مُـثـابـرة سويسريّة على إصلاح مجلس الأمن الدولي
بعد فشل مقترحها في عام 2012 بإصلاح أقوى مؤسسة في المنظومة الأممية، قامت سويسرا، رفقة 19 دولة ضمن ما يُعرف بمجموعة ACT، بإطلاق مسعى جديد يُركّـز هذه المرة على حق المساءلة، والتناسق، والشفافية في عمل مجلس الأمن الدولي.
ينبغي على مجلس الأمن، المسؤول وفقا لميثاق الأمم المتحدة عن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، إدخال إصلاحات على أساليب عمله. هذا هو الهدف الذي تصبو إليه مجموعة الدول التي عرضت تصوراتها في الأسبوع الأول من شهر مايو الجاري في مقر الأمم المتحدة الرئيسي بنيويورك.
الغالبية الساحقة من دول العالم ليست مُمثلة في مجلس الأمن المتكون من 15 عضوا فقط، ولكن جميعها يُطالب بتطبيق قراراته. لذلك تولّت الدول الأعضاء في مجموعة ACT (رمز يختصر الأحرف الأولى من كلمات: المساءلة، والتناسق، والشفافية) مهمة مواصلة ما فشلت في تحقيقه مجموعة الدول الخمس الصغيرة، ومن ضمنها سويسرا، أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قبل عام، والتي اضطرت إلى سحب مشروع قرارها الذي قُـوبل بالمعارضة، وليس فقط من قبل الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
مشروع القرار الذي سُحب كان يهدف إلى إضفاء قدر أكبر من الشفافية والمصداقية على أقوى مؤسسة في الأمم المتحدة، أي مجلس الأمن الدولي، كما قُدّم ملحق لمشروع القرار يتضمن جملة من التوصيات. وحينها أعلن بول سيغر، السفير السويسري في نيويورك، بأن “الطموح إلى مزيد من الشفافية لن يتوقف بسحب مشروع القرار”.
الدول الأعضاء حاليا في المجموعة هي: تشيلي، كوستاريكا، إيسلندا، فنلندا، الغابون، إيرلندا، الأردن، ليختنشتاين، زيلندا الجديدة، النرويج، النمسا، بابوا غينا الجديدة، البيرو، البرتغال، المملكة العربية السعودية، سلوفينا، السويد، سويسرا، تنزانيا (مراقب)، المجر، اليورغواي.
تتولى سويسرا مهمة التنسيق بين هذه الدول.
بإمكان دول أخرى الإنضمام إلى هذه المجموعة.
تعتبر مجموعة ACT، خلفا لمجموعة الدول الخمس الصغيرة (S5 المكونة من سويسرا، كوستا ريكا، الأردن، ليختنشتاين، وسنغافورة) والتي تولت ما بين عامي 2005 و2012 مهمة معالجة موضوع إصلاح طريقة عمل مجلس الأمن الدولي.
أدّى تجنّد مجموعة الدول الخمس الصغيرة إلى تحقيق بعض التقدم في تحسين طريقة عمل مجلس الأمن الدولي (التفاصيل في الوثيقة الرئاسية رقم S/507/2010).
تعترف مجموعة ACT بالجهود المبذولة حتى الآن من قبل مجلس الأمن الدولي وتُثمنها، لكنها ترى أن “هناك حاجة لاتخاذ مزيد من الإجراءات لكي يؤدي المجلس مهمته على أحسن وجه. وحتى تطبيق الإجراءات التي تم اتخاذها لحد الآن ليس بالوجه المطلوب والمرضي”.
قاعدة دعم أوسع
استخلصت سويسرا الدّروس من محاولة الدول الخمس الصغرى السالفة الذكر، لذلك تحظى مجموعة الدول العشرين بقاعدة دعم إقليمية أوسع، وهي تتشكل من دول صغيرة ومتوسطة. وأثناء تقديم مجموعة ِACT، أوضح السفير سيغر بأن “المجموعة ستركز جهودها فقط على إصلاح طرق عمل المجلس، وستتجنب الخوض في الإصلاحات الكبرى والمعقدة لتشكيلة مجلس الأمن الدولي. يُضاف الى ذلك أنه سوف لن يتم العمل من أجل تقديم مشروع قرار شامل، بل التطرق لمواضيع صغيرة الواحد تلو الآخر”.
وفي هذا الإطار، يندرج التقرير السنوي لمجلس الأمن الدولي الذي يعتبر وسيلة الإتصال بين المجلس والدول التي ليست لها مقاعد فيه. كما أن الدول التي ترسل قوات للمشاركة في عمليات أممية لحفظ السلام، يجب أن تُشرك بشكل أقوى في المناقشات الخاصة بنشر قوات أممية.
من المطالب المهمة الأخرى، دعوة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي – أي الصين، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والولايات المتحدة – إلى عدم استخدام حق النقض (أو الفيتو) في حالات الإنتهاكات الخطيرة كارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو حروب الإبادة، أو جرائم الحرب.
إضافة إلى ذلك، ترغب مجموعة ACT في الإهتمام بموضوع التعاون بين مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، والبحث عن سبل تسمح لمجلس الأمن الدولي بالإكثار من ممارسة الدبلوماسية الوقائية “لتجنب اندلاع صراعات مسلحة، بدل التحرك بعد وقوع الأزمة”، مثلما أشارت إلى ذلك السفيرة النرويجية لدى الأمم المتحدة.
كفاح مرير
في حديث لـ swissinfo.ch، يقول ريتشارد ديكر، مدير برامج العدالة الدولية بمنظمة هيومان رايتس ووتش غير الحكومية: “إنه لمشروع مهم وصعب، ومن المفيد جدا تتبع خطواته، ولكن يجب ألا تتكون لدينا أحلام يقظة من أن مجموعة ACT ستفتح الأبواب التي ظلت مُوصدة لسنوات، بل لعقود”.
وشدد ديكر على أنه ينظر لعمل المجموعة ولأهدافها من زاوية احترام حقوق الإنسان، قائلا: “لقد جلب انتباهي بالدرجة الأولى إيلاء المجموعة اهتماما كبيرا لموضوع الحق في المحاسبة”.
وهو يعتبر بأن هذا هو موضوع الساعة لأنه سيفتح الباب أمام “إمكانيات مشجعة عندما نرى أن هناك ضغطا يُمارس على مجلس الأمن لمطالبته بأن يصبح أكثر تحملا للمسؤولية، وأكثر جدية وأكثر شفافية، عندما يتعلق الأمر بارتكاب جرائم كبيرة تهدّد السلم والأمن في العالم”.
في نفس الوقت، حيّا ديكر الرغبة التي أبدتها مجموعة ACT في الإهتمام أيضا بموضوع الدبلوماسية الوقائية، وقال: “قد يتم تجنب وقوع بعض الجرائم الفظيعة لو أن المجموعة الدولية تتدخل في وقت مبكر. وقد يصعب الحديث عن ذلك دون التفكير فيما يحدث يوميا في سوريا اليوم”.
تتفق كل دول العالم تقريبا على أن “مجلس الأمن الدولي بمكوناته الحالية لا يعكس توازنات القوة في القرن الحادي والعشرين”.
الدول الدائمة العضوية في المجلس والحائزة على حق النقض – أي الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا ، وبريطانيا – هي صاحبة اليد الطولى في أكبر المحافل الأممية. إذ أن تمتعها بحق النقض يمكّنها من إبطال أيّ قرار يصوت لصالحه غالبية الدول الأخرى.
إلى جانب الدول الدائمة العضوية الخمس، هناك 10 دول يتم انتخابها كأعضاء غير دائمين في المجلس، لفترة عامين من بين الدول ال 193 الأعضاء في الأمم المتحدة . وهناك حديث يدور منذ 20 عاما تقريبا حول إمكانية إصلاح مجلس الأمن الدولي ولكن بدون نتيجة. وكلما أثير الموضوع وصلت المناقشات الى طريق مسدود.
عقبات هنا.. وواقعية هناك
فيما يخص العراقيل المحتملة، يقول ديكر، بأن هناك ضرورة لكي تعيد الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن النظر في مواقفها، موضحا أن “رغبة هذه الدول في الاستمرار في تسوية الأمور بالطريقة التي ظلت تتبعها لحد اليوم، ستشكل أكبر عائق في هذا المجال”. ويرى أن إحدى المشاكل التي قد تُطرح بالخصوص موضوع التخلي عن حق الفيتو عندما لدى مناقشة الجرائم الكبرى.
ديكر نـوّه أيضا إلى تزايد الاهتمام من طرف الدول الأعضاء خلال مناقشات العام الماضي بجعل المجلس يلتزم أكثر بحق المحاسبة. وسواء فيما يتعلق بالمناقشات العامة أو بالعلاقة مع المحكمة الجنائية الدولية، يقول ديكر: “ذلك يدفعني إلى التفكير في دعم المبادرة التي تقدمت بها سويسرا لمجلس الأمن الدولي من أجل تحويل الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية”.
في الأثناء، يربط ديكر بين إطلاق مبادرة دول مجموعة ACT وبين زيادة الوعي لدى الدول الأعضاء لتحمل مسؤولياتها والقيام بمهامها على أحسن وجه، قائلا: “إذا ما أُحرز أيّ تقدم، فلن يكون قد تم الإ بهذه الطريقة وليس بالمواجهة”. وحتى أثناء تقديم مشروع مجموعة ACT لم تُسجّل أية مواقف اتسمت بالمواجهة.
ويضيف ضمن هذا السياق: “أعتقد بأنه تصرف حكيم أن تُظهر أعداد متزايدة من الدول بوضوح بأن هناك ضرورة لتطوير أساليب عمل مجلس الأمن الدولي من منظور حقوق الإنسان ومن منظور الحق في المحاسبة”، لكن السيد ديكر يذكّــر بأهمية الإستمرار بالتحلي بالواقعية ويقول: “يجب أن نأخذ بعين الإعتبار التوقعات الناجمة عن الصلاحيات المخولة للدول الأعضاء في مجلس الأمن بموجب ميثاق الأمم المتحدة”.
(نقله من الألمانية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.