لقاء جنيف قد يُساهم في إنعاش محادثات نزع السلاح الروسية الأمريكية
يُجسـّد اللقاء بين وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف في جنيف بداية المحادثات المباشرة لإعادة إنعاش مفاوضات نزع السلاح بين القوتين. كما يشكل فرصة لإحياء دور جنيف الدولية التي شهدت جل المفاوضات بخصوص الحدّ من السباق نحو التسلح بين القوتين.
يأتي اللقاء الذي ستجريه كاتبة الدولة للخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف في جنيف يوم الجمعة 6 مارس 2008، بعد سلسلة من التصريحات الصادرة عن قيادتي الطرفيين لتهدئة علاقاتهما، وللعدول عن عودة لشبه حرب باردة بسبب مضلة الصواريخ التي تنوي واشنطن نصبها في بعض بلدان أوربا الشرقية.
وإذا كان من المنطقي عدم انتظار الكثير من هذا اللقاء الأول بعد سنوات من الجفاء، فإن مجرد السماح بطرح نقاط الخلاف بين القوتين العظميين على مائدة التفاوض، والعودة إلى سياسة الحوار رغم الخلافات، يعتبر تحولا هاما ومطمئنا في زمن الاضطرابات المتعددة الأوجه والعواقب.
انعقاد هذا الحوار في مدينة جنيف، رغم تعدد الأماكن لإجرائه، يعتبر تثمينا لدور هذه المدينة التي شهدت إبرام العديد من المعاهدات والاتفاقيات الرامية إلى الحد من سباق التسلح بين القوتين العظميين، وبالأخص مفاوضات “ستارت 1 “الخاصة بالحد من الرؤوس النووية، والتي تعود للعام 1991.
حوار أصبح ممكنا مع إدارة الرئيس أوباما
لقد سارعت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد باراك حسين أوباما إلى إرسال إشارات الرغبة في الحوار مع السلطات الروسية منذ الساعات الأولى من تولي مقاليد السلطة في البيت الأبيض.
وكان خطاب نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في ميونيخ أثناء انعقاد المؤتمر الـ 45 حول الأمن، بمثابة إشارة لهذا الاستعداد للحوار الروسي الأمريكي خصوصا بعد إعلانه بأن إدارة الرئيس أوباما “تنوي الضغط على زر إعادة إنعاش العلاقات الروسية الأمريكية”.
وجاء رد الجانب الروسي على لسان نائب الوزير الأول الروسي سيرغي إيفانوف الذي صرح بأن “المواقف الـُمعبر عنها من أجل استئناف الحوار الأمريكي الروسي حول كل القضايا ذات الاهتمام المشترك (…) تُعتبر إشارة قوية” وأن “موسكو قد توصلت بتلك الإشارة”.
وأوضحت المتحدثة باسم الرئاسة الروسية ناتاليا تيماكوفا: “إننا مستعدون للتعاون المعمق مع شركائنا الأمريكيين حول كل القضايا الثنائية، بما في ذلك قضايا نزع السلاح”.
تجديد أم تمديد لاتفاية “ستارت”؟
إذا ما اعتمدنا على تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية أثناء مثولها أمام الكونغرس قبل توليها هذا المنصب، يمكن اعتبار أن التفاوض بشأن معاهدة ستارت يكتسي أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة.
فقد قالت السيدة كلينتون أمام الكونغرس يوم 13 يناير الماضي: “إننا نرغب في بداية التحرك على وجه السرعة لكي تدرك موسكو بأننا جادون” للتفاوض مع روسيا بخصوص تجديد معاهدة ستارت الخاصة بتخفيض عدد الأسلحة الإستراتيجية، والتي ستنتهي مدتها في موفى عام 2009.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد توصلت عبر مفاوضات جرت في جنيف، إلى إبرام اتفاقية “ستارت 1” مع الاتحاد السوفياتي التي تم توقيعها في 31 يوليو 1991؛ وهي المعاهدة التي تنص على تخفيض عدد الرؤوس النووية الأمريكية من 10000 إلى 8550، والرؤوس النووية السوفياتية من 10200 إلى 6450. وتلتها معاهدتا “ستارت 2″ و”ستارت 3” لمضاعفة نسبة التخفيض من الأسلحة الإستراتيجية لدى الطرفين لكي لا يملك أي منهما في نهاية المطاف، ترسانة تتجاوز ما بين 1700 و2000 رأس نووية من هنا حتى عام 2012.
ولكن الجانب الروسي عبر عن رفضه لتمديد هذه المعاهدة معتبرا أن ما تحدده معاهدة ستارت قد تجاوزته الأحداث. وقد دعا المسؤولون الروس إلى ضرورة إبرام اتفاقية ملزمة جديدة لتعويض اتفاقية ستارت؛ إذ أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم 2 مارس 2009 بأن “ما نملكه وما يملكه الأمريكيون (من صواريخ) أقل بكثير مما تسمح به معاهدة ستارت”.
لذلك فهو يرى أن تمديد المعاهدة كما هي يعني “تقديم إشارة سلبية (للعالم) مفادها أنه من حقنا زيادة إنتاج هذه الأسلحة، وهذا غير مقبول”.
وما يقترحه الجانب الروسي، بعبارة أخرى، هو التوصل مع إدارة الرئيس أوباما إلى استبدال معاهدة ستارت التي تنتهي في 5 ديسمبر 2009 بـ “اتفاقية ملزمة جديدة”.
” الدرع الصاروخي” مقابل ” البرنامج النووي الإيراني”
ولدى حديث الجانب الروسي عن “اتفاقية جديدة ملزمة” في مجال نزع السلاح، لا يمكن استبعاد المخاوف الروسية الناشئة عن رغبة الإدارة الأمريكية في تنصيب درع صاروخي في كل من تشيكيا وبولندا، والمكون من عشر منصات لاعتراض الصواريخ والمزودة بنظام رادار. وهو النظام الدفاعي الذي قالت عنه الإدارة الأمريكية السابقة ومازالت تقول عنه الإدارة الأمريكية الحالية إنه “نظام يساعد على حماية حلفاء الولايات المتحدة من تهديد دول مارقة والتي يمكن أن تطور أسلحة نووية”، حسب تعبير وكيل وزارة الخارجية الأمريكي ويليام بورنس. والمقصود بالدول المارقة كلا من إيران وكوريا الشمالية.
لكن روسيا ترى في المشروع الأمريكي تهديدا موجها ضدها بالدرجة الأولى قبل أن يكون موجها ضد تهديدات دول مارقة. وهو ما دفعها للتلويح بإمكانية نشر صواريخ “إسكندر” في مقاطعة كاليننغراد، إذا ما استمرت الولايات المتحدة في تطبيق مخططات نشر درع صاروخية في بلدان أوروبا الشرقية.
رفض المقايضة
الجديد في محاولات الإدارة الأمريكية فكسر الجليد في علاقات واشنطن بموسكو هو ما تردد بعد إفشاء صحيفة “نيويورك تايمز” لفحوى الرسالة التي وجهها باراك أوباما لنظيرة الروسي ديميتري ميدفيديف، والتي قيل إنه يقترح عليه فيها مقايضة وقف نشر الدرع الصاروخية في بلدان أوروبا الشرقية بالحصول على مساعدة موسكو في ملف البرنامج النووي الإيراني.
وقد سارعت روسيا، على لسان رئيسها ديميتري ميدفيديف، إلى الرد بأن “الحديث عن مقايضة ليست الطريقة المثلى لطرح الموضوع للنقاش، وهي طريقة غير مجدية (…) والبرنامج النووي الإيراني والنظام الدفاعي الصاروخي أمران مختلفان”.
وأضطُر الرئيس الأمريكي إلى توضيح المسألة في ندوة صحفية بقوله “ما قُتله في تلك الرسالة هو ما قتله علانية، أي أن النظام الصاروخي الدفاعي الذي ننوي نشره موجه ليس ضد روسيا بل ضد إيران”، قبل أن يُضيف: “وما قلته، بكل منطقية، هو أنّ تمكُّننا من تخفيض تورط إيران في برنامج نووي عسكري، سيعمل على تخفيض الضغط أو تراجع الحاجة من أجل تنصيب نظام دفاع صاروخي”.
وهذا التباين في وجهة النظر، سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني أو بالدروع الصاروخية الأمريكية في بلدان أوروبا الوسطى، سيضاف إلى التباين في ملفات أخرى تشغل بال الخارجيتين الروسية والأمريكية، مثل الموقف من استقلال جمهورتي أوسيتيا وأبخازيا عن جورجيا، والاعتراف باستقلال كوسوفو.
وهنالك فضلا عن هذه الملفات الجدل القائم حول إمكانية قيام روسيا بدور في إقناع السلطات في كيرغيستان بإنهاء تأجير قاعدة ماناس للقوات الأمريكية، والتي تعد أهم نقطة إسناد للقوات الأمريكية في أفغانستان، وذلك بتقديم ملياري دولار للسلطات في كيرغستان.
فهل سيسمح أول لقاء بين ممثلي السياسة الخارجية في البلدين بكسر الجليد؟ وهل سيجسد بالفعل لقاء جنيف “الضغط على زر إعادة إنعاش العلاقات الروسية الأمريكية”؟
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
طبقا لأرقام وزارة الخارجية السويسرية، تحتضن جنيف بالإضافة إلى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة 215 ممثلية دبلوماسية والمقر الرئيسي لـ 22 منظمة دولية.
إجمالا يعمل حوالي 38 ألف شخص في القطاع الدولي مع الأخذ بعين الإعتبار الموظفين العاملين في حوالي 170 منظمة غير حكومية تتخذ من جنيف مقرا لها.
تقدر الفوائد الإقتصادية التي تجنيها جنيف نتيجة لتواجد الهيئات والمنظمات الأممية والدولية فيها بحوالي 5 مليارات من الفرنكات سنويا.
اتخذت المزيد من الإجراءات الرامية لتشجيع قدوم منظمات دولية جديدة إلى جنيف ومنها إنشاء مؤسسة المباني للمنظمات الدولية التي تقدم قروضا بفائدة صفر للوافدين الجدد لفترة تمتد إلى 50 عاما.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.