مراسل سويسري ينقل صورا من قلب معارك الشرق الأوسط
يتواصل ما بين 4 إلى 31 أكتوبر 2008 بجبياسكو – بلِّـينزونا، جنوب سويسرا، معرض "صور من قلب المعركة" للمراسل السويسري جون لوكا غروسّي، يقدم فيه 40 صورة التقطها بنفسه تُـوثِّـق الحرب في منطقة الشرق الأوسط منذ 2001 إلى الآن، وتنقل مُـعاناة أولئك الذين رهنتهم الحروب والصِّـراعات الحديثة، وأطفأت من أعيُـنهم بهجة الحياة.
يعمل المراسل المستقل جون لوكا غروسّي بشكل خاص في التّـغطية الإعلامية التلفزيونية، وهو صوت وصورة الشرق الأوسط، خاصة عند الجمهور السويسري الناطق بالإيطالية، ويتألّـق اليوم بعمل نوعي من خلال معرضه “صور من قلب المعركة”.
واللافت للانتباه، أنك ترى الملامِـح الشرقية في هذا الرجل. فعيْـناه السَّـوداويتان وحِـدّة نظَـراته وشَـعره الأشعث القصير، كل ذلك يجعلك تعتقِـد بأنه شخصٌ شرق أوسطي، قد زان معصمه الأيمن وإصبع يده اليسرى بالفضّـة، ذات النقش البربري “الأمازيغي”، الذي يرمز إلى رجل متحرّر أو بلا قيود.
ثم إنك إذا أمعنت النظر إليه وألقيت له السّـمع، وجدت شخصيته على مستوى من التنوع الفُـسيفِـسائي الشرق أوسطي، تذكرك بالأغنية الشهيرة لجورج موستاكي “Le Métèque” أي “الغريب”، وتُقدِر في شخصيته اللانمطية، روح التعددية الثقافية وروح العالمية والتّوق إلى الحرية، أو إن شئت، قلت الروح الإنسانية.
وقبل وقت قصير من افتتاح معرض “صور من قلب المعركة” في صالة جوب Job بجوبياسكو في كانتون تيشينو، كان لسويس انفو معه هذا الحوار.
سويس انفو: يتضمّـن المعرض مجموعة من الأفلام والصوَّر الفوتوغرافية والصور المثبتة داخل أطُـر ورقية، فلماذا هذا الاختيار؟
جون لوكا غروسّـي: لا يمكنني كصحفي تلفزيوني أن أتجاهل الأفلام المصوّرة، لأنها جُـزء من عَـملي، ثم إني سعيت للجمع بين وسيلتين بصَـريتين، إحداها متحرّكة والأخرى ثابتة، بمعنى آخر، أنني أوقفت الشريط المتحرّك وطبعت منه صُـوَّرا فوتوغرافية ساكنة.
والغرض من ذلك، هو أن الصُّـور المتحرِّكة قد تُخفي حركتُها بعضَ التفاصيل المهمّة، كما أن آحاد الحقائق أو المعلومات قد تَخفى إن وردَت علينا في زمرة ألف، فكان تقديم هذه الصوَّر السَّاكنة، لتتيح للزائر النظرة المتفحِّـصة وتمنحه الفرصة لأَنْ يصطحِـب إلى بيته تصوّرا معيَّـنا.
سويس انفو: لقد نجحَـت فكرتكم، إذ أننا نشاهد خلال الفيلم شيخا مُـسِنا يحمل بين ذراعيه جُـثة طفلة لطختها الدّماء ولفّـتها خرقة بالية، هذا المشهد أوحى لنا كيف تُـنتَـهك حُـرمة الميِّـت وضاعت بين ثنايا العرض المتحرّك وثنايا مجموع آلامه…
جون لوكا غروسّـي: أعتقد أني وجدت حلاّ يفتح آفاقا متعدّدة لقراءة المادة المعروضة ويستجيب تماما لمقصَـدي، إذ أن الجزء المستقطع وقت الحركة، يولد العِبر والأحاديث. فها أنت تتكلّـم عن حُـرمة الميِّـت وقُـدسيّـة الحياة، وهي قيمة مُـطلقة تتجاوز الاعتبارات الدينية، وهي تُنتهك بانتظام في هذا الجزء من العالم.
لقد تجنبْـت كتابة تعليقاتي على هذه الصُّـور واكتفيت بالإشارة إلى المكان والزمان، وذلك لأن الحرب في نهاية المطاف، شأنها شأن غيرها من الحروب، وإنما قصدت من خلال هذا المعرض، أن أضع أمام أعيُـن الناس أي قِـيم تخلِّـفها الحروب وأين تهدر قيمة الحياة، حتى نستطيع الحديث عن الحياة بشكل أكثر وضوحا.
سويس انفو: إذن من خلال الألَـم، هناك قيمة إنسانية؟
جون لوكا غروسّـي: طبعا. لأننا بإظهارنا للمُـعاناة، إنما يعني أيضا إعطاء القيمة والاعتبار لمن لا نشاهدهم إلا عبر شاشات التلفزيون أو في الصُّـحف، ولمن تتجاهلهم خِـطابات وتعليقات السياسيين والمثقفين. ويبدو لي أنه من الصّـعب علينا تفهّـم مُـعاناة الآخرين وآلامهم. فمَـشاهد الجنائز تعبِّـر عن الألم الذي يعتصِـر قلوبهم، وليست مرآة تعكِـس صُـوّر المتهوِّرين أو المتعصبين.
كما أنه يوجد من حولنا الكثير من الموت، وتتبُّـع هذه الأحداث يمنَـح الخِـبرة الفعلية في مِـضمار صناعة الألم.
سويس انفو: هل هناك إدمان للألم؟
جانلوكا غروسّـي: إذا كُـنتَ تعيش في مثل مناطق الشرق الأوسط، فأنت مُـضطَـر لأن تتعلّـم كيف تعيش الأحداث، جاعلا بينك وبينها مسافة، وهذه العملية طبيعية من أجل البقاء على قيْـد الحياة، وهي لكل إنسان وليست للمُـراسل الصحفي فقط. إننا مُطَعّـمون ضد الألم، ولكن هذا لا يعني بأننا عَـدِيمي الإحْـساس. فالمِـهنة تتطلّـب أن يعتاد المراسل الصحفي على المُـعاناة، لأنها إن تتفاعل في نفسه، تسبِّـب له اضطرابات عميقة.
أنا أتحدث عن الألم من ناحية المهمّة المهنية، وأنا أعلم عِـلْـم اليقين بأن عليّ أن أنزل إلى الميدان بعناد، ولكنني حين أعـدّ التقرير التلفزيوني أو حين أسرِد حَدَثا، أنَحّي هذا العناد جانبا وأعود إلى شخصيتي الطبيعية.
ولست أؤمن بالموضوعية التامّـة، لأن المرء حين يقدّم المعلومات، لابد أن يخالِـجها جزء من شخصيته.
وإذا كنتُ من الناحية الغريزية أحافظ على نفسي، إلا أنه من الناحية الإنسانية، تبقى المعاناة الإنسانية تتعقبّـك ويبقى الشخص الذي رأيته أو قابلته في ذاكرتك، يعيش معك وكأنه جزء منك.
سويس انفو: هل هنالك أسلوب للاستفادة من الألَـم بطريقة بنّـاءة؟
جون لوكا غروسّـي: نعم، إنه إبراز المعاناة والتحدّث بها، فسَـرد الأخبار له قُـدرة إنقاذية، من حيث أنه يبعِـث على التفكير وعلى التألّـم لآلام الآخرين ومُـعاناتهم.
بالإضافة إلى أن الحكاية، هي اتصال وتواصل وتعميم، بحيث يتحوّل الحدث إلى مادّة تُـقدّم للجمهور، وأن يصبح تجربة مشتركة. إن ذلك يساعد كثيرا. لقد حصل معي أن اعتصرت ألَـما لعدم تمكُّـني من حِـكاية الحدث الذي رأيته، حيث كنت أعددت عنه تقريرا ولكنه – ولأسباب مختلفة – لم يُـقبل.
العلاقات التي تُبنى مع الناس في أوقات الرّهبة لها وقع عجيب، وأُذهل حين أشاهد في كل مرّة كيف يوافقون أن تُلتقَط صُـوَرهم وأن تُـتاح لهم فرصة التحدّث عن أولادهم أو زوجاتهم، الذين قتلوا للتَّـو، فأتساءل كثيرا: كيف سيكون حالنا لو حصل لنا – نحن الذين نتكتّـم ونتحفظ على مشاعرنا – مثل ما حصل لهم؟ أعتقد أننا جميعا سنفعل كما يفعلون.
سويس انفو: كيف يمكنكم الحصول على ثِـقة طرفين متناقضين: الضحية والجلاّد؟
جانلوكا غروسّـي: العلاقات الشخصية في الشرق الأوسط مُـيسرة ومُـباشرة، وإن كان كلٌّ يحاول أن يجُـر الحبل إلى طرفه.
ولا يخفى أن نسج شبكة من الاتصالات، يحتاج إلى وقت وإلى صبر، ثم يمكن بعد ذلك استثمار هذه العلاقة، ولكن بعناية. وبإمكان الجميع إعادة صياغة ما تقوم به، وفقا للطريقة التي تريدها، ما دام هناك حديث يُتناقل وما دامت هناك إمكانية وصول إلى المعلومة.
سويس انفو – فرانسواز غيهرينغ – جيوبياسكو (جنوب سويسرا)
يقام معرض “صور من المعارك” للصحفي لوكا غروسّي المولود في بيلانزونا في صالة جوب JOB للعرض بمدينة جوبياسكو Giubiasco، ويستمر فتح أبوابه لاستقبال الجمهور حتى 31 أكتوبر 2008، ويحتوي المعرض على 40 صورة فوتوغرافية ونخبة من الأفلام النوعية التي توثق صور الحروب في الفترة من عام 2001 وحتى يومنا هذا.
صاحب المعرض إنسان يعيش في مواجهة الموت، الموت ماثل بين عينيه ويتهدده في كل لحظة، فربما يموت هو أو يموت أحد أقاربه أو يموت جاره أو يموت من هو غريب عنه فلا يلبث أن يصبح أخا له أو قريبه. وهو يعتبر أن الصور صرخة تضامن وربما شفت بعضا من غليل أولئك الذين فقدوا كل شيء.
يضم المعرض قسمين اثنين يحتويان على الصور الفوتوغرافية والأفلام المصورة التي من شأنها أن تبعث على التفكير بالحروب وما تخلفه من ضحايا ومآس. كما تم إعداد مجموعة محفظات تضم الواحدة منها 24 صورة بمقياس 18 x 24 سنتمترا قام جان لوكا بالتعليق عليها، وهي شهادة حق ثمينة تباع بسعر 80 فرنكا.
ولد في مدينة بلينتزونا بتاريخ 1 مارس 1967.
وبعد حصوله على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة زيورخ، بدأ عمله كصحفي يتبع للتلفزيون السويسري الناطق باللغة الايطالية.
أعد من الخارج أول روبورتاجاته لمصلحة النشرة الإخبارية المتلفزة، ثم أصبح عام 2002 صحفيا مستقلا وانتقل إلى الشرق الأوسط ، ويعيش حاليا في بيروت.
يدير وكالة “ويست برودكشنز” أي “المنتجات الغربية”، وهي وكالة للإنتاج الصحفي والتلفزي أنشأها بنفسه.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.