مؤتمر دوربان الاستعراضي بين جدل متواصل وآمال مُعلقـة
أكدت سويسرا مشاركتها في مؤتمر مناهضة العنصرية الذي تحتضنه جنيف من 20 إلى 24 أبريل الجاري، بعد أن صادق أعضاء اللجنة التحضيرية مساء الجمعة على مشروع الوثيقة النهائية للمؤتمر. وقد سبقت مؤتمر جنيف موجةٌ من الانتقادات ودعوات المقاطعة وزوبعة من الجدل وردود الأفعال.
أشارت وزارة الخارجية السويسرية يوم السبت 18 أبريل أن مشروع الوثيقة النهائية يحترم الخطوط الـتي حدّدتها الحكومة الفدرالية، منوهة إلى أنه سيُعلن لاحقا عن تشكيلة الوفد السويسري.
وكانت برن قد وضعت كشرط لمشاركتها في المؤتمر عدم وصـم مشروع الوثيقة المطروحة على المؤتمر بلادها على وجه الخصوص (في إشارة إلى إسرائيل) بالعنصرية، وعدم اقتراح إلزامات جديدة، وضمان حرية التعبير (أي عدم ذكر التشهير بالديانات).
وقد رفعت المصادقة على الوثيقة النهائية يوم الجمعة آخر عقبة أمام افتتاح مؤتمر دوربان الاستعراضي في جنيف. كما أعلن في نفس اليوم ببرن أن رئيس الكنفدرالية السويسري هانس-رودولف ميرتس سيلتقي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم الأحد، على هامش المؤتمر الذي سيشارك فيه هذا الأخير.
وقد أعلنت الأمم المتحدة أن 3790 موفدا اعتمدوا للمشاركة في المؤتمر، وأن 103 بلدا أكدوا حضورهم، من بينهم 32 وزيرا و4 رؤساء دول (بينما لم يتخذ الأوروبيون قرارهم). كما تسجل أكثر من 2500 مندوبا للمنظمات غير الحكومية لحضور أعمال الاجتماع.
وقد تجمع في جنيف ما بين 600 و700 شخص بعد ظهر السبت في مظاهرة هادئة ضد العنصرية ومعاداة الأجانب نـُظمت من قبل جمعية مناهضة العنصرية “ACOR/SOS Racisme” ورابطة مسلمي سويسرا وعدد من النقابات وأحزاب اليسار في جنيف.
هل سيجد التحذير الأممي آذانا صاغية؟
وكانت ماري هوزي، الناطقة بإسم المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، قد وجهت يوم الأربعاء 15 أبريل في جنيف تحذيرا يمكن وصفه بالسريالي عندما قالت إن “أي خطاب يدعو إلى الكراهية، أو أي شتائم ذات طابع عنصري سيتم حظرها في مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية وعدم التسامح”.
وشددت مديرة قسم الإعلام بالمنظمة على أنه “لن يسمح بتكرار ما حصل خلال مؤتمر دوربان الأوّل سنة 2001 (التي خضعت نتائجه للدراسة والمراجعة في جنيف هذا الأسبوع).
ويذكر أن مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية في تلك السنة قد تخللته تظاهرات وتصريحات قوية معادية لإسرائيل، خاصة من داخل منتدى المنظمات غير الحكومية الذي نظم على هامش القمة التي استضافتها جنوب إفريقيا.
لكن التحذير الذي أصدرته المسؤولة الأممية موجه أيضا إلى بعض الوفود المشاركة في أعمال القمة، بدءً بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد، المعروف بخطابات تنتقد إسرائيل، وتوصف بالنارية والمعادية للسّامية.
ويقول أدريان-كلود زولّر، مدير منظمة “جنيف من أجل الحقوق الإنسانية” غير الحكومية في تصريحات لسويس انفو: “إن الاستفزازات أو الانحرافات قد تأتي من الرئيس الإيراني وحلفائه كما قد تصدر من المدافعين عن إسرائيل. وإذا ما تسببت في انسحاب بعض الوفود من المؤتمر، فقد يعاد النظر في كل شيء”.
ويضيف السيد زولّر أن “كل شيء سيتوقف على تضامن مجموعة البلدان الداعمة للنص التوافقي. فهل ستحظى بالوزن الضروري للسيطرة على أية استفزازات محتملة؟”.
تنصل من المسؤولية
فكيف يمكن فهم أجواء التوتر هذه في معالجة موضوع مثل العنصرية، الذي يُفترض فيه أن يوحّد الصفوف لا أن يزرع الشقاق؛ بما أن التمييز العنصري وكراهية الأجانب أمراض يعاني منها العالم بأسره.
بالنسبة لإيف لادور، مستشار متخصص في مجال حقوق الإنسان، التفسير الأول لهذه الظاهرة يكمن في الآثار المترتبة عن عدم تحمّل البلدان الأوروبية لمسؤولياتها تجاه الفترات الماضية، إذ قال في لقائه مع سويس انفو: “إن مشكلة الإرث الاستعماري لا تزال حاضرة بقوة، وتثير باستمرار الشعور بالإحباط والغضب في البلدان المستَعمَرة سابقا. في المقابل، لم تعر القوى الاستعمارية القديمة أهمية لضرورة الاعتراف بهذه الحقيقة”.
وقد تجلى هذا الأمر بوضوح في دوربان 2001، حيث قوبلت الدعوات المطالبة بالتعويض المالي عن فترات الاستعمار الأوروبي بالرفض. ويستمر هذا الإنكار الذي يرافقه عدم الوفاء بالوعود والحيز الضيق الممنوح لإفريقيا على الساحة الدولية، والذي كان واضحا للعيان خلال القمة الأخيرة لمجموعة البلدان العشرين التي انعقدت بلندن يوم 2 أبريل 2009.
رمزية نزاع الشرق الأوسط
بالنسبة للانتقادات الموجهة لإسرائيل، سواء في مؤتمر دوربان أو خلال الأعمال التحضيرية لمؤتمر جنيف، فهي تأتي، حسب إيف لادور، في سياق الرؤية السائدة في البلدان التي كانت مستعمرة من قبل والتي “تنظر إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني بوصفه استمرارا للاستعمار الغربي. ومن هنا يأتي التماهي مع الفلسطينيين الذين تحتل إسرائيل جزءً من أراضيهم”.
ولا يختلف استنتاج هلال نويير، كثيرا عما سبق، فمدير “مراقبة الأمم المتحدة”، وهي منظمة غير حكومية موالية لإسرائيل، ونشطة جدا في الدعوة لمقاطعة مؤتمر جنيف صرح لسويس انفو: “إن مؤتمرات الأمم المتحدة هذه (في جنيف أعوام 1978 و1983 و2009، وفي دوربان 2001) لا هدف لها سوى مهاجمة البلدان الغربية وإسرائيل وحرية التعبير”.
ويؤكد إيف لادور من ناحيته على أنه “ما لم تتم معالجة هذه القضايا (الاستعمار وتبعاته) بصراحة ووضوح، فإنها ستظل حاضرة باستمرار في المنتظم الدولي، وستُستخدم من قبل بعض الحكومات (لصالحها)”.
فرصة ضائعة
لكن المفارقة التي يشير إليها أدريان-كلود زولـّر، مدير منظمة “جنيف من أجل الحقوق الإنسانية” فتتمثل في أن “هذا المؤتمر لن يكون له أي تأثير على أكثر القضايا إثارة للجدل. فهو لا يسعى إلى حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. وستظل قضية التشهير بالأديان، التي أثارت نقاشا طويلا خلال الأعمال التحضيرية، مطروحة ومدعومة من البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، التي ما فتأت تنادي بطرح هذه القضية منذ نهاية التسعينات”.
والنتيجة أن “هذه القضايا المثيرة للجدل سرقت الأضواء من النقاش حول حقوق الإنسان، والتي تمثل مناهضة العنصرية العنصر الرئيسي فيه”.
ويأسف أندريان- كلود زولّر لكون “مؤتمر جنيف سيكون بمثابة الفرصة الضائعة، إذ يُفترض أن يكون محطة لتقييم ومتابعة ما أقر في دوربان، للوقوف عما أنجز وما لم يُنجز منذ 2001، لكن هذا الأمر لن يحظى إلا بإشارة عابرة”.
بعض النتائج الإيجابية
في المقابل، يمكن أن يحقق مؤتمر جنيف بعض النتائج الإيجابية. وهنا يشير أدريان- كلود زولّر إلى مشروع المفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الداعي إلى إنشاء مرصد عالمي للعنصرية.
كذلك يأمل مدير منظمة “جنيف من أجل الحقوق الإنسانية” أن “يعزّز المؤتمر جهود لجنة القضاء على التمييز العنصري، الذي يعتبر آلية فعالة جدا، وبعض الآليات الأخرى، كمهمة المقررين الخواص المنتدبين من قبل مجلس حقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة والذي يتخذ من جنيف مقرا له)”.
لكن الأثر العميق والحقيقي لهذا النوع من المؤتمرات، لا يمكن التأكد من فعاليته إلا على المستوى الوطني، حسب رأي السيد زولـّر، وذلك عبر الوقوف على الطريقة التي ستعتمدها الحكومات والمجتمعات المدنية في تنفيذ التوصيات والمقررات التي سيتضمّنها البيان الختامي للمؤتمر.
المنظمات غير الحكومية منقسمة بدورها
ويتوقف عملية التنفيذ إلى حد كبير كذلك على مدى انخراط وفعالية المنظمات غير الحكومية، لكن من الواضح أن هذه المنظمات المشاركة في مؤتمر جنيف يسودها الانقسام والتفرقة.
ويذكر إيف لادور أن “لا أحد يرغب في تكرار ما حصل في مؤتمر دوربان. فالإنزلاقات الكبرى التي حصلت آنذاك وقعت في المنتدى الرسمي للمنظمات غير الحكومية”.
أما أندريان- كلود زولّر، فينوه إلى سبب انقسام آخر، إذ يرجع تشتت هذه المنظمات وضعف تأثيرها على مجريات المؤتمر إلى أن “اللجنة التحضيرية لمؤتمر جنيف هي في الأصل هيئة تابعة لمجلس حقوق الإنسان، وهذا الأخير لا يسمح بتدخل كبير للمنظمات الأهلية، على خلاف ما حصل مع لجنة حقوق الإنسان سابقا”.
سويس إنفو – فريديريك بـورنون مع الوكالات – جنيف
قبل ثماني سنوات تقريبا، انعقد أول مؤتمر لمناهضة العنصرية نظمته الأمم المتحدة بـدوربان بجنوب إفريقيا، وبالكاد توصل المؤتمر، بعد نقاشات حادة، إلى الإتفاق على بيان ختامي. وقد هيمنت على أعمال ذلك المؤتمر قضية الشرق الأوسط.
وبعد وصفها بـ “الدولة العنصرية” من البلدان العربية والمنظمات غير الحكومية، انسحبت إسرائيل من المؤتمر، وتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن البيان الختامي المكوّن من 140 صفحة وأقرته 189 دولة، لم ينتقد إسرائيل، وإن أقر بحق الفلسطينيين في حكم ذاتي، وبحق اللاجئين في العودة إلى قراهم التي هجّر منها، وحق جميع الدول في المنطقة في العيش في أمن وسلام، بما في ذلك إسرائيل، وتضمّن النص عبارات مثل “الوضع المأساوي للفلسطينيين”.
في المقابل، أشادت إسرائيل بالذين أشرفوا على صياغة ذلك البيان الذي لم يتضمّن انتقادات شديدة ضدها، في حين عبّرت إيران وسوريا عن تحفظهما على ذلك.
كذلك، تم التوصل خلال مؤتمر دوربان إلى توافق حول قضايا العبودية والإستعمار. ومنذ ذلك الحين أصبحت العبودية تصنف ضمن “الجرائم ضد الإنسانية”، لكن نص دوربان لا يلزم الدول الإستعمارية السابقة على تقديم إعتذارات صريحة للشعوب التي إستعمرتها، وهو ما كانت تأمله الكثير من الدول الإفريقية.
لكن أيام قليلة بعد اختتام مؤتمر دوربان، وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001، وأدت إلى ظهور وضع دولي جديد، فسادت أجواء من العنصرية وعدم التسامح، خاصة في إطار ما عرف بالحرب على الإرهاب، فذهبت قرارات مؤتمر دوربان في أدراج الرياح.
وصل أحمدي نجاد، رئيس جمهورية إيران الإسلامية،إلى جنيف يوم الأحد 19 أبريل 2009، لحضور مؤتمر مناهضة العنصرية بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف الذي يفتتح يوم الإثنين 20 أبريل. وكان في إستقبال الرئيس الإيراني بمطار جنيف الوزير المكلف بالمؤسسات في حكومة كانتون جنيف، لورون موتينو.
وأكد دومينيك لويس، نائب مدير الشؤون البروتوكولية في جنيف بأنه من حق أحمدي نجاد أن يحظى بإستقبال رسمي، بوصفه رئيس دولة. أما من ناحية الإجراءات الأمنية، فلم تكشف شرطة جنيف عن الإجراءات والترتيبات الخاصة التي أتخذتها.
ومن المنتظر أن يظل الرئيس الإيراني في جنيف يوم الثلاثاء أيضا، وقد يحضر ندوة صحفية تعقد في نفس اليوم، لكن الخبر الذي أوردته بعض المصادر من داخل الامم المتحدة، لم يرد ما يؤكده.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.