ما هي مُواصفات الدبلوماسي السويسري الجيّد؟
أطلقت وزارة الخارجية حملة عام 2013 لتوظيف الدبلوماسيين الشبان الجُدد الذين سيمثّـلون مصالح سويسرا في الخارج وفي المنظمات الدولية. وقد انتُقِــدت عملية الانتقاء بسبب عدم منح الفرصة لعدد أكبر من النساء والمتخصصين.
صدى الانتقادات وصل إلى ألمانيا المجاورة حيث فسحت أسبوعية “دي تسايت” المرموقة المجال لأصوات سويسرية للتعبير عن غضبها. ففي مقال يحمل توقيعا مشتركا، كتبت ثلاث مرشحات انسحبن بعد رسوبهن في الاختبار الكتابي في الدورة الأولى من عملية انتقاء السلك الدبلوماسي السويسري: “إن عملية اختيار من هذا القبيل ليست مِهنية وقد عفا عليها الزمن. […] لا يجب أن نسمح بعد لأنفسنا بتكوين نوعية الديبلوماسيين الذين تفرزهم الإجراءات الحالية، نحن حقا بحاجة إلى أفضل من ذلك”.
وتتهم النساء الثلاث لجنة الاختيار المكونة من 11 عضوا بتجاهل شهاداتهن الأكاديمية وخبرتهن المهنية، مُطالبات بإعادة إدخال نظام الحصص لتعزيز عدد الإناث في صفوف الديبلوماسيين.
دومينيك فورغلر، رئيس اللجنة، يتقبل مثل هذه الهجمات بدون انزعاج. وفي تصريحات لـ swissinfo.ch عبر الهاتف، قال السفير السويسري لدى القاهرة: “ليست المرة الأولى التي نواجه فيها مثل هذه الانتقادات”.
ورغم اقتناعه بصحة عملية الاختيار التي يستمر تطبيقها منذ عقود ويتم تكييفها مع مرور الوقت، لا يستبعد السفير فورغلر وقوع أخطاء. ويضيف ضمن السياق نفسه أن وزارة الخارجية طوّرت قبل حوالي عشر سنوات “نموذج كفاءات” على المقاس – وهو أداة لتخطيط المسار الوظيفي المطلوب بُغية العثور على المرشحين المناسبين وتوفير المزيد من فرص التدريب للدبلوماسيين. ويحدد النموذج جملة من الكفاءات الخاصة، بما فيها المهارات الثقافية وحسن الضيافة، والقدرة على العمل بشكل جيد في حالات الأزمات.
وقد شهدت مؤسسة كُلفت بتقييم عملية اختيار الدبلوماسيين السويسريين بالجودة العالية لهذه الأخيرة. ما دفع السفير فورغلر، الذي يرأس لجنة الاختيار المكونة أساسا من نساء، للقول: “هذا يؤكد أن العملية الانتقائية التي نعتمدها جيدة جدا إلى حد كبير”.
مع ذلك، لا يستبعد السفير أن يتم التغاضي عن مرشحين ممتازين لأن الوثائق التي تضمَّنها ملفُّـهم لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية. وتابع قائلا: “من المهم للغاية التأكد من استدعاء أنسب المرشحين لجولة التقييم الأولى، ثم الشروع في عملية الانتقاء”، منوها إلى أن أعلى الحواجز بالنسبة لأي مرشح تكون في بداية الطريق للجولة الأولى من الاختبارات. واستشهد في هذا الصّدد بمثال السنة الماضية: “في عام 2012، لم يُستدعى سوى 80 مرشحا تقريبا للامتحان الأول”.
أكاديمية الدبلوماسية
ويأتي نوع آخر من الانتقادات من “فوراوس”، وهي خلية تفكير طلابية أساسا في مجال السياسة الخارجية. ويعتقد رئيسها، نيكولا فورستر، أنه من الضروري إجراء مراجعة عامة لنظام التدريب الديبلوماسي في سويسرا، ليس فقط لنظام التوظيف أو إعادة إدخال نظام الحصص، بحيث يدعو إلى اعتماد نظام أكثر مرونة للتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للنشاطات الدبلوماسية.
ويستطرد قائلا: “هنالك حاجة إلى المزيد من الوسطاء الذين يتمتعون بمهارات خاصة، والذين يمكن إرسالهم على حين غفلة إلى المناطق الساخنة” بهدف دعم عمل الدبلوماسيين التقليديين الذين يتم نشرهم في الخارج لفترة محددة لتمثيل مصالح سويسرا.
ويرى فورستر أن عملية الإصلاح يجب أن تهدف أيضا إلى توفير نماذج عمل تتوافق بصورة أفضل مع الحياة العائلية، وتكون كذلك على مقاس أشخاص يتمتعون بمواهب فردية استثنائية. ويعترض رئيس “فوراوس” على الحد الأقصى لسن المرشحين للحياة الدبلوماسية – 35 عاما حاليا – لتعزيز فرص الفئات العمرية المستبعدة. فهو يوصي في المقام الأول بإنشاء “أكاديمية للدبلوماسية” لتحل محل ما يعتبره “التكوين الميداني” أو “التأهيل على الطبيعة” للدبلوماسيين السويسريين.
خبرة عامة
وفي مكتبه بقسم إدارة الموارد بوزارة الخارجية السويسرية في العاصمة برن، يدافع من جانبه ماركوس رويبي عن سياسة توظيف دبلوماسيين يتمتعون بخبرة عامة، وهي سياسة ناجمة، حسبه، عن القيود التي يفرضها الحجم المحدود للسلك الدبلوماسي السويسري.
واستنادا إلى تجربته الشخصية في اليابان حيث عايش حالة أزمة قبل عامين، يشيد رويبي بمحاسن النظام السويسري الذي “أظهر أن لذوي الخبرة العامة القدرة على التكيف والتعامل مع الحالات الطارئة والتعرف بسرعة على ما استجد من مواضيع”.
ويضيف رويبي أن سويسرا تتيح قدرا من التمييز بالنسبة للدبلوماسيين العاملين في المنظمات الدولية أو الذين ينشطون كخبراء في القضايا المالية والاقتصادية، قائلا: “نحن بحاجة إلى دبلوماسيين ذوي خبرة عامة يكونون على استعداد للتخصص، وهذا في نهاية المطاف هو المفتاح للتوصل إلى المزيج الصحيح من العموميين والمتخصصين في أية مهمة”.
ويوضح هذا المسؤول في وزارة الخارجية أن الحكومة الفدرالية تعتبر أن الحضور المستمر لأي تمثيل دبلوماسي على الميدان، ولئن كان فريقا صغيرا، عنصرا حاسما لبناء شبكة الاتصالات وصيانتها. ويعتقد رويبي أن اعتماد نظام دبلوماسيين متنقلين لن يخدم مصالح سويسرا.
ينشط حاليا 348 دبلوماسيا سويسريا في 173 سفارة في الخارج، وفي المنظمات الدولية، والمقرات الرئيسية في العاصمة الفدرالية برن.
توجد أكبر سفارة سويسرية في موسكو حيث يعمل حوالي 100 موظف.
في عام 2012، افتتحت سويسرا سفارات جديدة في ميانمار، وقطر، قيرغيستان. ولكن يُتوقع إغلاق سفارة برن في غواتيمالا لتقليص شبكة القنصليات السويسرية حول العالم.
قبل نهاية القرن الماضي، تم التخلي عن محاولة أولى لإضفاء طابع مهني على النظام. وبعد الحربين العالميين فقط، توسعت الشبكة الدبلوماسية السويسرية إلى حد كبير وبلغت ذروتها في عقد التسعينات.
بريق يتلاشى..
تـُـنسب لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق إدوارد هيث مقولة “الدبلوماسي هو رجل يفكر مرتين قبل النطق بأي كلمة”. من جانبه، يقول السفير فورغلر إن مهمة أي دبلوماسي – سواء كان سويسريا أو من أي بلد آخر – تظل واحدة وتتجسد في “تمثيل مصالح بلاد معينة، مهما كانت متنوعة “، مضيفا: “إن سويسرا لم تعد تنفرد بالمساعي الحميدة أو بكونها بلادا محايدة”.
وعلى مر الزمن، تغير دور ووضعُ السفراء. فبعد أن كان الدبلوماسيون جزء من النخبة، بدأ البريق الذي اقترن في الماضي بوظيفتهم يتلاشى على نحو متزايد.
ويقول رويبي ضمن هذا السياق: “بات يتعين على الدبلوماسيين التصرف أكثر فأكثر كمُسيّرين في بيئة معقدة للغاية”. وخلافا الولايات المتحدة، لا توجد في سويسرا تعيينات سياسية للوظائف الدبلوماسية، “لأن ذلك لن يتماشى مع النظام السياسي السويسري الذي يشتمل على حكومة متعددة الأحزاب”. وفي الواقع، يظل تعيين شخصيات دخيلة (أي من خارج السلك) في الوظائف الدبلوماسية أمرا نادرا.
مهارات إضافية لا غنى عنها
وإلى جانب القيام بالمهمة التقليدية للمُفاوض والوسيط ذي المهارات الإجتماعية المتطورة الفائقة، على دبلوماسي اليوم أن يكون بارعا في استخدام وسائل الإعلام المختلفة، وأن يراعي المصالح الأجنبية والمحلية على حد سواء، مثلما يشرح رويبي.
وفضلا عن ذلك، أصبح من الضروري التحلي بالصفات القيادية والقدرة على العمل بشكل جيد في حالات الأزمات، لاسيما بالنسبة للمُعيّنين في المناطق الخطرة.
عمليا، لم يعد المسار الوظيفي السلس مضمونا للدبلوماسي، فقد اشتدت المنافسة واحتدمت بين أعضاء السلك لانتزاع التعيينات المرموقة. ويقول رويبي أنه “يمكن الإستجابة للرغبات الفردية، لكن الإرتقاء إلى أعلى السلم (أي العمل في العواصم الكبرى والمهمة) ليس مُتاحا للجميع”.
في عام 2012، تقدم 282 مرشحا بطلب الانضمام إلى السلك الدبلوماسي السويسري. تم قبول 22 منهم من بينهم 4 نساء.
كقاعدة، تقبل وزارة الخارجية حوالي عشرة مرشحين في السنة. ولوحظ أن عدد الطلبات تغير كثيرا على مر السنين، وغالبا ما يُفسر ذلك بكونه رد فعل على الوضع الاقتصادي.
كجزء من مادة دستورية متعلقة بتكافؤ الفرص، تم اعتماد حصة غير مباشرة للسفيرات في عام 2003، بحيث أقر مساواة بين الجنسين لشغل الوظائف الدبلوماسية، ولكن تم تعليق الإجراء العام الماضي.
في عام 2011، تم إيقاف محاولة لتسهيل دخول السلك الدبلوماسي للمرشحين الدخيلين على المهنة.
تم اعتماد عملية التقييم الحالية للمرشحين للسلك الدبلوماسي عام 1956، ثم تم تكييفها بشكل طفيف مع مرور الوقت.
يجب أن يحمل المرشحون الجنسية السويسرية، وألاّ يتجاوز عمرهم 35 عاما. ويتم استبعاد الطلبات المتكررة.
ومن المتطلبات الأخرى: إتقان ثلاث لغات (من بينها على الأقل اثنين من اللغات الرسمية في سويسرا – الألمانية، الفرنسية، الإيطالية)، وشهادة جامعية، وخبرة مهنية، وسجل شخصي خال من أي سوابق جنائية.
(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.