مبادرة شعبية تـروم الحدّ من تضخم البيروقراطية في سويسرا
يستعد الحزب الليبرالي الراديكالي السويسري لإطلاق مبادرة شعبية ضد البيروقراطية، بهدف تقليص التكاليف الناجمة عن ترسانة القوانين والإجراءات الحكومية بنسبة 20%، بما يُـطور حرية تحرك الشركات الصغرى والمتوسطة ويُعزز نشاطها.
يوم السبت 11 سبتمبر، سيُـعلن الحزب الليبرالي الراديكالي رسميا عن إطلاق مبادرته الشعبية، التي تحمل عنوان “من أجل وقف البيروقراطية”، حيث يُتوقع أن يعتمد مؤتمر لمندوبيه، يُعقد في بلدة Unterägeri بكانتون تسوغ، النسخة النهائية للمبادرة.
في الوقت نفسه، يتّـجه الحزب لاقتراح مجموعة من الإجراءات، الرامية إلى تقليص القوانين والإجراءات والترتيبات “المتصاعدة دوما”، لأنها تؤدّي إلى شلّ قدرات المواطنين والإقتصاد السويسري على التحرك بطلاقة، حسب رأي الحزب الليبرالي الراديكالي.
الخطوط العريضة لهذا المشروع معلومة، بل إن الأمانة العامة للحزب، قامت مؤخرا بنشر تفاصيل النص الذي سيُـعرض على تصويت المندوبين. في المقابل، أوضح النائب بيتر مالاما (من كانتون بازل)، الذي يُـعتبر من أبرز الشخصية التي ساهمت في إعداد المبادرة، في تصريح لـ swissinfo.ch أنه “لا زالت توجد بعض التفاصيل البلاغية”، التي تحتاج إلى الحسم النهائي.
حقوق أساسية
إجمالا، تطالب المبادرة بأن تُـستكمَـل قائمة “الحقوق الأساسية”، المنصوص عليها في الدستور الفدرالي (وهي المساواة أمام القانون والحق في الحياة وحرية التعبير إلخ…) بنوع جديد من الحقوق، يتلخّـص في أن يعامَـل المرء من طرف الدولة بأسلوب غير بيروقراطي، وهو ما يعني عمليا، تأسيس الحقّ في الحصول على “قوانين قابلة للفهم” وعلى تطبيق “بسيط وغير بيروقراطي وناجع” للقوانين المعمول بها، إضافة إلى الحقّ في أن تتمّ معالجة الملفات والقضايا الخاصة بكل مواطِـن “بسرعة” وبـ “بساطة” من طرف المحاكم والدوائر الإدارية المختلِـفة.
وعلى غِـرار جميع الحقوق الدستورية، فإنه سيُـصبِـح ممكنا – في حالة إقرار الحق الجديد – الاستناد إليه عند التظلُّـم أمام المحاكم. ومن المُـحتمل أن يُـدرج مستقبلا بعد الفصل التاسع من الدستور الفدرالي، الذي ينُـص على أنه “لكل شخص الحقّ في أن يتمّ التعامل معه من طرف أجهزة الدولة، بدون اعتباطية وطِـبقا لقواعد حُـسن النية”.
من جهة أخرى، ستنُـص المبادرة الشعبية الجديدة، على وجوب اتِّـخاذ الدولة لإجراءات من شأنها “التقليص إلى أقصى حدّ في ثِـقل القوانين والعِـبء الإداري عن الشركات” والمؤسسات الاقتصادية، مع الأخذ بعين الاعتبار بوجه خاصّ لمصالح “الشركات الصغيرة جدا والمؤسسات الصغرى والمتوسطة”.
انتقادات قاسية
قبل الإطلاق الرسمي لهذه المبادرة، تعرّضت لانتقادات شديدة من طرف عضو مجلس الشيوخ السابق روني رينوو، وهو أستاذ فخري للقانون الدستوري في جامعة بازل وشخصية بارزة في الحزب الليبرالي الراديكالي.
ففي رسالة إلكترونية وجّـهها إلى العديد من زملائه في الحزب، عبّـر البروفيسور رينوو عن رأيه في المبادرة المقبلة واعتبر أنها “غير قابلة للتطبيق”، كما أشار إلى أن تحويل الحقّ في الحصول على قوانين قابلة للفهم إلى حقّ دستوري، يعكِـس احتقارا للمعاني الحقيقية لحقوق الإنسان ولأبعادها.
وبالنظر إلى أن هذه الرسالة الإلكترونية قد نُـشرت في وسائل الإعلام إثر تسريبها، لم يرغب البروفيسور رينوو في قول المزيد عنها، عندما استجوبته swissinfo.ch، لكنه لم ينفِ انتقاداته للمبادرة.
المزيد
المبادرة الشعبية
“حِـمية” ضرورية
من وجهة نظر الحزب الليبرالي الراديكالي، فإن المبادرة المقبلة أمر لا مفرّ منه، خصوصا وأن حجم وثِـقل القوانين والإجراءات التي اتّـخذتها الدولة، “ازداد كثيرا في السنوات الأخيرة”، وهو ما أدّى – حسب رأي الحزب – إلى الحدّ بشكل كبير من حرية تحرّك المواطنين وقلّـص من إنتاجية الاقتصاد السويسري وإلى إلحاق ضرر “فادح” بالمؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة.
وفي وثيقة عَـمَـل، أعدّها الحزب الليبرالي الراديكالي، وردَ أن هذه الأوضاع تحُـثّ على العمل على قيام “دولة نحيفة وقريبة من المواطنين” وعلى وضع حدًٍّ لـ “البيروقراطية الزاحفة”، التي أصبح البلد ضحية لها، حسب رأي الحزب، وإجبار السلطات على ممارسة قدر أدنى من النزوع إلى “المثالية والدقّـة المبالَـغ فيها”.
ومن بين الأمثلة التي يوردها الحزب للإجراءات غير المفيدة، هناك الضرائب التي تفرضها السلطات المحلية في الكانتونات على الكلاب والرسوم المفروضة على أنشطة الترفيه والمَبالِـغ التي تحصِّـلها زيورخ على تعليق الأعلام. لكن الحزب ينتقِـد أيضا وبشكل عام، القوانين والتراتيب العديدة التي يعتبرها مبالَـغا فيها في قطاعات البناء وحماية البيئة وساعات فتح وإغلاق المحلات التجارية والمعطيات الإحصائية، المطلوبة من الشركات ومن سوق الشغل.
خمسين مليار في السنة
في هذا السياق، يُـشير الحزب الليبرالي الراديكالي إلى دراسة جديدة، أعدّها الاتحاد السويسري للفنون والحِـرف (USAM)، التي تقدِّر بـ 50 مليار فرنك، التكاليف المُـرتبِـطة في سويسرا، بالتشريعات والقوانين التي تسُـنُّـها الدولة، لذلك، يُـطالب الحزب بتخفيض كبير لهذا الرقم ويُـحدِّد – في إطار مبادرته – هدفا يتمثّـل في تقليص التكاليف في هذا المجال بنسبة 20%.
من جهة أخرى، يقترح الحزب عددا من الإجراءات الأخرى، تشمل إنشاء “شبابيك موحّـدة” على المستوى الفدرالي وفي جميع الكانتونات، توفِّـر لكل مواطن أو شركة، بإجراء العديد من المعاملات الإدارية في نفس الوقت. إضافة إلى ذلك، يرغب الليبراليون الراديكاليون في إجراء “عملية إعادة تقييم جوهرية” لنظام اقتطاع الضريبة على القيمة المضافة، الذي يروْن أنه يتّـسم بتعقيد مبالغ فيه.
ليست هذه المرة الأولى التي يُـطلق فيها الحزب الليبرالي الراديكالي أو بعض أعضائه مبادرة شعبية لتقليص تأثير الدولة وحجم حضورها في سويسرا، بهدف إفساح المجال للنشاط الاقتصادي أو لتجسيد شعار رفعه الحزب في الثمانينات، يقول “دولة أقل وحرية أكثر”.
ففي عام 1995 على سبيل المثال، أطلق العديد من البرلمانيين أو النواب السابقين من الحزب الراديكالي (آنذاك) ومن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) ومن الحزب الديمقراطي المسيحي ومن الحزب الليبرالي سابقا، مبادرة شعبية ضخمة بعنوان “من أجل مزيد من الحرية وقوانين أقل”.
هذه المبادرة، التي لم يتردد كثيرون في وصفها بالراديكالية، طالبت بالإلغاء الآلي لجميع القوانين الفدرالية ولجميع المراسيم الفدرالية المهمة، التي لا يقوم البرلمان بإعادة التصويت عليها في غضون 5 أعوام، وهو ما يعني – لو تم إقرار المبادرة – إعادة التصويت على 1200 قانون، طِـبقا لتقييم أجرته حينها المستشارية الفدرالية.
في الواقع، لم تصل الأمور إلى ذلك الحدّ، لأن لجنة المبادرة لم تتمكن من تجميع عدد التوقيعات الضرورية. في المقابل، نجحت مبادرة أخرى أطلقت عام 1992 من طرف أوساط اليمين الراديكالي والليبرالي ومن طرف حزب الشعب، تدعو إلى الإلغاء الكامل للضريبة الفدرالية المباشرة، في الحصول على العدد الكافي من التوقيعات، لكنها سُـحِـبت في عام 1996.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.