مبادرة طرد المجرمين الأجانب تنذر بمواجهة سياسية وانتخابية قوية
يبدو المشروع الذي يقترحه البرلمان الفدرالي بديلا عن مبادرة حزب الشعب الداعية إلى طرد المجرمين الأجانب "أكثر وضوحا واكتمالا". هذا هو على الأقل رأي إيفلين فيدمر شلومبف وزيرة العدل والشرطة التي أعطت، مدعومة بعدد من المسؤولين في الكانتونات، ضربة الانطلاق لحملة تنذر كل المؤشرات بأنها ستكون قوية وشرسة، وسوف تمتد إلى حين إجراء الاستفتاء يوم 28 نوفمبر 2010.
وشهد يوم الإثنيْن 4 أكتوبر الجولة الأولى من المنازلة فحزب الشعب صاحب المبادرة الأصلية وصف المشروع البديل الذي صاغه البرلمان الفدرالي بأنه “سيء وماكر”، في المقابل دعت شلومبف في ندوة صحفية، نيابة عن الحكومة، المواطنين للتصويت لصالح المشروع البديل، مشددة على كونه ” لا يتعارض مع بنود الدستور، ولا مع مقتضيات القانون الدولي، ولا يقترح إجراءات غير قابلة للتنفيذ”.
هذا المشروع البديل الذي توصي الحكومة بالتصويت إليه لا يبدو أقلّ تشددا تجاه الأجانب من المبادرة الأصلية، فهو ينص على إمكانية سحب رخص الإقامة لمرتكبي الجرائم، ويشدد على عامل الخطورة في المخالفات المرتكبة خلال اتخاذ قرار الطرد، وليس على قائمة ضيقة من الجرائم كما هو الحال في نص المبادرة الأصلية. كما يتميّز المشروع البديل باقتراح حزمة من الإجراءات لتشجيع اندماج الأجانب، وإلزام جميع الأطراف باحترام القيم الأساسية المنصوص عليها في الدستور، والحفاظ على الأمن والنظام العام.
بحسب درجة العقوبة
وبالمقارنة مع المبادرة الأصلية يتميّز مقترح البرلمان بشيء من المرونة، إذ ترك المجال واسعا لتقدير كل موقف بقدره. وينص على ضرورة أن تكون القرارات المتخذة محترمة للحقوق الأساسية للأشخاص المعنيين، وللمبادئ والأسس التي يستند عليها الدستور السويسري والقانون الدولي، وعلى وجه الخصوص مبدأ التناسب بين العقوبة والجرم المرتكب.
ورغم نص المشروع البديل على قائمة من الجرائم التي قد تشكل مبررا لطرد الأجنبي، فإنه يورد ذلك على سبيل المثال فقط، لكنه يجعل من مدة العقوبة المرجع الأساسي والمرتكز الرئيسي في اتخاذ قرار الطرد.
وطبقا للنص المدعوم من الحكومة، يكون الطرد ممكنا في حالة الإدانة بارتكاب مخالفة يصل الحكم فيها إلى سنة كاملة من السجن النافذ على الأقل في بعض الأحيان، في حين يقترح سقفا آخر بالنسبة لعمليات الغش والاحتيال، بما في ذلك المخالفات ذات الطابع الاقتصادي كالغش الضريبي أو ذات العلاقة بالمساعدات أو التأمينات الاجتماعية. في هذه الحالات، ينص المشروع البديل، على طرد الأجنبي إذا ما بلغ الحكم الصادر ضده 18 شهرا أو أكثر.
من جهة أخرى، يشدد المشروع الذي توصي الحكومة بالتصويت لصالحه الإجراءات ضد من يعودون لارتكاب جرائم سبق أن حوكموا عليها. ويقترح مشروع القانون طرد الأجنبي الذي يصدر ضده حكم يصل إلى عامين سجنا في مرة واحدة ، او يتجاوز مجموع أحكامه خلال عشر سنوات 720 يوما.
وإذا كان حزب الشعب يقترح في مبادرته حرمان الأجنبي المطرود من البلاد من العودة إليها في مدد تتراوح بين 5 إلى 15 سنة، أو حتى 20 سنة بحسب مدة الأحكام الصادرة ضده، فإن مشروع البرلمان لا يتضمّن أي نص بهذا الشأن، ويعتبر ان القوانين النافذة كفيلة بتنظيم ذلك.
جهود مواكبة لإنجاح الإندماج
كذلك، وعلى خلاف مبادرة حزب الشعب، يقترح المشروع الحكومي خطوات مواكبة لإنجاح عملية اندماج الأجانب في المجتمع، ويقترح حزمة من الإجراءات بهذا الشأن، ويدعو جميع الأطراف إلى احترام القيم الأساسية المنصوص عليها في الدستور، والحفاظ على الأمن والنظام العام، وإلى بذل الجهود الضرورية للإلتزام بقيم المسؤولية، والعيش في سلام مع المجتمع.
وتتحدد أهداف الاندماج بحسب المشروع البديل في: “خلق الظروف المناسبة التي تسمح بمنح الأجانب نفس الفرص المتاحة للمواطنين السويسريين بشأن المشاركة في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية”. وتكون أحزاب يمين الوسط بذلك قد تبنت رؤية كثيرا مانادت بها أحزاب اليسار والمنظمات الغير حكومية الداعمة للأجانب، وكذلك الخبراء الاجتماعيين المتخصصين في دراسة ملف الإندماج.
وحتى لا تبقى هذه المقترحات حبرا على ورق، يلزم القانون المقترح الحكومة الفدرالية بوضع المبادئ التي يجب اتباعها لإنجاح هذا المسعى، وكذلك تقديم الدعم اللازم للخطط على مستوى الكانتونات والبلديات، وإلى الجهات غير الحكومية العاملة في المجال . كما يوصي البرلمان في مشروعه الحكومة بالقيام بتقييم دوري لعملية تنفيذ تلك الإجراءات. وفي حالة حصول إخلال في عملية التنفيذ، يسمح القانون للحكومة الفدرالية بفرض الأحكام التي ترى انها ضرورية ولازمة، بعد مناقشة الوضع مع الكانتونات المعنية.
غير أن هذا الاهتمام بالإندماح حسب كيفين غرانجيي، نائب رئيس فرع الشباب بحزب الشعب، هو في الحقيقة “ليس إلا خديعة، والغرض منه المصادمة مع حزب الشعب”. ويذكّر في حديث أدلى به إلى صحيفة “24 ساعة” الصادرة بلوزان يوم 5 اكتوبر 2010 بالظروف التي قررت فيها أحزاب يمين الوسط صياغة هذا المشروع البديل، ويشير إلى أن ذلك جاء مباشرة بعد إقرار حظر المآذن في نوفمبر من العام الماضي، ويضيف: “لقد شعرت تلك الأحزاب آنذاك بأن الأمور تجاوزتها، فقررت إضافة بند حول الاندماج لأغراض انتخابية بحتة، الهدف الأوّل والأخير منه كسب تاييد الاشتراكيين لمقترحها”.
المراهنة على الإثارة وبساطة الشعار
أمام هذيْن المقترحيْن وانقسام الساحة السياسية حول هذا الموضوع إلى ثلاثة أقطاب متصارعة (حزب الشعب، أحزاب يمين الوسط، الاشتراكيين والخضر)، تبدو الحملة التي انطلقت شرارتها هذا الأسبوع غامضة ومختلطة الأوراق. وهو أمر يصب في النهاية بحسب غرانجيي في صالح حزب الشعب: “كنا نتمنى هذا الأمر، والخطة التي نتبناها واضحة: إذا كنت مقتنعا بضرورة طرد المجرمين الأجانب، صوّت لصالح حزب الشعب. وأما إذا كنت تريد إدماج المجرمين الأجانب الخطرين واستضافتهم، يمكنك دائما التصويت للمقترح المخالف”.
وهكذا ينوي حزب الشعب (يمين متشدد) شن حملة مزدوجة تقوم من جهة على دحض وإبطال المشروع البديل، ومن ناحية أخرى قيادة حملة مؤثرة تطبع العقول والمشاعر ضد الذين تستهدفهم مبادرته مستعينا بتجربته الثرية في الحملات المعادية للأجانب في السنوات الأخيرة بدءً بقانون اللجوء والأجانب سنة 2006، وإسقاطهم لمبادرة تيسير منح الجنسية لأبناء الجيل الثاني سنة 2008، ومعارضتهم للإلتماس البرلماني الذي سمح لأبناء المقيمين غير الشرعيين بالحصول على التدريب المهني بعد مرحلة التعليم الإجباري سنة 2010.
ويؤاخذ أنصار حزب الشعب المشروع البديل لكونه “يمنع في حالة إقراره الطرد الآلي والمنظّم للمجرمين باعتباره يقرّ بعلو مرجعية القانون الدولي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على القانون السويسري”. كما أنه يوفّر بحسب أندري بونيون، النائب البرلماني بكانتون فو: “حيزا واسعا من حرية التأويل للسلطة القضائية، ويمنحها فرصة تغليب حقوق المتهمين على حساب الأمن وسلامة المواطنين”.
كذلك يحذّر طوني برونّر، رئيس حزب الشعب من ان المشروع البديل يترك الباب مفتوحا لعودة المجرمين الذين يتم طردهم في غضون سنة واحدة، وهو ما يحوّل بحسب قوله: “الطرد إلى مجرد عطلة مطوّلة في موطن الأجداد”.
وحول إضافة بند الإندماج لمبادرة مخصصة لطرد الأجانب المجرمين، يرى ماكسيميليان ريمان، عضو مجلس الشيوخ عن حزب الشعب، من آرغاو: “أنها مجرد محاولة لكسب أصوات أحزاب اليسار على حساب الكانتونات”. ويتساءل لوسي شتام، برلماني من نفس الكانتون، ومن نفس العائلة السياسية: “هل الخطأ خطأ سويسرا، أم خطأ الأجنبي الذي أساء إستغلال كرم الضيافة الذي منحناه وارتكب جرائم فظيعة؟”.
عودة الأغنام السوداء..والأسماء الأجنبية
هذا بالنسبة للمشروع البديل، أما بالنسبة لنص المبادرة الأصلية، فينوي حزب الشعب إعادة إستخدام صورة “الأغنام السوداء” الشهيرة، والتي غطت جميع شوارع المدن السويسرية خلال حملات انتخابية سابقة. ولحث الناخب على عدم التصويت إلى المشروع البديل لجأ حزب الشعب إلى مشهد آخر: فعلى وجه يحمل ملامح أجنبية، وضعت عُصابة كتب عليها باللون الأسود: “فاروق ب.. قاتل”، و”إزمير ك..محتال على الإعانات الإجتماعية”، و”موريس ك.. مغتصب للأطفال”.
بالإضافة إلى هذه الصور الصادمة والمثيرة، عرض الحزب مطوية سوف ترافق هذه الحملة، وتصف هذه الأخيرة بالتفصيل الخطوات التي يجب إتباعها تنفيذا للتوصيات الانتخابية للحزب، وتنبع أهمية هذه المطوية بحسب أصحاب المبادرة من كون الهدف الاساسي للمشروع البديل هو “خداع الناخب، وقطع الطريق على المبادرة”.
وترجح توقعات المكتب الفدرالي للهجرة، أن يزداد عدد الأجانب المطرودين من البلاد بسبب المخالفات المرتكبة من 400 فرد حاليا إلى حوالي 800 في حالة تصويت الشعب السويسري يوم 28 نوفمبر القادم لصالح مشروع البرلمان، وقد يصل العدد إلى 1480 فرد، في حالة أقرّت مبادرة حزب الشعب كما هي في الأصل. لكن وزيرة العدل حذّرت من أنه “في حالة إقرار مبادرة حزب الشعب، سوف يتعذّر تنفيذ عمليات الطرد في بعض الحالات المتعارضة مع “مبدأ عدم الإعادة القسرية””.
تنص “مبادرة الطرد”، التي أطلقها حزب الشعب السويسري، (يمين شعبوي) على طرد الأجانب المدانين الذين صدرت عليهم أحكام نهائية لارتكاب جريمة القتل العمد أو العنف الجنسي أو جريمة جنسية أخرى خطيرة أو لارتكاب جرائم عنيفة، مثل الاختطاف والاتجار في البشر وترويج المخدرات أو السرقة. يضاف إلى ذلك، الحصول على علاوات غير مستحَـقّـة من طرف التأمينات أو المساعدات الاجتماعية. وتمنح المبادرة إلى السلطة التشريعية إمكانية إضافة جرائم أخرى إلى القائمة السابقة.
وتُـحدد السلطات المعنية فترة المنع من دخول الأراضي السويسرية للأشخاص الذين يتم طردهم، وهي تتراوح ما بين 5 إلى 15 عاما. وفي صورة العود، تصل مدة الحظر إلى 20 عاما.
المشروع المضاد الذي تقترحه الحكومة والبرلمان ينص على طرد الأجانب المدانين الذين صدرت عليهم أحكام نهائية، لارتكابهم جرائم القتل والقتل العمد والاغتصاب وإلحاق أضرار بدنية خطيرة والاختطاف الموصوف وأخذ رهائن والاتجار في البشر والمخالفات الخطيرة لقانون المخدرات أو لارتكاب جرائم أخرى لا تقلّ عقوبتها السالبة للحرية عن عام واحد.
كما يُـطرد أيضا الأجانب الذين صدرت عليهم أحكام سالبة للحرية، لا تقل مدتها عن 18 شهرا، لارتكابهم جريمة التحايل أو مخالفات تتعلق بالتأمينات والمساعدات الاجتماعية أو بالقانون العام، مثل التحايل الاقتصادي.
ونفس المصير، ينتظر الأجانب المدانين بارتكاب مخالفات أخرى والمحكوم عليهم بأحكام سالبة للحرية لا تقل عن عامين أو بعقوبات مالية متعددة لا تقل في المجموع عن 720 يوم عقوبة موازي على مدى عشرة أعوام.
أخيرا، يوضِّـح نص المبادرة المضادة أن قرار الطرد يُـتّـخذ في إطار احترام الحقوق الأساسية والمبادئ الجوهرية للدستور الفدرالي والقانون الدولي.
“يجب على الأجانب الذين لا يحترمون قوانيننا ولا يريدون الاندماج أن يغادروا بلادنا.
على الأجانب الذين يتقاضون بشكل مخادع مساعدات المؤسسات الاجتماعية ان يغادروا بلادنا.
لا يُسمح بطرد الاشخاص الذين يحملون الجنسية السويسرية.
اعتماد ثلاثة تغييرات قانونية حول الطرد من أهمها تدوين مبدأ الطرد في الدستور لكي يستفيد من شرعية أقوى ويصبح ملزما لكافة الكانتونات، واعتماد الطرد مباشرة على الجنحة المرتكبة وليس على تقييم شرطة الأجانب فحسب.
الدستور سينص ببساطة على طرد الاجانب الذين انتهكوا القانون وارتكبوا أعمالا إجرامية تمثل خطرا على أمن سويسرا. كما يصدر في حقهم حكم بمنعهم من دخول التراب السويسري لفترة محددة قد تتجاوز 15 عاما.
يطالب حزب الشعب أيضا بطرد الشباب العنيفين والمجرمين من سويسرا مع والديهم الذين يفترض ان يتحملوا مسؤولية أطفالهم.
يؤكد الحزب اليميني أيضا أن المبادرة الشعبية حول الطرد لا تحصر دائرة الاشخاص المعنيين وتستهدف كافة الاجانب بغض النظر عن سنهم.
المبادرة الشعبية تشمل لائحة الجنح القضائية التي تؤدي الى الطرد من سويسرا والمنع من دخول أراضيها وهي: القتل المتعمد، الاغتصاب والجنح الجنسية الخطيرة وجرائم العنف مثل السطو المسلح، والمتاجرة بالبشر، المتاجرة بالمخدرات، وجرائم السرقة بالكسر.
الشخص الذي يستفيد بشكل مخادع من التأمينات الاجتماعية او المساعدات الاجتماعية يصبح مدانا بالاحتيال، ويجب سحب حق الاقامة منه”.
(المصدر: الموقع الرسمي لحزب الشعب السويسري)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.