 توصية من ضمنها “إلغاء القوانين التي تمنح الحصانة لقوات الأمن من أية متابعة”.
في الأثناء، نقلت وكالة رويترز للأنباء في ساعات مبكرة من يوم الأربعاء 30 نوفمبر الجاري عن دبلوماسيين أوروبيين وعرب قولهم ان مجلس حقوق الانسان من المتوقع أن يدين سوريا بارتكاب جرائم بحق الانسانية في جلسة خاصة يعقدها يوم الجمعة القادم. وقال الدبلوماسيون إن مشروع القرار يهدف أيضا إلى ممارسة ضغوط على الصين وروسيا كي تتخذا موقفا أقوى من حكومة الرئيس بشار الأسد.
ولم تتردد لجنة التحقيق المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان في التعبير في تقريرها عن “القلق العميق لارتكاب جرائم ضد الإنسانية في عدة مناطق من تراب الجمهورية العربية السورية”.
وأوضحت اللجنة المكونة من السيدة كارين أبو زيد، المفوضة السابقة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والمقررة الخاصة السابقة لحقوق الإنسان ياكين إيرتورك، والتي يرأسها المقرر الخاص الأسبق والقاضي باولو بينهايرو، بالتحديد بأن “هذه الإنتهاكات الخطيرة ارتكبت من قبل الجيش السوري وقوات الأمن منذ بداية الاحتجاجات في مارس 2011”.
أوامر بإطلاق النار بغرض القتل
اللجنة الأممية توصلت إلى هذه النتائج من خلال استجواب 223 ضحية بعد أن رفضت السلطات السورية السماح لها بزيارة البلد. ومن خلال شهادات الفارين من الجيش وقوات الأمن تقول اللجنة بأنهم “تلقوا أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين العزل بدون سابق إنذار، وأن قوات الأمن تطلق النار عشوائيا ضد المتظاهرين وأن الغالبية أصيبوا بالتصويب في القسم العلوي من الجسم بما في ذلك في اتجاه الرأس”. ولكن اللجنة تقول أيضا “إن هناك حالات قام فيها القادة الميدانيون بتحذير المتظاهرين بالتفرق قبل إطلاق النار، وباستخدام وسائل أخرى قبل استخدام الذخيرة الحية”.
عن دور الشبيحة، تقول اللجنة بأن الشبيحة وقوات الأمن والجيش “قاموا بعمليات مشتركة بإطلاق النار بغرض القتل ومن أجل تفريق المحتجين”. وفي شهادة أحد الفارين من الخدمة، أوردت اللجنة بخصوص أحداث تلبيسة أن “أوامر القيادة كانت لمواجهة مجموعة إرهابية مسلحة، ولكن عند وصولنا لم نجد غير محتجين يرفعون أغصان الزيتون ويطالبون بالحرية. عندها وجهت لنا الأوامر إما بتفريق المتظاهرين أو القضاء عليهم. وبعد تلقي الأوامر بإطلاق النار في الهواء، صدرت أوامر مباشرة بإطلاق النار ضد الأشخاص مما أدى الى إصابة ومقتل العديد”.
وانتهت اللجنة إلى أن شهادات الاستخدام المفرط للقوة كانت متعددة وحدثت في شتى مناطق سوريا من ضمنها درعا. كما أشارت إلى دور القناصة التي قالت “إنهم كانوا يستهدفون كل من كان يصور بآلة تصوير أو بالهاتف النقال خصوصا في درعا وحماه واللاذقية”.
وتشير اللجنة الى أن هناك شهادات من منشقين عن الجيش تفيد بأنه تم “إعدام زملاء لهم رفضوا إطلاق النار ضد التظاهرين خصوصا في أحداث درعا في 25 ابريل مما أدى الى مقتل عشرات المجندين”.
ونوهت اللجنة إلى أن حتى من يُنقل إلى المستشفيات لم يكن في مأمن “حيث أن جرحى تعرضوا للتعذيب بعد نقلهم للمستشفى العسكري في حمص، وأن المصابين أصبحوا يتجنبون التوجه للمستشفيات ويفضلون تلقي العلاج في البيوت أو المساجد”.
تعذيب لم يسلم منه حتى الأطفال
وتضيف لجنة التحقيق الأممية في تقريرها أن العديد من الشهود أشاروا إلى التعرض للتعذيب وانتزاع الاعترافات منهم بواسطة ممارسات التعذيب. وقد عددت اللجنة أساليب التعذيب المستعملة من قبل قوات الأمن في مراكز الاعتقال، وبالأخص في منشئات قسم المخابرات الجوية في مطار المزة بالقرب من دمشق.
وأشارت اللجنة بالخصوص إلى حالة منشق تعرض للتعذيب بعد أن رفض إطلاق النار على المصلين وأطلقه في الهواء أثناء عملية استهدفت المصلين في مسجد عمر ابن الخطاب في دوما. وقال ذلك المنشق: “اكتشفت أن قوات الأمن التقطت لي صورا وأنا أطلق النار في الهواء. وتم اتهامي بكوني عميلا مندسا وتعرضت للتعذيب على أيدي أفراد من الحرس الجمهوري”.
وخصصت اللجنة حيزا هاما للحديث عن تعرض حتى الأطفال للتعذيب بعد مشاركتهم في الاحتجاجات وبالأخص حالة الطفلين ثامر الشرارعي وحمزة الخطيب. وأكدت اللجنة اعتمادا إلى “مصادر موثوقة مقتل 256 طفل على أيدي قوات الأمن حتى 9 نوفمبر”. وورد في شهادة أحد المنشقين عن الجيش أنه “قرر الانشقاق بعد أن شاهد مقتل طفلة لم تتجاوز العامين في اللاذقية في 13 أغسطس على أيدي ضابط قال إنه لا يرغب في رؤيتها تكبر لتصبح متظاهرة”.
وهناك شهادات حسب اللجنة تشير إلى “وجود أطفال أقل من العاشرة من العمر في المعتقلات”، وأن العديد “تعرضوا للتهديدات بالاغتصاب أمام البالغين في مراكز الاعتقال”. وتعرض حتى البالغون من المعتقلين “للتعذيب الجنسي وللضرب على الأعضاء التناسلية”.
اعتقالات تعسفية واختفاء قسري بحق الآلاف
إذا كانت منظمات حقوقية ومجموعات المعارضة السورية قد تحدثت عن وجود عشرات الآلاف من السوريين في معتقلات النظام السوري، فإن لجنة التحقيق أكدت الظاهرة بدون تقديم أرقام، إذ قالت: “إن عمليات الحبس التعسفي والاعتقال خارج نطاق القانون منتشرة بكثرة، وفقا لما تم تجميعه من معلومات، وبلغ ذلك أحجاما مقلقة في كل من دير الزور وحمص وحماه وجسر الشغور ودرعا وريف دمشق”.
ومن الحالات التي أشارت إليها اللجنة ما تم في بانياس في 7 مايو 2011 “عندما حاصرت قوات الجيش والأمن المدينة والقرى المجاورة بالدبابات. وعمد أفرادها لاقتحام البيوت واعتقال أكثر من 500 شخص من ضمنهم النساء والأطفال”. وأشار عدد من الصحفيين إلى “تعرضهم للإعتقال بسبب تغطيتهم للإحتجاجات”.
وبخصوص المختفين، قالت اللجنة: “إنه من الصعب تقديم أرقام عن ذلك، لكنهم بالآلاف”. وقدمت عدة حالات من مدينة درعا.
قائمة الانتهاكات طويلة
وما توصلت إليه لجنة التحقيق بخصوص الأوضاع في سوريا هو أن الانتهاكات المرتكبة تمتد من عدم احترام القانون الدولي، وبالأخص من خلال الحصانة المقدمة للرسميين لتجنيبهم التعرض لأية محاسبة، والقتل باستعمال مفرط للقوة من قبل قوات الأمن والجيش، وعدم احترام حق التظاهر والحق في التعبير، والاعتقال التعسفي وعدم توفير ظروف المحاكمة العادلة للمعتقلين، وتعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الأطفال.
وترى لجنة التحقيق أن الصراع في سوريا قد يتطور إلى مستوى “صراع داخلي”، وفي هذه الحالة يبدأ القانون الإنساني الدولي في التطبيق. وبدون الإقرار بأن القانون الإنساني الدولي يمكن تطبيقه في الوضع الحالي، تقول اللجنة إنه “بالإمكان ارتكاب جرائم ضد الانسانية حتى في غياب صراع مسلح وفي غياب تطبيق القانون الانساني الدولي”.
واستعرضت لجنة التحقيق الأممية مفهوم “جرائم ضد الإنسانية” من منظور القانون الجنائي الدولي، معربة عن “القلق لكون جرائم ضد الانسانية، مثمثلة في القتل، والتعذيب والاغتصاب، والاعتقال، والاختفاء القسري، تم ارتكابها في عدة مناطق من سوريا منذ شهر مارس 2011”.
وحمّلت اللجنة السلطات السورية مسؤولية ارتكاب تلك الجرائم بقولها “إن الدولة تتحمل بموجب القوانين الدولية المسؤولية عن كل الانتهاكات المرتكبة من قبل أفراد جيشها وقواتها الأمنية. وهي بذلك تتحمل المسؤولية عن أية انتهاكات بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية”.
في لقاء مع الصحافة نظم يوم الإثنين 28 نوفمبر 2011 في جنيف، تطرقت رئيسة الكنفدرالية السويسرية ووزيرة خارجيتها ميشلين كالمي-ري إلى آخر تطورات الوضع السوري.
وفي ردها على سؤال أحد الصحفيين حول الموقف من “المعابر الإنسانية التي طالبت بها فرنسا”، أجابت السيدة كالمي – ري بأن “سويسرا تنظر في فكرة الممرات الإنسانية لمساعدة المدنيين في سوريا”.
واعتبرت وزيرة الخارجية السويسرية أن “الأوضاع الإنسانية تتدهور أكثر في سوريا (…) وأن فكرة إقامة المعابر الإنسانية إذا ما تحققت وجلبت فائدة بالنسبة للمدنيين، فسيكون ذلك أمرا جيدا”.
تعتزم منظمة العفو الدولية تنظيم تظاهرة أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك يوم الأربعاء 30 نوفمبر 2011 من أجل “دفع مجلس الأمن الدولي لتغيير موقفه المخزي وصمته تجاه إراقة الدماء في سوريا، ولتفادي سقوط مزيد من الضحايا”، حسبما جاء في بيان صادر عن المنظمة الحقوقية.
وتقوم المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان بحملة مراقبة لما يجري في سوريا تحت شعار “عيون على سوريا” لتوثيق الإنتهاكات التي تقول إنها “بمثابة جرائم ضد الإنسانية”.
منظمة هيومن رايتس ووتش من جهتها رأت أن “تقرير لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان يشدد على حدوث انتهاكات واسعة مرتكبة من قبل الحكومة السورية، ويقر بحدوث جرائم ضد الإنسانية”. وأضافت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان أنه “بذلك يؤكد الرئيس الأسد عدم استعداده لالتزام تجاه المجموعة الدولية ولوقف عمليات القمع في سوريا”.
وفي خطاب موجه إلى مجلس حقوق الإنسان، قالت هيومان رايتس ووتش: “على مجلس حقوق الإنسان أن يستغل الفرصة السانحة للإستجابة لمعاناة الشعب السوري (…) ومن مسؤوليته ممارسة الضغوط لتطبيق التوصيات التي أصدرتها لجنة التحقيق”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.